الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْكُفَّارِ إنْ خِيفَ عَلَيْنَا فَقَطْ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: وَحَالَ الْحَرْبِ وَإِلَّا حَرُمَ، وَإِذَا لَمْ يَحْرُمْ جَازَ، وَإِنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ كُفْرٌ، وَفِي الدِّيَةِ الرِّوَايَتَانِ. وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ: يَجِبُ الرَّمْيُ وَيَكْفُرُ وَلَا دِيَةَ، قَالَ أَحْمَدُ: وَإِنْ قَالُوا ارْحَلُوا عَنَّا وَإِلَّا قَتَلْنَا أَسْرَاكُمْ فَلْيَرْحَلُوا عَنْهُمْ.
فَصْلٌ: وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا حَرُمَ عَلَى الْأَصَحِّ قَتْلُهُ
إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامُ بِضَرْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ، 1وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ1 فِي الْمَرِيضِ، وفيه وجهان "م 4" ونقل أَبُو طَالِبٍ: لَا يُخَلِّيه وَلَا يَقْتُلُهُ، وَيَحْرُمُ قَتْلُ أَسِيرِ غَيْرِهِ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ. وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ لِرَجُلٍ قَتَلَهُ لِلْمَصْلَحَةِ، كَقَتْلِ بِلَالٍ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ أَسِيرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن عوف أعانه عليه الأنصار2،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 4" قَوْلُهُ: "وَمَنْ أَسَرَ أَسِيرًا حُرُمَ عَلَى الْأَصَحِّ3 قَتْلُهُ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الإمام بضربه أو غيره، و1عنه الوقف1 في المريض، وفيه وجهان" انتهى.
اعْلَمْ أَنَّ الْأَسِيرَ إذَا عَجَزَ عَنْ الذَّهَابِ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يَقْتُلُهُ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي4، وَالشَّارِحُ وَابْنُ رَزِينٍ وَغَيْرُهُمْ، وَصَحَّحَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَطَعَ بِهِ فِي الْمُقْنِعِ5 وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمَا، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالنَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ، وعنه التوقف فيه،
1 1 في "ط""وعنها لتوقف".
2 أخرجه البخاري في صحيحه "2301" من حديث عبد الرحمنبن عوف رضي الله عنه.
3 ليست في "ط".
4 "13/51".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/77".
وَقَالَ: مَنْ قَتَلَ أَسِيرًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَتَلَ امْرَأَةً أَوْ صَبِيًّا عَاقَبَهُ الْأَمِيرُ وَغَرِمَ ثَمَنَهُ غَنِيمَةً. وَقَالَ أَبُو دَاوُد1:"بَابُ الْأَسِيرِ يُنَالُ مِنْهُ وَيُضْرَبُ" ثُمَّ رَوَى حَدِيثَ أَنَسٍ: لَمَّا انْطَلَقَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَصْحَابِهِ إلَى بَدْرٍ، فَإِذَا هُوَ بِرَوَايَا2 قُرَيْشٍ فِيهَا عَبْدٌ أَسْوَدُ لِبَنِي الْحَجَّاجِ، فَأَخَذَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلُوا يَسْأَلُونَهُ: أَيْنَ أَبُو سُفْيَانَ؟ فَيَقُولُ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِشَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ عِلْمٌ، وَلَكِنَّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ جَاءَتْ، فَإِذَا قَالَ لَهُمْ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهُوَ صَحِيحٌ. قَالَ الْخَطَّابِيُّ: فِيهِ جَوَازُ ضَرْبِ الْأَسِيرِ الْكَافِرِ إذَا كان في ضربه طائل.
ويختار الإمام الأصلح3 لَنَا لُزُومًا كَوَلِيِّ الْيَتِيمِ. وَفِي الرَّوْضَةِ: نَدْبًا فِي أَسْرَى مُقَاتِلَةِ أَحْرَارٍ مِنْ قَبْلٍ وَاسْتِرْقَاقٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ رَدِّ سِلَاحٍ، وَبِخِلَافِ مَالٍ بِلَا رِضًى غَانِمٍ، لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ بِحَالٍ، فَمَا فَعَلَهُ تَعَيَّنَ، وَإِنْ تَرَدَّدَ نَظَرُهُ فَالْقَتْلُ أَوْلَى، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا لِلْإِمَامِ عمل
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَاقْتَصَرَ عَلَيْهَا فِي الْفُصُولِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ.
"تَنْبِيهَانِ":
"الْأَوَّلُ" الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا نَقْصًا بَعْدَ قَوْلِهِ "بِضَرْبِهِ أَوْ غَيْرِهِ" وَتَقْدِيرُهُ، "وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ لِامْتِنَاعِ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ قَتَلَهُ"، وَبِهَذَا صَرَّحَ الْأَصْحَابُ وَهُوَ وَاضِحٌ.
"الثَّانِي" قَوْلُهُ "وَعَنْهُ الْوَقْفُ فِي الْمَرِيضِ وَفِيهِ وَجْهَانِ" ظَاهِرُهُ أَنَّ فِي الْمَرِيضِ وَجْهَيْنِ: الْقَتْلُ، وَتَرْكُهُ، وَالْأَصْحَابُ قَدْ صَرَّحُوا أن فيه روايتين، وصححوا القتل،
1 في سننه "2681".
2 جمع رواية وهو البعير أو البغل أو الحمار الذي يستقى عليه مختار الصحاح "روي".
3 في "ط""الأصح".
الْمَصْلَحَةِ فِي مَالٍ وَغَيْرِهِ كَعَمَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَهْلِ مَكَّةَ1، وَاخْتَارَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَا يُسْتَرَقُّ مَنْ عَلَيْهِ وَلَاءُ مُسْلِمٍ، بِخِلَافِ وَلَدِهِ الْحَرْبِيِّ، لِبَقَاءِ نَسَبِهِ، وَقِيلَ: أَوْ وَلَاءٍ لِذِمِّيٍّ.
وَلَا يُبْطِلُ اسْتِرْقَاقٌ حَقًّا لِمُسْلِمٍ، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، قَالَ فِي الِانْتِصَارِ لَا عَمَلَ لِسَبْيٍ إلَّا فِي مَالٍ، فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ قَوَدٍ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ، وَفِي سقوط دين من2 ذِمَّتِهِ لِضَعْفِهَا بِرِقِّهِ كَذِمَّةِ مَرِيضٍ احْتِمَالَانِ. وَفِي الْبُلْغَةِ: يُتْبَعُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ إلَّا أَنْ يَغْنَمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ فَيَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ، فَيَكُونُ رِقُّهُ كَمَوْتِهِ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ حُلُولُهُ بِرِقِّهِ، وَإِنْ غَنِمَا مَعًا فَهُمَا لِغَانِمٍ وَدَيْنُهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَقِيلَ. إنْ زَنَى مُسْلِمٌ بِحَرْبِيَّةٍ وَأَحْبَلَهَا ثُمَّ سُبِيَتْ لَمْ تُسْتَرَقَّ، كَحَمْلِهَا مِنْهُ، وَفِي اسْتِرْقَاقِ مَنْ لَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ3 رِوَايَتَانِ "م 5" وفيهم
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
فَيَحْتَمِلُ أَنَّ قَوْلَهُ "وَفِيهِ وَجْهَانِ" عَائِدٌ إلَى الْوَقْفِ، يَعْنِي فِي تَوَقُّفِ أَحْمَدَ وَجْهَانِ لِلْأَصْحَابِ، وَهَذَا صَحِيحٌ، لَكِنَّ كَوْنَ هَذَا مُرَادُهُ هُنَا فِيهِ بُعْدٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُنَا نَقْصٌ أَيْضًا وَتَقْدِيرُهُ "وَقِيلَ فِيهِ وَجْهَانِ" فَالنَّقْصُ قِيلَ، وَيُقَوِّي هَذَا قَوْلُهُ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى، "وَعَنْهُ: الْوَقْفُ فِيهِ" وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: "تَرْكُهُ وَقَتْلُهُ"، انتهى، فيكون فيه طريقان 4وهذا أولى4 فيما يظهر، والله أعلم.
مَسْأَلَةٌ 5" قَوْلُهُ: وَفِي اسْتِرْقَاقِ مَنْ "لَا تُقْبَلُ منه جزية روايتان" انتهى.
1 أخرجه البيهقي في سننه "9/118" عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دخل مكة سرح الزبير بن العوام وفيه: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى الكعبة فأخذ بعضادتي الباب فقال: "ما تقولون وما تظنون" قالوا: نقول: ابن أخ وابن عم حليم رحيم قال: وقالوا ذلك ثلاثا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "أقول كما قال يوسف {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} "[يوسف92] قال فخرجوا كأنما نشروا من القبور فدخلوا في الإسلام.
2 بعدها في "ط""في".
3 في الأصل "حرية.
4 4 ليست في "ط".
قَالَ الْخِرَقِيُّ: لَا يُقْبَلُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ، قَالَ فِي الْوَاضِحِ: يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مُفَادَاةٍ وَمَنٍّ كَمُرْتَدٍّ، وَزَادَ فِي الْإِيضَاحِ: أَوْ الفداء
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُغْنِي1 وَالْمُقْنِعِ2 وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالشَّرْحِ2 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ.
"إحْدَاهُمَا": يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَإِلَيْهِ مَيْلُ الشَّيْخِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ اخْتَارَهُ الْخِرَقِيُّ وَالشَّرِيفُ أَبُو جَعْفَرٍ وَابْنُ عَقِيلٍ فِي التَّذْكِرَةِ وَالشِّيرَازِيِّ فِي الْإِيضَاحِ، وَقَدَّمَهُ الشَّيْخُ فِي الْمُغْنِي3، وَابْنُ رَزِينٍ فِي شَرْحِهِ، قَالَ فِي الْبُلْغَةِ: هَذَا أَصَحُّ. وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ.
"تَنْبِيهَانِ"4
"الْأَوَّلُ" قَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ "وَفِيهِمْ قَالَ الْخِرَقِيُّ. لَا يُقْبَلُ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَزَادَ فِي الْإِيضَاحِ: أو الفداء"، انتهى.
1 "13/47".
2 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/80".
3 "13/47".
4 في "ص""تنبيه".
وَفِي الْمُوجَزِ رِوَايَةٌ كَالْخِرَقِيِّ وَصَحَّحَهُ وَرِوَايَةٌ: يُخَيَّرُ. وَفِي الِانْتِصَارِ رِوَايَةٌ: يُجْبَرُ الْمَجُوسِيُّ عَلَى الْإِسْلَامِ.
وإن شهد الفداء فقد1 شَهِدَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَنَقَلَ أَبُو دَاوُد: يَشْهَدُهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْحَجِّ، فَإِنْ أَسْلَمُوا امْتَنَعَ الْقَتْلُ فَقَطْ، وَجَازَ الْفِدَاءُ لِيَتَخَلَّصَ بِهِ مِنْ الرِّقِّ، وَلَا يَجُوزُ رَدُّهُ إلَى الْكُفَّارِ، أَطْلَقَهُ بَعْضُهُمْ. وَذَكَرَ الشَّيْخُ إلَّا أَنْ تَمْنَعَهُ عَشِيرَةٌ وَنَحْوُهَا، وَنَصُّهُ: تَعْيِينُ رِقِّهِمْ وَإِنْ بَذَلُوا الْجِزْيَةَ قبلت. ولم تسترق زوجة وولد بالغ.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
الَّذِي فِي الْخِرَقِيِّ كَاَلَّذِي2 فِي الْإِيضَاحِ مِنْ ذِكْرِ الْفِدَاءِ، 3فَلَعَلَّ نُسْخَةَ الْمُصَنِّفِ مَا فِيهَا ذِكْرُ الْفِدَاءِ3، أَوْ أَرَادَ غَيْرَ الْخِرَقِيِّ فَسَبَقَ الْقَلَمَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
4"الثَّانِي" قَوْلُهُ. "فَإِنْ أَسْلَمُوا امْتَنَعَ الْقَتْلُ وَجَازَ الْفِدَاءُ، وَنَصُّهُ تَعْيِينُ رِقِّهِمْ"، انتهى.
مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ صَحَّحَهُ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ وَصَاحِبُ الْبُلْغَةِ، وَالْمَنْصُوصُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيّ، وَقَطَعَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُقْنِعِ5 وَالْمُنَوِّرِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ والشرح5 والرعايتين والحاويين وغيرهم
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ص""قال".
3 3 ليست في "ح".
4 4 ليست في "ص".
5 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/91".
وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَسْرِهِ لِخَوْفٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَا تَخْيِيرَ; لِأَنَّهُ لَا يَدَ عَلَيْهِ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ كَمُسْلِمٍ أَصْلِيٍّ فِي قَوَدٍ وَدِيَةٍ، لَكِنْ لَا قَوَدَ مَعَ شُبْهَةِ التَّأْوِيلِ، وَفِي الدية الخلاف "وش" وَغَيْرُهُ، كَبَاغٍ، أَوْ أَنَّهَا مَسْأَلَةُ مَنْ قَتَلَ بِدَارِ حَرْبِ مَنْ ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَبَانَ مُسْلِمًا، وَهَذَا أَوْلَى، لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، بِخِلَافِ قَتْلِ الْبَاغِي، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ الكفارة "وش".
وَقَدْ بَعَثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُقِيمٌ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ قَبْلَ خُرُوجِهِ خَالِدًا لَمَّا رَجَعَ مِنْ هَدْمِ الْعُزَّى وَقَتَلَ الْمَرْأَةَ السَّوْدَاءَ الْعُرْيَانَةَ النَّاشِرَةَ الرَّأْسِ وَهِيَ الْعُزَّى، وَكَانَتْ بِنَخْلَةٍ لِقُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ، وَكَانَتْ أَعْظَمَ أَصْنَامِهِمْ1. وَبَعَثَهُ إلَى بَنِي جَذِيمَةَ فَأَسْلَمُوا وَلَمْ يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا، فَقَالُوا: صَبَأْنَا2، صَبَأْنَا2، فَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُمْ. وَقَالَ: لَيْسَ هَذَا بِإِسْلَامٍ فَقَتَلَهُمْ، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ مَنْ مَعَهُ، كَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَابْنِ عُمَرَ3، فَلَمَّا بَلَغَهُ عليه السلام رَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ:"اللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْك مِمَّا صَنَعَ خَالِدٌ" مَرَّتَيْنِ4. وَبَعَثَ عَلِيًّا بِمَالٍ فَوَدَاهُمْ بِنِصْفِ الدِّيَةِ، وَضَمِنَ لَهُمْ مَا تَلِفَ5.
1 ذكر بعث خالد إلى الغزى ابن سعد في طبقاته "2/145 – 146" وأخرجه البيهقي في دلائل النبوة "5/77".
2 في الأصل "صبئنا".
3 ذكر ابن هشام في سيرته "2/429 – 430" أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هل أنكر عليه أحد"؟ فقال: نعم قد أنكر عليه رجل أبيض ربعة أي زجره خالد فسكت عنه وأنكر عليه رجل آخر طويل مضطرب فراجعه فاشتدت مراجعتهما فقال عمر ابن الخطاب أما الأول يا رسول الله فابني عبد الله وأما الآخر فسالم مولى أبي حذيفة.
4 أخرجه من غير الإنكار وبعث علي رضي الله عنه البخاري في صحيحه "4339" من حديث سالم عن أبيه رضي الله عنه.
5 ذكره ابن سعد في طبقاته "2/148" وأخرجه الطبري في تاريخه "3/67" والبيهقي في دلائل النبوة "5/114 – 115".
وَكَانَ بَيْنَ خَالِدٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي ذَلِكَ كَلَامٌ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ "مَهْلًا يَا خَالِدُ، دَعْ عَنْكَ أَصْحَابِي، لَوْ كَانَ لَك أُحُدٌ ذَهَبًا ثُمَّ أَنْفَقْته فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا أَدْرَكْت غَدْوَةَ رَجُلٍ من أصحابي ولا روحته"1.
وَاحْتَجَّ فِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا عَلَى تَوْرِيثِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغَرْقَى مِنْ الْآخَرِ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ بَعَثَ سَرِيَّةً إلَى قَوْمٍ مِنْ خَثْعَمَ، فَلَمَّا دَهَمَتْهُمْ الْخَيْلُ اعْتَصَمُوا بِالسُّجُودِ، فَقَتَلُوهُمْ فَوَدَاهُمْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنْصَافِ دِيَاتِهِمْ2 لِوُقُوعِ الْإِشْكَالِ فِيهِمْ هَلْ أَسْلَمُوا فَيَلْزَمُهُ إكْمَالُ دِيَاتِهِمْ أَمْ لَا فَلَا3 يَجِبُ شَيْءٌ؟ فَجَعَلَ فِيهِمْ نِصْفَ دِيَاتِهِمْ.
وَكَذَا أَوْجَبَ الشَّرْعُ الْغُرَّةَ فِي الْجَنِينِ السَّاقِطِ مَيِّتًا، وَالصَّاعِ فِي مُقَابَلَةِ4 لَبَنِ الْمُصَرَّاةِ، وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالٌ إنَّمَا أَمَرَ لَهُمْ بِنِصْفِ الْعَقْلِ لِأَنَّهُمْ أَعَانُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِمُقَامِهِمْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَكَانُوا كَمَنْ مَاتَ بِجِنَايَةِ نَفْسِهِ وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ، وَاخْتَارَهُ الْخَطَّابِيُّ.
وَفِي رَدِّ شَيْخِنَا عَلَى الرَّافِضِيِّ: الْأُمَّةُ يَقَعُ مِنْهَا التَّأْوِيلُ فِي الدَّمِ وَالْمَالِ وَالْعِرْضِ، ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَةَ لِلرَّجُلِ الَّذِي أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ عَلَاهُ بِالسَّيْفِ5،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه الطبري في تاريخه "3/68".
2 أخرجه أبو داود في سننه "2645" من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
3 ليست في الأصل.
4 ليست في "ر".
5 أخرجه البخاري "4269" ومسلم "96""159" عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: بعثنا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الحرقة فصبحنا القوم فهزمناهم وفيه: فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله فكف الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته فلما بلغ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "يَا أسامة أقتلته بعد ما قال: لا إله إلا الله؟ " قلت كان متعوذا فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم.
وَخَبَرُ الْمِقْدَادِ1، قَالَ: فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ يَحْرُمُ قَتْلُهُمْ، وَمَعَ هَذَا فَلَمْ يَضْمَنْ الْمَقْتُولُ، بِقَوَدٍ وَلَا دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ لِأَنَّ الْقَاتِلَ كَانَ مُتَأَوِّلًا، هَذَا قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمَا.
وَكَمَا لَا يَلْزَمُ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مُتَأَوِّلٌ. وَقَالَ أُسَيْدَ بْنُ حُضَيْرٍ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي قِصَّةِ الْإِفْكِ: إنَّك مُنَافِقٌ2. وَقَالَ عُمَرُ عَنْ حَاطِبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبُ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ3، وَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الدِّخْشَنِ: إنَّهُ مُنَافِقٌ، وَذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ4، فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُكَفِّرْ أَحَدًا. وَفِي الْبُخَارِيِّ5 أَنَّ بَعْضَهُمْ لَعَنَ رَجُلًا يُدْعَى حِمَارًا لِكَثْرَةِ شُرْبِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " لَا تَلْعَنْهُ فَإِنَّهُ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ" وَلَمْ يُعَاقِبْهُ لِلَعْنِهِ لَهُ، فَالْمُتَأَوِّلُ الْمُخْطِئُ مغفور له بالكتاب6 والسنة7.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 أخرجه البخاري "4019" ومسلم "95""155" أن المقداد بن عمرو الكندي سأل رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا فضرب إجدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله. أأقبله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "لَا تقتله" فقال: يا رسول الله إنه قطع إحدى يدي ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "لَا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن يقول كلمته التي قال".
2 أخرجه البخاري "2661" من حديث عائشة رضي الله عنها.
3 تقدم تخريجه ص "116".
4 البخاري "425" ومسلم "33""54" من حديث عتبان بن مالك رضي الله عنه.
5 في صحيحه "6780" من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
6 هو قول الله تعالى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب5]
7 أخرجه البخاري "7352" ومسلم "1716""15" عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر".
وأخرج ابن ماجه في سننه "2045" عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".
وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ: كَانُوا أَسْلَمُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا فَثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ الْعِصْمَةُ الْمُؤْثِمَةُ دُونَ الْمُضَمِّنَةِ، كَذُرِّيَّةِ حَرْبٍ، وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُنَا بَعْدَ ذَلِكَ قِصَّةَ خَالِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى مَا فِيهَا مِنْ التَّضْمِينِ الْمُخَالِفِ عِنْدَهُ لِقِصَّةِ أُسَامَةَ، بَلْ قَالَ: إنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ كَمَا وَقَعَ مِنْ أُسَامَةَ، فَدَلَّ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ، فَأَمَّا أَنْ يُقَالَ: ظَاهِرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ لَا تَضْمِينَ، وَقِصَّةُ خَالِدٍ تَرْغِيبًا فِي الْإِسْلَامِ، أَنَّ التَّضْمِينَ لَيْسَ فِي الْمُسْنَدِ، وَلَا الْكُتُبِ السِّتَّةِ أَوْ يُقَالُ: قِصَّةُ خَالِدٍ فِيهَا التَّضْمِينُ وَفِي قِصَّةِ أُسَامَةَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، وَمِثْلُ أُسَامَةَ يَعْلَمُهُ كَمَا يَعْلَمُ الْكَفَّارَةَ، وَلَمْ يُطَالِبْ إمَّا لِعُسْرَتِهِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ بَيْتُ الْمَالِ
وَلِلْإِمَامِ الْعَفْوُ مَجَّانًا، وَظَاهِرُ كَلَامِ شَيْخِنَا هَذَا أَنَّ مَنْ قَتَلَ بَاغِيًا فِي غَيْرِ حَرْبٍ مُتَأَوِّلًا لَا شَيْءَ فِيهِ، وَأَنَّ قَتْلَ الْبَاغِي لِلْعَادِلِ كَذَلِكَ لِلتَّأْوِيلِ، وَذُكِرَ فِي مَكَان آخَرَ قَتَلَ خَالِدٌ مَالِكَ بْنَ النُّوَيْرَةِ فَلَمْ يَقْتُلْهُ أَبُو بَكْرٍ1، كَمَا أَنَّ أُسَامَةَ لَمَّا قَتَلَ لَمْ يُوجِبْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَوَدًا وَلَا دِيَةً وَلَا كَفَّارَةً، وَكَمَا أَنَّهُ لَمَّا قَتَلَ بَنِي جَذِيمَةَ لَمْ يَقْتُلْهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلتَّأْوِيلِ، وَكَذَا إنْ ادَّعَاهُ2 أَسِيرٌ بِبَيِّنَةٍ.
وَالْأَسِيرُ الْقِنُّ غَنِيمَةٌ وَلَهُ قَتْلُهُ، وَمَنْ فِيهِ نَفْعٌ لَا يُقْتَلُ كَامْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَأَعْمَى رَقِيقٍ بِالسَّبْيِ، نَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: وَلَا كَفَّارَةَ وَلَا دِيَةَ فِي قَتْلِهِ. وَفِي الْوَاضِحِ: مَنْ لَا يَقْتُلُ غَيْرَ 3الْمَرْأَةِ3 وَالصَّبِيِّ يُخَيَّرُ فِيهِ بِغَيْرِ قَتْلٍ، وَفِي الْبُلْغَةِ: الْمَرْأَةُ وَالصَّبِيُّ رَقِيقٌ بِالسَّبْيِ، وَغَيْرُهُمَا يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَرِقُّهُ.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 انظر أسد الغابة "2/111" والبداية والنهاية "9/462".
2 في الأصل "دعاه".
3 3 ليست في "ر".
قَالَ: وَلَهُ فِي الْمَعْرَكَةِ قَتْلُ أَبِيهِ وَابْنِهِ، وَمَنْ قَتَلَ أَسِيرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْإِمَامِ فِيهِ، فَهَدَرٌ، وَمَتَى صَارَ لَنَا رَقِيقًا مَحْكُومًا بِكُفْرِهِ حَرُمَ مُفَادَاتُهُ بِمَالٍ وَبَيْعُهُ1 لِكَافِرٍ، وَعَنْهُ: يَجُوزُ، وَعَنْهُ: فِي الْبُلَّغِ2، وَعَنْهُ: غَيْرَ امْرَأَةٍ.
وَيَجُوزُ مُفَادَاتُهُ بِمُسْلِمٍ، وَعَنْهُ الْمَنْعُ بِصَغِيرٍ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ وَيَعْقُوبُ: لَا يُرَدُّ صَغِيرٌ وَنِسَاءٌ إلَى كُفَّارٍ. وَفِي الْبُلْغَةِ فِي مُفَادَاتِهِمَا بِمُسْلِمٍ رِوَايَتَانِ، وَلَا يُرَدُّ مُسْلِمٌ وَمُسْلِمَةٌ.
وَيُكْرَهُ نَقْلُ رَأْسٍ، وَرَمْيُهُ بِمَنْجَنِيقٍ بِلَا مَصْلَحَةٍ، وَنَقَلَ ابْنُ هَانِئٍ فِي رَمْيِهِ: لَا يَفْعَلُ وَلَا يُحَرِّقُهُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبُوهُ، وَعَنْهُ إنْ مَثَّلُوا مُثِّلَ بِهِمْ، ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ.
قَالَ شَيْخُنَا: الْمُثْلَةُ حَقٌّ لَهُمْ، فَلَهُمْ فِعْلُهَا لِلِاسْتِيفَاءِ وَأَخْذِ الثَّأْرِ، وَلَهُمْ تَرْكُهَا وَالصَّبْرُ أَفْضَلُ، وهذا حيث لا يكون في التمثيل3 "زِيَادَةٌ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَكُونُ نَكَالًا لَهُمْ عَنْ نَظِيرِهَا، فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي التَّمْثِيلِ" الشَّائِعِ4 دُعَاءٌ لَهُمْ إلَى الْإِيمَانِ، أَوْ زَجْرٌ لَهُمْ عَنْ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّهُ هُنَا مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْجِهَادِ الْمَشْرُوعِ، وَلَمْ تَكُنْ الْقِصَّةُ فِي أُحُدٍ كَذَلِكَ.
فَلِهَذَا كَانَ الصَّبْرُ أَفْضَلَ، فَأَمَّا5 إذَا كَانَ الْمُغَلَّبُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى فَالصَّبْرُ
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في "ط""وبيع".
2 في الأصل و"ر""البلغ".
3 بعدها في "ط""بهم".
4 في "ط""الشائع".
5 في "ط""فأنه".
هُنَاكَ وَاجِبٌ، كَمَا يَجِبُ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ الِانْتِصَارُ، وَيَحْرُمُ الْجَزَعُ، هَذَا كَلَامُهُ وَكَذَا قَالَ الْخَطَّابِيُّ: إنْ مَثَّلَ الْكَافِرُ بِالْمَقْتُولِ جَازَ أَنْ يُمَثَّلَ بِهِ. وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْإِجْمَاعِ قَبْلَ السَّبْقِ وَالرَّمْيِ: اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ خِصَاءَ النَّاسِ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَالْعَبِيدِ وَغَيْرِهِمْ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ وَالتَّمْثِيلَ بِهِمْ حَرَامٌ.
وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ مَالًا لِيَدْفَعَهُ إلَيْهِمْ، ذَكَرَهُ فِي الِانْتِصَارِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ1 وَقَالَ غَرِيبٌ وَفِي نُسْخَةٍ حَسَنٌ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ غَيْلَانَ عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ عن2 سُفْيَانَ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ الْحَكَمِ عَنْ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرُوا جَسَدَ3 رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَبِيعَهُمْ.
قَالَ التِّرْمِذِيُّ لَا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ حَدِيثِ الْحَكَمِ، رَوَاهُ الْحَجَّاجُ أَيْضًا عَنْ الْحَكَمِ، قَالَ غَيْرُهُ: ابْنُ أَبِي لَيْلَى ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ. وَقَالَ الْعِجْلِيُّ: جَائِزٌ الْحَدِيثُ. وَضَعَّفَ عَبْدُ الْحَقِّ وَابْنُ الْقَطَّانِ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَقَالَا: مُنْقَطِعٌ، لِأَنَّ الْحَكَمَ سَمِعَ مِنْ مِقْسَمٍ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ لَيْسَ هَذَا مِنْهَا، وَرَوَاهُ أَحْمَدُ4 وَعِنْدَهُ:"ادْفَعُوا إلَيْهِمْ جِيفَتَهُ فَإِنَّهُ خَبِيثُ الْجِيفَةِ خَبِيثُ الدِّيَةِ" فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُمْ شيئا، وله5 في رواية فخلى بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ.
وَإِذَا حَصَرَ حِصْنًا لَزِمَهُ عَمَلُ المصلحة من مصابرته والموادعة بمال
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 في سننه "1715".
2 بعدها في "ط""أبي".
3 في "ر""جثة".
4 في المسند "2230".
5 في المسند "2442".
.
وَالْهُدْنَةِ بِشَرْطِهَا1. نَقَلَهُ2 الْمَرُّوذِيُّ وَإِنْ3 نَزَلُوا عَلَى حُكْمِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ حُرٍّ عَدْلٍ مُجْتَهِدٍ فِي الْجِهَادِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ جَازَ.
وَفِي الْبُلْغَةِ: بِشَرْطِ صِفَاتِ الْقَاضِي إلَّا الْبَصَرَ، وَيَلْزَمُهُ الْحُكْمُ بِالْأَحَظِّ لَنَا، وَحُكْمُهُ لَازِمٌ، وَقِيلَ: بِغَيْرِ مَنٍّ، وقيل: في نساء وذرية،
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 بعدها في الأصل "وإن قالوا: ارحلوا عنا وإلا قتلنا من عندنا من الأسرى فليرحلوا عنهم".
2 في "ط""نقلهم".
3 ليست في "ط".
وَلِلْإِمَامِ أَخْذُ فِدَاءٍ مِمَّنْ حُكِمَ بِرِقِّهِ أَوْ قَتْلِهِ، وَلَهُ الْمَنُّ مُطْلَقًا. وَفِي الْكَافِي1 وَالْبُلْغَةِ: يَمُنُّ عَلَى مَحْكُومٍ بِرِقِّهِ بِرِضَى غَانِمٍ. وَمَنْ أَسْلَمَ قَبْلَ حُكْمِهِ فَمُسْلِمٌ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَيَعْصِمُ نَفْسَهُ، وَوَلَدَهُ الصَّغِيرَ وَمَالَهُ حَيْثُ كَانَا، وَمَنْفَعَةٌ بِإِجَارَةٍ لِأَنَّهَا مَالٌ، وَحَمْلُ امْرَأَتِهِ لَا هِيَ، وَلَا يَنْفَسِخُ نِكَاحُهُ بِرِقِّهَا. وَفِي الْبُلْغَةِ يَنْقَطِعُ نِكَاحُ الْمُسْلِمِ وَيُحْتَمَلُ: لَا، بِخِلَافِ الِابْتِدَاءِ، وَيَتَوَقَّفُ عَلَى إسْلَامِهَا فِي الْعِدَّةِ، وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَزِمَهُ حُكْمُهُ، فَإِنْ كَانَ بِقَتْلٍ وَسَبْيٍ عَصَمَ نَفْسَهُ لَا مَالَهُ، وَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ2 ذكرهما في الكافي1 وغيره "م 6".
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
مَسْأَلَةٌ 6" قَوْلُهُ "وَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ لَزِمَ حُكْمُهُ، فَإِنْ كَانَ بِقَتْلٍ وَسَبْيٍ عَصَمَ نَفْسَهُ لَا مَالَهُ3، وَفِي اسْتِرْقَاقِهِ رِوَايَتَانِ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ" انْتَهَى.
تَبِعَ صَاحِبُ4 الْكَافِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ، وَعِنْدَ أَكْثَرِ5 الْأَصْحَابِ وَجْهَانِ، وَأَطْلَقَهُمَا فِي الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُقْنِعِ6 وَالْبُلْغَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّى وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ.
"إحْدَاهُمَا": لَا يُسْتَرَقُّونَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، اختاره القاضي وغيره، وصححه في
1 "5/490".
2 بعدها في "ط""ذكرهما".
3 بعدها في "ط""له".
4 ليست في "ط".
5 في "ط""أكثر الأصحاب".
6 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/115".
وَإِنْ سَأَلُوا أَنْ يُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ لَزِمَهُ أَنْ يُنْزِلَهُمْ، وَخُيِّرَ، كَأَسْرَى. وَفِي الْوَاضِحِ: يُكْرَهُ. وَفِي الْمُبْهِجِ: لَا يُنْزِلُهُمْ، لِأَنَّهُ كَإِنْزَالِهِمْ بِحُكْمِنَا وَلَمْ يَرْضَوْا بِهِ، وَلَوْ كَانَ بِهِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ فَبَذَلَهَا لِعَقْدِ الذِّمَّةِ عُقِدَتْ مَجَّانًا وَحَرُمَ رِقُّهُ.
وَلَوْ جَاءَنَا عَبْدٌ مُسْلِمًا وَأُسِرَ سَيِّدُهُ أَوْ غَيْرُهُ فَهُوَ حُرٌّ، وَلِهَذَا لَا نَرُدُّهُ فِي هُدْنَةٍ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ وَغَيْرِهِ: وَالْكُلُّ لَهُ، وَإِنْ أَقَامَ بِدَارِ حَرْبٍ فَرَقِيقٌ، وَلَوْ جَاءَ مَوْلَاهُ بَعْدَهُ لَمْ يُرَدَّ إلَيْهِ، وَلَوْ جَاءَ قَبْلَهُ مُسْلِمًا ثُمَّ جاء هو مسلما1 فهو لَهُ، وَإِنْ خَرَجَ عَبْدٌ إلَيْنَا بِأَمَانٍ أَوْ نَزَلَ مِنْ حِصْنٍ فَهُوَ حُرٌّ، نَصَّ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ: وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ غَنِيمَةٌ، فَلَوْ هَرَبَ إلَى الْعَدُوِّ ثُمَّ جَاءَ بِمَالٍ فَهُوَ لِسَيِّدِهِ وَالْمَالُ لَنَا.
وَلَمَّا جَاءَ وَفْدُ ثَقِيفٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ2 وَسَأَلُوهُ أَنْ يَدَعَ لَهُمْ الطَّاغِيَةَ وَهِيَ اللَّاتُ لَا يَهْدِمُهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَأَبَى حَتَّى سَأَلُوهُ شَهْرًا فَأَبَى، فأظهروا أنهم
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
التَّصْحِيحِ وَالْخُلَاصَةِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي3 وَالشَّرْحِ4 وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ.
"وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ": يُسْتَرَقُّونَ، جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَمُنْتَخَبِ الْآدَمِيِّ، وَصَحَّحَهُ النَّاظِمُ، وَهُوَ احْتِمَالٌ فِي الْهِدَايَةِ وَمَالَ إلَيْهِ. 5فَهَذِهِ ست مسائل في هذا الكتاب5.
1 ليست في "ط".
2 بعدها في "ط""و".
3 "13/48".
4 المقنع مع الشرح الكبير والإنصاف "10/15".
5 5 ليست في "ط".
يُرِيدُونَ أَنْ يُسْلِمَ بِتَرْكِهَا1 جَمَاعَةٌ مِنْ سُفَهَائِهِمْ وَذَرَارِيّهِمْ وَلَا يُرَوِّعُوا قَوْمَهُمْ بِهَدْمِهَا حَتَّى يَدْخُلَهُمْ الْإِسْلَامُ، فَأَبَى إلَّا أَنْ يَبْعَثَ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَهْدِمَانِهَا2، فِيهِ وُجُوبُ هَدْمِ ذَلِكَ لِمَا فِي بَقَائِهِ مِنْ الْمَفْسَدَةِ، وَهَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ صلى الله عليه وسلم فِي جَمِيعِ الطَّوَاغِيتِ3، قَالَ فِي الْهَدْيِ: وَهَكَذَا حُكْمُ الْمَشَاهِدِ وَمَا يُقْصَدُ بِالْعَظِيمِ وَالنَّذْرِ من الأحجار.
ــ
[تصحيح الفروع للمرداوي]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
1 بعدها في "ط""جماعة".
2 أخرجه الطبري في تاريخه "3/99" والبيهقي في دلائل النبوة "5/302 – 303".
3 تقدم شيء من ذلك.