الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - الوكيل بالقبض:
إذا وكّل إنسان آخر بقبض حق له من فلان، فأنكر فلان أن للموكّل عليه حقاً، فهل يملك الوكيل بالقبض المخاصمة في إثبات ذلك الحق الذي يدّعيه الموكّل؟ فيه وجهان:
أحدهما: يملك ذلك لأنه بالمخاصمة يتوصل إلى إثبات الحق وقبضه، فيكون الإذن بالقبض إذناً في المخاصمة.
والثاني: أنه لا يملك المخاصمة في تثبيت الحق، لأن الإذن في القبض ليس إذناً في التثبيت، لا لفظاً ولا عُرْفاً، ومَن يرضاه في قبض حقه قد لا يرضاه في تثبيته، لأنه يختار للقبض مَن كان ذا أمانة ودين وورع، وقد يكون أقل الناس حيلة وأضعفهم حج ومخاصمة، وعليه لو رافع في الأمر إلى القضاء، وقضي على موكِّله، فلا يمضي عليه هذا القضاء، ولعلّ هذا الوجه هو الارجح، والله تعالى أعلم.
3 - الوكيل بالبيع والشراء:
الوكالة بالبيع:
إذا وكّله ببيع شئ له، فلا يخلوا من أن تكون هذه الوكالة مطلقة أو مقيّدة، ولكلٍّ منهما حكم يتعلق بها:
- الوكالة المطلقة بالبيع:
وهي أن يوكّلَه ببيبع شئ دون أيّ تقييد، ففي هذه الحالة يتقيد الوكيل بما يلي:
1 -
لا يبيع بغير نقد البلد، لأن العُرْف يقيده به عند الإطلاق، فإن كان فيه نقدان يتعامل بهما أهله باع بالغالب منهما، فإن استويا في التعامل باع بأنفعهما للموكِّل، وإن استويا بالنفع باع بأيّهما شاء.
2 -
لا يبيع بالنسيئة أي بتأجيل الثمن إلى زمن معين، وإن كان البيع بأكثر من ثمن مثله حالاًّ، لأن مقتضى الإطلاق الحلول، إذ هو المعتاد في البيع غالباً.
فلو وكّله ليبيع مؤجلاً: فإن قدّر له أجَلاً معيناً جاز أن يبيع إلى ذلك
الأجل ولا يزيد عليه، فإن نقص عنه أو باع حالاًّ صحّ البيع، فإن كان في التعجيل ضرر على الموكِّل- كنقص ثمن أو خوف على الثمن ونحو ذلك - لم يصحّ.
وإن أطلق الأجل صحّ التوكيل على الأصح، وحمل الأجل على المتعارف في مثله، فإن لم يكن فيه عُرْف راعي الأنفع للموكل.
3 -
ولا يبيع بغبن فاحش، وهو ما لا يُحتمل غالباً، وضبطوه بما يخرج عن تقدير المقدِّرين، كأن يقدِّره المقدِّرون بما بين السبعة والعشرة مثلاً، فيبيعه بخمسة أو ستة.
فإذا خالف أحد هذه القيود الثلاثة وباع لم يصحّ بيعه على الأصح، وإذا سلم المبيع للمشتري كان ضامناً له، لأنه تعدّى في تصرفه، فإن كان المبيع موجوداً استردّه، وإلا غرَّم الموكِّل قيمته من شاء من الوكل أو المشتري، ويستقر الضمان على المشتري، أي هو الذي يغرم القيمة في النهاية، ويعود على الوكيل بالثمن إن كان قد دفعه إليه.
- الوكالة المقيدة بالبيع:
وذلك بأن يوكِّله ببيع شئ يملكه، ويقيده بشخص أو زمن أو مكان أو ثمن.
? فإن قيّده بشخص، كأن قال: بِعْ هذا لفلان، تعيّن عليه البيع له، لأن تخصيصه قد يكون لغرض يقصده، كأن يكون ماله أبعد عن الشبهة، فإن دلّت قرينة على أن مراده الربح، وأنه لا غرض له في التعيين إلا ذلك، جاز بيعه لغير ذلك الشخص الذي عيّنه.
? وإن قيّده بزمن، كأن قال: بِعْه يوم الجمعة مثلاً، تعيّن هذا، ولم يجز أن يبيع قبله ولا بعده، لأنه قد يُؤثر البيع في زمان لحاجة خاصة فيه، ولا يؤثره في غيره.
? وإن قيّده بمكان، كسوق كذا، يُنظر:
? فإن كان له في التعيين غرض صحيح، كأن يكون الثمن فيه أكثر، أو النقد فيه أجود، لم يجز البيع في غيره، لأنه لا يجوز تفويت غرضه عليه.
وإن لم يكن في التعيين غرض صحيح، كأن يكون الثمن فيه وفي غيره واحداً، فالراجح أن له البيع فيه وفي غيره، لأن مقصوده يتحقق في أيّ مكان، فكان الإذن بالبيع بمكان إذناً بالبيع في غيره.
? وإن قيده بثمن، كأن قال له: بِعْ بمائة مثلاً، فليس له أن يبيع بأقل منها، ولو كان ثمن المثل أو كان النقص قليلاً، لأنه مخالف للإذن.
والأصح أنَ له أن يبيع بأكثر منها، لأن المفهوم من ذلك عُرْفاً هو عدم النقص، بل لا يجوز له أن يبيع بالمائة إن وجد مَن يرغب شراءه بأكثر منها، لانه مأمور بالأنفع للموكِّل، حتى لو وجد الراغب بالزيادة زمن الخيار لزمه الفسخ، وإذا لم يفسخه هو انفسخ بنفسه.
فإذا صرّح له بالمنع من البيع بزيادة عمّا قيده به، كأن قال له: بِعْه بمائة، ولا تَبعْ بأكثر من ذلك، لم يصحّ بيعه بزيادة، لأنه لا عبرة للدلالة مع التصريح، فقد أبطل النطق دلالة العُرْف.
- البيع لمن يتهم فيه بالمحاباة:
الوكيل بالبيع لا يصحّ أن يشتري الموكَّل ببيعه لنفسه كما لا يصحّ أن يشتريه لولده الصغير ولا لكل مَن هو في حَجْره وتحت ولايته، لأن العُرْف في مثل هذا أن يبيع الوكيل لغيره، لا لنفسه، وبيعه لولده الصغير ومن في حجره كبيعه لنفسه، فلم يصحّ ذلك كله، حتى ولو أذن له فيه الموكَّل، لتعارض أغراض البائع والمشتري، فالمشتري يرغب السلعة بأرخص الأثمان، ووكيل البائع عليه ان يحصل لموكله اغلاها واعلاها، وهنا المشتري والبائع واحد، فلا تتحقق اغراض البيع.
واما غير هؤلاء - ممّن يتهم في محاباتهم من ذوي قرباه - فلا مانع من بيعهم، فيبيع لزوجته واخوته ونحوهم، لأن العاقد ليس واحدا، فالأغراض غير متنافية.
والاصح انه يبيع لأبيه وسائر أصوله، كما أنه يبيع لابنه البالغ وسائر فروعه المستقلِّين عنه، طالما أنه يبيعهم بالثمن الذي لو باع به لأجنبي لصحّ، فتنتفي التهمة ويصحّ البيع، كما لو باع لصديق له، ليس بينه وبينه قرابة.
- التوكيل ببيع فاسد:
لو وكّله أن يبيع بعقد فاسد - كما لو وكّله ببيع المال الربوي بجنسه متفاضلاً، كصاع حنطة بصاعين، أو أن يبيع المبيع بثمن محرم كآلة لهو مثلا - فلا يجوز أن يعقد هذا العقد، لأن الله تعالى لم يأذن فيه، فلم يملكه الموكِّل أصلاً حتى يملكه الوكيل.
وهل يملك أن يبيعه بعقد صحيح؟ والجواب: لا يملك ذلك، لأن الموكّل لم يأذن فيه.
ب الوكالة بالشراء:
? الوكالة المطلقة بالشراء:
وذلك بأن يوكِّله بشراء شئ موصوف أو معين دون أن يقيده بنوع أو ثمن، كأن يقول: وكّلتك أن تشتري لي سيارة، فهنا يتقيد الوكيل بما يلي:
1 -
لا يشتري معيباً، لأن الإطلاق يقتضي الوصف بالسلامة من العيب، فإن اشترى ما فيه عيب يُنظر:
? فإن كان الوكيل يعلم العيب:
وقع الشراء له ولم يقع للموكل، حتى ولو كان المشتري يساوي الثمن الذي اشترى به مع العيب على الأصح، لأنه لم يأذن له بشراء المعيب، فهو مقصِّر بشرائه، وقد لا يتمكن الموكّل من ردّه لهروب البائع فيتضرر بذلك، ولا سيما حين يكون لا يساوي الثمن.
? وإن كان الوكيل لا يعلم العيب:
فإن كان المشتري يساوي الثمن مع العيب وقع الشراء للموكِّل، إذ لا ضرر عليه، لأنه يملك الاختيار بين إمساكه - ولا خسارة عندها لأنه يساوي الثمن - وأن يردّه على البائع، والوكيل غير مقصّر بهذا، لأنه جهل العيب، ولم يشتره بأكثر من ثمن مثله.
وكذلك الحال أن كان المشتري لا يساوي الثمن مع العيب في الأصح، كما لو اشتراه الموكّل بنفسه جاهلاً للعيب.
وفي هذه الحالة:
يكون للموكّل وحده خيار الرد بالعيب إن اشتُرى بعين ماله، لأنه هو المتضرِّر بذلك، فإن رضى به فليس للوكيل حق ردّه، لأن العقد لا يمكن أن يقع له، فلا يتضرر به.
وإن كان الوكيل قد اشتراه بالذمة: ثبت حق الرد له أيضاً، لأنها ظلامة حصلت بعقده فجاز له رفعها، كما لو اشتراه لنفسه، ولأنه لو لم يجز له الردّ. فربما لا يرضى به المالك، فتنقلب ملكيته للوكيل، ويتعذر ردّه لكون الرد فورياً، فيتضرر الوكيل بذلك.
2 -
لا يشتري إلا بثمن المثل، أو بزيادة يسيرة يقبل الناس التغابن فيها عادة، فإن اشترى بزيادة لا يتغابن فيها الناس عادة - على ما سبق - فيا يقع البيع للموكِّل.
? الوكالة المقيَّدة بالشراء:
إذا وكّله أن يشتري له شيئاً، وقيّده بنوع أو ثمن، لزمه مراعاة القيد، فإذا خالف الوكيل في هذا وقع الشراء للوكيل، ولم يقع للموكل إلا إذا خالف إلى خير.
ومثال التقييد بالنوع من المشتري أن يقول له: اشتر لي سيارة من نوع كذا صنع سنة كذا، فإذا اشتراها مع هذا الوصف كان الشراء للموكِّل، وإن خالف في هذا فاشتراها من نوع آخر أو من صنع سنة غير المذكورة في العقد، كان الشراء للوكيل وليس للموكل، لأنه خالف قيداً معتبراً قد يكون للموكل مصلحة فيه.
ومثال التقييد في الثمن، أن يقول: اشتر لي سيارة - مثلاً - أو داراً بمائة ألف، فاشتراها بمائتي ألف، فلا يلزم هذا الشراء الموكِّل، وإنما يلزم الوكيل لمخالفة قيد الثمن.
ومثال المخالفة الى خير: أن يشتري ما وكّله بشرائه بألف - بصفة معينة - بثمانمائة بنفس الصفقة والقيد، فهذا الشراء يلزم الموكِّل - وإن خالف فيه الوكيل - لانها مخالفة إلى خيره وصالحه.
ومن هذا ما لو وكّله بشراء سلعة موصوفة بثمن معين، فاشترى اثنتين منها
بالثمن نفسه، كلٌّ منهما تساوي الثمن المعين، صحّ الشراء للموكل، لأنه مخالفة إلى ما هو أنفع. ودلّ على ذلك كله حديث عروة رضى الله عنه السابق.
? أشتراط الوكيل الخيار:
ليس للوكيل بالبيع أن يشرط الخيار للمشتري، كما أنه ليس للوكيل بالشراء أن يشرط الخيار للبائع، لأنه - في الحالين - شرط لا مصلحة فيه للموكِّل، فإن أذن به الموكَّل جاز.
وللوكيل أن يشرط الخيار لنفسه او للموكِّل، لأن في ذلك مصلحة للموكّل واحتياطاً له.