الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والظاهر أنهما كانا في المدينة، فهما غير مسافِرَيْن، والكُتَّاب في المدينة ايضاً كُثُر، فدلّ على أنه لا يشترط لصحة الرهن أيٌّ من هذين الأمرين.
وأجاب العلماء عن حكمة ذكر السفر وعدم الكاتب في الآية: بأنه بيان للغالب في واقع الأمر، إذ الغالب أن يحتاج إلى الارتهان في السفر، الذي كثيراً ما يُعدم فيه الشهود ويفتقد الكاتب، لاسيما في تلك الأزمان التي كانت فيها القراءة والكتابة قليلة، وذلك من اسلوب الكلام العربي الذي جاء القرآن على ارقى مستوى منه.
حكم الرهن:
ظاهر الآية التي تدل على مشروعيته ان ذلك واجب، اذ قالت:"فرهان مقبوضة" وهذه صيغة من صَيِغ الأمر، إذ المعنى فليكن منكم رهان
…
، والأمر للوجوب، ولكن العلماء اتفقوا على أن الرهن ليس بواجب، وأنه أمر جائز، للمكلّف ان يفعله وان لا يفعله، لأنه شرع لتوثيق الحق، وللانسان ان يوثّق حقه وأن لا يوثقه، وقد أكد معنى الجواز قوله تعالى في الآية:"فإن أمَن بعضُكم بعضاً فليؤدِّ الذي اؤتمن امانته": أي فليكن المدين المؤتمن على الدَّيْن دون توثق اهلاً لهذا الائتمان، وليؤدِّ الأمانة دون اساءة، وواضح ان الائتمان لا يكون إلا إذا لم يكن ارتهان، لأن طلب الارتهان دليل الشك في الأمانة.
وقال العلماء ايضاً: إن الرهن بدل عن الكتابة، فيأخذ حكمها، والكتابة ليست واجبة، بدليل قوله تعالى:"ولا تَسْأمو ان تكتبوه صغيراً او كبيراً إلى أجله ذلكم أقسطُ عند الله وأقومُ للشهادة وأدني ألاّترتابوا " أي لا تملّوا من كتابة الدَّيْن قلّ أو كثر، فإن كتابته أقرب إلى العدل وعدم ضياع الحقوق، واسهل لإقامة الشهادة عند الاختلاف، وابعد عن الشك في قدر الدَّيْن أو صفته أو اجله.
قالوا: هذه المعاني تدل على ان الامر بالكتابة أمر إرشاد وتوجيه، وليس امر إيجاب وتحتيم.
على أننا نقول: إذا لم تكن الكتابة أو الرهن واجباً، فذاك لا يعني ان نتساهل في الأمر، ثم يجرّ بعضنا بعضاً الى دُور القضاء، او يتخذ ذلك بعض من رق دينهم ذريعة الى أكل اموال الناس بالباطل، فأقل ما قاله العلماء انه امر ارشاد وذلك
يعني الندب والاستحباب، فالأولى الكتابة على أيّ حال، والرهن اذا لم تتيسر الكتابة، كي لا يترك الناس فعل الخير خشية ضياع اموالهم وذهاب حقوقهم، اللهم الا اذا كانت الثقة بالأمانة والدين والخلق اقرب الى اليقين، والله تعالى الموفق.
حكمة مشروعية الرهن:
تكرر معنا ان شرع الله تعالى مِلةّ التيسير ورفع الحرج ورعاية مصالح الناس، والناس يتعاملون فيما بينهم، وكثيراً ما يحتاجون الى النقد فلا يجدونه، وهم محتاجون الى بعض السلع، فيحتاجون الى استقراض النقد أو تأجيل الثمن، ولا يجدون مَن يثق بهم ليعطيهم المال أو السلعة دون وثيقة، ويرغب صاحب المال أو السلعة بما يوثّق حقه ويطئمنه الى أنه سيعود اليه كاملاً موفوراً، ولا يرغب ان يقع في مخاصمات ومرافعات، فلا يرضى بالكفالة ولا يكتفي بالكتابة والإشهاد، فيطلب سلعة تكون وثيقة في يده مقابل حقه، ويرضى صاحب الحاجة الى النقد او تأجيل الثمن بهذا التوثيق، فيدفع متاعاً يستطيع ان يستغنى عن منفعته لطالب الوثيقة، وهنا تتحقق مصلحة الطرفين، ويسهل التعامل بين الناس.