الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يرضَ بأمانة غيره ويده. فإذا أذن له المالك بحفظه بغيره جاز له ذلك، وكذلك إذا كان له عذر في هذا، كما اذا طرأ له سفر او وقع حريق، ولم يستطع ردّ الوديعة إلى المالك، أو وكيله أو القاضي، فله ان يدفعها الى من يحفظها.
2 -
عقد الوديعة عقد جائز: أي لكلٍّ من العاقِدِيْن فسخه متى شاء دون إذن العاقد الآخر، فللمودِع ان يستردّ الوديعة متى شاَء، وللوديع ان يردّها عليه ايضا متى شاء.
فإذا طلبها المالك وجب على الوديع ردُّها له عند طلبه قدر الإمكان، لقوله تعالى:"إن الله يأمركم ان تؤدوا الأمانات الى اهلها"(النساء: 58) ولا يعني ردُّها حملَها إلى صاحبها، وانما المراد ان يخلي بينه وبينها.
3 -
صفة يد الوديع: يد الوديع على الوديعة يد امانة، أي لا يضمنها اذا تلفت عنده لا اذا فرط في حفظها او تعدى عليها، ودليل ذلك:
- قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس على المستودَع غير المُغِلّ ضمان". (اخرجه الدارقطني في البيوع، رقم: 167).
- ولأنه لو كان ضامناً لامتنع الناس عن قبول الودائع، فيكون في ذلك حرج على الأمة.
- ولأن الوديع متبرع بالحفظ ومُحسِن - وان كان قد التزمه - والله تعالى يقول: (ما على المحسنين من سبيل)(التوبة: 91).
- ولأن يده على الوديعة تقوم مقام يد المالك، فكان هلاكها من يد المالك.
وعلى هذا: لو أودعه على انه ضامن مطلقاً، أو أنه غير ضامن مطلقاً، لم يصحّ الإيداع.
متى تُضمن الوديعة
؟
علمنا أن الوديعة أمانة في يد الوديع، لا يضمنها اذا تلفت بدون تعدٍّ منه عليها، او تقصير في حفظها، هذا هو الأصل، وقد تصبح مضمونة عليه في الحالات التالية:
1.
إذا أودعها عند غيره، بلا اذن من المودع ولا عذر، كما سبق، فإنها تصبح مضمونة عليه.
فإذا أودعها - في هذه الحالة - عند مَن لا يصحّ إيداعها عنده، فهلكت، كان للمالك ان يُضمِّن أيهما شاء، فإن ضمّن الثاني وكان جاهلاً بالحال رجع على الأول بما ضمن، لأنه وديع غير متعدٍّ، فلا يضمن. وأن كان عالماً أن الذي أودع عنده ليس بمالك، وإنما يودع عنده وديعة غيره وبدون إذنه، لم يرجع عليه بما ضمن، لأنه في هذه الحلة غاصب لا وديع.
2.
ترك الحفظ: علمنا أن واجب الوديع حفظ الوديعة، فإذا ترك ذلك، ثم هلكت الوديعة كان ضامناً لها، ويكون ترك الحفظ بما يلي:
أ-
…
بنقل الوديعة من مكان الى مكان آخر دونه في الحرز، لأن في ذلك تعريضا لها للتلف، فإذا كان ما نلت اليه مساوياً لما نقلت منه في الحرز، او أحرز منه، فلا ضمان عليه، لأن مَن رضى بحرز رضي بمثله، ورضى بما هو احرز منه من باب أولى، إلا إذا نهاه المودع عن نقلها، أو كان الطريق فيه خطر عليها، فإنه يضمن في الحالتين ان نقلها وتلفت، لأن ذلك تعدٍّ منه وتقصير.
ب- ويكون ترك الحفظ ايضاً: بترك دفع الأخطار عنها وما يتلفها، لأن دفع مثل ذلك عن الوديعة واجب ما أمكن، لأنه من جملة حفظها، وذلك كما لو أودعه حيواناً، فترك علفه أو سقيه مدّة يموت مثله فيها، فمات فإنه يضمنه، سواء أمره المالك بعلفه وسقيه أم سكت، لن ذلك واجب عليه حقا لله تعالى، وبه يحصل الحفظ الذي التزمه بقبوله الإيداع.
وكذلك لو كانت الوديعة مما يحتاج الى تعريض للشمس والريح كالصوف مثلاً، او وضع عقاقير لتحفظه. فإن نهاه المالك عن دفع ما يسبّب إتلاف الوديعة، فترك ذلك وتلفت، فإنه لا يضمن على الصحيح، لأن المالك هو الذي أذن في إتلاف ما يملك. واذا كانت الوديعة حيوانا أثم بدفع التلف عنه ان امره المالك بهذا، لحُرمة الروح ولم يضمن.
3.
استعمال الوديعة والانتفاع بها: بأيّ وجه من وجوه الاستعمال والانتفاع، فيضمنها إذا تلفت ولو بعد ترك الاستعمال والانتفاع، لأنه تعدّى باستعماله ملْك غيره بغير إذنه، وبالتعدّي ارتفع الحكم الأصلي للوديعة وهو كونها أمانة في يده، فلا يعود الا بتجديد للعقد، فإذا تلفت قبل تجديد العقد كانت مضمونة عليه.
4.
السفر بالوديعة: اذا طرأ للوديع سفر من بلد الإيداع فليس له أن يسافر بالوديعة، لأن واجبه حفظها في الحرز والسفر ليس من مواضعه، فيجب عليه - في هذه الحالة - ردّها على مالكها أو وكيله إن كان غائباً، فإن كانا غائبَيْن وجب عليه ان يدفعها الى الحاكم ان كان يؤتمن عليها، والا دفعها الى أمين يحفظها.
فإن سافر بها مع وجود مَن يمكن دفعها اليه ممّن ذُكر كان ضامناً لها، وإن لم يجد احدا منهم كان معذوراً أن يسافر بها، لأن السفر بها أحوط في حفظها من تركها عند مَن لا يؤتمن عليها.
وهذا الذي ذكر في حق مَن طرأ له السفر هو حكم مَن مرض مرضاً يخاف منه الموت، ومن حَضَرَتْهٌ أسباب الوفاة، فإن لم يجد مَن يدفعها إليه أوصى بها، وإلا كان ضامناً لها إذا تلفت بعد الموت لأنه يعرّضها للفوات على مالكها بترك ما ذكر، إذ قد يدّعي الوارث أنها ملك مورِّثه، اعتماداً على الظاهر، لأنها تحت يده وفي حَوْزته.
5.
انكار الوديعة بغير عذر: فإذا طلب المودع الوديعة، فأنكر الوديع أن له وديعة عنده، ثم تلفت، فإنه يضمنها حتى ولو عاد فاعترف بها بعد الإنكار، لأنه بإنكاره صار غاصباً لها، ويد الغاصب يد ضمان، وقد ارتفع عقد الوديعة بالإنكار، فلا يعود الا بالتجديد.
فإن كان له عذر بالإنكار فإنه لا يرتفع به عقد الوديعة، وتبقى امانة في يده، فإذا تلفت لا يضمنها، وذلك كما إذا أجبر المالك على طلبها غاصب او ظالم، وعلم الوديع أنه إن اعترف بها استردّها الملك وانتزعها منه غير المحق
بأخذها، فأنكرها ظاهراً دفعاً للضرر عن المالك، ثم تلفت بعد هذا، فإنه لا يضمنها، لأنه غير متعدٍّ.
6.
الامتناع من ردّها بعد الطلب: علمنا ان الوديعة عقد جائز، ويترتب على ذلك: أن المودع له ان يفسخه ويطلب ردّ الوديعة، وفي هذه الحالة يجب على الوديع ان يردّها عليه فوراً، أي أن يخلّي بينه وبينها كما علمنا. فإن امتنع عن ردّها او أخّره من غير عذر ضمن، لأنه تعدّى بحبس ملك غيره بغير عذر ولا رضاّ منه فإن أخّر ذلك لعذر،: كأن طلبها في وقت لا يتمكن فيه من الردّ، او خشى إن ردّها عليه أن يغصبها منه متسلِّط، ونحو ذلك، فإنه لا يضمن.
7.
خلط الوديعة بغيرها: على الوديع أن يحفظ الوديعة في حرز مثلها، دون أن يخلطها بماله او متاعه الذي لا تتميز عنه إذا خلطت به، فإذا خلطها - او اختلطت بنفسها دون قصد منه - فإنه يضمنها، لأنه تعدّى بخلطها، والمالك لم يرضَ باختلاطها بغيرها. فإذا كانت تتميّز عمّا اختلطت به او خلطت، كأن كانت دراهم فاختلطت بدنانير، او نقود سورية اختلطت بغيرها، فإنه لا يضمنها، لسهولة تمييزها، فإن كان تمييزها صعباً- كما لو كانت قمحا فاختلطت بشعير - فإنه يضمنها، لعسر تمييزها، فهو في حكم عدم التمييز.
وفي حال الضمان: يضمن مثلها ان كانت مثلية، أو قيمتها إذا لم تكن مثلية، ولكن يضمنها بأغلى القيم من يوم الإيداع الى وقت التلف كالمغصوب، وتصبح ملكاً له.
8.
مخالفة شرط المودِع: كما إذا أمره أن يحفظ الوديعة بمكان معين أو بطريقة معينة، فخالف في هذا وحفظها في مكان غيره، أو بطريقة أُخرى، فتلفت بسبب هذا التغيير، فإنه يضمنها، لأن التلف حصل من جهة مخالفته.
ومن ذلك ما إذا خالف ما هو المعتاد في الحفظ، كما لو وضع على الصندوق قفلين، وقد كان يضع قفلاً واحداً، فسُرقت، فقيل: إنه يضمن، لانه بذلك اغرى السارق بنفاسة ما فيه، والأصح أنه لا يضمن، لان ما فعله مزيد احتياط في الحفظ.