الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم يكن السيد أحمد خان داعية فقط لهذا التجديد، أو لهذه التقدمية في الإسلام، وإنما كان كذلك صحفيا ومؤلفا، ومدرسا ومشرفا على كلية علمية1 دينية "الكلية الإنجليزية الشرقية المحمدية" خرجت الكثير من شباب الهند التقدميين، وتحولت الآن إلى "الجامعة الإسلامية" في الهند بعد تقسيم سنة 1948م، وفيها تدرس المسيحية بالعناية التي يدرس بها الإسلام، مع أخذ حظ وافر من العلوم الحديثة والنظم الجامعية الغربية "الإنجليزية".
ولهذا كان للسيد أحمد خان نفوذ سياسي تربوي، يقترن بنزعته التجديدية الدينية، أثرت بدورها فيما بعد في خلق المذهب "القادياني".
1 وقد افتتحت في مايو سنة 1875م.
-
المذهب القادياني:
بقيت تعاليم السيد أحمد خان وآراؤه ذات طابع إصلاحي، ولم تصطبغ بصبغة العقيدة والمذهب الروحي، فهمها بلغت من التأثير فسيبقى معها مجال للروح الإسلامية الصحيحة، حيث تظهر وتعمل عملها في تحديد العلاقة بين المسلمين وبين المستعمرين الصليبيين الغربيين الذي يطالبونهم بالولاء!!
أدرك الإنجليز ذلك، وأحسوا مع نشاط السيد أحمد خان وأثر تعاليمه في خلق جماعة بين المسلمين تتشكك في القيم الإسلامية، وتنازل مواطنيها ومن هم على عقيدتها من المسلمين منازل الخصومة الفكرية، فتفرق الكلمة وتبعد مشكلة الاستعمار الأجنبي عن أن تكون موضوعا من موضوعات هذه الخصومة ولو إلى حين. أدركوا وأحسوا أنهم بحاجة إلى تعديل في الروح الأصيلة وفي موقفها من غير المسلمين، على أن يكون هذا التعديل -أو يصبح- مذهبا وعقيدة له سمة الإيمان والاعتقاد، بدلا من سمة الفكر والمنطق، بذلك تصبح الفجوة بين المسلمين أعمق وأطول مدى!! فإذا كان هذا التعديل لصالح الاستعمار فسيجد أعوانا من المسلمين أنفسهم على المسلمين، وتلك حالة مرغوب فيها لاطمئنان الاستعمار على مصالحه حينئذ فترة طويلة، إلى أن يجد عامل آخر أقوى من الدين نفسه يجمع الكلمة المفرقة، وينسى الخصومة في المذهب، والاتجاه الفكري، فقامت القاديانية1، وسجل
1 نسبة إلى ميرزا غلام أحمد القادياني "من قاديان بإقليم البنجاب"، توفي سنة 1908م.
هذا المذهب رسيما في سنة 1900م، وله أتباع في البنجاب وأفغانستان وإيران، ولسان حال هذ العقيدة "مجلة الأديان" The Review of Religins" بالإنجليزية، التي تصدر كل شهر مرة في قاديان منذ 1902م. وصاحب هذا المذهب -وهو ميرزا غلام أحمد - ألف كتابا سماه "براهين الأحمدية" وخرج الجزء الأول منه سنة 1880م.. وفي هذا الجزء ادعى المؤلف أنه "المهدي".
ويختلف هذا المذهب مع الإسلام الأصيل في جملة مسائل:
- منها أن يقول: إن عيسى هاجر بعد أن بعث من موته الظاهري، إلى كشمير في الهند لينشر تعاليم الإنجيل في البلاد، وأنه توفي بعد أن بلغ من العمر 120 سنة، وأن قبره لم يزل موجودا هناك! ويدعي ميرزا غلام أحمد أنه "المهدي" ويذكر أنه حل فيه عيسى ومحمد على السواء، فهو نبي!.
- ومن المسائل أيضا التي يفترق فيها الإسلام الصحيح عن القاديانية، مسألة "الجهاد في سبيل الله": فليس الجهاد في نظرها هو اللجوء إلى العنف باستخدام أدوات الحرب ضد غير المؤمنين، وإنما هو وسيلة سلمية للإقناع، وهكذا عملت القاديانية في هاتين المشكلتين على هذا النحو على تقريب شقة الخلاف بين المسيحية والإسلام أو على إدماج إحداهما في الآخر، ثم من جهة أخرى، أعلنوا إبطال الجهاد المعروف على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم أجمعين!! وتبعا لرأيهم السابق أوقفوا العمل بمدلول هذه الآيات الكريمة.
1 المائدة: 51.
2 المائدة: 55، 56.
3 المائدة: 57.
ويقول "أبو الحسن الندوي" من كبار علماء الهند في كتيب له عنوانه: "القاديانية ثورة على النبوة المحمدية والإسلام".
"
…
قد تحقق علميا وتاريخيا أن القاديانية وليدة السياسة الإنجليزية، فقد أهَمَّ بريطانيا وأقلقها حركة المجاهد الشهير السيد الإمام "أحمد بن عوفان الشهيد""1842م" وكيف ألهب شعلة الجهاد والفداء، وبث روح النخوة الإسلامية والحماسة الدينية في صدور المسلمين في الربع الأول من القرن التاسع عشر المسيحي وكيف التف حوله وحول دعاته آلاف المسلمين، عانت منهم الحكومة الإنجليزية في الهند مصاعب عظيمة، وكانوا موضع اهتمامها.
ثم رأت دعوة السيد "جمال الدين الأفغاني" تنتشر في العالم الإسلامي، كل ذلك رأته الحكومة الإنجليزية ودرسته، وعرفت أن طبيعة المسلمين طبيعة دينية، فالدين هو الذي يثيرها، وأن المسلمين لا يؤتون إلا من العقيدة والإقناع الديني، وما يكون له طابع ديني، واقتنعت أخيرا بأنه لا يؤثر في المسلمين وفي اتجاههم مثل ما يؤثر قيام رجل منهم باسم منصب ديني رفيع ويجمع حوله المسلمين ويخدم سياسة الإنجليز، ويؤمنهم من جهة المسلمين وعائلتهم، وفي شخص "ميرزا غلام أحمد القادياني" الذي كان مضطرب الأفكار والعقيدة وكان طموحا إلى أن يؤسس ديانة جديدة ويكون له أتباع مؤمنون ويكون له مسجد واسم في التاريخ مثل ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم وجد الإنجليز وكيلا لهم يعمل بين المسلمين لمصلحتهم. ولم يزل يتدرج في التجديد إلى المهدوية.. ومن المهدوية إلى المسيحية، ومن المسيحية إلى النبوة.. حتى أتم ما أراد الإنجليز، وقام القادياني بدوره وبما كلف به خير قيام، وحماه الإنجليز ومكنوه من نشر دعوته. وحفظ القادياني هذه اليد، وعرف الفضل للإنجليز في ظهوره، وقد صرح في بعض كتاباته بأنه غرسٌ غرسته الحكومة الإنجليزية، كتب ذلك في التماسه الذي قدمه إلى حاكم مقاطعة البنجاب الإنجليزي في 14 فبراير سنة 1898م، وجاء نصه في كتاب:"تبليغ رسالته" من المجلد السابع لمير قاسم علي القادياني، وقد ذكر في مؤلفاته بكل صراحة -بل بكل وقاحة- ما يدين به للحكومة الإنجليزية من الولاء والوفاء، وما قدم لها من خدمة مشكورة، وإليك ترجمته: "لقد قضيت معظم عمري في تأييد الحكومة الإنجليزية ونصرتها، وقد ألفت في منع الجهاد ووجوب طاعة أولي الأمر
الإنجليز من الكتب والنشرات ما لو جمع بعضه إلى بعض لملأ خمسين خزانة، وقد نشرت جميع هذه الكتب في البلاد العربية، ومصر والشام وكابل"1.
ويقول "أبو الحسن الندوي" في موضع آخر:
"وبقيت الجماعة القاديانية في عهد مؤسسها وبعده معتزلة عن جميع الحركات الوطنية وحركة التحرير والجلاء في الهند، صامتة -بل شامتة- لما دهم العالم الإسلامي من رزايا ونكبات على يد المستعمرين الأوروبيين وعلى رأسهم الإنجليز مقتصرة على إثارة المناقشات الدينية، والمباحثات حول موت المسيح وحياته ونزوله، ونبوة ميرزا غلام أحمد، مما لا اتصال له بالحياة العامة، والمسائل الإسلامية، والحركات التي كانت مظهرا للغيرة الإسلامية والشعور السياسي في هذه البلاد".
ويقول أيضا:
"إن القاديانية تنشر في العالم الإسلامي الفوضى الفكرية، وعدم الثقة بمصادر الإسلام الصميمة ومراجعه وسلفه، وتقطع صلة هذه الأمة عن ماضيها وعن خير أيامها وأفضل رجالها، وتفتح باب الأدعياء والمتطفلين على مصراعيه وتسيء الظن بقوة الإسلام وحيويته وإنتاجه وتيئس المسلمين من مستقبلهم".
1 من كتاب "ترياق القلوب" ص15 تأليلف ميرزا غلام أحمد القادياني.