الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأزهر
…
في تنظيمه الجديد:
صدر القانون رقم 103 لسنة 1961 بإعادة تنظيم الأزهر، وهذا الكتاب في إعداد طبعه للمرة الثالثة
…
وبصدور هذا القانون، أعلنت الثورة المصرية عن اتجاهها في حزم وفي قوة لتصفية رواسب الاستعمار في الأزهر!! وهي تلك الرواسب التي تتمثل:
- أولا: في "عزلة" المتخرج في الأزهر عن المجتمع الذي يعيش فيه.
- كما تتمثل مرة أخرى في "احتراف" هذا المتخرج بالدعوة إلى الإسلام وبالرسالة الإسلامية، واتخاذها مهنة يكسب منها قوت قومه، ويسعى عن طريقها لتحصيل أمور معيشته.
و"العزلة" وكذلك "الاحتراف" بالدعوة الإسلامية وبرسالة الإسلام يشكلان خطرا على القيم الإسلامية نفسها، وعلى تعاليم الإسلام، وهو ذلك الخطر الذي يحول دون أن يكون هناك تفاعل بين الحياة الإنسانية في المجتمع الإسلامي والتعاليم الإسلامية، وأيضا يحول دون أن يقف العالم الأزهري من التعاليم الإسلامية موقف المتجرد عن غاية شخصية في فهمها، وفي استلهام النصوص القرآنية ونصوص السنة الدالة عليها، من غير أن يتأثر في موقفه هذا برأي سابق مبيت في نفسه لسبب أو لآخر.
فأوجب هذا القانون إقامة جامعة الأزهر على أساس أن تكون هيئة تعنى بدراسة ألوان المعرفة المختلفة التي تعين على ممارسة النشاط الإنساني في شتى جوانب حياة المجتمع، كي يتزود بها الطالب الذي يتخرج في المعاهد الأزهرية الثانوية، بجانب ما يتزود به من معرفة ذات مستوى خاص لتعاليم الإسلام ولقيمه، وكذلك بالدراسات العربية الخاصة التي تعينه على فهم تعاليم الإسلامية، وأهداف رسالة الإسلام فهما قويا واضحا، يكون مصدر إشعاع سلوكي في حياة الفرد والمجتمع معا.
وعن طريق الكليات المختلفة -في دائرة ما يسمى بالكليات النظرية والعملية- التي تتكون منها جامعة الأزهر بناء على هذا القانون، يستطيع الطالب المتخرج فيها أن يمارس نشاطه الإنساني والإسلامي معا، بحيث يكون ذا مهنة يؤديها في المجتمع، وفي الوقت نفسه صاحب دعوة إلى الإسلام بسلوكه الشخصي وبسلوكه في مهنته، وبدعوته بالقول كذلك. وهو في دعوته عندئذ لا يكون محترفا بها، وإنما يدفعه إليها إيمانه بقيمة الرسالة الإسلامية التي كشفت له عنها جوانب المعرفة التي درسها في كلية من كليات هذه الجامعة، وهو عندئذ أقرب إلى أن تكون دعوته إلى الله وفي سبيل الله، لله خالصة، دون أن يشرك في إخلاصه لله في دعوته غاية أخرى هي تحصيل الدنيا، وتحصيل متعتها عن طريق هذه الدعوة نفسها.
وإذا استطاعت جامعة الأزهر بوضعها الذي قصد إليه القانون أن تحقق الغاية المرجوة منها، فسيكون هناك طراز آخر من المتخرجين في الأزهر، يعرف المجتمع الذي يعيش فيه كما يعرف المجتمع المعاصر، وما يسيطر عليه من اتجاهات مذهبية إنسانية عديدة، كما يشعر في نفسه بحرارة الإيمان برسالة الإسلام بعد أن وضحت له جوانبها وقيمتها أثر الموازنة التي تتكون حتما في نفسه، بعد وقوفه على ما للإنسان من معرفة متغيرة، وما لله من رسالة خالدة، وفي هذا الوقت يكون الإيمان بالله وبرسالته هدفه الأعلى في الحياة الذي يجب أن يسعى إليه دون أن تشوبه شائبة أخرى تضعف من شأنه، أو تعوق فاعليته على الإنسان في سلوكه وفي تفكيره.
وإذا وصل أمر المتخرج في جامعة الأزهر إلى هذا الوضع، فالأمل كبير في أن يعيد الداعية إلى الله وإلى الإسلام وضع أصحاب الدعوة الأولين، الذين قادوا الإنسانية وأخرجوها من الظلمات إلى النور، وساد مجتمعهم بالرسالة، كما سادوا هم على أنفسهم وفي مجتمعهم بالتقوى وبالإيمان.
ومجتمعاتنا الإسلامية كي تتم نهضتها، وكي يتم بعثها، في حاجة ماسة إلى ريادة قوية، تستمد قوتها من الفهم الصحيح ومن الإيمان، وهي إذا احتاجت إلى "العلم" واحتاجت أيضا إلى "الصناعة" لتوفير وسائل العيش ولدفع حاجة المحتاج ومرض المريض، فإنها أكثر احتياجا إلى ما يرفع ذلة المستضعف، ويدفع عنه خوف الإقدام في الحياة ليحقق السيادة الذاتية، وسيادة المثل الإنسانية والقيم في الحياة البشرية، والريادة السليمة -كما أشرنا- التي تقوم على وعي قوي وفهم سليم لرسالة الإسلام، هي ذلك العامل الذي يرفع وحده ذلة المستضعف وخوف الخائف
في المجتمع وليس"العلم" وليست "الصناعة" هي التي تحول ذلة الضعيف إلى قوة، وخوف الخائف إلى الإقدام.
وأثر هذا القانون -على نحو ما شرحنا- سوف لا ينعكس على المتخرج في هذه الجامعة من أبناء الجمهورية العربية المتحدة وحده، وإنما ينعكس على كل مبعوث وافد استطاع أن يكون واحدا من المتخرجين فيها. وبذلك يكون أثر هذا التنظيم الجديد في إحياء الأمل المنشود، ليس في مصر وحدها، وإنما في كل بلد إسلامي، وليس في مجتمع الجمهورية العربية المتحدة وحدها. وإنما في كل مجتمع إسلامي في الشرق وفي الغرب على السواء.
وبهذا القانون ازداد الأمل في غد الأزهر وفي غد الإسلام معا، وفق الله القائمين على الأمر هنا وهناك إلى أن تكون خطواتهم مسددة.
فهل يؤمل كذلك في أن تكون ريادة علماء الأزهر في الجامعة ريادة إيجابية يفهمون ظروف الحياة التي يعيشون فيها كما يفهمون رسالة الإسلام في حياة المسلمين؟ هل ستصبح الدراسة في الكليات العلمية، والعملية، والنظرية ذات صبغة إيمانية وإسلامية بفضل توجيه الريادة العليا في الأزهر؟ نرجو أن يتغلب طابع الإيمان على طابع السياسة في توجيه الجامعة وما يلحق بها من معاهد!!