المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الباب السادس: ملحقات المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام ‌ ‌مدخل … الباب السادس: ملحقات - الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي

[محمد البهي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌مقدمة الطبعة الثامنة:

- ‌تقديم الطبعة الرابعة:

- ‌تقديم الطبعة الثالثة

- ‌تقديم الطبعة الثانية:

- ‌تقديم الطبعة الأولى:

- ‌فاتحة:

- ‌الاستعمار الغربي يتسلل إلى العالم الإسلامي:

- ‌العالم الإسلامي في نظر الغرب المستعمر

- ‌الباب الأول: اتجاه حماية الاستعمار، أو الاتجاه الفكرى الممالئ

- ‌مفكرون من المسلمين مع الاستعمار

- ‌مدخل

- ‌حركة أحمد خان:

- ‌ المذهب القادياني:

- ‌الأحمدية:

- ‌المستشرقون…والاستعمار

- ‌مدخل

- ‌ النزعة الأولى

- ‌النزعة الثانية:

- ‌الباب الثاني: اتجاه مقاومة الاستعمار الغربي

- ‌مقاومة مزدوجة

- ‌محمد جمال الدين الأفغاني

- ‌محمد عبده:

- ‌الباب الثالث: التجديد في الفكر الإسلامي

- ‌اتجاه الفكر الإسلامي منذ بداية القرن العشرين

- ‌بشرية القرآن:

- ‌الإسلام دين…لا دولة:

- ‌الدين خرافة:

- ‌الدين مخدر:

- ‌الباب الرابع: الإصلاح الديني

- ‌الباب الخامس: الإسلام غدا

- ‌مواجهة الإسلام للصليبية والماركسية:

- ‌الإسلام فوق الزمان والمكان:

- ‌الفراغ في الحياة التوجيهية العامة:

- ‌الأزهر:

- ‌الأزهر…في تنظيمه الجديد:

- ‌الباب السادس: ملحقات المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المستشرقون المعاصرون:

- ‌ المتطرفون من المستشرقين

- ‌ بعض الكتب المتطرفة

- ‌كتاب "مجد الإسلام": لجاستون فييت

- ‌المستشرقون الناطقون بالإنجليزية ومدى اقترابهم من حقيقة الإسلام والقومية العربية

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌ ‌الباب السادس: ملحقات المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام ‌ ‌مدخل … الباب السادس: ملحقات

‌الباب السادس: ملحقات المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام

‌مدخل

الباب السادس: ملحقات المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام

مقدمة:

إذا كان من دواعي استقرار الحكم الوطني في مصر الحديثة الثائرة عزل عملاء السياسة وإبعادهم عن الحياة السياسية، فإن من صالح قيادة الأمة -كشعب موحد الاتجاه، قوي في أحاسيسه المشتركة- أن ينحي عملاء التبشير والاستشراق من جوانب التوجيه العام سواء في التثقيف أو النشر، أو الصحافة أو الإذاعة.

إن عملاء التبشير والاستشراق -وهم عملاء الاستعمار في مصر والشرق الإسلامي- هم الذين دربتهم دعوة التبشير على إنكار المقومات التاريخية والثقافية والروحية في ماضي هذه الأمة وعلى التنديد والاستخفاف بها، وهم الذين وجههم كتاب الاستشراق إلى أن يصوغوا هذا الإنكار والتنديد والاستخفاف في صورة البحث، وعلى أساس من أسلوب الجدل والنقاش في الكتابة أو الإلقاء عن طريق المحاضرة أو الإذاعة.

إن التبشير والاستشراق كلاهما دعامة الاستعمار في مصر والشرق الإسلامي، فكلاهما دعوة إلى توهين القيم الإسلامية، والغض من اللغة العربية الفصحى، وتقطيع أواصر القربى بين الشعوب العربية، وكذا بين الشعوب الإسلامية، والتنديد بحال الشعوب الإسلامية الحاضرة، والازدراء بها في المجالات الدولية العالمية:

- فهناك الدعوة إلى أن القرآن:

- كتاب مسيحي يهودي نسخه محمد!

- وأن الإسلام دين مادي لا روحية فيه، يدعو إلى الدنيا وليس إلى صفاء النفوس والمحبة!

- وأنه -أي: الإسلام- يميل إلى الاعتداء والاغتيال، ويحرض أتباعه على القسوة على غير المسلمين عامة!

- كما أنه يدعو إلى الحيوانية والاستغراق في الملذات الدنيا!

ص: 417

وهناك الدعوة إلى:

-أن الفلسفة العربية فكر يوناني، كتب بأحرف عربية.

- وأن اللغة العربية الفصحى لم تعد صالحة اليوم، بدلا منها يجب أن تستخدم العامية واللهجات الدارجة، كما يجب أن تستخدم الحروف اللاتينية عوضا عن الأحرف العربية!

- وهناك الدعوة إلى:

- إحياء الفرعونية في مصر.

- والآشورية في العراق.

- البربرية في شمال إفريقيا.

- والفنيقية على ساحل فلسطين ولبنان.

وإلى تفضيل الفارسية -كلغة آرية - على العربية كلغة سامية.

- وإلى أن الذي حمل أمارات الحياة الأدبية الجديدة في الشرق العربي في نهاية القرن التاسع عشر، وكذا في الشرق الإسلامي، وحمل مظاهر الحضارة عامة هم نصارى لبنان الذين تعلموا واستوحوا من جهود المبشرين الأمريكيين في سوريا.

- وإلى أن البربر وحدهم هم أصحاب المدنية في شمال إفريقيا والأندلس.

- التنفير من حياة المسلمين الحاضرة؛ لأنها حياة بدائية ذليلة.

- وإلى أن السبب في ذلك هو تعاليم الإسلام والتمسك بها.

- والتبشير والاستشراق في ذلك سواء والفرق بينهما هو: أن الاستشراق أخذ صورة "البحث" وادعى لبحثه "الطابع العلمي الأكاديمي" بينما بقيت دعوة التبشير في حدود مظاهر "العقلية العامة" وهي العقلية الشعبية.

استخدم الاستشراق: الكتاب والمقال في المجالات العلمية، وكرسي التدريس في الجامعة، والمناقشة في المؤتمرات "العلمية" العامة.

ص: 418

أما التبشير فقد سلك طريق التعليم المدرسي في دور الحضانة ورياض الأطفال والمراحل الابتدائية والثانوية للذكور والإناث على السواء، كما سلك سبيل العمل "الخيري" الظاهري في المستشفيات، ودور الضيافة والملاجئ للكبار، ودور اليتامى واللقطاء، ولم يقصر التبشير في استخدام "النشر والطباعة" وعمل "الصحافة" في الوصول إلى غايته.

إن البلاد العربية والإسلامية في يقظتها الحالية تتعثر في خطاها نحو التماسك الداخلي، ونحو تقوية العلاقات بينها، بسبب الرواسب التي تخلفت عن التبشير والاستشراق، وبسبب آخر له وزنه في هذا التعثر وهو ضعف المواجهة التي يلقاها في البلاد الإسلامية هذان العاملان القويان في تركيز الاستعمار، وبعثرة القوى الوطنية في كل بلد عربي وإسلامي.

والمؤسسات الإسلامية -على تعددها وتنوعها- لم تعرف تماما حتى الآن "وضعية" التبشير والاستشراق في توجيه الشعوب العربية والإسلامية، حتى تحاول أن تلقاها، فضلا عن أن يكون لقاؤها إياها قويا أو ضعيفا.

1-

فالأزهر وهو أكبر المؤسسات الإسلامية في الشرق العربي والإسلامي، لم يخرج برسالته كثيرا حتى الآن عن أن يكون ترديدا لتفكير القرون الوسطى في مواجهة بعضهم بعضا كأحزاب وأصحاب مذاهب فقهية وكلامية أو شعوبية "سنة وشيعة" أو ترديدا لتفكير المتأخرين الذين سلبوا الإنسان أخص مقوماته في الدنيا وهي ميزة الحياة. ولكن الأمل كبير الآن في إصلاح الأزهر.

2-

وجمعية الشبان المسلمين بالقاهرة، هي تقليد لجمعيات الشباب المعروفة من قبل عند غيرنا في جانب، وابتعاد عنها في أهم جانب من جوانب رسالتها، تقلدها في ممارسة الرياضة، ولكنها لا تقلدها في جعل الرياضة وسيلة من وسائل التربية والإيمان، كما تفعل جمعيات الشباب الأخرى. أما ما يلقى فيها من محاضرات، أو يعقد فيها من ندوات، فينقص هذه وتلك عنصر الجدية وحرارة الإيمان

3-

وجمعية التعريف بالدولي بالإسلام "التي تعقد اجتماعاتها بدار جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة" هي جمعية طابعها شخصي، أكثر من أن يكون حملا لرسالة وبعثا لها، أو نشرا لمبادئها في بلاد العالم، كما هو المفهوم من اسمها وصفاتها.

ص: 419

4-

ومعهد الدراسات الإسلامية "بالروضة بالقاهرة" معهد حديث النشأة لم يتميز اتجاهه بعد، هل هو علماني على نحو أسلوب الدراسة العلمانية في التراث الإسلامي التي أدخلها علماء التبشير والاستشراق في الجامعات المصرية؟ أم هو تقليدي على نحو ما يفعل الأزهر في طريقته؟

إن رواسب التبشير والاستشراق التي أشرنا إليها فيما مضى لا تتمثل فقط في المؤسسات التبشيرية المختلفة الظاهرة في مصر والبلاد العربية والإسلامية، بل هناك أيضا مؤسسات أخرى في مصر لا يرى منها التبشير وإن كانت لا تخفي هدف هذا الاستشراق، ونذكر -على سبيل المثال لا الحصر- المؤسسات الآتية:

1-

المعهد الشرقي بدير الدومينكان، بشارع مصنع الطرابيش.

2-

ندوة الكتاب، بشارع سليمان باشا.

3-

دار السلام، بكنيسة دار السلام بمصر القديمة.

4-

المعهد الفرنسي بالمنيرة.

فكل هذه المؤسسات تخضع للاتجاه الكاثوليكي في بحث الإسلام وتراثه وتخضع كذلك للنفوذ الفرنسي، والذين يعاونونها من المصريين هم أصحاب الثقافة الفرنسية ممن درسوا في فرنسا الآداب الشرقية والثقافية الإسلامية، ويرعاها كأب روحي، المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون، وعضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، ومستشار وزارة المستعمرات الفرنسية في شئون شمال إفريقيا.

والذين يعاونون هذه المؤسسات من المصريين المثقفين في فرنسا والدارسين للآداب الشرقية العربية أو للتراث الإسلامي الثقافي، يزداد أثرهم كلما اتصل شأنهم واتصلت مشورتهم بتوجيه الآداب، أو الثقافة في مصر.

وتحت عنوان "إصدار سلسلة كتب عن تاريخ الدين الإسلامي" وتحت هذا العنوان كتبت جريدة الأخبار بتاريخ 15 أكتوبر من عام 1957: عن وضع مشروع لإصدار سلسلة من الكتب، بعضها مترجم عن كتب المستشرقين،

ص: 420

والبعض الآخر يؤلفه كتاب مصريون عن تاريخ الدين الإسلامي، والأطوار التي مر بها في عهد الاستعمار.

من غير شك هناك من له نفوذ بين الذين يعتزمون إصدار هذه السلسلة وهو من أنصار اتجاه التبشير والاستشراق ويروج لرسالة التبشير والاستشراق وهي رسالة الاستعمار دون أن يكون في نفسه أي أثر للشعور بخطورة هذا الاتجاه. فنحن سنرى في الكلام عن الاستشراق، في هذا البحث، ما يؤكد أن هدف المستشرقين في كتبهم عامة وقاطبة هو التوهين للقيم الإسلامية، وتفتيت الشعوب العربية والإسلامية في علاقاتها وصلات بعضها ببعض.

أجهزة الدعوة والدراسات الإسلامية عليها إزاء التبشير والاستشراق:

أولا: أن تساهم في تنقية الحياة المصرية والعربية والإسلامية من رواسب هذين العاملين فتقعد عملاءهما من حياة التوجيه في مصر في جوانبها المتعددة وتكون ذات صلة وثيقة بوزارة التربية والتعليم في الإشراف على حياة مصرية إسلامية أفضل في مدارس المبشرين، وهي المدارس الدينية التابعة للفاتيكان في طوابعها المختلفة، من فرنسية وإيطالية، وإسبانية وألمانية وهلم جرا.. وعلى صلة وثيقة بالصحافة ووزارة الثقافة والإرشاد القومي في توجيه القلم والكتاب.

ثم عليها ثانيا: أن تكون من المؤسسات التعليمية الإسلامية -كالأزهر- جهازا قويا يلقى به كتب المستشرقين، وبحوثهم في مجلاتهم ومؤتمراتهم، في الرد عليهم وشرح القيم الإسلامية، وتقوية أواصر القربى بين الشعوب العربية والإسلامية.

ثم عليها ثالثا: أن تخرج للمسلمين عاجلا في مشارق الأرض ومغاربها:

1-

"دائرة معارف إسلامية" يكتبها علماء مسلمون متمكنون في فهم التراث الإسلامي من جميع بلاد العالم الإسلامي، وتكون مرجعا للجوانب الثقافية.

ص: 421

2-

وأن تقرأ "ترجمة" في كل لغة من اللغات التي ترجم إليها القرآن فعلا بعد مراجعتها مراجعة دقيقة، من علماء لهم سعة اطلاع في التفسير والعلوم الإسلامية.

3-

وأن تخرج "قاموسا" للفقه الإسلامي، على نمط القواميس العلمية الحديثة في الاجتماع والفلسفة وعلم النفس والاقتصاد

يكون مرجعا سريعا لمعرفة المصطلحات الفقهية ومدلولاتها، في المذاهب الفقهية المختلفة.

والفرق بينه وبين "دائرة المعارف الإسلامية" أن هذه لا تقصر موضوعاتها على الفقه، بل تعالج جوانب التراث الإسلامي كلها كموسوعة علمية عصرية، أما القاموس فمهمته التعريف في صورة مجملة سريعة علمية منظمة بالفقه الإسلامي، والمسلم المعاصر -وبالأخص في البلاد التي تعرف اللغة العربية- في حاجة ماسة إلى مثل هذا القاموس.

4-

وأن تصدر "مجلة" تتبع بحوث الاستشراق التي يوردها الغرب الصليبي للشرق الإسلامي في الوقت الحاضر، سواء في كتبه عن التراث الإسلامي أو في بحوث مجلاته العديدة التي تعنى بهذا التراث، وبوضعية المسلمين وتوجيههم، وحركة الغرب في توريده لهذه البحوث حركة ضخمة وسريعة، كما يرى من الدوريات التي تنشرها الجمعيات الاستشراقية في مختلف بقاع العالم بلغات مختلفة، ومن الكتب التي تصدرها دور الطباعة الكبيرة في عواصم أمريكا الشمالية وإنجلترا وفرنسا. والبيان المرافق في هذا البحث يعطي صورة تقريبية، ولكنها صورة مزعجة للموجهين في العالم الإسلامي.

وإذا ابتدأت أجهزة الدعوة والدراسات الإسلامية في مواجهة "الاستشراق" مواجهة سافرة -وليس هناك حتى اليوم أية مؤسسة إسلامية في العالم الإسلامي تقوم بهذا الدور- لأكثر من سبب، فستظهر له سبل أخرى يرى لزاما عليه أن يسلكها كي يصل إلى هدفه، وهو:

إعادة تقييم القيم الإسلامية في نفوس المسلمين، وفي نفوس الرأي العام العربي.

ص: 422

هدف التبشير:

سنرى فيما بعد أن الاستشراق لون من ألوان التبشير لاءم نفسه مع ظروف الحياة، وإذا كان الاستشراق نوعا من أنواع التبشير فتعرف هدف التبشير نفسه يعطينا بالتالي صورة عن هدف الاستشراق، ولن نحاول هنا أن نذكر شيئا مستنتجا من قراءة أو دراسة لهذا الموضوع، وإنما سندع النصوص الثابتة لزعماء المبشرين تعبر عن هذا الهدف.

يقول لورانس براون Lawrance brown "إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرا، وأمكن أن يصبحوا نعمة له أيضا. أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا قوة ولا تأثير"1.

ويفصح القس "كالهون سيمون" عن رغبة التبشير القوية في تفريق المسلمين التي عبر عنها "براون" فيما قبل، بقوله: "إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السود، وتساعدهم على التملص من السيطرة الأوروبية.

ولذلك كان التبشير عاملا مهما في كسر شوكة هذه الحركات؛ ذلك لأن التبشير يعمل على إظهار الأوروبيين في نور جديد جذاب، وعلى سلب الحركة الإسلامية من عنصر القوة والتمركز فيها"2.

فوحدة المسلمين إذن في نظر التبشير يجب أن تفتت وأن توهن، ويجب أن يكون هدف التبشير هو التفرقة في توجيه المسلمين واتجاهاتهم، والتبشير، إذ يرى هدفه المباشر تفكيك المسلمين. يرى بالتالي درء خطر وحدتهم على استعمار الشعوب الأوروبية وعلى استغلالها واستنزافها لثروات المسلمين، وفي هذا المعنى يقول لورانس براون:"الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام، وفي قدرته على التوسع والإخضاع وفي حيويته: إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي"3.

وتقول مجلة العالم الإسلامي الإنجليزية The Muslim World: "إن شيئا من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي، ولهذا الخوف

1- في كتابه "الإسلام والإرساليات" Islam and Missions.

2 كتاب "التبشير والاستعمار" ص32.

3 في كتاب أصدره في عام 1944.

ص: 423

أسباب منها: أن الإسلام منذ أن ظهر في مكة لم يضعف عدديا، بل دائما في ازدياد واتساع ثم إن الإسلام ليس دينا فحسب، بل أن من أركانه الجهاد. ولم يتفق قط أن شعبا داخل في الإسلام ثم عاد نصرانيا"1.

وهناك بجانب تفتيت وحدة المسلمين -كهدف للمبشرين- هدف آخر هو التنفيس عن الصليبية وعن الانهزامات التي مني بها الصليبيون طوال قرنين من الزمان، أنفقوهما في محاولة الاستيلاء على بيت المقدس وانتزاعه من أيدي المسلمين الهمجيين!! يقول اليسوعيون:"ألم نكن نحن ورثة الصليبيين؟ أولم نرجع تحت راية الصليب لنستأنف التسرب التبشيري والتمدين المسيحي ولنعيد في ظل العلم الفرنسي وباسم الكنيسة مملكة المسيح"2.

- وبجانب هذا وذاك يرى المستشرق الألماني بيكر Becker: "أن هناك عداء من النصرانية للإسلام بسبب أن الإسلام عندما انتشر في العصور الوسطى أقام سدا منيعا في وجه انتشار النصرانية ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها"3.

وإذن هدف التبشير هو تمكين الأوروبي المسيحي من البلاد الإسلامية، والأسباب التي ذكرها هؤلاء المبشرون هنا توصل جميعها إلى هذا هداف، فسواء أكانت التنفيس عن هزيمة الصليبية، أم الرغبة في الانتقام من الإسلام؛ لأنه قام في القرون الوسطى في وجه المسيحية، أم توهين المسلمين وتمزيقهم في التوجيه والاتجاه، هو السبب المباشر في التبشير فإن نتيجته حتما وعلى أي وضع هي ما ذكرنا من تمكين الأوروبي المسيحي من المسلم الشرقي ومن وطنه.

وهنا يبدو واضحا أن التبشير مقدمة أساسية للاستعمار الأوروبي، كما أنه سبب مباشر لتوهين قوة المسلمين، "ولقد كانت الدول الأجنبية تبسط

1 عدد يونية سنة 1930 تحت عنوان "الجغرافيا السياسية للعالم الإسلامي".

The Political grography of the Mohammadan world.

2 التبشير والاستعمار ص117.

3 المصدر السابق: ص50.

ص: 424

الحماية على مبشريها في بلاد الشرق؛ لأنها تعدهم حملة لتجارتها وآرائها ولثقافتها إلى تلك البلاد، بل لقد كانت ثمة ما هو أعظم من هذا عندها، لقد كان المبشرون يعملون بطرق مختلفة كالتعليم مثلا على تهيئة شخصيات شرقية لا تقاوم التسلط الأجنبي"1.

تصوير المبشرين للإسلام والمسلمين:

وطريق التبشير لتوهين المسلمين لم يكن الدعوة إلى المسيحية والعمل على ارتداد المسلمين إلى النصرانية مباشرة، وإنما كانت طريقه تشويه الإسلام، ومحاولة إضعاف قيمة، ثم تصوير المسلمين في وضعهم الحالي بصورة مزرية بعيدة عن المستوى الحضاري في عصرنا الحاضر.

"فالمونيسنيور كولي" في كتابه "البحث عن الدين الحق" يصور الإسلام على هذا النحو: "الإسلام في القرن السابع للميلاد برز في الشرق عدو جديد، ذلك هو الإسلام الذي أسس على القوة، وقام على أشد أنواع التعصب.

لقد وضع محمد السيف في أيدي الذين اتبعوه، وتساهل في أقدس قوانين الأخلاق.

ثم سمح لأتباعه بالفجور والسلب!!

ووعد الذين يهلكون "يستشهدون في سبيل الله" في القتال بالاستمتاع الدائم بالملذات "الجنة"!

وبعد قليل أصبحت آسيا الصغرى وإفريقيا وإسبانيا فريسة له، حتى إيطاليا هددها الخطر، وتناول الاجتياح نصف فرنسا.

لقد أصيبت المدنية!!

ولكن هياج هؤلاء الأشياع "المسلمين" تناول في الأكثر كلاب النصارى.

1 المصدر السابق: ص50.

ص: 425

ولكن انظر! ها هي النصرانية تضع بسيف شارل مارتل سدا في وجه سير الإسلام المنتصر عند يوانيه "752م" ثم تعمل الحروب الصليبية في مدى قرنين تقريبا "1099-1254م" في سبيل الدين، فتدجج أوروبا بالسلاح، وتنجى النصرانية، وهكذا تقهقرت قوة الهلال أمام راية الصليب، وانتصر الإنجيل على القرآن، وعلى ما فيه من قوانين الأخلاق الساذجة"1!

ويقول و. س. نلسون V.S. Nelson "وأخضع سيف الإسلام شعوب إفريقيا وآسيا شعبا بعد شعب"2.

هذا في وصف الإسلام ووصف مبادئه، أما محمد رسوله فيقول عنه أديسون Addison:"محمد لم يستطع فهم النصرانية، ولذلك لم يكن في خياله منها إلا صورة مشوهة بنى عليها دينه الذي جاء به للعرب"3.

وفي وصف المسلمين يقول هنري جيسب Henry Jesups المبشر الأمريكي: "المسلمون لا يفهمون الأديان ولا يقدرونها قدرها

إنهم لصوص، وقتلة ومتأخرون، وأن التبشير سيعمل على تمدينهم"4! كما يقول في وصفهم جوليمين Guillimain في كتابه "تاريخ فرنسا":"إن محمدا، مؤسس دين المسلمين قد أمر أتابعه أن يخضعوا العالم وأن يبدلوا جميع الأديان بدينه هو. ما أعظم الفرق بين هؤلاء الوثنيين "المسلمين" وبين النصارى! إن هؤلاء العرب قد فرضوا دينهم بالقوة وقالوا للناس: أسلموا أو موتوا، بينما أتباع المسيح ربحوا النفوس ببرهم وإحسانهم.

ماذا كانت حال العالم لو أن العرب انتصروا علينا؟ إذن لكنا مسلمين كالجزائريين والمراكشيين"5.

1 ص220 طبع 1928، وقد نال هذا الكتاب رضا البابا ليون الثالث عشر في سنة 1887 وعاش في المدارس المسيحية في الشرق والغرب إلى اليوم.

2 التبشير والاستعمار ص36.

3 المصدر السابق: ص37.

4 المصدر السابق في نفس الصفحة.

5 الصفحات من: 8-81 من كتابه.

ص: 426

وهكذا: المسلمون متأخرون، ولصوص وقتلة!!

وهكذا: رسولهم سارق ومحرف فيما سرق!!

وهكذا: الإسلام دين السيف وليس دين الإيمان، هو دين مادي وليس دينا روحيا؛ لأنه يسمح لأتباعه بالفجور والسلب والقتل!! هذا ما يصور به التبشير الإسلام والمؤمنين به والتابعين لرسوله، على أنه لم يفت المبشرين كذلك بجانب تشويه الإسلام والمسلمين بغية توهينهم وإضعاف وحدتهم أن يثيروا للغاية نفسها النزعات الشعوبية، مثل الفرعونية في مصر، والفينيقية على ساحل فلسطين ولبنان، والآشورية في العراق، والبربرية في شمال إفريقيا وهكذا

سبل المبشرين إلى بلوغ غاياتهم:

وتنوعت أساليب التبشير في توصيل هذا التصوير المشوه للإسلام ورسوله والمسلمين، إلى أجيال المسلمين جيلا بعد جيل، منذ أن استقر في الشرق العربي والإسلامي، فكانت:

- المدرسة، والكلية، والجامعة.

- الندوة، والرياضة.

- المنزل.

- الكتاب.

- الصحافة.

- المخيم.

- المستشفى.

- دار النشر والطباعة.

وإن من أشهر المؤسسات التعليمية في الشرق العربي جامعة القديس يوسف في لبنان، وهو جامعة بابوية كاثوليكية "وتعرف الآن بالجامعة اليسوعية".

ص: 427

والجامعة الأمريكية ببيروت التي كانت من قبل تسمى "الكلية السورية الإنجيلية" ثم كلية بيروت، وقد أنشئت في عام 1865، وهي جامعة بروتستانتية.

والكلية الأمريكية بالقاهرة التي أصبحت فيما بعد "الجامعة الأمريكية" وقد كان القصد من إنشائها: أن تكون قريبة من المركز الإسلامي الكبير، وهو الجامع الأزهر.

وكلية روبرت في استنبول التي أصبحت تسمى "بالجامعة الأمريكية" هناك.

والكلية الفرنسية في لاهور، وأسست في لاهور باعتبار أن هذا البلد يكاد يكون البلد الإسلامي الفريد في تكوينه في شبه القارة الهندية، ومن المنشور الذي أصدرته الجامعة الأمريكية في بيروت في عام 1909، ردا على احتجاج الطلاب المسلمين لإجبارهم على الدخول يوميا إلى الكنيسة، يتضح من المادة الرابعة منه طابع هذه المؤسسة وأمثالها، ونص هذه المادة ما يلي:

"أن هذه كلية مسيحية أسست بأموال شعب مسيحي، هم اشتروا الأرض وأقاموا الأبنية، وهم أنشئوا المستشفى وجهزوه ولا يمكن للمؤسسة أن تستمر إذا لم يسندها هؤلاء، وكل هذا قد فعله هؤلاء؛ ليوجدوا تعليما يكون الإنجيل من مواده، فتعرض منافع الحقيقة المسيحية على كل تلميذ.. وكل طالب يدخل مؤسستنا يجب أن يعرف سابقا ماذا يطلب منه"1.

كما أعلن مجلس أمناء الكلية في هذه المناسبة: "أن الكلية لم تؤسس للتعليم العلماني، ولا لبث الأخلاق الحميدة، ولكن من أولى غاياتها أن تعلم الحقائق الكبرى التي في التوراة، وأن تكون مركزا للنور المسيحي، وللتأثير المسيحي، وأن تخرج بذلك الناس وتوصيهم به"2.

وكما يستخدم المبشرون دور التعليم، بعد أن يموهوا بأسمائها على الرأي العام للتبشير، يستخدمون كذلك الوسائل الأخرى التي أشرنا إليها

1 "التبشير والاستعمار" ص108.

2 المصدر السابق: ص109.

ص: 428

هنا سابقا، للغاية نفسها، وبالأخص الصحافة، فكتاب "التبشير والاستعمار" يذكر نقلا عن مصادر للتبشير ما يلي:

"يعلن المبشرون أنهم استغلوا الصحافة المصرية على الأخص، للتعبير عن الآراء المسيحية أكثر مما استطاعو في أي بلد إسلامي آخر، لقد ظهرت مقالات كثيرة في عدد من الصحف المصرية، إما مأجورة في أكثر الأحيان أو بلا أجر في أحوال نادرة"1.

والمبشرون يسيرون في تحقيق هدفهم وفق خطط معينة مدروسة يجتمعون من أجلها بين الحين والحين، ولذلك ترى أنهم عقدوا عدة مؤتمرات لهذه الغاية:

- مؤتمر القاهرة في عام 1906.

- ومؤتمر بيروت في عام 1911.

- ومؤتمر القدس في عام 1924.

- ومؤتمر القدس في عام 1935.

وفي كل مؤتمر من هذه المؤتمرات تدرس المشروعات وتوضع الخطط ثم يجري تنفيذها في سرية تامة وبهمة دائبة.

نشأة الاستشراق:

يرجع تاريخ الاستشراق في بعض البلدان الأوروبية إلى القرن الثالث عشر الميلادي، وربما كانت هناك محاولات فردية قبل ذلك، غير أن المصادر التي بين أيدينا لا تلقي الضوء الكافي على الموضوع، وإن أشارت إلى بعض المستشرقين كأفراد، ويكاد المؤرخون يجمعون على أن الاستشراق انتشر في أوروبا بصفة جدية بعد فترة "عهد الإصلاح الديني" كما يشهد بذلك التاريخ في هولندا والدانيمارك وغيرهما2.

1 المصدر السابق: ص207.

2 راجع الصفحات 3، 54، 86، 257، 268 من المجلد الثالث الصادر في عام 1923 من مجلة "المجمع العلمي العربي" والصفحات 64، 170، 204، 264، 416، 442 من المجلد الرابع الصادر في عام 1924 من المجلة نفسها.

ص: 429

أسباب الاستشراق:

والسبب الرئيسي المباشرة الذي دعا الأوروبيين إلى الاستشراق هو سبب ديني في الدرجة الأولى؛ فقد تركت الحرب الصليبية في نفوس الأوروبيين ما تركت من آثار مرة عميقة، وجاءت حركة الإصلاح الديني المسيحي فشعر المسيحيون: بروتستانت وكاثوليك، بحاجات ضاغطة لإعادة النظر في شروح كتبهم الدينية، ولمحاولة تفهمها على أساس التطورات الجديدة التي تمخضت عنها حركة الإصلاح، ومن هنا اتجهوا إلى الدراسات العبرانية، وهذه أدت بهم إلى الدراسات العربية فالإسلامية؛ لأن الأخيرة كانت ضرورية لفهم الأولى وخاصة ما كان منها متعلقا بالجانب اللغوي، وبمرور الزمن اتسع نطاق الدراسات الشرقية حتى شملت أديانا ولغات وثقافات غير الإسلام وغير العربية1.

ومن جهة أخرى رغب المسيحيون في التبشير بدينهم بين المسلمين، فأقبلوا على الاستشراق ليتسنى لهم تجهيز الدعاة وإرسالهم للعالم الإسلامي، والتقت مصلحة المبشرين مع أهداف الاستعمار فمكن لهم، واعتمد عليهم في بسط نفوذه في الشرق، وأقنع المبشرون زعماء الاستعمار بأن "المسيحية" ستكون قاعدة الاستعمار الغربي في الشرق، وبذلك سهل الاستعمار للمبشرين مهمتهم وبسط عليهم حمايته، وزودهم بالمال والسلطان، وهذا هو السبب في أن الاستشراق قام في أول أمره على أكتاف المبشرين والرهبان ثم اتصل بالاستعمار.

وبجانب هذا وذاك، كانت هناك أسباب أخرى فرعية لنشأة الاستشراق: أسباب تجارية، وأسباب سياسية ديبلوماسية، وأسباب شخصية مزاجية عند بعض الناس الذين تهيأ لهم الفراغ والمال، واتخذو الاستشراق وسيلة لإشباع رغباتهم الخاصة في السفر، أو في الاطلاع على ثقافات العالم القديم، ويبدو أن فريقا من الناس دخلوا ميدان الاستشراق من باب البحث عن الرزق عندما ضاقت بهم سبل العيش العادية، أو دخلوه هاربين عندما قعدت بهم إمكانياتهم الفكرية عن الوصول إلى مستوى العلماء في العلوم

1 راجع المصدر السابق، وكتاب "المستشرقون" لنجيب العفيفي ومجلة الإسلام بالإنجليزية Al-Islam ص112 من عدد 15 فبراير سنة 1958.

ص: 430

الأخرى. أو دخلوه تخلصا من مسئولياتهم الدينية المباشرة في مجتمعاتهم المسيحية، أقبل هؤلاء على الاستشراق تبرئة لذمتهم الدينية أمام إخوانهم في الدين،، وتغطية لعجزهم الفكري، وأخيرا بحثا عن لقمة العيش إذ إن التنافس في هذا المجال أقل منه في غيره من أبواب الرزق1.

وهناك ملاحظة لبعض الباحثين تتعلق بالمستشرقين اليهود خاصة. فالظاهر أن هؤلاء أقبلوا على الاستشراق لأسباب دينية، وهي محاولة إضعاف الإسلام والتشكيك في قيمه بإثبات فضل اليهودية على الإسلام؛ بادعاء أن اليهودية في نظرهم هي مصدر الإسلام الأول، ولأسباب سياسية تتصل بخدمة الصهيونية: فكرة أولا ثم دولة ثانيا، هذه وجهة نظر ربما لا تجد مرجعا مكتوبا يؤيدها غير أن الظروف العامة، والظواهر المترادفة في كتابات هؤلاء المستشرقين تعزز وجهة النظر هذه، وتخلع عليها بعض خصائص الاستنتاج العلمي.

وقد تركزت أهداف الاستشراق -مع تنوعها- أخيرا في خلق التخاذل الروحي، وإيجاد الشعور بالنقص في نفوس المسلمين والشرقيين عامة، وحملهم من هذا الطريق على الرضا والخضوع للتوجيهات الغربية.

"ومن المبشرين نفر يشتغلون بالآداب العربية والعلوم الإسلامية أو يستخدمون غيرهم في سبيل ذلك، ثم يرمون كلهم مما يكتبون إلى أن يوازنوا بين الآداب العربية والآداب الأجنبية، أو بين العلوم الإسلامية والعلوم الغربية "التي يعدونها نصرانية؛ لأن أمم الغرب تدين بالنصرانية" ليخرجوا دائما بتفضيل الآداب الغربية على الآداب العربية والإسلامية، وبالتالي إلى إبراز نواحي النشاط الثقافي في الغرب وتفضيلها على أمثالها في تاريخ العرب والإسلام، وما غايتهم من ذلك إلا تخاذل روحي وشعور بالنقص في نفوس الشرقيين وحملهم من هذا الطريق على الرضا بالخضوع للمدنية المادية الغربية"2.

1 راجع الصفحات 19 وما بعدها، 28 وما بعدها، 40 وما بعدها. من كتاب "المستشرقون" وراجع المجلدين الثالث والرابع من مجلة المجمع العلمي العربي لعامي 1923، 1924 وراجع مجلة الإسلام بالإنجليزية Al-Islam في أعدادها الصادرة في فبراير وأبريل ومارس ومايو، من عام 1958.

2 التبشير والاستعمار: ص17.

ص: 431

من مظاهر المستشرقين:

حاول المستشرقون أن يحققوا أهدافهم بكل الوسائل: ألفوا الكتب، وألقوا المحاضرات والدروس، و"بشروا" بالمسيحية بين المسلمين، وجمعوا الأموال وأنشئوا الجمعيات وعقدوا المؤتمرات، وأصدروا الصحف، وسلكوا كل مسلك ظنوه محققا لأهدافهم.

وهذه نماذج من صور نشاطهم المتعدد الجوانب:

- في عام 1787 أنشأ الفرنسيون جمعية المستشرقين، وألحقوا بها أخرى في عام 1820، وأصدروا "المجلة الأسيوية".

- وفي لندن تألفت جمعية لتشجيع الدراسات الشرقية في عام 1823، وقبل أن يكون الملك ولي أمرها، وأصدرت "مجلة الجمعية الآسيوية الملكية".

- وفي عام 1842 أنشأ الأمريكيون جمعية ومجلة باسم "الجمعية الشرقية الأمريكية" وفي العام نفسه أصدر المستشرقون الآلمان مجلة خاصة بهم، كذلك فعل المستشرقون في كل من النمسا وإيطاليا وروسيا.

- ومن المجلات التي أصدرها المستشرقون الأمريكيون في هذا القرن "مجلة جمعية الدراسات الشرقية"، وكانت تصدر في مدينة جامبير Cambier بولاية أوهايو Ohio ولها فروع في لندن وباريس وليبزج، وتورنتو في كندا، ولا يعرف إن كانت تصدر الآن أم لا، طابعها العام على كل حال طابع الاستشراق السياسي وإن كانت تعرض من وقت لآخر لبعض المشكلات الدينية، وخاصة في باب الكتب.

- ويصدر المستشرقون الأمريكيون في الوقت الحاضر "مجلة شئون الشرق الأوسط" وكذلك "مجلة الشرق الأوسط" وطابعها على العموم طابع الاستشراق السياسي كذلك.

وأخطر المجلات التي يصدرها المستشرقون الأمريكيون في الوقت الحاضر هي مجلة "العالم الإسلامي" The Muslim World أنشأها صموئيل زويمر Zweimer في سنة 1911، وتصدر الآن من هارتيفورد Hartford بأمريكا ورئيس تحريرها كنث كراج K. Cragg وطابع هذه المجلة تبشيري سافر.

ص: 432

وللمستشرقين الفرنسيين مجلة شبيهة بمجلة "العالم الإسلامي" في روحها واتجاهها العدائي التبشيري واسمها أيضا "Le Monde Musulman".

ولعل أخطر ما قام به المستشرقون حتى الآن هو إصدار "دائرة المعارف الإسلامية" بعدة لغات، وكذلك إصدار موجز لها بنفس اللغات الحية التي صدرت بها الدائرة، وقد بدءوا في الوقت الحاضر في إصدار طبعة جديدة تظهر في أجزاء، ومصدر الخطورة في هذا العمل هو أن المستشرقين عبئوا كل قواهم وأقلامهم لإصدار هذه الدائرة، وهي مرجع لكثير من المسلمين في دراساتهم، على ما فيها من خلط وتحريف وتعصب سافر ضد الإسلام والمسلمين.

واستطاع المستشرقون أن يتسللوا إلى المجمع اللغوي في مصر، والمجمع العلمي في دمشق، والمجمع العلمي في بغداد.

ويعمد المستشرقون -فيما يعتمدون- على عقد المؤتمرات العامة من وقت لآخر لتنظيم نشاطهم، وأول مؤتمر عقدوه كان في سنة 1873، وما زالت مؤتمراتهم تتكرر حتى اليوم.

وفي العصر الحديث تقوم المؤسسات الدينية والسياسة والاقتصادية في الغرب بما كان يقوم به الملوك والأمراء في الماضي: من الإغداق على المستشرقين وحبس الأوقاف والمنح على من يعملون في حقل الاستشراق.

واتجه المستشرقون والمبشرون بمعاونة الاستعمار إلى مجال التربية، محاولين غرس مبادئ التربية الغربية في نفوس المسلمين؛ حتى يشبوا "مستغربين" في حياتهم وتفكيرهم، وحتى تخف في نفوسهم موازين القيم الإسلامية "انظر ص114 من مجلة "الإسلام" Al-Islam الصادرة في 16 مارس سنة 1958".

ص: 433