المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌اتجاه الفكر الإسلامي منذ بداية القرن العشرين - الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي

[محمد البهي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌مقدمة الطبعة الثامنة:

- ‌تقديم الطبعة الرابعة:

- ‌تقديم الطبعة الثالثة

- ‌تقديم الطبعة الثانية:

- ‌تقديم الطبعة الأولى:

- ‌فاتحة:

- ‌الاستعمار الغربي يتسلل إلى العالم الإسلامي:

- ‌العالم الإسلامي في نظر الغرب المستعمر

- ‌الباب الأول: اتجاه حماية الاستعمار، أو الاتجاه الفكرى الممالئ

- ‌مفكرون من المسلمين مع الاستعمار

- ‌مدخل

- ‌حركة أحمد خان:

- ‌ المذهب القادياني:

- ‌الأحمدية:

- ‌المستشرقون…والاستعمار

- ‌مدخل

- ‌ النزعة الأولى

- ‌النزعة الثانية:

- ‌الباب الثاني: اتجاه مقاومة الاستعمار الغربي

- ‌مقاومة مزدوجة

- ‌محمد جمال الدين الأفغاني

- ‌محمد عبده:

- ‌الباب الثالث: التجديد في الفكر الإسلامي

- ‌اتجاه الفكر الإسلامي منذ بداية القرن العشرين

- ‌بشرية القرآن:

- ‌الإسلام دين…لا دولة:

- ‌الدين خرافة:

- ‌الدين مخدر:

- ‌الباب الرابع: الإصلاح الديني

- ‌الباب الخامس: الإسلام غدا

- ‌مواجهة الإسلام للصليبية والماركسية:

- ‌الإسلام فوق الزمان والمكان:

- ‌الفراغ في الحياة التوجيهية العامة:

- ‌الأزهر:

- ‌الأزهر…في تنظيمه الجديد:

- ‌الباب السادس: ملحقات المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المستشرقون المعاصرون:

- ‌ المتطرفون من المستشرقين

- ‌ بعض الكتب المتطرفة

- ‌كتاب "مجد الإسلام": لجاستون فييت

- ‌المستشرقون الناطقون بالإنجليزية ومدى اقترابهم من حقيقة الإسلام والقومية العربية

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌اتجاه الفكر الإسلامي منذ بداية القرن العشرين

‌الباب الثالث: التجديد في الفكر الإسلامي

‌اتجاه الفكر الإسلامي منذ بداية القرن العشرين

اتجاه الفكر الإسلامي منذ بداية القرن العشرين:

منذ نهاية القرن التاسع عشر.. بعد وفاة "جمال الدين الأفغاني"، وبعد أن توفر الشيخ "محمد عبده" على ما سماه الإصلاح الديني، وبعد أن ظهر "مصطفى كامل" كزعيم لحركة المقاومة السياسية.. اتجه الفكر الإسلامي المقاوم للاستعمار الغربي هنا في رقعة الشرق الأدنى إلى شعبتين:

- الشعبة الأولى: اتجهت إلى التعبئة الروحية والإصلاح، عن طريق عرض الإسلام عرضا واضحا، والعمل على جعله أساسا في التربية الوطنية، وسبيل ذلك إصلاح الأزهر، وإحياء الكتب القديمة.. وقد مثلت المدرسة "السلفية" التي قادتها مجلة "المنار" هذه الشعبة بعد وفاة الشيخ محمد عبده.

- والشعبة الثانية: اتجهت إلى تعبئة الحماس القومي في الجيل الناشئ، عن طريق: الصحافة، والاجتماعات العامة، ثم عن طريق تأسيس "الجامعة المصرية"، بسعي من مصطفى كامل نفسه.

ففكرة "الجامعة المصرية" وجدت أولا لخدمة القضية المصرية، وهي قضية التحرر من الاستعمار الغربي، وتفكير "الجامعة"، هو نوع من التفكير يتجه إلى مقاومة الاستعمار الغربي عن طريق تخريج أحرار في التوجيه غير خاضعين لنظام التعليم الرسمي إذ ذاك، وهو نظام وضعه الاحتلال البريطاني، ولم تزل رواسب هذا النظام باقية في اتجاه المدرسة المصرية إلى وقت قريب.

ورؤي إذ ذاك -لتحقيق هدف "الجامعة"- أن يبعد بها عن الطابع الرسمي والإشراف الحكومي، وأنشئت بهذا الطابع سنة 1908م، واستمرت بعيدة عن الإشراف الحكومي فترة طويلة من الزمن، إلى أن ضمها "علي ماهر" في سنة 1925م إلى التعليم الحكومي، على أن يحتفظ باستقلالها.

ص: 155

وفي جو "الجامعة".

وفي داخل الاتجاه السياسي "القومي" الذي يعد متوازيا مع اتجاه "الإصلاح الديني"، إذ كلاهما يهدف إلى مقاومة الاستعمار الغربي.

في هذا وذاك، قام ما يعرف بـ"التجديد والمجددين"، أو ما يصح أن يطلق عليه:"الفكر الإسلامي المغرب" Westernized

إنه ذلك الفكر في المجتمع الإسلامي الذي يسير في اتجاه الفكر الغربي، أو بمعنى أدق ذلك الفكر الذي يسير إما في اتجاه "الاستشراق" وتوجيه الدراسات الإسلامية في الجامعات الغربية، أو في الاتجاه "الطبيعي" العلمي هناك.

يقول المستشرق الإنجليزي "جب" في تحديد هذين الاتجاهين1:

إن النتائج التي أعقبت نشاط الشيخ عبده اتجهت بعده إلى اتجاهين متقابلين:

- فمن جانب نشأ محيط "مدني" في التفكير: صور على أنه "التجديد". وهو يقوم على الاحتفاظ بالعقيدة الإسلامية، ولكنه متأثر في قوة بالأفكار الغربية.. والمثل التقدمي لهذا التجديد يميل إلى "العلمانية" التي تهدف إلى فصل "الدين" عن "الدولة"، والاستعاضة بالنظام الغربي "للقانون" عن الشريعة الإسلامية.

"وقد طبقت مبادئ "العلمانية" في تركيا بعد إلغاء الخلافة العثمانية في سنة 1924م

وفيما عدا تركيا من البلاد الإسلامية يجد هذا الاتجاه سندا قويا له، ولكن مع موقف معتدل بعض الاعتدال من المؤسسات والتقاليد الإسلامية، ومهما كانت نظرات المشجعين "للعلمانية" في البلاد الإسلامية إلى القانون والسياسة، فموقفهم التوجيهي يمكن أن يخلص:

- في الرفض العام لتعاليم القرون الوسطى "في الإسلام! " كسلطة لا تعقيب عليها.

- وفي الاحتفاظ بالحرية الإنسانية في تقدير الأشياء، وفي كون العقل وحده هو الفيصل في ذلك -"وليس الإسلام"!!

1 في كتابه: "المذهب المحمدي" ص135.

ص: 156

- ومن جانب آخر تكون حزب ديني، يسمي نفسه بـ"السلفية"، وهو يتفق مع الاتجاه العلماني في رفض سلطة تعاليم القرون الوسطى، ولكن مع قبول القرآن والسنة، كأساس للفصل في الحقائق الدينية.

"وهؤلاء السلفيون في مقابل المجموعة العظمى من علماء الأزهر يعتبرون مصلحين، وفي مقابل المجددين أو العلمانيين: يرفضون مذهب "الحرية العقلية" الذي هو وليد الغرب.. وكان زعيم هذا الاتجاه الإصلاحي السلفي تلميذ الشيخ عبده محمد رشيد رضا السوري الذي توفي سنة 1935م".

فالتجديد إذن -في رقعة الشرق الأدنى- منذ بداية القرن العشرين:

هو محاولة أخذ الطابع الغربي، والأسلوب الغربي في تفكير الغربيين، سواء في تعبيرهم عن الدين، أو في تحديدهم لمفاهيمه ومفاهيم الحياة التي يعيشونها، أو في تقديرهم للثقافات الشرقية الدينية والإنسانية:

يقول صاحب "مستقبل الثقافة في مصر":

"فهي -أي: مصر- إنما أنشأت تلك الجامعة لترتفع بالشباب المصري عن ذلك التعليم الآلي الذي فرضته عليهم الظروف، ولترقى بهم إلى تعليم حر مستقل، يهيئهم أو يهئ بعضهم على الأقل ليكونوا علماء أحرارًا مستقلين! والظاهر أن مصر لا تريد أن تعبث ولا أن تهزل حين تقرر أنها تريد أن يكون من شبابها علماء أحرارًا مستقلون، يشبهون أمثالهم في الأمم الأخرى، ويثبتون لهم، ويشاركونهم في الإنتاج العلمي الحر المستقل الذي لا تقوم الحضارة بدونه، ولا تستطيع أن تثبت ولا أن تنمو إلا إذا اتخذته لها أساسًا"1!!

كما يقول:

"الجامعة تمثل العقل العلمي، ومناهج البحث الحديثة، وتتصل اتصالا مستمرا بالحياة العلمية الأوروبية، وتسعى إلى إقرار مناهج التفكير الحديث شيئا فشيئا في هذا البلد"2!!

1 مستقبل الثقافة: ج2 ص28، 29 "مطبعة المعارف - يوليو سنة 1938م".

2 المصدر السابق: ج2 ص39.

ص: 157

وصاحب مستقبل "الثقافة في مصر" يذهب في طلب الأخذ عن الغرب وسلوك طريقهم في البحث والتعليم إلى أن يبتدأ بذلك منذ مرحلة التعلم الثانوي ولهذا يوصي بتعليم اللغتين "اللاتينية واليونانية" في مرحلة هذا التعليم قبل الجامعة ضمانا لمساوقة الغرب والسير معه في اتجاه واحد؟!

ويرى أن ما سلكه الغرب، يجب أن تسلكه مصر في طريقها التجديدي

ومن ذلك تعليم اللغتين اللاتينية واليونانية في التعليم الثانوي، قبل العالي؟

يقول:

"إذا كان كل هذا حقا، فليس على مصر إلا أن تنظر إلى الأمم الحية الراقية: كيف تسلك طريقها إلى تكوين العلماء الأحرار المستقلين، ثم تسلك نفس هذا الطريق التي تسكلها هذه الأمم"1.

"إن التعليم العالي الصحيح لا يستقيم في بلد من البلاد الراقية إلا إذا اعتمد على اللاتينية واليونانية على أنهما من الوسائل التي لا يمكن إهمالها ولا الاستغناء عنها، فدرس اللاتينية واليونانية في الجامعة لا يغني عن درسها في المدارس العامة بل استلزاما"2.

وقد أوضح المؤلف مرة أخرى معنى هذا "التجديد" في موضع آخر:

"ولكن السبيل إلى ذلك واحدة فذة ليس لها تعدد

وهي: أن تسير سير الأوروبيين ونسلك طريقهم، لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاء في الحضارة: خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يحب منها وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب"3.

فإذا كنا نريد هذا الاستقلال العقلي والنفسي، الذي لا يكون إلا بالاستقلال العلمي والأدبي والفنى، فنحن نريد وسائله بالطبع.. ووسائله:

1 المصدر السابق: ج2 ص289.

2 المصدر السابق: ج2 ص289-293.

3 المصدر السابق: ج1 ص45.

ص: 158

أن نتعلم كما يتعلم الأوروبي

"ولنشعر كما يشعر الأوروبي، ولنحكم كما يحكم الأوروبي، ثم لنعمل كما يعمل الأوروبي، ونصرف الحياة كما يصرفها"1!!

فتجديد الفكر في المجتمع الإسلامي هنا، دعوة إلى مسايرة الأوروبيين: في تفكيرهم وفي خطواتهم في الحياة، وفي فصل الدين عن السياسة، وفي إبعاد الدين واللغة عن مجال الترابط

"ومن المحقق أن تطور الحياة الإنسانية قد قضى منذ عهد بعيد بأن وحدة الدين، ووحدة اللغة لا تصلحان أساسا للوحدة السياسية، ولا قواما لتكوين الدول"2.

والأساس الذي قامت عليه فكرة "التجديد" على هذا النحو، عند صاحب "مستقبل الثقافة في مصر" هو أن العقلية المصرية عقلية أوروبية، أو قريبة قربا شديدا من الأوروبية، ولها اتصال وثيق بالعقلية اليونانية، وبعيدة كل البعد عن العقلية الشرقية؟! وهي منذ قديم الزمان -منذ العهد الفرعوني- لم تتأثر بالطارئ عليها في أي عصر، فلم تتغير بالفرس ولا بالرومان، ولا بالعرب أو الإسلام

يقول:

"وأنا -من أجل ذلك- مؤمن بأن مصر الجديدة لن تبتكر ابتكارًا، ولن تخترع اختراعًا، ولن تقوم إلا على مصر القديمة الخالدة "الفرعونية! "

وبأن مستقبل الثقافة في مصر لن يكون أقل امتداد صالحا راقيا ممتازا لحاضرها المتهالك الضعيف، ومن أجل هذا لا أحب أن نفكر في مستقبل الثقافة في مصر إلا على ضوء ماضيها البعيد "الفرعوني"، وحاضرها القريب "وهو الاتجاه الحر في التفكير".

"ومعنى هذا كله واضح جدا: وهو أن العقل المصري "القديم"، لم يتصل بعقل الشرق الأقصى اتصالا ذا خطر، ولم يعش عيشة سلم وتعاون مع العقل الفارسي، وأنه عاش معه عيشة حرب وخصام.

"معنى ذلك أن العقل المصري قد اتصل من جهة بأقطار الشرق القريب "الشام وفلسطين والعراق" اتصالا منظما مؤثرا في حياته ومتأثرا، واتصل من جهة أخرى بالعقل اليوناني منذ عصوره الأولى اتصال تعاون وتوافق

1 المصدر السابق: ج1 ص49، 50.

2 المصدر السابق: ج1 ص15.

ص: 159

وتبادل مستمر منظم للمنافع في الفن والسياسة والاقتصاد

إن العقل المصري منذ عصوره الأولى عقل إن تأثر بشيء فإنما يتأثر بالبحر الأبيض المتوسط، وإن تبادل المنافع على اختلافها فإنما يتبادلها مع شعوب البحر الأبيض المتوسط"1.

"فأما المصريون أنفسهم فيرون أنهم شرقيون، وهم لا يفهمون من الشرق معناه الجغرافي اليسير وحده، بل معناه العقلي والثقافي، فهم يرون أنفسهم أقرب إلى الهندي والصيني والياباني، منهم إلى اليوناني والإيطالي والفرنسي؟. وقد استطعت أن أفهم كثيرا من الخطأ، وأسيغ كثيرا من اللغط، وأفسر كثيرا من الوهم، ولكني لم أستطع قط ولن أستطيع في يوم من الأيام أن أفهم هذا الخطأ الشنيع، أو أسيغ هذا الوهم الغريب"2!

"وكانت مصر من أسبق الدول الإسلامية إلى استرجاع شخصيتها القديمة"؟ " التي لم تنسها يوما من الأيام

فالتاريخ يحدثنا بأنها قاومت الفرس أشد المقاومة وبأنها لم تطمئن إلى المقدونيين حتى فنوا فيها، وأصبحوا من أبنائها واتخذوا تقاليدها وسننها لهم تقليدا وسننا؟ ".

"والتاريخ يحدثنا كذلك، بأنها قد خضعت لسلطان الإمبراطورية الرومانية الغربية والشرقية على كره مستمر ومقاومة متصلة، فاضطر القياصرة إلى أخذها بالعنف وإخضاعها للحكم العرفي! ".

"والتاريخ يحدثنا كذلك، بأن رضاها عن السلطان العربي بعد الفتح لم يبرأ من السخط، ولم يخلص من المقاومة والثورة، وبأنها لم تهدأ ولم تطمئن إلا حين أخذت تسترد شخصيتها المستقلة في ظل ابن طولون، وفي ظل الدول المختلفة التي قامت بعده".

"فالمسلمون إذن فطنوا منذ عهد بعيد إلى أصل من أصول الحياة الحديثة. وهو: أن السياسة شيء والدين شيء آخر، وأن نظام الحكم وتكوين الدول فإنما يقومان على المنافع العملية، قبل أن يقوما على شيء آخر".

1 المصدر السابق: ج1 ص6، 10، 11.

2 المصدر السابق: ج1 ص15.

ص: 160

"وهذا التصور هو الذي تقوم عليه الحياة الحديثة في أوروبا. فقد تخففت أوروبا من أعباء القرون الوسطى، وأقامت سياستها على المنافع الزمانية، لا على الوحدة المسيحية، ولا على تقارب اللغات والأجناس"1!

"فأما الآن وقد عرفنا تاريخنا، وأحسسنا أنفسنا، واستشعرنا العزة والكرامة، واستيقنا أن ليس بيننا وبين الأوروبيين فرق في الجوهر، ولا في الطبع، ولا في المزاج، فإني لا أخاف على المصريين أن يفنوا في الأوروبيين"2.

وفيما نقلناه هنا من "مستقبل الثقافة في مصر"، خاصا بالأسباب التي تدعوه إلى فهم "التجديد" على أنه مسايرة للغربيين في كل شيء، أشار المؤلف إلى شيئين:

- إلى أن اتصال العقل المصري القديم بالعقل اليوناني كان اتصال تعاون وتوافق، وتبادل مستمر منظم للمنافع في الفن، والسياسة، والاقتصاد

ويوضح هذا التفاعل نصف منقول عن مولانا "محمد علي" في تعليقه على ترجمة القرآن الكريم3

يقول:

"في سنة 332 قبل الميلاد فتح الإسكندر مصر، وبنى مدينة الإسكندرية، ومن هذا التاريخ ظهرت مرحلة جديدة في ثقافة مصر، فقد اختلطت الثقافة المصرية بالفكر الإغريقي وغيره، وأصبحت في طبيعتها ثقافة عالمية.

"وفي وقت هيرودوث تأثر العقل الإغريقي الحساس بـ"الأسرار" والحكمة المصرية".

وبهذا صارت أرض مصر عالمية في: الدين، والثقافة، والفلسفة.

"وبعد أن ضمت مصر في سنة 30 قبل الميلاد إلى الإمبراطورية الرومانية، أصبحت عبادة الآلي "المصري" Serapis شائعة في قلب الإمبراطورية الرومانية".

1 المصدر السابق: ج1 ص17، 18.

2 المصدر السابق: ج1 ص63.

3 المصدر السابق: ج1 ص413.

ص: 161

فالعقل المصري القديم إذن، كان عقل السحر والحكمة، وعابدا للإله Serapis وقد بقي هذا العقل دون أن يتفاعل في انسجام مع الثقافة العربية الإسلامية.. ولذا كانت مصر أسبق الدول الإسلامية إلى استرجاع شخصيتها القديمة التي لم تنسها يوما من الأيام، ولم تهدأ ولم تطمئن إلا حين أخذت تسترد شخصيتها المستقلة في ظل "ابن طولون"، وفي ظل الدول المختلفة التي قامت بعده.

- الأمر الثاني الذي أشار إليه صاحب "مستقبل الثقافة في مصر" في هذا المقام هو: أن تطور الحياة الإنسانية قد قضى منذ عهد بعيد، بأن وحدة الدين ووحدة اللغة، لا تصلحان أساسا للوحدة السياسية، ولا قواما لتكوين الدول، والمسلمون من أجل هذا فطنوا منذ عهد بعيد إلى أن السياسة شيء والدين شيء آخر، وأن نظام الحكم وتكوين الدول، إنما يقومان على المنافع العملية قبل أن يقوما على شيء آخر، وهذا أصل من أصول الحياة الحديثة!

ولا أدري إذا كان المؤلف1 لا يزال يرى الآن أن الترابط بين الجامعة العربية على أساس من اللغة العربية والتاريخ العربي المشترك يمكن أن يستثنى من هذا الأصل للحياة -أي: إلغاء اللغة ووحدتها، والدين ووحدته- في ترابط الشعوب وتكوين الدول؟ ولعلهما إذا ألغي اعتبارهما في الترابط في الشعب الواحد وتكوينه، فالغاؤهما أولى في الترابط بين جماعات عديدة ودول متفرقة!

وعلى كل حال

نخلص مما قاله هنا إلى أن التجديد هو أخذ كل ما عند الغربيين من فكر، ومنهج للبحث، وحضارة، وعادات، وتقليد في فصل الدين عن السياسة

إلخ.

و"التجديد" يرى أن ذلك هو الذي يناسب العقلية المصرية التي لم تتغير بأحداث الشرق الثقافية، وفي مقدمتها الفتح الإسلامي العربي وبقيت على وضعها القديم الفرعوني في انسجام وتعاون مع العقلية اليونانية، وعقلية البحر الأبيض المتوسط.

1 يشغل سيادته الآن منصب رئيس اللجنة الثقافية في جامعة الدول "العربية"، كما حصل على جائزة "الدولة" التقديرية.

ص: 162

فـ"التجديد" في الفكر الإسلامي الحديث في رقعة الشرق الأدنى محاولة -لا احتياط فيها- لمتابعة التفكير الأوروبي: في اتجاهه، وفي أحكامه، وفيما فصل فيه من مشاكل الحياة، وفي مدارسه.. ومكان هذا التجديد المختار هو "الجامعة المصرية"، والقائمون على أمرهم "العلماء الأحرار المستقلون"!!

ويتحدث صاحب "مستقبل الثقافة في مصر"، عن "الأزهر" في سخرية، وفي تحريض للقائمين بأمر الحكم على أن لا يحفلوا بأمره ولا برأي رجاله.

"فلا هو -الأزهر- كسب من حرية الرأي، ولا هو حصل من العلم الحديث، ولا هو عرف من اللغات السامية، ولا هو أتقن من علوم اللغة العربية نفسها ولا آدابها ما يؤهله لهذا الإشراف، فضلا عن أن يجعل إشرافه -على اللغة العربية- نافعًا مفيدًا"1.

"يجب أن ننظر إلى اللغة العربية نظرة مدنية صريحة، وأن نعالج أمورها كلها على هذا النحو، في غير تردد ولا اضطراب، وفي غير خوف ولا إشفاق!

"إننا انتهينا إلى عصر يجب أن تكسد فيه سوق التجارة باتهام الناس بالخروج على الدين"2.

"فقد أحسن المشرفون على شئون التعليم منذ أكثر من نصف قرن، أن تعلم اللغة العربية يحتاج إلى كثير من العناية، ليصبح ملائما للتقدم الذي ظفرنا به في التعليم المدني؟ وأحسوا أن "الأزهر" لا يستطيع أن ينهض بهذه المهمة، لمكانه حينئذ من الإسراف في المحافظة، والامتناع عن التجديد، والعجز عن أن يسيغ العلم الحديث، بل عن أن يقبل التفكير فيه"3!

1 مستقبل الثقافة: ج2 ص310.

2 المصدر السابق: ج2 ص311.

3 المصدر السابق: ص372.

ص: 163

ويذكر المؤلف -بطريق ضمني- عجز "الأزهر" عن الصلاحية للإشراف على الدراسات الإسلامية، في قوله:

"وليس من شك في أن طبيعة الحياة العصرية، تقتضي أن تعنى "كلية الآداب" عناية خاصة بالدراسات الإسلامية على نحو عملي صحيح؛ لأن "كلية الآداب" متصلة بالحياة العلمية الأوروبية، وهي تعرف جهد "المستشرقين! " في الدراسات الإسلامية؟ ومن الحق عليها أن تأخذ بنصيبها من هذه الدراسات، لتلائم بين جهود مصر التي ترى لنفسها زعامة البلاد الإسلامية وبين جهود الأمم الأوروبية".

طابع التفكير الغربي:

أما التفكير الغربي الذي يجب أن يتبع هنا في مصر في منهجه، وفي أحكامه

في موضوعات البحث، شرقية أو غربية، باسم "التجديد"

فهو ليس إلا تفكير "القرن التاسع عشر" يومئذ!

يجب أن يتبع هذا التفكير منذ أن نشأت حركة "التجديد" في مصر، وتولت زعامتها "الجامعة المصرية" وباشرت هذه الزعامة "كلية الآداب"، أو أريد لها أن تباشرها، ومنذ دعا لهذه الحركة التجديدة صاحب "مستقبل الثقافة في مصر"!.

والتفكير الغربي في "القرن التاسع عشر"، هو التفكير المادي الطبيعي الذي انتهى بالأوروبيين إلى ذروة الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية، ولبلاد المواد الأولية في إفريقيا وآسيا للصناعة الأوروبية، ثم إلى قيام الشيوعية الروسية في أعقاب الحرب العالمية الأولى سنة 1917م! وهذا التفكير المادي يقوم جملة على تمجيد القوة المادية والمظاهر الحضارية الآلية والتفسير الاقتصادي للتاريخ البشري، كما يقوم على التقليل من شأن الروحية الدينية والمثالية الإنسانية، أو الدينية الأخلاقية!

فـ"التجديد الفكري في مصر"، أو الفكر الإسلامي "المغرب"، أخذ نفس الطابع، واحتكم إلى نفس المقاييس التي يحتكم إليها تفكير "القرن التاسع عشر" وهو ما يسمى باتجاه الماديين العلمييين، أو التفكير المادي الطبيعي؟ وانزلق هذا "التجديد" في مصر، بشعور أو بدون شعور إلى نفس الهدف الذي هدف إليه ذلك التفكير

وهو تمجيد القوة المادية، والتقليل من شأن الروحية أو المثالية الإنسانية؟

ص: 164

و"الغرب" قد مجد القوة المادية يومئذ؛ لأنه يمتلكها.. وخفف من وزن الروحية والمثالية الإنسانية؛ لأنه لا يريد في الجانب العملي أن يسلك مع الشعوب التي استعمرها نفس السلوك الخاص بأصحاب القوة المادية وهم الأوروبيون، كما تحتم ذلك الروحية الدينية أو المثالية الإنسانية1؟

هذا من جهة ومن جهة أخرى رأى "الغرب" في ضعف الشعوب المستعمرة -وهي الشعوب الإسلامية في رقعة العالم الإسلامي- فرصة يربط فيها بين مظاهر الضعف عندهم وبين "ثقافتهم" ومصدر هذه الثقافة، حتى يحول في وقت ما -قرب أو بعد هذا الوقت- بينهم وبين التمسك بهذه "الثقافة" واحتضانها؟ كما رأى في ضعف هذه الشعوب نفسها فرصة أخرى للتنفيس عن "الصليبية" التي دفعته فيما مضى، وبتحريض من الكثلكة والكنيسية الغربية، إلى الاعتداء على البلاد الإسلامية مدة ثلاثة قرون تقريبا باسم الصليب، دون أن يحصل على هدفه الأصلي وهو طرد المسلمين من بيت المقدس، وإبعاد السيادة الإسلامية عن "مزار المسيحية"، ودون أن يحصل على مغنم آخر سريع إذ ذاك؟

وفي مجال التنفيس الصليبي جال "الاستشراق" جولته هنا في بحث الإسلام وعرض تعاليمه.. جال جولته باسم البحث العلمي والمعرفة العقلية، وصيانة تراث الإنسانية الماضي؟

1 التفكير المادي العلمي أو الطبيعي ينقسم إلى اتجاهين:

- الاتجاه الميكانيكي Mechanistic Matreailism وهو لا يرى وجودا للروح أو العقل، فضلا عن أن ينسب إليها تدبير الجسم.

- الاتجاه المادي الديالكتيكي Dialecae Materialism وهو المذهب المادي الماركسي، ويرى وجود العقل والروح، ولكن وجودها بعد وجود المادة وتابع لوجودها.. ومعنى ذلك أنه إذا فنيت المادة فلا بقاء للروح أو العقل، والله؛ لأنه خال عن المادة لا وجود له!

- الاتجاه الروحي Spiritualism: هو الذي يرى وجودا للروح "سابقا على المادة، وليس متوقفا عليها. ولذا يقول الله كعلة للكون.. وهذا الاتجاه يقابل الاتجاه المادي بقسميه.

ص: 165

أثر الحملة الصليبية في تشويه الإسلام:

يحدثنا صاحب كتاب "الإسلام على مفترق الطرق"1 عن أثر "الحملة الصليبية، في تشويه الإسلام، وعن دراسة "الاستشراق" لتعاليمه

يقول:

"إلا أن الشر الذي بعثه الصليبيون لم يقتصر على صليل السلاح، ولكنه كان قبل كل شيء وفي مقدمة كل شيء شرا ثقافيا؟ لقد نشأ تسميم العقل الأوروبي عما شوهه قادة الأوروبيين من تعاليم الإسلام ومثله العليا أمام الجموع الجاهلة في الغرب؟ في ذلك الحين استقرت تلك الفكرة المضحكة في عقول الأوروبيين من أن الإسلام دين شهوانية، وعنف حيواني، وأنه تمسك بفروق شكلية، وليست تزكية للقلوب وتطهيرا لها، ثم بقيت هذه الفكرة حيث استقرت؟

"إن من أبرز الحقائق على ذلك. الفيلسوف والشاعر الفرنسي فولتير، وهو من ألد أعداء النصرانية وكنيستها في القرن الثامن عشر لكنه كان في الوقت نفسه مبغضا مغاليا للإسلام ولرسول الإسلام"2.

أما وصفه لعمل "المستشرقين" فيودعه في عبارته الآتية:

"لا تجد موقف الأوروبي موقف كره في غير مبالاة فحسب -كما هي الحال في موقفه من سائر الأديان والثقافات عدا الإسلام- بل هو كره عميق الجذور، يقوم في الأكثر على صدود من التعصب الشديد؟. وهذا الكره ليس عقليا فقط، ولكنه أيضا يصطبغ بصبغة عاطفية قوية؟!

"قد لا تقبل أوروبا تعاليم الفسلفة "البوذية" أو "الهندوكية"، ولكنها تحتفظ دائما فيما يتعلق بهذين المذهبين بموقف عقلي متزن ومبني على التفكير؟.

1 الكتاب نقل إلى العربية، وطبع الطبعة الثالثة 1951م، والمؤلف هو المستشرق النمساوي ليوبولد فايس.. أسلم وتسمى باسم "محمد أسد"، وتولى رياسة قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الباكستانية فترة من الزمن.

2 الإسلام على مفترق الطرق: صفحة 58.

ص: 166

"إلا إنها حالما تتجه إلى "الإسلام" يختل التوازن، ويأخذ الميل العاطفي في التسرب، حتى إن أبرز المستشرقين الأوروبيين جعلوا من أنفسهم فريسة التحزب غير العامي في كتاباتهم عن الإسلام.. ويظهر في جميع بحوثهم على الأكثر، كما لو أن "الإسلام" لا يمكن أن يعالج على أنه "موضوع" بحث في البحث العلمي، بل إنه "متهم" يقف أمام قضاته؟! إن بعض المستشرقين يمثلون دور "المدعي العام" الذي يحاول إثبات الجريمة، وبعضهم يقوم مقام "المحامي" في الدفاع!! فهو مع اقتناعه شخصيا بإجرام موكله، لا يستطيع أكثر من أن يطلب له -مع شيء من الفتور- اعتبار "الأسباب المخففة"!!.

"وعلى الجملة، فإن طريقة الاستقراء والاستنتاج التي يتبعها أكثر المستشرقين تذكرنا بوقائع "دواوين التفتيش"، تلك الدواوين التي أنشأتها الكنيسة الكاثوليكية لخصومها في العصور الوسطى! أي: إن تلك الطريقة لم يتفق لها أبدا أن نظرت في القرائن التاريخية بتجرد وغير تحزب، ولكنها كانت في كل دعوى تبدأ باستنتاج متفق عليه من قبل، قد أملاه عليها تعصبها لرأيها؟ ويختار المستشرقون "شهودهم" حسب الاستنتاج الذي يقصدون أن يصلوا إليه مبدئيا، وإذا تعذر عليهم الاختيار العرفي للشهود عمدوا إلى اقتطاع أقسام من الحقيقة التي شهد بها الشهود الحاضرون، ثم فصلوها عن المتن، أو تأولوا الشهادات بروح غير علمي، من سوء القصد، من غير أن ينسبوا قيمة ما إلى عرض القضية من وجهة نظر الجانب الآخر

أي: من قبل المسلمين أنفسهم"1.

وإذن فحركة "التجديد" في الفكر الإسلامي بعد بداية القرن الحاضر، تسير إما في طريق "الاستشراق" ودراسة المستشرقين القائمة على تشويه الإسلام، وعرض تعاليمه عرضا مغرضا.. وإما في طريق الفكر المادي المنكر للروحية أو المستخف بها.

- ولو استعرضنا من جديد بعض أسس هذه الدراسات الاستشراقية كما تصورها "دائرة المعارف الإسلامية" مثلا، وترددها مؤلفات زعماء الاستشراق من قساوسة المسيحيين وعلماء اليهود لأمكننا أن نجملها فيما يلي:

1 المصدر السابق: ص51، 52.

ص: 167

- "محمد" مصلح ديني أسس ما سماه "الإسلام"، وأولى أن يسمى بالمذهب المحمدي..محمد بشر، وقرآنه صنعة بشرية، وصنعة بشرية يكثر فيها التناقض وعدم الانسجام.

يقول المستشرق "نيكلسون" في كتابه: "الصوفية في الإسلام":

"والقارئون للقرآن من الأوروبيين لا تعوزهم الدهشة من اضطراب مؤلفه وهو محمد، وعدم تماسكه في معالجة كبار المعضلات، وهو نفسه لم يكن على علم بهذه المتعارضات، كما لم تكن حجر عثرة في سبيل صحابته الذين نقل إيمانهم الساذج القرآن على أنه كلام الله.. ولكن الصدع من هنا وجد، وسرعان ما أظهر نتائج بعيدة الآثار"1.

- والإسلام الذي وضعه "محمد" تأثر فيه بالتعاليم الدينية السابقة عن تعاليم اليهودية والمسيحية، وبالأخص مسيحية الكنيسة السريانية.. ثم إن "محمدًا" في اقتباسه من المسيحية حرف الفهم فيما اقتبسه؛ لأنه حكم نفسه ومنزلته وقيمته الإنسانية في فهمها.. فقد أنكر ألوهية المسيح متأثرا بنفسه كإنسان، ولم يرق هو في تصور نفسه إلى منزلة عيسى حتى يتصور أنه "إله" كما كان عيسى.

- ولو استعرضنا بعد ذلك اعتبار المستشرقين لمصادر الإسلام لوجدناهم يعتبرون أن الإسلام في دراسته كما يؤخذ من القرآن والسنة، يؤخذ من تفكير المسلمين في مدارسهم المتنوعة ومذاهبهم المختلفة في تاريخ جماعتهم، ومعنى ذلك أن لهذا التفكير نفس الحجة التي للقرآن والسنة الصحيحة.. وهذا التفكير كذلك يصور الإسلام تماما، كما يجب أن يصوره القرآن والسنة.

- فالإسلام والمجتمع الإسلامي سواء أحدهما يصح أن يكون دليلا للآخر، بل يجب أن يكون دليلا على الآخر.

- والمذاهب الإسلامية في العقيدة والفقه، تعبيرات صادقة عن القرآن والسنة الصحيحة. والإسلام هو مجموع هذه المذاهب، بالإضافة إلى القرآن والسنة، فلا فرق بين رسالة الله، وصنعة الإنسان في هذه الرسالة.

1 الصوفية في الإسلام: صفحة 7، 8 ترجمة نور الدين شريبة.

ص: 168

ومنطق اعتبارهم أن "تفكير المسلمين ومذاهبهم" تساوي في الحجية "القرآن والسنة الصحيحة" يؤدي إلى:

- أن تفكير الباطنية والصوفية والملاحدة مثلا.. له نفس الحجية التي للقرآن والسنة، ومساو في القيمة لمذاهب أهل السنة، ومعتدلي الشيعة؟!

- وأن الفتاوى التي تصدر عن أصحاب الوظائف الرسمية في البلاد الإسلامية في أي عصر وفي ظل أي حكم.. لها نفس الحجية التي للقرآن والسنة؟!

وأن أنواع تفسير القرآن المختلفة، من صوفية رمزية، إلى تعليمية باطنية، إلى تفسير بالتأويل، إلى تفسير بالرواية، إلى تفسير بالقصص الإسرائيلي، لها نفس الحجية التي للقرآن!

- وإن الإنسان المسلم في كل عصر، وبانتسابه إلى الإسلام على أي وجه.. حجة على الإسلام وسلوكه في حياته وتأديته لعبادته، تمثل تعاليم الإسلام في الأخلاق والعبادة؟!

هذه نظرة المستشرقين في الإسلام.. وإلى رسوله في صلته بالقرآن، وإلى مصادره وتقدير هذه المصادر.

- أما قيمة الإسلام كدين وكمصدر توجيه في الحياة في نظرهم فإنهم على -نحو ما ذكرنا سابقا- يخضعون هذه القيمة والحكم عليها إلى اتجاهات الغرب في الحياة وإلى نظراته وآرائه؛ لأنها في نظرهم هي اتجاهات الحياة الحضارية التي تمثل الصورة الراقية لحياة الإنسان.

ولا يسلك المستشرقون مسلك المسلمين في التدليل على قيمة الإسلام في صلته بالحياة بحال المجتمع الإسلامي الأول على عهد الرسول وصحابته. إذ إن هذه الحال التي كانت للمجتمع الأول لا تقوم في نظرهم دليلا على القيمة التوجيهية للإسلام، كجملة من المبادئ، والوصايا في حياة الإنسان

إن سيادة المسلمين إذ ذاك -كما يذكرون- كانت بالسيف والقوة، ولم تكن نتيجة للروحية والتوجيه الديني؟ ثم إنها كانت لفترة قصيرة، انحطت بعدها أفهامهم ومداركهم، وسقط مستواهم في الحياة والتوجيه، مما يدل على أن الإسلام كدين، غير عملي وغير مثمر؟!

ص: 169

فالمسشرقون إذن "لا يقيمون" الإسلام من نفس تعاليمه ومبادئه، ومن علاقة هذه التعاليم بطبيعة الإنسان وتوجيهه كفرد، وتوجيه مجتمعه، كما "يقيم" كل دين أو مذهب فلسفي عند تقديره والحكم عليه.. أنهم لا يريدون أن يسلكوا هذا الطريق، رغم أنهم يدعون أن بحثهم في الإسلام يقوم على أساس علمي، وربما يرون -غير مشاركين غيرهم من العلماء الأوروبيين- أن الطريق العلمي في بحث الإسلام، هو إنكار قيمته مقدما، وليس تقديره من ذاته ولذاته، بغض النظر عن الشروح الإنسانية التي جمعت حوله، وليست من مقوماته الذاتية في شيء.

وتخلص هذه الدراسات الاستشراقية للإسلام في جوانبها الثلاثة: في الأسس التي قامت عليها، وفي تقدير مصادر الإسلامي، وأخيرا في "تقييم" الإسلام كدين

إلى أن توصي المسلمين بالأمور الآتية:

- أن المجتمع الإسلامي في صلته بالإسلام، لم يكن على نحو قوي إلا لمدى فترة قصيرة هي الفترة الأولى، على عهد بدائية المجتمع الإسلامي، وبدائية هذا المجتمع هي التي أوجدت نوعا من التلاؤم بين الحياة فيه وتعاليم الإسلام

وبعد مضي هذه الفترة القصيرة البدائية، اتسعت الفجوة بين الطرفين بين المجتمع وبين الإسلام كمصدر توجيه في الحياة، وكلما تطورت الحياة بالمجتمع الإسلامي بفعل العوامل الخارجية: الثقافية، والسياسية والاقتصادية كلما تخلف الإسلام عن أن يجاري تطور الحياة لهذا المجتمع. وما زالت الفجوة تتسع، حتى أعلنت تركيا الحديثة -مقر آخر خلافة إسلامية- إبعاد الإسلام عن مجال الحياة العامة، وتركه في ضمير الفرد مستورا، لا يعبر عنه الفرد إلا لنفسه فقط، وفي غير إعلان أو حماس.

هل كان إعلان تركيا الحديثة إبعاد الإسلام نتيجة مؤامرة دولية ضد الإسلام أو كان نتيجة للتقييم الذاتي للإسلام؟

- إن التخلف عن تنفيذ تعاليم الإسلام تمليه الضرورة الاجتماعية، تحت ضغط ظروف الحياة المتجددة التي لم يستطع الإسلام أن يكيفها في ضوء تعاليمه، ولم يستطع أن يلائم بين تعاليمه وبينها! والتشديد في تعاليم الإسلام معناه إذن:"العزلة" في الحياة، و"التخلف" في استخدام وسائل الحضارة، والترحيب بالفقر والمرض والجهل للسكان المسلمين على نحو ما هو الحال ببلاد الجزيرة العربية التي تطبق الإسلام رسميا!! أفليست هي النموذج في تطبيق الإسلام!.

ص: 170

- إن التطور -وهو قانون الحياة العام الذي لا مفر من الخضوع له- يجب أن يستخدمه المسلمون في إسلامهم ليسايروا العالم الغربي الحديث. ولينجوا من أسباب الضعف والفساد! ويجب لهذا أن يتطوروا بالإسلام نفسه

كدين!!

وهنا يقترحون هذه السبل لإتمام عملية التطور:

- يجب في تطور الإسلام كدين، أن يستعان فيه بالمسيحية التي هي المثل للدين كتوجيه روحي لتصفية النفس ومحبة الله، وبناء على ذلك، يجب أن لا يتشبث الإسلام بتكييف العلاقات الاجتماعية بين المسلمين وعلاقتهم الدولية مع غيرهم، كما لا يتشبث بتكييف علاقات رءوس الأموال في الصناعة والتجارة بين الممولين والعمال أو بين أصحاب الأموال والطبقات الفقيرة، فيتدخل بالحل والحرمة، ويتدخل في تقدير نسبة ما يخصم من الأرباح "كزكاة" لرد طغيان الفقر والعوز.

يجب على الإسلام أن يترك أمر هذه العلاقات تركا تاما، لتخضع في حرية مطلقة إلى المصالح المشتركة وحدها، وإلى أحوال "العصر" التي تحدد هذه المصالح

يجب أن تكون "للعلمانية" المكان الأول هنا!!

- يجب في تطور الإسلام أن يجاري "المسيحية" في هدفها، وهو تنمية "المحبة الإلهية" في نفوس المؤمنين به، ويقصر نشاطه على ترويض المسلمين على هذه المحبة في حياتهم العملية! يجب أن يأخذوا بـ"الصوفية الحلولية" التي لا تجعل الله بعيدا عن الإنسان ومخيفا له، بل تجعله "في" الإنسان نفسه حتى يكون قريبا منه ويحبه، بدلا من أن يتصوره قاهرا جبارًا، متكبرا عليه!!

يقول المستشرق "نيكلسون":

"يبدأ القرآن بفكرة الله "الواحد الصمد"، الإله "القادر" الذي تجرد عن المشاعر والميول البشرية.. وهو "سيد" عباده لا والد أبنائه، و"القاضي" الذي ينزل بالآثمين عدلا رادعا، ويبسط رحمته على من يتقون غضبه بالتوبة والخضوع ويواصلون أعمال البر.. إنه إله "خوف" أكثر منه إله "حب"!!

"ولذلك" فإن التفكير الإسلامي وقد أفزعته الرؤى المخيفة لـ "غضب" الله الذي سينزل بالمذنبين، قد تنبه في بطء وعسر لأهمية هذه

ص: 171

الأفكار الحرة: "الأفكار الصوفية"، القائمة على "الحب" و"الفناء في الله"1.

وهنا نلاحظ أن المستشرقين يسرفون في تمجيد "التصوف الإسلامي" في فترته الأخيرة التي يدعو فيها إلى عقيدة الحلول والفناء في "الحب الإلهي"؛ وذلك لأنهم يرون في مثل هذا الانحدار صرفا للمسلمين عن "الجهاد في سبيل الله" فالاعتقاد بـ"الحلولية" يسقط التكاليف كلها، ومن بينها الجهاد

و"الحب الإلهي" على نحو "الحب الهندوكي"، -وهو حب الفناء- يصر الوالهين والعاشقين عن الاحتفاظ بما يسمى "الجماعة" الإسلامية، التي يدعوها الإسلام -قصد صيانتها ودفع الاعتداء عليها- إلى الكفاح والجهاد!! و"رهبانية" المسيحية التي تقوم على هذا "الحب الإلهي" تناقض فكرة "الجهاد في سبيل الله" تماما، كما تعارض مبدأ الزواج وتكوين الأسرة لمن يسلك طريق "الرهبنة".

- الجماعة الإسلامية -كي تتطور، هكذا يوصي المستشرقون- يجب أن تسير وفق المثل الغربية، وتتفاعل معها في بيئتها الشرقية

إذ اتجاهات الغربيين في الفكر وفي الحياة، قامت على مجموعة من التجارب الإنسانية، استخدموا في تكوينها الطريقة "العلمية" وهي الطريقة التي لا تتأثر بخرافة أو عقيدة خاصة، مستهدفة خير الإنسانية وحدها.

وإذن.. يجب على المسلمين باسم "العلم" و"التطور" و"الخير العام" أن يكونوا مسيحيين في موقفهم في الحياة، وفي فهمهم للإسلام كدين.. وهم ليسوا بحاجة إلى أن يكونوا مسيحيين بالانضمام إلى الجماعة المسيحية واعتناق المسيحية كدين وعقيدة، بل يجب أن يكون سلوكهم وتحديد موقفهم من أحداث الحياة المتجددة سلوكا مسيحيا، وعلى نمط موقف الجماعة الغربية المسيحية.

وفي تضامن المسلمين مع غيرهم -أي: مع الغربيين- لا يكفي أن يكون أحد الجانبين أو كلاهما متسامحا، بل يجب أن يشترك الطرفان في إيجابية، على هذا النحو السابق، في تحقيق المثل والغايات الإنسانية والتضامن العالمي.

1 الصوفية في الإسلام: صفحة 26 ترجمة نور الدين شريبة.

ص: 172

وإذا أراد المسلمون أخيرا أن يعيشوا في أوطانهم غير أذلاء، فعليهم أن يطوروا دينهم، ويغيروا فهمهم له، بما يعود به إلى حال المسيحية ووضعها في الجماعة، وهو حال العزلة عن الحياة العامة!! حال العلمانية.

وطريق ذلك:

- أن يبعدوه عن الحكومة، والدولة، والسيادة العامة.

- وعن علاقة الأفراد بعضهم ببعض.

- وأن ينحوا عنه مظاهر القوة المادية وأسبابها، كالجهاد والرغبة في الحرب والاعتداء!

- وأن ينحوا عنه مظهر "العنصرية والاستعلاء الذاتي" الممثل في عدم قبول ولاية غير المسلم على المسلم، وفي عدم زواج المسلمة بغير المسلم.

- وأن ينحوا عنه كذلك تأكيد الدفع إلى "الحياة الحيوانية" هذا الدفع الممثل في إباحة تعدد الزوجات إلى أربع.

- وأخيرًا -وليس آخرًا- أن ينحوا منه التفريق بين الأنثى والذكر في الميراث، وفي حق الطلاق.

- إن على المسلمين أن يعودوا بدينهم إلى الروحية الخالصة.. إلى محبة الإنسان لله. يعودون به إلى الاعتراف بوجود "المثل الإلهي" مجسما في حياة الإنسان -على نحو تأليه عيسى- وذلك مثل ما صنع غلاة الشيعة في نظرتهم إلى إمامهم، وكما صنع المتصوفة المتأخرون -وهم عند المستشرقين على حق فيما صنعوا! -حتى ترقى نفس الإنسان المسلم، وتبتعد عن الحيوانية والرغبة في القوة المادية، وتقترب من الإنسان الإله

الإنسان الابن، النموذج البشري الإلهي في حاية الإنسان!! فإله المسلم -على نحو ما يصوره الإسلام في نظرهم- إله حرب، وشهوة، واستعلاء، ولا إله عطف ومحبة..إلخ، مما ذكر قبلا من أرائهم.

إن هؤلاء "المستشرقين" هم "أهل كتاب" من قساوسة المسيحيين أو علماء اللاهوت من اليهود، ويواجهون بهذه الدراسات مسلمين لم يزل

ص: 173

القرآن يتداول بينهم، فإن نسي المسلمون ماضي أسلاف هؤلاء القوم مع المسلمين على عهد ظهور الإسلام، ونسوا اتهاماتهم لرسول الإسلام ولكتابه إذ ذاك، فإن المسلمين اليوم لا يزالون يتلون هذه الاتهامات، ولا يزالون يقفون منها ما وقفه من قبل رسولهم وصحابته، وسيستمرون على هذا النحو طالما هناك قرآن، وطالما هناك من يتلوه.

هم يتلون في قرآنهم:

{وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 1.

{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ} 2.

{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ، فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ} 3.

كما يتلون في قرآنهم الكريم قوله تعالى:

{زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} 4.

وقوله:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} 5.

1 البقرة: 135.

2 البقرة: 120.

3 البقرة: 136، 137.

4 البقرة: 212.

5 المائدة: 57.

ص: 174

ثم قوله:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} 1.

إنهم إذا يجعلون قرآن الرسول صنعة بشرية، لا وحيا منزلا من عند الله، يحلون لأنفسهم أن يجعلوا أسلوب حياتهم وما يعتقدون نموذج الحياة الإنسانية فالعمدة في الاستشراق إذن: محاولة التدليل على بشرية "القرآن".

- هذا هو اتجاه الاستشراق

وهو أحد اتجاهين صبغا التفكير الغربي الذي سيطر على القرن التاسع عشر بالصبغة الخاصة به.

- أما الاتجاه الثاني -كما ذكرنا آنفا- فهو "المادية العلمية"

وهذه تقوم أساسا على إلغاء اعتبار ما وراء الوجود المشاهد، وهي بالتالي تعتبر الإيمان بالله والدين القائم على هذا الإيمان ضربا من العبث أو الخداع في توجيه الإنسانية، ومن ثم هي تدعو الإنسانية إلى الإيمان بالطبيعة، وبما لها من مظاهر، وبما يدور فيها من تجارب.. ويتفرع عن هذه المادية العلمية:"التفسير الاقتصادي للتاريخ"، وهو أساس مذهب كارل ماركس، وأساس الشيوعية السوفييتية والدولية معا.

وهذا الاتجاه الثاني، وهو اتجاه "المادية العلمية"، سواء فيما يسمى بـ"الوضعية" و"الواقعية"، أو بما يسمى بـ"التفسير المادي أو الاقتصادي للتاريخ"

يضاد الدين والتدين، في أي صورة من الصور.

وإذا عدنا الآن -بعد هذا- إلى الحديث عن "التجديد" في الفكر الإسلامي في مصر، أو ما نسميه بالفكر الإسلامي "المغرب" فإننا نجد هذا الفكر يسلك إحدى هذين الطريقين:

1المائدة: 51.

ص: 175

-إما امتحان القرآن والإسلام بالمقاييس البشرية، وبما يسمى بالحقائق التاريخية، ثم ترتيب كل النتائج التي تترتب على ذلك، وهي النتائج المعروفة في كتابات "المستشرقين" في الدراسات الإسلامية.

- أو الدعوة إلى "خرافة الميتافيزيقا"، أو خداع الدين وكل الآراء التي تتصل بالعالم الذي هو وراء هذا العالم المشاهد، وهو عالم "الغيب" وملكوت "الله" على نحو ما جاءت به الأديان، أو عالم "الاتجاه المثالي" على نحو ما يوصف في المدارس الفلسفية العقلية.

المجددون في مصر:

وسنعرض "للمجددين" في مصر، منذ أن قامت الجامعة المصرية في سنة 1908م حتى الآن، لنقف على الصلة بين ما ينسب إلى هؤلاء "المجددين" من تفكير وبين ما يعرف لتفكير "القرن التاسع عشر" في أوروبا في اتجاهيه

لنقف على مقدار الوفاء والأمانة من "المجددين" المصريين لذلك التفكير الغربي في القرن الماضي.

فإذا وقفنا على تلك الصلة اتضح لنا في غير شك أن الفكر الجديد في الشرق الإسلامي هو ذات الفكر "المغرب"، وأن التجديد هنا في الشرق الإسلامي هو تقليد لذلك الفكر المغرب، وقد يكون تقليدا محرفًا!!

- وفي عرضنا لهؤلاء المجددين سنتحدث عن أمثلة تمثل الجانبين: الجانب الاستشراقي، والجانب الإلحادي.

- كما سنلتزم في بيان الصلة بين تفكير "القرن التاسع عشر" في الغرب من جانب، وتفكير "المجددين" في الشرق الإسلامي من جانب آخر -تلك الصلة التي جعلناها الهدف هنا في هذا البحث -عرض نصوص المجددين في الشرق في مواجهة نصوص أرباب التفكير الأوروبي في القرن المشار إليه.

ص: 176