الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس: الإسلام غدا
مواجهة الإسلام للصليبية والماركسية:
رأينا الآن، أن الإسلام منذ الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية في آسيا وإفريقيا، من منتصف القرن التاسع عشر حتى اللحظة القائمة، يواجه صليبية هذا الاستعمار جنبا إلى جنب مع مواجهة سلطانه السياسي والاقتصادي
…
وهذه الصليبية ليست المسيحية السمحة، وإنما هي "روح الانتقام" من الإسلام: تلك الروح التي بعثت فيما مضى على الحروب الدامية في القرون الميلادية الثلاثة: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر، محاولة الاستيلاء على بيت المقدس، وبقيت منذ هزيمتها الكبرى على يد "الناصر صلاح الدين" مصاحبة لعقلية الغرب في عرضه للإسلام، وفي تصرفاته مع المسلمين على السواء، ولم تزل فيه باقية صحبة هذه العقلية حتى اليوم.
وبعد انتشار الفكر المادي الإلحادي الغربي في بلاد الشرق الإسلامي منذ أعقاب الحرب العالمية الأولى، واجه الإسلام -بالإضافة إلى مواجهته الصليبية السابقة- حملة هذا الفكر ومذاهبه، ولم يزل يواجهه في وقتنا الحاضر، وبالأخص "الماركسية" الإلحادية.
ورأينا أيضا، أن هذه المواجهة كانت على حساب الإسلام مرة، وفي جانبه مرة أخرى.
أما في المرأة التي كانت على حسابه:
فكانت إصابته من هذه المواجهة إصابة عنيفة:
إذ حلت العصبيات الشعوبية محل الرباط الإسلامي العام، وبرزت الحدود والفواصل وخلقت خلقا في الوطن الإسلامي، دون أن تعتمد اعتمادا دقيقا على المكان الجغرافي أو خصائص الجنس، وإنما تعتمد أولا وبالذات على الحدود، "المفترضة" التي وضعها المستعمر وقواها، حتى يحول دون
الترابط النفسي بين الشعوب الإسلامية في الآمال والكفاح قبل أن يحول دون الاختلاط المكاني أو الزماني.
كما تأثرت عقليات بعض الكتاب من الأدباء، والساسة، في الشرق الإسلامي بتفكير الغرب المادي وبحضارته الصناعية، وحملت هذه العقليات لواء الدعوة إليه، ونجحت هذه الدعوة في تركيا، بالحركة الانقلابية التي قادها "كمال أتاتورك" بعد الحرب العالمية الأولى، ولكن ما كان لها أن تنجح هذا النجاح الظاهر، وتسير حتى الآن، دون عون سياسي وثقافي من "الخارج"!! وقد تبادل النظام الشيوعي هذا العون من تركيا أولا، ثم حل محله في المعاونة النظام الديمقراطي الغربي الذي تتزعمه أمريكا في الوقت الحاضر؛ فجزء واضح من نشاط السياسية الأمريكية -على الأقل النشاط الجامعي، ونشاط المؤسسات الاجتماعية- في خدمة استقرار "الانقلاب أو التجديد التركي" داخل تركيا، وفي خدمة الدعاية له خارج ديارها، بين الشعوب الإسلامية الأخرى، وهناك مبالغ لا يستهان بها من المؤسسات الأمريكية الرأسمالية، تزاد من عام إلى عام، تحت عنوان "الخدمات الإنسانية" لهذا الغرض، ينفق جزء منها على الدراسات الإسلامية الموجهة في أقسام ملحقة بالجماعات الأمريكية المشهورة، بينما الجزء الآخر ينفق على مؤسسات الطباعة والنشر، ومكاتب الخبرة أو البحوث الموزعة توزيعا منظما في عواصم بلدان الشرق الأوسط، والتي تعنى أو تتصل بالدراسات الإسلامية أو بدراسات الشرق الأوسط.
ويضاف إلى حساب خسائر الإسلام في مواجهته للصليبية والماركسية "الفراغ" الذي خلفه ركود الفكر الإسلامي في نفوس المعاصرين من المسلمين، والذي هيأ فرصة لقبولهم تحريف الصليبية للإسلام باسم دراسات الاستشراق ثم بقبولهم إلحاد الماركسية باسم العلم "Seince" وهذا الفراغ في نظري أشد خطرا على الإسلام، من الهجوم المباشر الصليبي أو الماركسي عليه.
أما ما أفاد الإسلام من مواجهة الصليبية والماركسية أو من الاحتكاك بهما فهو:
- إيقاظ الوعي الإسلامي الذي صاحب الحركات التحريرية التي قامت بها الشعوب الإسلامية ضد الاستعمار الغربي، وذلك بفضل جمال الدين الأفغاني
الذي تزعم إيقاظ هذا الوعي، والذي ركز نشاطه في رحلاته إلى مصر، والهند وتركيا، وأفغانستان، وبقية البلاد الإسلامية، لإثارة المسلمين بدافع من دينهم لمقاومة المستعمر وعدم التعاون معه من جانب، وتأكيد أواصر الأخوة بينهم بطرح الفوارق المذهبية، وعلى الأخص ما بين السنة والشيعة، والاحتفاظ بوحدتهم في دفع الخطر الصليبي عنهم، من جانب آخر.
وجمال الدين الأفغاني -يعتبر من غير شك- الزعيم الشرقي المسلم لجميع الحركات الثورية ضد الاستعمار الغربي في الشرق الإسلامي. ولم يكن لجمال الدين بقية من نشاط، فوق ما بذل وعانى فيما بذل منه يصرفها فيما وراء إيقاظ الوعي الإسلامي في مجالسه الخاصة والعامة.
- المحاولات الفكرية الإسلامية التي قام بها محمد عبده قبيل آخر القرن التاسع عشر، ثم قام بها "إقبال" في النصف الأول من القرن العشرين
…
وما قام به محمد عبده أثمر سلسلة من المفكرين المستنيرين في فهم الإسلام، بمصر وشمال إفريقيا، وسوريا ولبنان، كان لهم نشاط منهجي، وآخر موضوعي في الفكر الإسلامي، وإن لم يصل إلى درجة أن يكون مدارس مستقلة في الإصلاح الإسلامي ولكنه رغم ذلك، كان له أثره حتى اليوم في الكتابات الإسلامية المتسمة بطابع الفهم السليم لمبادئ الإسلام، وظروف المجتمع الحديث، وما قام به "إقبال" بعده أثمر تأسيس دولة الباكستان، ووضع دستور إسلامي لها على أساس من القرآن.