المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفراغ في الحياة التوجيهية العامة: - الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي

[محمد البهي]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمات:

- ‌مقدمة الطبعة الثامنة:

- ‌تقديم الطبعة الرابعة:

- ‌تقديم الطبعة الثالثة

- ‌تقديم الطبعة الثانية:

- ‌تقديم الطبعة الأولى:

- ‌فاتحة:

- ‌الاستعمار الغربي يتسلل إلى العالم الإسلامي:

- ‌العالم الإسلامي في نظر الغرب المستعمر

- ‌الباب الأول: اتجاه حماية الاستعمار، أو الاتجاه الفكرى الممالئ

- ‌مفكرون من المسلمين مع الاستعمار

- ‌مدخل

- ‌حركة أحمد خان:

- ‌ المذهب القادياني:

- ‌الأحمدية:

- ‌المستشرقون…والاستعمار

- ‌مدخل

- ‌ النزعة الأولى

- ‌النزعة الثانية:

- ‌الباب الثاني: اتجاه مقاومة الاستعمار الغربي

- ‌مقاومة مزدوجة

- ‌محمد جمال الدين الأفغاني

- ‌محمد عبده:

- ‌الباب الثالث: التجديد في الفكر الإسلامي

- ‌اتجاه الفكر الإسلامي منذ بداية القرن العشرين

- ‌بشرية القرآن:

- ‌الإسلام دين…لا دولة:

- ‌الدين خرافة:

- ‌الدين مخدر:

- ‌الباب الرابع: الإصلاح الديني

- ‌الباب الخامس: الإسلام غدا

- ‌مواجهة الإسلام للصليبية والماركسية:

- ‌الإسلام فوق الزمان والمكان:

- ‌الفراغ في الحياة التوجيهية العامة:

- ‌الأزهر:

- ‌الأزهر…في تنظيمه الجديد:

- ‌الباب السادس: ملحقات المبشرون والمستشرقون وموقفهم من الإسلام

- ‌مدخل

- ‌ المستشرقون المعاصرون:

- ‌ المتطرفون من المستشرقين

- ‌ بعض الكتب المتطرفة

- ‌كتاب "مجد الإسلام": لجاستون فييت

- ‌المستشرقون الناطقون بالإنجليزية ومدى اقترابهم من حقيقة الإسلام والقومية العربية

- ‌محتويات الكتاب:

الفصل: ‌الفراغ في الحياة التوجيهية العامة:

قبل الوقت إلى "تربويين" من صنف آخر، لا يعيشون على آثار مدرسة "ديوي"1. وإنما يفهمون معنى "المواطن" فهما صحيحا، وأنه يعيش على ماض، بروح الحاضر، متطلعا إلى المستقبل، وماضيه هو الذي يكيف شخصيته الخاصة، التي يتميز بها عن معاصر معه في وطن آخر، والتي يقوم عليها مستقبل "وطنه" ذلك الوطن الذي يعيش هو فيه، ومن أجله.

ولكن محاولة تصفية ماضي الاستعمار في الثقافة والتوجيه، وقفت -حينا- عند برامج المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم، ولم تتخطاها حتى الآن إلى مؤسسة أكثر أهمية وأبلغ أثرا في الحياة العامة، والحياة الجامعية الخاصة في مجال الدراسات الإسلامية، وهي "الأزهر" حتى صدر القانون بتنظيمه الجديد في صيف عام 1961.

1 هو الفيلسوف الأمريكي John Dewey "ولد سنة 1859"، ومؤلفاته "تأثير داروين على الفلسفة" سنة1910، و"الديمقراطية والتربية" سنة 1913، و"الطبيعة والتجربة" سنة 1925.

ص: 404

‌الفراغ في الحياة التوجيهية العامة:

وبجانب انفصال موضوع الثقافة، وعزله عزلا تاما عن الإسلام، ذلك الانفصال الذي هيأ للفكر الغربي الاستشراقي والمادي فرصة قبول المثقفين له، دون أن يجدوا في ثقافتهم التي يحملونها وفي أنفسهم ما يناقش هذا الفكر، حتى يكون قبولهم إياها نتيجة اقتناع وتأمل، وجد فراغ آخر في الحياة التوجيهية العامة، وهي حياة الجماهير من العمال والفلاحين. وهذا الفراغ سببه عزلة الأزهر عن الحياة الجارية، وهي عزلة رسمت له في ظل الاستعمار، أو عاون على بقائها الاستعمار، وأصبحت حياة العمال والفلاحين خالية من توجيه صالح يعالج لهم مشاكلهم اليومية، والمشاكل الأخرى التي تأتي بها الحضارة الحديثة، وخضعوا للأنانية في حل هذه المشاكل وللتيارات السطحية التي تحملها الدعاية المغرضة لمذهب من المذاهب الإنسانية المعاصرة، وتقلص الإسلام من جديد في حياة العامة كما تقلص من قبل في ثقافة المثقفين، وسارت حياة الطرفين تحت تأثير "الصدفة" وتحت ما يجد من نزعات فكرية توجيهية، من وقت لآخر.

ص: 404

وتعقدت حياة الفلاح والعامل

- وزادت مشاكلهما في الأسرة بسبب فهم تعدد الزوجات، والطلاق، وفهم "التوكل على الله". وأثر ذلك على مستقبل الأسرة.

- واضطراب رأي الفلاح في "التعاون" الاقتصادي، والتأمين على الثروة الحيوانية، وفي استخدام وسائل الحضارة الحديثة في الزراعة لتقليل نفقات الإنتاج مع الزيادة في كمه ونوعه.

- واضطراب رأي العامل في الصلة التي بينه وبين صاحب العمل، وفي تقدير رأس المال الدائر في تشغيل العمل.

- وحجز الثري مدخراته من المال عن تشغيلها في سوق الصناعة، أو عن التعامل بها في السوق المالية بوجه من الوجوه.

وسبب هذا كله "سوء فهم" لهذه المشاكل

ولا يرفع سوء الفهم هذا في حياة الجماهير إلا توضيح موقف الإسلام من كل مشكلة من هذه المشاكل.

ولقد أراد الاتجاه الحديث في الإدارة الحكومية بعد الحرب العالمية الثانية، أن يعمل على حل هذه المشاكل في حياة الفلاح والعامل، وحياة الجماهير على العموم باسم "الإرشاد الاجتماعي"، و"الخدمة الاجتماعية" و"التوجيه الريفي"، وما شاكل ذلك من منظمات، ومع هذا لم تصل هذه المنظمات -رغم ما توفر لها من إمكانيات- إلى جذور هذه المشاكل في نفس الفلاح والعامل؛ لأن هذه الجذور مشتبكة اشتباكا قويا مع نوع "الإيمان" الذي يسكن نفس كل منهما من قبل، وهو إيمان اختلط فيه التسليم بالخرافة وغشي عناصره سوء الفهم، أو سوء التبصير، وكان ذلك نتيجة "للفراغ" الذي ذكرناه وهو أمر ترتب بدوره على عزلة الأزهر عن الحياة الجارية.

وكلا النوعين من "الفراغ": في حياة المثقفين، أو في حياة الفلاحين والعمال، أتاح الفرصة لغير الإسلام في التوجيه، وفي التطبيق العملي في الحياة.

واتجاه الصليبية في الدراسات الاستشراقية للإسلام، إن اتخذ -بحكم طبيعته- من المثقفين أو من الذين يباشرون شئون التثقيف مجالا لنشاطه، فالفكر المادي الإلحادي في صحبة الدعوة الماركسية يستطيع أن

ص: 405

يكون له مجال أوسع، يتناول المثقفين وغيرهم من طبقات الجماعة؛ لأنه كما ذكرنا له جانب أكاديمي وجانب آخر شعبي

ولو أن الإصلاح الديني، في مقابل ذلك كان متتابعا، وله دعاة يزداد عددهم بانقضاء الزمن، وكان متنوعا في مجال الفكر الأكاديمي، وفي مجال الدعوة الدينية، لرجح جانب الإسلام في الاحتكاك مع الصليبية والماركسية، ولاستطاع -بعد فترة قصيرة في حياة الأمم- أن يملأ ذلك "الفراغ" سواء في حياة العامة أو حياة الخاصة، ولكن انقطاع الإصلاح في الفكر الإسلامي، وظهوره من فترة إلى أخرى، مضافا إلى قلة أعوانه، وضيق نطاقه، يجعل من الصعب التنبؤ بالنتيجة الأخيرة لهذا الاحتكاك، وإن كان يجعل من السهل تصور طول الزمن الذي سيمر به كفاح الإسلام، وكذا تصور المرارة التي يحملها هذا الكفاح إليه.

أما أنه من الصعب التنبؤ بالنتيجة الأخيرة لهذا الاحتكاك، فإن يقظة الوعي الإسلامي -وإن كانت لا تقوم على فهم سليم للإسلام أو على قوة الإيمان به إلى حد التضحية في سبيله، بل تقوم أكثر على تعصب المسلمين له، كمصدر ينتسبون إليه- وتزايده، كلما اشتدت صليبية الغرب أو ماركسية الشرق ضغطا على المسلمين، ولا يسهل احتمال "سقوط" الإسلام في ميدان هذا الاحتكاك.

أما طول الزمن الذي يجب أن يمر به كفاح الإسلام، وأما شدة المرارة التي ينتظر له أن يذوقها في صراعه مع الصليبية والماركسية، فذلك مرتبط بوضع الإصلاح في الفكر الإسلامي قوة وضعفا، وهذا الإصلاح نفسه مرتبط في حاله، بالقائمين بشأنه، وبالمؤسسات الإسلامية، التي لها طابع البحث أو الدعوة في مجال التعاليم الإسلامية.

وفي مقدمة هذه المؤسسات: الأزهر.

هناك ضعف لا شك فيه:

- إن قبول بعض الكتاب المسلمين -هنا في الشرق الإسلامي- تفكير القرن التاسع عشر الاستشراقي والمادي الإلحادي، وقبولهم أيضا هجوم بعض كتاب الغرب في القرن السابق على الكنيسة الكاثوليكية هناك، ومحاولتهم تطبيق ذاك الهجوم هنا على الإسلام والعلماء، وتأثر كثيرين بهذه المحاولة، ليس آية فحسب على وجود "الانفصالية" في

ص: 406