الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني من الباب الأول صلة القراءات العشر بالأحرف السبعة
بعد أن تدرجت في الحديث عن «القراءات القرآنية» وفقا للمنهج العلمي:
فتحدثت أولا عن نشأة القراءات، وبينت بالأحاديث النبوية صحة ثبوتها، ونزولها على النبي عليه الصلاة والسلام.
ثم ذكرت بالتفصيل اقوال العلماء في بيان المراد من انزال «القرآن» على سبعة احرف.
ثم ترجمت للأئمة العشرة، وأثبت بالطرق العلمية صحة اتصال سندهم بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأن «القراءات» التي وصلت الينا عن طريقهم صحيحة، ومتوافرة.
بعد هذا اخالني اجد سؤالا يفرض نفسه وهو:
ما صلة القراءات العشر بالأحرف السبعة؟
وقبل أن أجيب على هذا السؤال مباشرة اذكر اقوال العلماء السابقين في ذلك:
وبالرجوع الى ما كتب في هذه القضية امكنني تلخيصه في قولين:
القول الأول:
مؤداه ان «القراءات العشر» تعتبر حرفا واحدا من الأحرف السبعة التي نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد جنح الى هذا كل من:
1 -
أبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت 310 هـ.
2 -
أبي طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم تلميذ «ابن جرير» .
واليك ما ذكره كل منهما في هذا المقام:
قال «أبو جعفر الطبري» ت 310 هـ:
«الأمة أمرت بحفظ «القرآن» وخيرت في قراءته وحفظه أي تلك الأحرف السبعة شاءت، كما أمرت اذا هي حنثت في يمين وهي موسرة أن تكفر بأي الكفارات الثلاث شاءت: اما بعتق، أو اطعام، أو كسوة.
فلو أجمع جميعها على التكفير بواحدة من الكفارات الثلاث دون حظرها التكفير فيها بأي الثلاث شاء المكفر، كانت مصيبة حكم الله مؤيدة في ذلك الواجب عليها من حق الله، فكذلك الأمة أمرت بحفظ «القرآن» وخيرت في قراءاته بأي الأحرف السبعة شاءت: فرأت- لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد- قراءته بحرف واحد، ورفض القراءة بالأحرف الستة الباقية، ولم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما اذن في قراءته به» ..
ثم قال: «فحملهم «عثمان» رضي الله عنه على حرف واحد، وجمعهم على مصحف واحد، وحرق ما عدا المصحف الذي جمعهم عليه.
فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، ورأت أن فيما فعل من ذلك الرشد، والهداية، فتركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها امامها
العادل في تركها طاعة منها له نظرا منها له نظرا منها لأنفسها ولمن ابعدها من سائر أهل ملتها، حتى درست من الأمة معرفتها، وتعفت آثارها فلا سبيل اليوم لأحد الى القراءة بها لدثورها، وعفو آثارها.
وتتابع المسلمون على رفض القراءة بها من غير جحود منهم صحتها، فلا القراءة اليوم لأحد من المسلمين الا بالحرف الواحد الذي اختاره لهم امامهم الشفيق الناصح دون ما عداه من الأحرف الستة الباقية.
ثم قال:
«فان قال بعض من ضعفت معرفته: «كيف جاز لهم ترك قراءة اقرأهموها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم بقراءتها؟
قيل: ان أمره اياهم بذلك لم يكن أمر ايجاب وفرض، وانما كان أمر إباحة ورخصة» أهـ (1).
(1) انظر: المرشد الوجيز ص 139 - 140.
وقال «أبو طاهر عبد الواحد بن أبي هاشم» تلميذ «الطبري» :
«ان الامر بقراءة «القرآن» على سبعة احرف أمر تخيير
…
الى ان قال:
فثبتت الأمة على حرف واحد من السبعة التي خير فيها، وكان سبب ثباتها على ذلك ورفض الستة ما اجمع عليه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين خافوا على الأمة تكفير بعضهم أن يستطيل ذلك الى القتال وسفك الدماء، وتقطيع الأرحام، فرسموا لهم مصحفا أجمعوا جميعا عليه وعلى نبذ ما عداه لتصير الكلمة واحدة، فكان ذلك حجة قاطعة وفرضا لازما، وأما ما اختلف فيه أئمة القراءة بالأمصار من النصب، والرفع، والتحريك، والاسكان، والهمز، وتركه، والتشديد، والتخفيف، والمد، والقصر، وابدال حرف بحرف يوافق صورته فليس ذلك بداخل في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم:«انزل القرآن على سبعة احرف» وذلك من قبل أن كل
حرف اختلف فيه أئمة القراءة لا يوجب المراء كفرا لمن مارى به في قول أحد من المسلمين» أهـ (1).
القول الثاني:
مفاده أن القراءات العشر تعتبر بعض الأحرف السبعة التي نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام.
وقد جنح الى هذا القول جمهور العلماء، اذكر منهم كلا من:
1 -
مكي بن أبي طالب ت 437 هـ.
2 -
أبي العباس أحمد بن عمار المقرئ ت 440 هـ.
3 -
أبي علي الأهوازي ت 406 هـ.
واليك ما ذكره كل منهم في هذه المسألة:
قال مكي بن أبي طالب:
«هذه القراءات كلها التي يقرؤها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة انما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها «القرآن» ووافق اللفظ بها خط المصحف الذي أجمع
الصحابة فمن بعدهم عليه وعلى اطراح
(1) انظر: المرشد الوجيز ص 148 149.
ما سواه» أهـ (1).
وقال «أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ» ت 440 هـ (2) «أصح ما عليه الحذاق من أهل النظر في معنى ذلك أن ما نحن عليه في
وقتنا هذا من هذه القراءات هو بعض الحروف السبعة التي نزل عليها «القرآن» .
ثم قال: وتفسير ذلك: أن الحروف السبعة التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن «القرآن» نزل عليها تجري على ضربين:
الضرب الأول:
زيادة كلمة أو نقص اخرى، وابدال كلمة مكان اخرى، وتقديم كلمة على اخرى
…
وذلك نحو ما روي عن بعضهم:
«ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلا من ربكم في مواسم الحج» (3).
بزيادة «في مواسم الحج» وهي قراءة مروية عن كل من:
1 -
عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه ت 32 هـ.
2 -
عبد الله بن عباس، رضي الله عنه ت 68 هـ.
3 -
عبد الله بن الزبير، رضي الله عنه ت 73 هـ (4).
ونحو: «اذا جاء فتح الله والنصر» (5).
وهي قراءة تروى عن:
عبد الله بن عباس رضي الله عنه (6).
(1) انظر: المرشد الوجيز ص 151، الابانة ص 2 - 3.
(2)
هو: أحمد بن عمار بن أبي العباس المهدوي، النحوي، المفسر، المقرئ، صاحب التصانيف منها تفسيره المسمى:«التفصيل الجامع لعلوم التنزيل» .
انظر: غاية النهاية ج 1 ص 92، وطبقات المفسرين ص 5.
(3)
سورة البقرة الآية 198، وهي قراءة شاذة.
(4)
انظر: كتاب المصاحف للسجستاني ص 54، 55، 74، 82.
(5)
سورة النصر الآية 1 وهي قراءة شاذة.
(6)
انظر: كتاب المصاحف/ 81.
فهذا الضرب وما أشبهه متروك لا تجوز القراءة به.
ومن قرأ بشيء منه غير معاند، ولا مجادل عليه، وجب على الامام ان يأخذه بالأدب: بالضرب، والسجن، على ما يظهر له من اجتهاده، فان
جادل عليه ودعا الناس اليه وجب عليه القتل،
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «المراء في القرآن كفر»
ولا جماع الأمة على اتباع المصحف المرسوم.
الضرب الثاني:
ما اختلف القراء فيه من اظهار، وادغام، وروم، واشمام، وقصر ومد، وتخفيف، وشد، وابدال حركة بأخرى، وياء بتاء، وواو بفاء، ونحو ذلك من الاختلافات المتقاربة، فهذا الضرب هو المستعمل في زماننا هذا، وهذا الذي عليه خط مصاحف الأمصار، سوى ما وقع فيه من اختلاف في حروف يسيرة، ثم قال:
فثبت بهذا:
أن هذه القراءات التي نقرؤها هي بعض من الحروف السبعة التي نزل عليها «القرآن» استعملت لموافقتها المصحف الذي اجتمعت عليه الأمة، وترك ما سواها من الحروف السبعة لمخالفتها لمرسوم خط المصحف، اذ ليس بواجب علينا القراءة بجميع الحروف السبعة التي نزل عليها «القرآن» واذ قد أباح النبي عليه الصلاة والسلام لنا القراءة ببعضها دون بعض لقوله تعالى:
«فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ» (1) فصارت هذه القراءة المستعملة في وقتنا هذا هي التي تيسرت لنا بسبب ما رواه سلف الأمة رضوان الله عليهم من جميع الناس على هذا المصحف لقطع ما وقع بين الناس من الاختلاف وتكفير بعضهم لبعض» أهـ (2).
تعليق وترجيح:
أرى ان هذا القول الثاني هو الذي تطمئن اليه النفس، وتميل اليه، لأنه يعتبر متمشيا مع الواقع ومدعوما بالأدلة والبراهين.
(1) سورة المزمل الآية 20.
(2)
انظر: المرشد الوجيز ص 141، 142.
الرد على الطبري، ومن قال بقوله:
وقد رد «أبو العباس أحمد بن عمار المقرئ ت 440 هـ على «الطبري» ومن قال بقوله بما يلي:
«قد ذهب «الطبري» وغيره من العلماء الى أن جميع هذه «القراءات» المستعملة، أي الآن، ترجع الى حرف واحد وهو حرف «زيد بن ثابت» رضي الله عنه ت 45 هـ.
قلت: لأن خط المصحف نفى ما كان يقرأ به من الفاظ الزيادة، والنقصان، والمرادفة، والتقديم، والتأخير.
وكانوا قد علموا ان تلك الرخصة قد انتهت بكثرة المسلمين، واجتهاد القراء، وتمكنهم من الحفظ» أهـ (1).
وقال «أبو علي الأهوازي» ت 446 هـ (2):
- والله أعلم-
(1) انظر: المرشد الوجيز ص 142.
(2)
هو: الحسن بن علي بن إبراهيم بن يزداد، أبو علي الأهوازي، مقرئ الشام في عصره، له عدة مصنفات توفي سنة 446 هـ.
انظر: ميزان الاعتدال ج 1 ص 137.
وغاية النهاية ج 1 ص 220.
ولسان الميزان ج 2 ص 237.
(3)
انظر: المرشد الوجيز ص 160.