الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة القمر
1
66 - قال الله تعالى: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ
(2)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بفكة مرتين فنزلت: (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) إلى قوله: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) يقول: ذاهب.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر القرطبي وابن عاشور الحديث الذي معنا.
قال القرطبي: (وعلى هذا الجمهور من العلماء ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره من حديث ابن مسعود، وابن عمر، وأنس، وجبير بن مطعم، وابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما
…
وذكر كلامًا حتى قال: وقد ثبت بنقل الآحاد العدول أن القمر انشق بمكة وهو ظاهر التنزيل ولا يلزم أن يستوي الناس فيها لأنها كانت آية ليلية، وأنها كانت باستدعاء النبي صلى الله عليه وسلم من اللَّه تعالى عند التحدي). اهـ.
وقال ابن عاشور: (وجمهور المفسرين على أن هذه الآية نزلت شاهدة على المشركين بظهور آية كبرى ومعجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وهي معجرة انشقاق القمر). اهـ.
أما سائر المفسرين كالطبري والبغوي وابن عطية وابن كثير فلم يذكروا حديث أنس إلا خاليًا من النزول، لكنهم ذكروا أحاديث أخرى عن غيره من الصحابة رضي الله عنهم قال الطبري:(وكان ذلك فيما ذكر على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو بمكة قبل هجرته إلى المدينة، وذلك أن كفار مكة سألوه آية فأراهم رسول الله صلى الله عليه وسلم انشقاق القمر، آية حجة على صدق قوله، وحقيقة نبوته فلما أراهم أعرضوا وكذبوا وقالوا: هذا سحر مستمر، فقال اللَّه جل ثناؤه: (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ). اهـ.
وقال ابن عطية: (وقوله (وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) إخبار عما وقع في ذلك) اهـ.
وقال ابن كثير: (قد كان هذا في زمان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أي انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي صلى الله عليه وسلم وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات). اهـ.
وقال السعدي: (فمن أعظم الآيات الدالة على صحة ما جاء به محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أنه لما طلب منه المكذبون أن يريهم من خوارق العادات ما يدل على صحة ما جاء به وصدقه أشار صلى الله عليه وسلم إلى القمر فانشق بإذن اللَّه فلقتين، فلقة على جبل أبي قبيس، وفلقة على جبل قعيقعان، والمشركون وغيرهم يشاهدون هذه الآية العظيمة الكائنة في العالم العلوي التي لا يقدر الخلق على التمويه بها والتخييل، ففزعوا إلى بهتهم وطغيانهم وقالوا: سحرنا محمد ولكن علامة ذلك أنكم تسألون من ورد عليكم من السفر فإنه إن قدر على سحركم لم يقدر أن يسحر من ليس مشاهداً مثلكم، فسألوا كل من قدم، فأخبروهم بوقوع ذلك فقالوا: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) سحرنا محمد وسحر غيرنا) اهـ. بتصرف.
ومن خلال ما تقدم يتبين اتفاق العلماء وإجماعهم على حدوث هذه الآية العظيمة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هجرته إلى المدينة.
لكن النظر يدور حول نزول هذه الآيات بعد الحدث، والتصريح بالنزول في هذا الحديث فأقول: إن التصريح بنزول هذه الآيات الكريمات في هذا الحديث غير محفوظ؛ لأن جميع الطرق خلت منه إلا طريقاً واحداً، وتفصيل ذلك في الحاشية.
أما هل نزلت الآيات بعد الحدث؟
فالجواب: هذا هو الظاهر - والله أعلم - لأن اللَّه قال بعدها عن المشركين: (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) وهذا هو الذي ذكره
المفسرون عن المشركين أنهم وصموا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالسحر بعد انشقاق القمر.
ومن المعلوم أنهم لن يقولوا: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) إلا بعد رؤيتهم للآية، ومن المعلوم أيضاً أن اللَّه لن يحكي هذا القول عنهم حتى يقولوه.
وإذا كان الأمر كذلك تحققنا أن الآيات إنما نزلت بعد الحدث لا قبله؛ لأنهم لن يقولوا: (سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) وهم لم يروها بعد، ولن يقول اللَّه هذا عنهم وهم لم يقولوه.
لكن هل يعني هذا أن حدث انشقاق القمر سبب نزول الآية؟
والجواب: أن الراجح عندي أن الأمر كذلك، وإن كان التصريح بالنزول غير محفوظ، لأن سؤال المشركين آية، وإتيان اللَّه بها، وتكذيبهم إياها، يناسب تمام المناسبة نزول القرآن بعدها موبخاً لهم ومهدداً بيوم يقول الكافرون فيه:(هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ). فمطابقة هذا لاصطلاح العلماء في أسباب النزول ظاهرة.
بقي أن يقال: هل انشق القمر مرتين؟
والجواب: أن القمر انشق مرة واحدة لكنه انفلق فلقتين لأن هذا هو المروي عن الصحابة رضي الله عنهم.
ولأنه مقتضى الحكمة لأن المقصود من انشقاقه العبرة والعظة، وما لم يحصل هذا من انشقاقه في المرة الأولى مع أنها أبلغ في التأثير فلن يحصل في المرة الثانية وحينئذٍ تنتفي الحكمة من شقه مرتين واللَّه أعلم.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور سبب نزول هذه الآيات الكريمة لصحة سنده، وموافقته لاصطلاح العلماء في تعريف السبب واللَّه أعلم.
* * * * *