الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
106 -
قال الله تعالى: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلًا قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ
(43)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج الترمذي عن ابن أخي عبد اللَّه بن سلام قال: لما أُريد عثمان جاء عبد اللَّه بن سلام، فقال له عثمان: ما جاء بك؟ قال: جئت في نصرتك، قال: اخرج إلى الناس فاطردهم عني فمانك خارجٌ خير لي منك داخلٌ، فخرج عبد اللَّه إلى الناس فقال: أيها الناس، إنه كان اسمي في الجاهلية فلان فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، ونزلت فيَّ آيات من كتاب الله، نزلت فيَّ:(وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ونزلت فيَّ: (قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) إن لله سيفاً مغمودًا عنكم، وإن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذي نزل فيه نبيكم فالله اللَّه في هذا الرجل أن تقتلوه، فوالله إن قتلتموه لتطرُدُن جيرانكم الملائكة ولتسُلُّن سيف الله المغمود عنكم، فلا يُغمد إلى يوم القيامة قال: فقالوا: اقتلوا اليهودي واقتلوا عثمان.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في تفسير هذه الآية، وقد أورد ابن العربي والقرطبي الحديث بنصه، أما سائر جمهور المفسرين فلم يسوقوا الحديث، لكنهم ذكروا عبد اللَّه بن سلام وأنه المراد بالآية، وبعضهم صوّب هذا وبعضهم تعقّبه.
فأما من ذكر ذلك ولم يتعقبه فالطبري.
وأما من ساقه وصوبه فابن العربي فقال بعد ذكر الحديث: (وليس يمتنع أن تنزل في عبد الله سبباً، وتتناول جميع المؤمنين لفظاً، ويعضده من النظام أن قوله: (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا) - يعني به قريشًا، فالذي عنده علم الكتاب هم المؤمنون من اليهود والنصارى الذين هم إلى معرفة النبوة والكتاب أقربُ من عبدة الأوثان) اهـ.
أما من ذكر ذلك وتعقبه فهم الأكثرون، قال البغوي:(قال قتادة: هو عبد الله بن سلام، وأنكر الشعبي هذا وقال: السورة مكية، وعبد الله بن سلام أسلم بالمدينة وقال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) أهو عبد الله بن سلام؟
فقال: وكيف يكون عبد الله بن سلام وهذه السورة مكية؟) اهـ.
وقال ابن عطية لما ذكر قولي قتادة ومجاهد في عبد الله بن سلام: (وهذان القولان الأخيران لا يستقيمان إلا أن تكون الآية مدنية والجمهور على أنها مكية قاله سعيد بن جبير) اهـ.
وقال القرطبي: (وكيف يكون عبد اللَّه بن سلام وهذه السورة مكية وابن سلام ما أسلم إلا بالمدينة؟ ذكره الثعلبي).
وقال ابن كثير: (قيل: نزلت في عبد الله بن سلام. قاله مجاهد وهذا
القول غريب لأن هذه الآية مكية، وعبد اللَّه بن سلام إنما أسلم في أول مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وقيل أُريد به عبد الله بن سلام الذي آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم في أول مقدمه المدينة، ويبعده أن السورة مكية كما تقدم) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن الآية لم تنزل بسبب عبد اللَّه بن سلام رضي الله عنه للأسباب التالية:
1 -
أن الحديث لا يصح الاحتجاج به على السببية للعلة التي في سنده.
2 -
أن الآية مكية، وقصة ابن سلام إنما كانت بعد الهجرة فكيف يكون هذا سبباً لنزول هذه الآية.
3 -
أنه على فرض صحة الحديث فإن هذا من قبيل التفسير وليس من باب سبب النزول فأين الحدث الذي ادُّعي أنه سبب نزولها؟ هذا لا يوجد.
فالآية تتحدث عن المشركين، وابن سلام من أهل الكتاب.
وأما قوله: (نزلت فيَّ) فلو صح الحديث لكان المراد أن الآية بعمومها تتناوله لأنه من أهل الكتاب، وأهل الكتاب الصادقون يشهدون أنه رسول من عند الله.
4 -
أن أكثر المفسرين أبوا أن يكون ابن سلام هو المقصود، والكثرة قرينة من قرائن الترجيح إذا احتفت بغيرها.
فإن قال قائل: ما المراد بقوله: (ومن عنده علم الكتاب)؟
فالجواب: قال ابن كثير: (والصحيح في هذا أن (وَمَن عِندَهُ) اسم جنس يشمل علماء أهل الكتاب الذين يجدون صفة محمد صلى الله عليه وسلم ونعته في كتبهم المتقدمة من بشارات الأنبياء به كما قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (156) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ)، وقال تعالى:(أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ)، وأمثال ذلك مما فيه من الأخبار عن علماء بني إسرائيل أنهم يعلمون ذلك من كتبهم المنزلة). اهـ.
وقال السعدي: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) هذا شامل لكل علماء أهل الكتابين) اهـ.
وقال الشنقيطي: (الظاهر أن قوله: (وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ) عطف على لفظ الجلالة وأن المراد به أهل العلم بالتوراة والإنجيل. ويدل لذلك قوله تعالى: (شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ)، وقوله:(فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ)، وقوله:(فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) إلى غير ذلك من الآيات) اهـ.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور معنا ليس سبباً لنزول الآية، لعدم الدليل على السببية وضعف سنده، وكون السورة مكية، وأن هذا من قبيل التفسير الذي يحتمل الصواب والخطأ والله أعلم.
* * * * *
سورة إبراهيم