الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
188 -
قال الله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا
(5)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
1 -
أخرج البخاري وأحمد عن أنس رضي الله عنه قال: قال عمر: وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث، قلت: يا رسول الله، لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، وقلت: يا رسول الله، يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبةُ النبيِّ بعضَ نسائه، فدخلت عليهن، قلت: إن انتهيتُن أو لَيُبدِّلنَّ اللَّه رسوله صلى الله عليه وسلم خيراً منكن، حتى أتيتُ إحدى نسائه، قالت: يا عمر، أما في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعظ نساعه حتى تعظهن أنت؟ فأنزل الله:(عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ).
وفي لفظ للبخاري وأحمد والنَّسَائِي قال أنس رضي الله عنه اجتمع نساءُ النبي صلى الله عليه وسلم في الغيرة عليه، فقلت لهن: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية.
2 -
أخرجه مسلم عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال حدثني عمر بن الخطاب قال: لما اعتزل نبي الله صلى الله عليه وسلم نساءه
…
فذكر الحديث وفيه: فقلت: يا رسول اللَّه ما يشق عليك من شأن النساء؟ فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكائيل وأنا وأبو بكر والمؤمنون معك، وقلَّما تكلمت وأحمد الله بكلام إلا رجوت أن يكون اللَّه يصدق قولي الذي أقول، ونزلت هذه
الآية: آية التخيير: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ)(وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية، وقد ذكر هذا الحديث من المفسرين الطبري وابن عطية وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (يقول تعالى ذكره: عسى رب محمد إن طلقكن يا معشر أزواج محمد صلى الله عليه وسلم أن يبدله منكن أزواجًا خيرًا منكن.
وقيل: إن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم تحذيرًا من اللَّه نساءه لما اجتمعن عليه في الغيرة) اهـ.
وقال ابن عطية: (وكذا روي أن عمر بن الخطاب قال لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن فنزلت الآية على نحو قوله) اهـ.
وقال ابن عاشور: (وهذه الآية - إلى قوله - (خَيْرًا مِّنكُنَّ) نزلت موافقةً لقول عمر لابنته حفصة رضي الله عنها مثل هذا اللفظ وهذا من القرآن الذي نزل وفاقًا لقول عمر أو رأيه تنويهًا بفضله .. ) اهـ.
وعند النظر في سياق الآيات تجد أنها من أول السورة تتحدث عن تحريم النبي صلى الله عليه وسلم للجارية - إلى قوله -: ظَهِير.
ثم قال: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) وهذا يشير إلى تعلق الآية بالسياق السابق وأن اللَّه لما توعد المرأتين على فعلهما حذر سائر النساء بهذه الآية أن الله سيبدل رسوله نساءً خيرًا منهن.
ثم أمر المؤمنين عامة بوقاية أنفسهم وأهليهم (نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ
…
) الآية. ولعل الجمع بين الأحاديث وأقوال المفسرين من جانب
وبين سياق القرآن من جانب آخر أن يقال: إنه لما وقعت قضية التظاهر على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في شأن الجارية، غضب عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فهدد نساءه قائلا: إن انتهيتن أو ليبدلن اللَّه رسوله خيرًا منكن، أو: عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجًا خيرًا منكن.
فنزلت الآية تهديدًا للمتظاهرتين، وتحذيرًا لسائر نسائه أن يفعلن مثله، وموافقة لعمر رضي الله عنه.
بقي أن يقال: ما الجواب عن حديث ابن عبَّاسٍ عند مسلم، ونزلت هذه الآية آية التخيير:(عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ).
فالجواب: أن هذه الآية ليست آية التخيير، فآية التخيير هي قوله تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) الآية، وقد تقدمت دراستها.
وربما أراد أمير المؤمنين بالتخيير هنا الكف عن أذى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمظاهرة عليه أو طلاقهن إن لم يمتثلن، لكن يعكر على هذا أن حديث عمر إنما جاء في قضية الإيلاء واعتزالهن شهرًا، بينما المظاهرة عليه وقعت من عائشة وحفصة فقط وليس لنسائه البواقي فيها صلة فكيف آلى منهن في أمر لا صلة لهن فيه.
والظاهر - والله أعلم - أن ذكر قوله تعالى: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) في سياق قضية الإيلاء لا يصح بدليل أنها سميت آية التخيير، وليست كذلك.
* النتيجة:
أن الآية جاءت في سياق آيات التقريع والتحذير من المظاهرة على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وموافقة لعمر رضي الله عنه في دفاعه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما ناله من أذى نسائه وذلك لصحة سند الحديث وتصريحه بالنزول وموافقته لسياق القرآن واللَّه أعلم.
سورة الجن