الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الحشر
176 -
قال الله تعالى: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ
(5)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
1 -
أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنَّسَائِي وابن ماجه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: حرّق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع وهي البويرة فنزلت: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ).
2 -
أخرج الترمذي والنَّسَائِي عن ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما في قول اللَّه عز وجل:
(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا) اللينة: النخلة، وليخزي الفاسقين.
قال: استنزلوهم من حصونهم، قال: أُمروا بقطع النخل فحكَّ في صدورهم. فقال المسلمون: قد قطعنا بعضاً وتركنا بعضاً، فلنسألن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هل لنا فيما قطعنا من أجر؟ وهل علينا فيما تركنا من وزر؟ فأنزل اللُّه تعالى:(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد ذكر هذين الحديثين ابن كثير.
أما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فقد ذكره الطبري والبغوي وابن العربي والقرطبي، قال الطبري:(وإنما أُنزلت هذه الآية فيما ذكر من أجل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع نخل بني النضير وحرقها، قالت بنو النضير لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: إنك كنت تنهى عن الفساد وتعيبه، فما بالك تقطع نخلنا وتحرقها؟ فأنزل الله هذه الآية فأخبرهم أن ما قطع من ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو ترك فعن أمر الله فعل) اهـ.
وقال البغوي: (وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل ببني النضير وتحصنوا بحصونهم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزع أعداء اللَّه عند ذلك وقالوا: يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجرة وقطع النخيل؟ فهل وجدت فيما زعمت أنه أنزل عليك الفساد في الأرض، فوجد المسلمون في أنفسهم من قولهم وخشوا أن يكون ذلك فساداً، واختلفوا في ذلك فقال بعضهم: لا تقطعوا فإنه مما أفاء اللَّه علينا، وقال بعضهم: بل نغيظهم بقطعها فأنزل الله هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه، وتحليل من قطعه من الإثم). اهـ.
وقال ابن العربي: (لا خلاف أن الآية نزلت في بني النضير) اهـ.
أما ابن عطية والسعدي وابن عاشور فلم يذكروا أيَّاً من الحديثين.
قال ابن عطية: (سببها أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وضعوا أيديهم في نخل بني النضير يقطعون ويحرقون. فقال بنو النضير: ما هذا الإفساد يا محمد وأنت تنهى عن الفساد فكف عن ذلك بعض الصحابة وذلك في صدر الحرب معهم فنزلت الآية معلمةً أن جميع ما جرى من قطع أو إمساك فبإذن اللَّه ورَدَّتْ الآية على قول بني النضير أن محمداً ينهى عن الفساد وها هو ذا يفسد) اهـ.
وقال السعدي: (ولما لام بنو النضير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم والمسلمين في
قطع النخيل والأشجار وزعموا أن ذلك من الفساد وتوصلوا بذلك إلى الطعن بالمسلمين أخبر تعالى أن قطع النخيل إن قطعوه أو إبقاءهم إياه إن أبقوه فبإذن الله وأمره (وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) حيث سلطكم على قطع نخلهم وتحريقها ليكون ذلك نكالاً لهم وخزيًا في الدنيا، وذلاً يعرف به عجزهم التام الذي ما قدروا على استنقاذ نخلهم الذي هو مادة قوتهم) اهـ.
وقال أبو العباس القرطبي: (ولا شك في أن هذه الآية نزلت فيما عاب المشركون على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من قطع نخيل بني النضير فبين فيها أن الله تعالى أباحه لنبيه صلى الله عليه وسلم خزيًا للمشركين، ونكايةً لهم، والآية نص في تعليل ذلك) اهـ.
وعندي - والله أعلم - أن حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما أصرح وأكثر تفصيلاً وأليق بالنزول من حديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأن حديث ابن عمر مجمل ليس فيه تفصيل ولا يتضمن حدثاً أو إشكالاً لتجيب عليه الآية، إذ من الممكن أن تكون الآية تقص ما حدث بغض النظر عن علاجه كما هو كثير في القرآن.
بخلاف حديث ابن عبَّاسٍ لأن فيه أن القطع قد حكَّ في صدورهم ثم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم ثم أنزل الله تعالى الآية.
لكن هذا الحديث يعكر عليه أن إسناده ليس كسابقه لأن الصواب فيه الإرسال.
وأقوال المفسرين في هذا مختلفة فأكثرهم كما تقدم يرون أن الإنكار على التقطيع والتحريق إنما جاء من بني النضير.
وبعض المفسرين يرون أن الإشكال والاختلاف نشأ من الصحابة أنفسهم رضي الله عنهم كما دلّ على ذلك حديث ابن عبَّاسٍ.
وما ذكره البغوي يجمع بين القولين لأنه ذكر أن الإنكار ابتداءً كان من بني النضير ونتيجة ذلك وجد المسلمون في أنفسهم من ذلك شيئًا فاختلفوا في القطع.
وعلى كل حال فإننا لو نحيّنا الأسباب جانباً لما كان لهذا أثر على
النتيجة وهي أن قصة بني النضير هي سبب نزول سورة الحشر عمومًا، وأن قضية التحريق والتقطيع هي سبب قول اللَّه خصوصًا:(مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) والله أعلم.
* النتيجة:
أن مجموع ما روي من أسباب النزول التي معنا أو التي ذكرها المفسرون تدل على أن سبب نزول الآية هو تحريق النخيل وتقطيعها لدلالة السنة على ذلك وإجماع المفسرين عليه مع موافقة سياق القرآن.
* * * * *