الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الفرقان
129 -
قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا
(68)
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا
(69)
إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا
(70)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
1 -
أخرج البخاري ومسلم والنَّسَائِي عن عبد اللَّه بن عبَّاسٍ رضي الله عنهما قال: إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا فأتوا محمدًا صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارةً فنزل: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ) ونزل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ).
وفي لفظ لمسلم والبخاري وأبي داود عنه رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية بمكة: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) إلى قوله (مُهَانًا) فقال المشركون: وما يغني عنا الإسلامُ وقد عدلنا باللَّه، وقد قتلنا النفس التي حرم الله
وأتينا الفواحش؟ فأنزل الله عز وجل: (إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا .. ) إلى آخر الآية.
2 -
أخرج البخاري وأحمد ومسلم وأبو داود والنَّسَائِي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال سألت أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ الذنب عند الله أكبر؟ قال: (أن تجعل لله نداً وهو خلقك) قلت: ثم أيٌّ؟ قال: (ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك) قلت: ثم أيٌّ؟ قال: (أن تزاني بحليلة جارك) قال: ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ).
وفي لفظ للترمذي وأحمد عنه رضي الله عنه: وتلا هذه الآية: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ
…
) ولم يقل: ونزلت.
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة. وقد أورد جمهور المفسرين هذين الحديثين عند تفسيرها، واقتصروا على ذلك منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كثير وابن عاشور.
قال الطبري: (وقد ذُكر أن هذه الآية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل قوم من المشركين أرادوا الدخول في الإسلام ممن كان منه في شركه هذه الذنوب، فخافوا أن لا ينفعهم مع ما سلف منهم من ذلك إسلام فاستفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأنزل الله تبارك وتعالى هذه الآية، يعلمهم أن اللَّه قابلٌ توبة من تاب منهم). اهـ ثم ساق الحديثين.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن حديث ابن مسعود رضي الله عنه لا صلة له بالنزول.
قال أبو العباس القرطبي: (ظاهر هذا أن هذه الآية نزلت بسبب هذا الذنب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وليس كذلك؛ لأن الترمذي قد روى هذا الحديث وقال فيه: وتلا النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) بدل فأنزل اللَّه وظاهره: أنه عليه الصلاة والسلام قرأ بعد ذكر هذا الحديث ما قد كان أُنزل منها، على أن الآية تضمنت ما ذكره في حديثه بحكم عمومها) اهـ.
والظاهر - والله أعلم - أن قول القرطبي صحيح ويؤيده أمران:
الأول: أن السورة مكية عند جمهور العلماء، والشرك كان واسعاً في الناس ذلك الوقت، وهذا يوافق قول ابن عبَّاسٍ: إن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا، وزنوا وأكثروا
…
الحديث.
فبين الحديث وسياق الآيات قدر من التطابق والمماثلة.
أما حديث ابن مسعود فليس كذلك لأنه حصر القتل في الولد خشية الطعام وحصر الزنا بحليلة الجار، وهذا الحصر لا يوافق العموم في الآية.
الثاني: أنه جاء في حديث ابن مسعود: (ونزلت هذه الآية تصديقاً لقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم) وبيان ذلك:
أن يقال: إن القرآن إما أن ينزل ابتداءً أو على سبب وليس ثمةَ قسم ثالث اسمه نزول القرآن لتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينطق عن اللَّه،
كما قال عز وجل: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4). فكيف يُصدِّق هذا بهذا؟
فإن قال قائل: الفائدة من هذا النزول هو التوكيد.
فالجواب: أن يقال: الأصل في الكلام الشرعي، إذا كان دائراً بين التوكيد والتأسيس أن يحمل على التأسيس لأنه يحمل معنى زائداً على مجرد التوكيد.
وهذا بعينه يتحقق في حديث ابن عبَّاسٍ، دون ابن مسعود رضي الله عنه. الذي لا يُفيد جديداً.
* النتيجة:
أن سبب نزول الآيات الكريمة حديث ابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما لموافقته سياق القرآن وصحة سنده، وتصريحه بالنزول، وموافقته لأقوال المفسرين. والله أعلم.
* * * * *
سورة القصص