الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الرعد
105 -
قال اللَّه تعالى: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ
(13)
* سَبَبُ النُّزُولِ:
أخرج النَّسَائِي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم مرةً رجلاً إلى رجل من فراعنة العرب أن (ادعه لي) قال: يا رسول الله، إنه أعتى من ذلك قال:(اذهب إليه فادعه) قال: فأتاه فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعوك. قال: أرسول اللَّه؟ وما اللَّه؟ أمن ذهب هو؟ أم من فضة هو؟ أم من نحاس هو؟ فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول اللَّه قد أخبرتك أنه أعتى من ذلك، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما قال. قال:(ارجع إليه فادعه) فرجع فأعاد عليه المقالة الأولى، فرد عليه مثل الجواب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:(ارجع إليه فادعه) فرجع إليه، فبينما يتراجعان الكلام بينهما إذ بعث الله سحابة حيال رأسه فرعدت ووقعت منها صاعقة فذهبت بقحف رأسه وأنزل الله عز وجل:(وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ).
* دِرَاسَةُ السَّبَبِ:
هكذا جاء في سبب نزول الآية الكريمة، وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث وغيره عند تفسيرها منهم الطبري والبغوي وابن عطية والقرطبي وابن كئير وابن عاشور.
قال الطبري: (وقد اختلف فيمن أُنزلت هذه الآية، فقال بعضهم: نزلت في كافر من الكفار ذكر الله تعالى وتقدس بغير ما ينبغي ذكره فأرسل عليه صاعقة أهلكته) اهـ.
وقد روي في نزول الآية الكريمة أسباب غير الذي معنا، فقد نقل ابن كثير عن مجاهد:(أنها نزلت في رجل يهودي قال: يا محمد أخبرني عن ربك من أيِّ شيء هو من نحاس هو أم من لؤلؤ أو ياقوت قال: فجاءت صاعقة فأخذته وأنزل اللَّه: (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ).
ثم قال ابن كثير: وذكروا في سبب نزولها قصة عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة لما قدما على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فسألاه أن يجعل لهما نصف الأمر فأبى عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له عامر بن الطفيل - لعنه الله - أما واللَّه لأملأنها عليك خيلاً جرداً ورجالاً مرداً فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: (يأبى الله عليك ذلك وأبناء قَيْلَة) يعني الأنصار، ثم إنهما هَمَّا بالفتك برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فجعل أحدهما يخاطبه والآخر يستل سيفه ليقتله من ورائه فحماه الله تعالى منهما وعصمه، فخرجا من المدينة فانطلقا في أحياء العرب يجمعان الناس لحربه عليه الصلاة والسلام فأرسل اللَّه على أربد سحابة فيها صاعقة فأحرقته، وأما عامر بن الطفيل فأرسل اللَّه عليه الطاعون فخرجت فيه غدة عظيمة فجعل يقول يا آل عامر غدة كغدة البَكر، وموت في بيت سلولية حتى ماتا لعنهما الله وأنزل اللَّه في مثل ذلك:(وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ). اهـ.
فأما الحديث الذي معنا فإسناده ضعيف لا يصح أن يكون سبباً لنزول الآية الكريمة.
وأما الأحاديث التي سيقت في قصة اليهودي، أو عامر بن الطفيل فليست أسانيدها مما يعول عليه أو يحتج به، ولعل هذا هو سبب إعراض أصحاب الكتب التسعة عنها.
وقد قال ابن عطية كلامًا يوحي بالشك في السببية: فقال: (قيل إنه أدخلها في التنبيه على القدرة بغير سبب ساق ذلك). اهـ يعني قوله (وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ).
وقال في موضع آخر: (ويجوز - إن كانت الآية على غير سبب - أن يكون قوله: (وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ) إشارة إلى جميع الكفرة من العرب وغيرهم الذين جلبت لهم هذه التنبيهات). اهـ.
وقال ابن عاشور: (ولما كان عامر بن الطفيل إنما جاء المدينة بعد الهجرة، وكان جدال اليهود لا يكون إلا بعد الهجرة أقدم أصحاب هذه الأخبار على القول بأن السورة مدنية أو أن هذه الآيات منها مدنية، وهي أخبار ترجع إلى قول بعض الناس بالرأي في أسباب النزول ولم يثبت في ذلك خبر صحيح
صريح فلا اعتداد بما قالوه فيها، ولا يخرج السورة عن عداد السور المكية) اهـ.
فانظر قوله: وهي أخبار ترجع إلى قول بعض الناس بالرأي في أسباب النزول وقوله: ولم يثبت في ذلك خبر صحيح صريح.
قلت: قد ثبت في البخاري شيء من خبر عامر بن الطفيل فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خاله، أخاً لأم سُليم في سبعين راكباً، وكان رئيس المشركين عامرُ بن الطفيل، خيَّر بين ثلاث خصال فقال: يكون لك أهل السهل ولي أهل المدر، أو أكون خليفتك، أو أغزوك بأهل غطفان بألفٍ وألفٍ؟ فطعن عامر في بيت أم فلان، فقال: غدةٌ كغدة البَكر، في بيت امرأة من آل فلان، ائتوني بفرسي، فمات على ظهر فرسه
…
الحديث.
فهذا حديث عامر ليس فيه ذكر لنزول الآية الكريمة.
وقد ساق ابن القيم رحمه الله حديث عامر بن الطفيل، وأربد بن قيس، وذكر أن عامراً أُصيب بالطاعون وأن أربد قد أصابته صاعقة فأحرقته، لكن لم يذكر أن هذا سبب نزول الآية الكريمة.
وإذا كان الأمر كذلك وأنه لم يثبت بذلك خبر صحيح وصريح، فالظاهر - والله أعلم - أن القصة ليست سبباً لنزول الآية الكريمة لعدم الدليل على ذلك.
* النتيجة:
أن الحديث المذكور ليس سبباً للنزول لضعف سنده، ومعارضته المشهور من نزول السورة بمكة مع أن القصة بالمدينة مع ما صاحب هذا من إعراض بعض المفسرين عنه وتشكيكهم فيه. والله أعلم.
* * * * *