الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الحادي عشر
تحديد رسوم الأرض وطريقة جمع الضرائب
وفقا لشريعتنا، ترتب الأرض على النحو التالي: إذا كانت البلاد ملكا للمسلمين بمقتضى الفتح وبحد السيف، وإذا كان سكانها القدماء قد بقوا فيها يعد تفاهم مع الفاتحين، فإن أراضيها تسمى خراجا وهي كلمة تعني أن الحكومة لن تطلب أكثر من المبلغ المتفق عليه حتى ولو انتقلت تلك الأراضي من مالك لآخر على شرط أن تحترم الالتزامات المنصوص عليها في بداية الأمر، وعندما بعتنق مالكو الأراضي الإسلام طواعية، فإنها تسمى عندئذ، حكرا.
وعلى هذا النوع من الأراضي يؤخذ العشر أو الجزء العاشر من الإنتاج، وتوضع مقادير تلك الأعشار في صندوق الخزينة لدفع مرتبات الجيش وللاعتناء بالفقراء ولتربية الأيتام ودفع أجور القضاء الخ
…
وحتى إذا لم تطالب الحكومة بهذه الأعشار، فإن كل واحد منا مجبر، حسبما يقتضيه ديننا على أن يضعها جانبا ويوزعها وفقا للطريقة المذكورة، ولا يستطيع أي أحد أن يستحوذ على تلك القسمة كما سبق أن أشرنا لذلك.
وتسمح القوانين للعاهل أن يتفاهم مع الشعب حول تلك الأعشار، واستبدالها بمبالغ معينة. وأراضي الجزائر كلها من هذا الصنف الثاني. وعندما علم الأتراك ان جباة الضرائب يقومون بتجاوزات، أي ان الدولة لم تكن تقبض بالضبط جميع المبالغ التي تعود لها، أو ان الجباة كانوا يجمعون أكثر من اللازم. عندئذ أوجدوا وسيلة تمنع تلك التجاوزات التي كانت تثبط الفلاحين وتعوقهم.
لقد فرض على كل محراث بجره ثوران حمولة بعير من القمح وأخرى من الشعير، وعندما يأتي السكان بمقادير رسومهم، فان القابض يسلمهم مقابل ذلك وصلا.
ان القائد في كل قبيلة مجبر على إحصاء عدد الفلاحين المالكين للمحاريث، وبعد ذلك يسلم نسخة صحيحة للقابض الذي يجمع الضرائب حسب ذلك الإحصاء. ويعطي الإيصالات لكل فرد، ويتفقد الكميات المقبوضة من الحبوب ليتمكن من محاسبة القابض الرئيسي في الدولة. ولكن عندما يثبث ان الأراضي لم تنتج شيئا، فان المزارعين يعفون من تلك الضرائب.
يستعمل، في العادة لزراعة ما يغطيه محراث واحد حوالي ست حمولات من القمح وأربع من الشعير.
لقد سبق ان تعرضنا لاستعمال هذه الضرائب، ولكن الشعب يعتقد كذلك، أنه عندما يدفع ما عليه يصبح من الواجب على الحكومة ان تحميه، وأن تؤمن الطرقات وتحرسها، وأن يكون الملك متدينا بدينه.
وحسب قانوننا، فإذا قام مغتصب أو ملك لا يتدين بنفس الدين،
واستحود على الضرائب التي ينص عليها ذلك القانون، فان الفلاح يبقى في عين الشرع، مطالبا بأداء واجبه الذي لا يكون إلا عشر الكمية الباقية له بعد الإغتصاب.
وحسب هذا القانون الشائع في افريقيا، فانني أعجب للدوق دوروفيكو الذي اشترط، بإيعاز من اليهود والأشرار، ان تدفع متيجة العشر وسكانها أفقر الناس وأكثرهم بؤسا.
ومع ذلك، فان الولاة الفرنسيين كانوا قد نشروا بيانا يعلنون فيه لسكان الايالة أنهم يلغون جميع أنواع الضرائب ; وان الحكومة تتنازل عن هذه الأنواع من الموارد.
وبقطع النظر عن هذا الوعد، فان الحكومة الفرنسية لا تستطيع أن تجمع الضرائب بكيفية شرعية ما لم تؤمن الطرق، وما دام البلد مضطربا، فعليها ان تبدأ بالحفاظ على الأمن وحمايته من كل هجوم تقوم به القبائل المعارضة والمعادية.
وخلاصة القول، فان كل ما يمكن ان يعطى للحكومة الفرنسية التي لا تتدين بنفس دين هذا الشعب، لا يعتبر إلا من قبيل التعسف، ويبقى السكان - في عين الشرع - مطالبين بأداء واجبهم. ويترتب عن هذه الأوضاع، كذلك، ان قبائل الداخل، عندما تعلم بأن الضرائب دفعت للفرنسيين، ستحارب أولئك الذين دفعوها ونتهمهم بأنهم خضعوا لمن هم أعداء الايالة بأكملها.
لقد كانت الضرائب تدفع على النحو الذي ذكرنا، إلى أن كان الغزو الفرنسي. واليوم، وبما أن هذا الشعب لا يعرف ملكا شرعيا ولا ظاهرا في البلاد، فإن كل مالك سيوزع أعشاره بنفسه على الفقراء.
وليكسب ثقة هذا الشعب، فإن باي قسنطينة، بدلا من أن يشترط حمولة بعير من القمح وأخرى من الشعير عن كل محراث، فقد اكتفى بأن يقبض مكان ذلك مبلغ 15 فرنكا، كما أنه اكترى للفلاحين، مقابل سبعة وعشرين فرنكا، كل ما يمكن أن يغطيه طوال السنة محراث يجره ثوران.
يقوم القادة أو جباة الضرائب بالإحصاء عندما تجمع المحاصيل. وقد يحدث في كثير من الأحيان، أن هؤلاء الجباة يبقون لأنفسهم جزءا من الضرائب، ويتركون منها جزءا آخر للفلاحين، فيترتب عن ذلك أن الدولة لا تقبض جميع مدخولاتها. وعلى الرغم من أن الباي كان على علم بوقوع مثل ذلك التفاهم، فإنه كان يغمض عينيه لكي لا يثبط عزائم الفلاحين وليكسب الشعب حوله ويبين اعتداله.
أما عن مقاطعة الغرب، فإنني أجهل وضعها الحالي، ولا أعرف شيئا عن فلاحتها ولا عمن تدفع إليه الضرائب.
إن مقاطعة التيطري فقيرة، خاصة بعد الزيارة التي أداها لها الجنرال كلوزيل. ويعتبر جميع البدو والقبائل أن سكان التيطري من ألد أعدائهم لأنهم لم يبدون العداوة للفرنسيين، ويتهمونهم بالتفاهم معهم وبأنهم لم يخبروهم بوصول الجيش الفرنسي، ولو فعلوا لوفروا لهم الوقت الكافي لاتخاذ التدابير
وللدفاع عن أنفسهم. ومن هنا يتحتم على جميع القبائل أو كل من يخضع للفرنسيين أن يكون يقظا لتجنب سخط القبائل.
وعندما نرى سلوك الولاة في افريقيا، نميل إلى الاعتقاد بأنهم إنما ينشرون الخلاف والشقاق من أجل التضحية بالشعب الجزائري.