المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل السادسعن إدارة المارشال بورمون - المرآة

[حمدان خوجة]

فهرس الكتاب

- ‌المرآة

- ‌تصدير

- ‌مقدمة

- ‌لمحة تاريخية وإحصائية حول إيالة الجزائر

- ‌الفصل الأولالبدو وأصلهم

- ‌الفصل الثانيطبائع البربر وعاداتهم

- ‌الفصل الثالثطبائع وعادات البربر (تابع)

- ‌الفصل الرابعسكان السهول: طبائعهم وعاداتهم

- ‌الفصل الخامسالمتيجة: طبائع سكانها وعاداتهم

- ‌الفصل السادسعن سكان الجهة الغربية

- ‌الفصل السابعالجزائر

- ‌الفصل الثامنحكومة الأتراك: تنظيمها وأصلها

- ‌الفصل العاشرحول الداي وحكومته ومختلف العادات

- ‌الفصل الحادي عشرتحديد رسوم الأرض وطريقة جمع الضرائب

- ‌الفصل الثاني عشرعن انحطاط حكومة الأتراك وسقوطها

- ‌الفصل الثالث عشرعن داخل الإيالة، وبعض الملاحظاتحول حسين باشا آخر دايات الجزائر

- ‌الكتاب الثاني

- ‌الفصل الأولالحرب وأسبابها

- ‌الفصل الثانيقصة وصول الجيش إلى سيدي فرج

- ‌اتفاقية بين قائد جنرالات الجيش الفرنسي وسمو داي الجزائر:

- ‌الفصل الثالثعن تفاصيل دخول المارشال بورمون إلى الجزائر

- ‌الفصل الرابععن الاحتلال العسكري

- ‌الفصل الخامسعن البيانات منذ أن وقع الغزو الفرنسي

- ‌الفصل السادسعن إدارة المارشال بورمون

- ‌الفصل السابععن أحداث الترسانة والاحتلال العسكري

- ‌الفصل الثامنعن الاحتلال العسكري وسلوك أهم ضباط الجيش الفرنسي

- ‌الفصل التاسععن مصطفى بومزراق، وباي التيطري

- ‌الفصل العاشرتابع لإدارة الجنرال كلوزيل، وحملاته ضذ المدية والبليدة نسخة المعاهدات

- ‌الفصل الحادي عشرعن الأوقاف، والتغييرات التي تعرضت لهاتلك المؤسسات والمحاكم التي تنظر في شؤونهاأثناء ولاية الجنرال كلوزيل

- ‌الفصل الثاني عشرتفسيرات حول ممتلكات الأوربيين في الجزائر

الفصل: ‌الفصل السادسعن إدارة المارشال بورمون

‌الفصل السادس

عن إدارة المارشال بورمون

عندما نزل المارشال بورمون بأرض الجزائر، نشر، باسم الأمة الفرنسية، بيانا ذكر فيه بأنه سيقضي على نظام اظلم السائد في الجزائر. وتنص معاهدة الاستسلام على أن الأتراك يعتبرون من سكان المدينة. ولكن، بعد استسلام المدينة بفترة وجيزة، قام بورمون بنفيهم واختطافهم. ففصلوا عن نسائهم وأطفالهم دون أن يقترفدا أي ذنب. وكانوا يقادون إلى السفن قبل ساعة الإبحار بأيام عديدة. وأشيع أمام الرأي العام بأنه ثبت أنهم ينوون التآمر ضد الفرنسيين، وهي جريمة مزعومة لا أساس لها من الصحة.

ألم يكن من حق رجل كالسيد دوبرمون، المكلف بمهام سامية والمتمثل لأمة متحضرة، أن ينظر في المسألة ليتأكد من صحة أو عدم صحة الاتهام؟ وهل يمكن أن يكون لذلك أساس؟ .. أن قلة عددهم وكذلك ضعفهم لا يسمحان لهم بتدبير أية مؤامرة. وقد كان عليه قبل أن يتصرف بهذه الكيفية،

ص: 195

أن يستخبر هل أن الوشاية كانت لفائدة الصالح العام، أم هل هي لمجرد الانتقام. هناك مثل عندنا يقول:(إذا كان النمام مجنونا، يجب أن يكون المستمع عاقلا).

كيف يمكن أن تكون لهم نوايا عدوانية، وهم بدون سلاح ولا عتاد حربي ولا مدفعية، وعددهم قليل؟ لقد كان الأتراك في السلطة، وكانت لهم كنوز وجيش، وكان البايات معهم، وكانت لهم القصبة والحصون، ومع ذلك فإنهم لم يحاربوا الفرنسيين. وبدون كل هذه الموارد، هل يستطيعون التآمر ضدهم؟ كيف إذن، يمكن لقائد جيش أن يهتم يتقارير كاذبة، بعيدة كل البعد عن الحقيقة ولا تدل إلا على النوايا السيئة التي يضمرها أعداء الأمن العمومي.

وفيما يلي أذكر حادثا يدعم أقوالي: لقد تجمهر الناس ذات يوم بالقرب من القصبة وكانوا جميعا من المسلمين الذين يريدون تقديم شكوى ضد إهانات كان اليهود قد وجهوها إليهم، وفي الأخير أوفدوا من بينهم اثنين إلى الجنرال بورمون ليعرضا له موضوع الشكوى باسم الجميع. ولكن المبعوثين، بدلا من أن يقوما بالمهمة التي كلفا بأدائها، إنقادا لدعايات الماكرين وتقدما إلى الجنرال قائلين له: بأن الجماهير تشتكي من الأتراك.

صدق المارشال تقرير هذين الشخصين، وبذلك يكون قد اتخذ تدابير على أساس تصريح بسيط. إنني أسمح لذينك المتناورين وأغفر ذنبهما ونواياهما الخبيثة ولكنني لا أستطيع أبدا أن أسمح لرجل مثل السيد دوبرمون الذي يشتغل منصبا ساميا أن ينخدع لبعض الطامعين ويحكم في الأمور عن غير معرفة وبدون تفكير. ولو أنه حقق في القضية لعرف السبب الحقيقي الذي قاد للتجمع، ولما

ص: 196

كانت النتيجة هي طرد الأتراك من وطنهم، وجعلهم ييأسون ويفصلون عن نسائهم وأطفالهم. لقد رأيت بنفسي بعض الفرنسيين يولون ظهورهم للمشهد؛ ويدرفون الدموع من الألم.

لقد استطاع كثير من الناس أن يلحظوا مثلي كنه هذه المكيدة، فرأوا كيف أن شكوى كان من المفروض أن توجه ضد اليهود، قد حولت ضد الأتراك. إن الإدارة إذا، لا تقوم بواجبها. إنها لا تهتم إلا بالذهب والفضة، وأضل رجال السلطة سعيهم وراء الثروات.

ومن سوء الحظ بالنسبة إلينا، فإن ما أقوله هنا حقيقة لا تخفى على أحد، وهي السبب في كل الشرور التي أصابتنا. إن هذه الأساليب قد أجبرت الأغنياء على مغادرة البلاد على الرغم من أنهم هم المورد الوحيد بالنسبة للطبقات الفقيرة ولذلك حدث سخط عام في أوساط الشعب وبدأ الاحتراز من الفرنسيين الذين لا يوفون بعهدهم. وافتري على القاضي الحنفي بدوره فنفاه السيد دوبرمون متهما إياه بأنه جمع أعيان المدينة في أحد المساجد لتدبير مؤامرة ضد الفرنسيين، وأصبحت إدارة دوبرمون عهد خوف ورعب تتهم فيها النوايا الحسنة بالإجرام، ويسير العدل وفقا للأهواء والنميمة. ومع ذلك، فإن للسيد دوبرمون تراجمة فكان باستطاعته أن يستشير السكان قبل أن يتصرف بتلك الطريقة الظالمة. إنه لم يحترم وثيقة الاستسلام التي وقع عليها بنفسه، لأنه نقض أهم موادها بعد التوقيع بثمانية أيام فقط. هل ينبغي أن ننتظر من الحكومة الفرنسية أنها تتصرف بمثل هذا الجور نحو أمة يزعم أنها كانت، قبل الاحتلال، جاضعة لحكم تعسفي ظالم.

وفيما يلي حادث آخر يكاد يشبه الذي انتهيت الآن م روايته ولكنه

ص: 197

وقع في عهد حسين باشا. إنني سأنقل حرفيا ما جرى أمامي في تلك الأثناء.

لقد اشتكى بعضهم، ذات يوم، للداي بأن القاضي لا يحكم بالعدل، وقيل له أنه أصدر حكما منافيا للقانون، لم يسبق لغيره من الفقهاء ورجال العدالة أن أوردوه. وبدلا من أن يعاقب المتهم دون الاستماع إليه؛ فإن حسين باشا، قد طلب من القاضي - في أدب - أن يحضر إلى بيته حيث كان قد جمع سائر رجال القانون، ثم دعاه إلى تقديم الأسباب التي دفعته إلى إصدار حكم ظالم، وأمر المفتي والفقهاء أن يتناقشوا معه في الموضوع وأن يطلبوا منه ذكر المادة التي جعلته يتخذ مثل ذلك القرار. ولما تلكأ القاضي في أجوبته، وثبتت الشكوى التي قدمت ضده، عزله الداي في حينه ونفاه إلى وهران دون أن يرسل معه رجال الدرك.

هذه مقارنة بين إدارة الإيالة والإدارة الفرنسية، ومع ذلك، فإن السيد دوبرمون يزعم أنه جاءنا ليقضي على التعسف، ويطبق القانون وفقا للعدالة والإنصاف. فلو أن هذه الأخطاء ارتكبها شخص آخر غير السيد دوبرمون لكان يمكن غفرانها. ولذلك صار كل واحد منا يقول: أين هم، إذا أولئك الفرنسيون المشهورون، تلامذة نابليون العظيم، أين هم أولئك الجنرالات المتصرفون، والمواطنون والقضاة النزهاء؟. ماذا فعلوا بعلمهم، ومقدرتهم وذكائهم؟

لقد احتجزت أسلحة الميليشيا وسكان المدينة. وجال في أذهاننا أن تلك الأسلحة ستوضع في مستودعات كوسيلة ضمان وأمن. ولكننا كنا نعتقد، كذلك، أن الفرنسيين سيصرفون مثل الروس عندما غزوا الإمبراطورية العثمانية، لقد قام هؤلاء الروس بجمع الأسلحة ثم جعلوا لكل قطعة بطاقة تحمل اسم صاحبها وأودعوا الكل في مسجد على أن تعاد لأصحابها في الوقت المناسب.

ص: 198

وأقول في إمكاننا أن نعتقد بأن من واجب الفرنسيين أن يصنعوا مع الجزائريين، مثلما صنع الروس مع الأتراك على الأقل.

وزيادة على ذلك، أن هناك أشخاصا بين سكان الإيالة يعتبرون السلاح كأثاث منزلي يزينون به حجرات منازلهم، وتكون قيمته حسب ثروة صاحبه. فهناك من يملك أسلحة محلاة بالفضة والذهب وبالجواهر الثمينة.

فهذه الأسلحة تحتوي على ثروة؛ وقد سلمت إلى الفرنسيين عن طريق الشرف وحسن النية اللذين يستوجبان صيانتها. ومن الواحب أن تكون لديهم بمثابة أمانة مقدسة. لا يجوز التعدي على حرمتها. فبأي قانون استطاعوا أن يستولوا على هذه الأسلحة، لتصبح ملكا لهم؟ أباسم الشراء، أم باسم الإيجار ; أم باسم الهبة؟ إنهم أصبحوا أسيادا في البلاد. وقد فعلوا ما بدا لهم في هذه الظروف أن يفعلوه؛ مع أنه يستحيل أن يوجد قانون فرنسي يسمح بالسلب، والاغتصاب. فبالعكس، فإن قانون الإنسان يعارض ذلك تماما وأنا - كذلك - كنت أملك أسلحة ثمينة، مثلما كان يملكها أبنائي. وكانت هذه الأسلحة محلاة بالذهب، والفضة، والمرجان، والأحجار الكريمة.

وكانت قيمتها تقدر بعشرين ألفا من الفرنكات. ومن أجل امتثال الأوامر جعلتها في صندوقين، ثم وضعتهما لدى القائد (لوفير دو)(loverdo) الذي تسلمهما مني في منزله. وبعد مدة قصيرة طلب مني هذا القائد أن أرفع أمانتي من عنده، فنقلتها إلى منزل صديقي قنصل (نابولي)(Napoli) . ثم إن هذا الأخير قد دخله بعض الخوف من ذلك،

ص: 199

فظننت من واجبي أن استودعها بين أيدي القائد هـ

(1) الذي كان يسكن بمنزلي المخصص للنزهة والاستجمام. فوضع هذا القائد الصندوق في إحدى الغرف؛ واحتفظ بمفتاحيهما في شقته وفي يوم خروجه من المنزل لم أجد هناك سوى الظرفين أعني: وجدت الصندوقين فارغين فعندئذ سألته: ماذا حدث لأسلحتي وأين هي؟ فأجابني: (إن ولدك أخذ جزءا منها وأنا أخذت الجزء الآخر. وها هو - كما أظن - الثمن المقدر لقيمة الجزء الذي احتفظت به لنفسي). ولعلني أتذكر أنه أعطاني ستة وثلاثين دينارا من فئة (نابليون). ثم تبين لي - فيما بعد - أن والدي لم يأخذ أي شيء من تلك الأسلحة، لأنه لا يمكن أن يسرق ما هو ملك له. إذن فالقائد وأتباعه هم الذين اختلسوا أسلحتي.

ص: 200