المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل العاشرتابع لإدارة الجنرال كلوزيل، وحملاته ضذ المدية والبليدة نسخة المعاهدات - المرآة

[حمدان خوجة]

فهرس الكتاب

- ‌المرآة

- ‌تصدير

- ‌مقدمة

- ‌لمحة تاريخية وإحصائية حول إيالة الجزائر

- ‌الفصل الأولالبدو وأصلهم

- ‌الفصل الثانيطبائع البربر وعاداتهم

- ‌الفصل الثالثطبائع وعادات البربر (تابع)

- ‌الفصل الرابعسكان السهول: طبائعهم وعاداتهم

- ‌الفصل الخامسالمتيجة: طبائع سكانها وعاداتهم

- ‌الفصل السادسعن سكان الجهة الغربية

- ‌الفصل السابعالجزائر

- ‌الفصل الثامنحكومة الأتراك: تنظيمها وأصلها

- ‌الفصل العاشرحول الداي وحكومته ومختلف العادات

- ‌الفصل الحادي عشرتحديد رسوم الأرض وطريقة جمع الضرائب

- ‌الفصل الثاني عشرعن انحطاط حكومة الأتراك وسقوطها

- ‌الفصل الثالث عشرعن داخل الإيالة، وبعض الملاحظاتحول حسين باشا آخر دايات الجزائر

- ‌الكتاب الثاني

- ‌الفصل الأولالحرب وأسبابها

- ‌الفصل الثانيقصة وصول الجيش إلى سيدي فرج

- ‌اتفاقية بين قائد جنرالات الجيش الفرنسي وسمو داي الجزائر:

- ‌الفصل الثالثعن تفاصيل دخول المارشال بورمون إلى الجزائر

- ‌الفصل الرابععن الاحتلال العسكري

- ‌الفصل الخامسعن البيانات منذ أن وقع الغزو الفرنسي

- ‌الفصل السادسعن إدارة المارشال بورمون

- ‌الفصل السابععن أحداث الترسانة والاحتلال العسكري

- ‌الفصل الثامنعن الاحتلال العسكري وسلوك أهم ضباط الجيش الفرنسي

- ‌الفصل التاسععن مصطفى بومزراق، وباي التيطري

- ‌الفصل العاشرتابع لإدارة الجنرال كلوزيل، وحملاته ضذ المدية والبليدة نسخة المعاهدات

- ‌الفصل الحادي عشرعن الأوقاف، والتغييرات التي تعرضت لهاتلك المؤسسات والمحاكم التي تنظر في شؤونهاأثناء ولاية الجنرال كلوزيل

- ‌الفصل الثاني عشرتفسيرات حول ممتلكات الأوربيين في الجزائر

الفصل: ‌الفصل العاشرتابع لإدارة الجنرال كلوزيل، وحملاته ضذ المدية والبليدة نسخة المعاهدات

‌الفصل العاشر

تابع لإدارة الجنرال كلوزيل، وحملاته ضذ المدية والبليدة نسخة المعاهدات

خرج القائد الأعلى من الجزائر على رأس جيش ومعه آغا العرب (حمدان ابن أمين السكة) متوجها إلى المدية. لقد كان سكان الإيالة، إلى أن جاء الفرنسيون، يرون في مدينة الجزائر حصنا منيعا، ولذلك ظنوا أن الأمة الفرنسية التي استولت عليها هي أمة عظيمة واعتقدوا أنه لا يوجد شعب يستطيع مقاومة جيوشا. ومن جهة أخرى، فإن تعسفات مصطفى باي التيطري (بو مزراق)، ومراسلات حمدان الآغا المذكور التي كتبها في صالح القضية الفرنسية، كلها أفادت الفرنسيين وساعدت كثيرا على القيام بحملة المدية. ويقال كذلك - لكنني أستيعده - أن الجنرال كلوزيل قد وزع الأموال سرا، لتسهيل وصوله إلى المدية.

وعندما دخل إلى هذه المدية نشر بيانا يؤكد فيه تلك الوعود التي ضربها المارشال بورمون. وقد كتب هذا البيان في البليدة، وهي مدينة أو

ص: 215

قرية تقع في سفح الجبل، معظم سكانها من الجبليين الذين تحضروا لتحسين أوضاعهم.

وعندما اقترب الجيش الفرنسي فروا إلى الجبال. وغادر الفرنسيون هذه المدينة بعد أن تركوا فيها حامية صغيرة تتكون من 600 شخص فقط. وقد استعد الجبليون بمساعدة بعض سكان البليدة لمهاجمة تلك الحامية، ولولا أن الجنرال كلوزيل رجع بسرعة من المدية لأبادوها عن آخرها. ولما علم الجبليون برجوع الجيش تفرقوا ولاذوا بالفرار. وعندما قام الجنود الفرنسيون بأعمال وحشية في هذه المدينة وأحدثوا مجزرة رهيبة، لم ينج فيها رجال ولا نساء ولا أطفال. هناك من يذكر أنه تم تقطيع بعض الرضع على صدور أمهاتهم. ووقع النهب في كل مكان، ولم يستثن حتى الجزائريون الذين فرا إلى هذه المدينة لينجوا من ظلم الحكومة الفرنسية، وليجدوا وسائل تمكنهم من العيش (إنني أتكلم هنا بكل نزاهة، ولا أروي وقائع الأحداث إلا كما جرت). وهكذا، فإن عددا كبيرا ممن لم يكونوا يفكرون في خيانة الفرنسيين، ولا حتى في معاداتهم، قد وقع تقتيلهم في هذه الظروف! هل من العدل أن يكون الاحتداد أو الغضب في سبب مثل هذه الأعمال؟ وبهذه المناسبة أذكر الحادثة التالية: لقد اضطر المسمى محمد بن سفطة إلى المجيء إلى البليدة ليعيش فيها، وكانت مهنته كإسكافي لا تكفي لتوفير وسائل عيشه، وعيش امرأته وبناته الصغيرات الأربع. وقد كان يسكن دارا صغيرا، دخل إليها في أثناء الهجوم وأغلق الباب. إنه لم يملك أي نوع من أنواع السلاح، ولم يكن معه سوى الأدوات التي يشتغل بها. وعندما دق الجنود الباب خرج إليهم صحبة زوجته،

ص: 216

ولكن سرعان ما وجهت إليه طلقات عديدة أودته قتيلا، كما قتلت طفلة لها من العمر عامان، أما زوجته فقد كسرت ذراعها، ونهبت الدار كلها. ولما بقيت الزوجة المسكينة بدون مورد بعد أن كسرت ذراعها وأصبح عليها أن تعول ثلاث بنات، توجهت إلى القائد الأعلى، ولكن شفقته لم تزد على أنه أركبها بغلة دون أن يضمد جرحها الذي ظل يدمي طيلة الطريق.

إنه ليؤلمنا كثيرا أن نذكر هذه التفاصيل! لأن المؤرخ أيضا، إنسان، وهو مجبر على أن يتوقف عن التفكير وعن المتابة ليتحسر على بعض أفعال الناس. ومع الأسف، فما هو العلاج لكل هذه الشرور؟ إن شياطين السوء تظهر في كل العصور، تحر وراءها أنواعا من الآفات. والملوك - في كل عهد - مجبرون على مشاهدة تلك المعارك، يدوسون الجثث بأقدامهم ويسمعون صيحات الألم

ويرون، أخيرا، جميع ويلات النهب والموت!!! إن هذه المرأة قد أصبحت تتسول بعد هذا الحادث. وغيرها من السكان كثيرون. ولقد كنا فيما مضى، نستطيع إعانتهم لأننا كنا نملك مؤسسات خيرية. أما الآن فإن تلك المؤسسات كلها أصبحت في أيدي السلطات الفرنسية التي توزع من حين لآخر بعض الصدقات

فيعطى لكل فقير في كل أسبوع (سوردي) أو اثنين في بعض الأحيان.

يأتي هؤلاء البؤساء بالآلاف، فيتنازعون ويتضاربون على تلك المعونة البسيطة. روفي أثناء التوزيع تنسد الطرقات. إن مثل هذه المساعدة وهذا التوزيع القليل لا يحققان الهدف المنشود، ولا يكفيان لسد حاجات مثل ذلك العدد من المعوزين. ولكن المدير لا يستطيع أن يفعل أكثر من ذلك. ومن جهة أخرى، فإن نصف المبالغ المخصصة لهذا النوع من الإعانات يعطى

ص: 217

لشخص لن أذكر اسمه، ويوزع الربع الأول من النصف الباقي على المدير والموظفين والمعوزين أما الربع الأخير، فإنه، يحفظ لأملاك الدولة ولتنمية خزائن فرنسا.

ولكي نعود إلى حوادث البليدة، أقول، أخيرا، إنه كان يجدر بالجنرال ألا يترك أية حامية في المدينة بدلا من أن يترك واحدة لا تستطيع أن تحمي نفسها من الجبلين الكثيري العدد، وعندما يأتي المرء للحرب في هذه المقاطعة، كان يجب عليه أن يتوقع جميع أنواع الانتقام خاصة عن شعب تعصبي ساخط، ثم إن هذا الغزو لا يشرف فرنسا لأن نتائجه تؤدي، حتما، إلى إبادة جزء كبير من المخلوقات التي تكون الجنس البشري. وهل كان الفرنسيون يتصرفون بمثل هذه الطريقة لو أن الجزائريين كانوا يتدينون بدينهم؟ وعلى الرغم من أني لا أعتقد، شخصيا، بأن الفرنسيين قدموا إلى الجزائر بدافع ديني، فإن تلك هي فكرة كثيرة من الأشخاص الآخرين الذين يدعمون رأيهم بواقع لا تقبل المنازعة. ما هو الغرض من مساعدات قدمت لليونانيين ومقدارها ستون مليونا، ساهمت فيها فرنسا وحدها بعشرين دون أن يكون لها أي مقابل، أليس الغرض من تقديم المساعدة هو بناء مجد فرنسا، ولكي تتمكن تلك الأمة العظيمة من احتلال مكانة في سجلات التاريخ؟ والمساعدات التي قدمت للبلجيكيين، وللبولونين، وتلك التي تقدم حاليا للبرتغاليين، ألم تعط كلها لنفس الغرض لأن كل هذه الشعوب لا تقدم لفرنسا أي مقابل يتناسب مع مثل هذه التضحيات كلها؟ وعندما نرى مثل هذه النوايا الحسنة كيف نصدق بأن نفس فرنسا هذه ترضى بأن يحكم الجزائريون التابعون لها بمثل تلك الطريقة الجائرة.

ص: 218

إن وقوع مثل هذا العدد الكبير من الأحداث الجائرة يحتم علي أن أعرف بها ليسجلها التاريخ، ولنبين للأجيال القادمة كيف كانت تفهم الحضارة في القرن التاسع عشر. إننا نظلم، في الجزائر، وإذا أردنا أن نرفع أصواتنا ضد هذا النظام التعسفي، فإننا ننفى

أيستطيع الناس، إذن، أن يفرضوا السكوت؟ ولماذا لا يحكمنا الفرنسيون حسب نظامهم القانوني؟ لماذا لا يكونون معتدلين، ولا يتصرفون وفقا لقوانين العدالة إذا كانوا يريدون حكمنا بسلام؟

وما من شك أنه كان يسرنا أكثر أن نتكلم بلغة أخرى، فنذكر محاسنهم ونجه لهم عبارات الشكر والتقدير، ولكننا، مع الأسف، مجبرون على ذكر وقائع تنتصب لهم في شكل متمم. وإننا لا نذكر هنا ولا نعيد إلا رسم المشاهد المؤلمة لكل ما يجري، مع العلم بأننا لا نستطيع نقلها كما ينبغي.

ولأتمم ما له علاقة بحملة المدية، أقول: إن الجنرال كلوزيل لم يلق - صحبة آغا العرب وابن عمر باي التيطري - أية مقاومة في طريقه. لم يقم أي واحد بحمل السلاح ضد الحملة للأسباب التي ذكرناها، وأن معظم من كان يمكن لهم أن يحاربوا الفرنسيين قد انسحبوا إلى جبالهم الوعرة حيث يستطيعون حماية أنفسهم من جميع الهجومات بالحجارة فقط.

لم يكن لمصطفى، باي التيطري، أنصار من بين البرابرة، ولما تأكد من عجزه وفشل قضيته لجأ إلى أحد المرابطين. وهكذا، إذن، استسلمت المدية لسلطان الفرنسيين، وفي الحين شرعت السلطة في الاستيلاء على أملاك الأتراك وكل ما كان تابعا للحكومة القديمة. وبهذا الصدد نقلت إلي الواقعة التالية، ومع ذلك فإنني لا أستطيع تأكيد صحتها: قبل أن يسحب القائد الفرنسي جيوشه ترك بن عمر في المدية بصفته بايا، ولكنه لم يترك له أية حامية لتدعيم سلطته. وقد سمح له بأن يجمع الضرائب على الطريقة التي كانت

ص: 219

تجمع بها في عهد الأتراك، وذلك بقطع النظر عن كون البيانات تؤكد إلغاء تلك الضرائب. وإن أسر ابن عمر بجمع الضرائب وحده كاف للتدليل على أن وعود الفرنسيين ليست إلا كلاما فارغا، وحيلا مخزية للوصول إلى الهدف الذي يصبون إليه. لقد كان أخذ الضرائب هو عمل الجور الذي تعير به الإدارة التركية، ومع ذلك لم يكن هناك نفي ولا نهب ولا تقتيل. لقد كان الأتراك مستبدين، ولكن في درجة أقل من استبداد الفرنسيين الذين حققوا تقدما كبيرا في هذا الميدان!. ومن الواجب على الجنرال كلوزيل أن يعجب بجزء من هذا التأليف.

هناك من يؤكد بأن الحكومة الفرنسية قد أمرت بأن يعتنق المسلمون الديانة المسيحية. ويبدو أن (البريد الفرنسي) الصادر بتاريخ 20 جوان قد اكتشف السر، ومع ذلك لم يصدر أي تكذيب في الجرائد الوزارية. من الممكن أن ثمة من يعتقد، في أوروبا، أن الجرائد لا تصل إلى البدو، وأن هؤلاء الأخيرين لا علم لهم بالسياسة الأوربية، وهذا خطأ لأن البدو يعرفون كل ما يجري في أوروبا، بينما لا يعرف الأوروبيين ماذا يصنع البدو في أفريقيا، ولكنهم يضخمون الوقائع. وأن معظم البرابر الموزعين في مدن الإيالة وفي مدينة الجزائر خاصة ما زالوا يحتفظون بعلاقاتهم مع أهاليهم الذين يسكنون الأرياف. وموضوع أحاديثهم بالطبع هو أحداث اليوم. وكل ما يجري في مجال السياسة.

وتتردد الأخبار من فم إلى أذن إلى أن تصل حدود الصحراء، وكما يقول الشاعر العربي: إن الوقائع تتكلم بالنسبة لمن يريد أن يخفيى سيرته).

وعندما رجع من المدية لم ينس الجنرال أن ينسب لنفسه مجد ونتائج هذه الحملة. فعزل حمدان آغا الذي لم تعد لنفوذه أية فائدة في إنجاح مثل هذه الحملات الداخلية، وأعطيت الأوامر لكي يصحب برجلين من رجال

ص: 220

الدرك كلما أراد الخروج من داره (1). ويوجد حمدان آغا، الآن في باريس، وقد أعطاه الجنرال كلوزيل شهادة تثبت بأنه خدم القضية الفرنسية بإخلاص ونجاح. فلماذا عزل إذن؟ ولماذا كل ذلك التشكيك العجيب في سيرته؟ لماذا استبدل بحاكم آخر؟ وإن سلطات الحاكم الجديد لا تتعدى حدود المتيجة. فيا لها من إدارة طائشة؟! يستعمل أحد أبناء البلد كل سمعته ونفوذه وثروته لخدمة القضية الفرنسية. وعندما يقدم خدمات جليلة يعزل! يعلن عن إلغاء الضرائب ثم يكلف ابن عمر باي ويؤمر بجمع تلك الضرائب في المدية على الطريقة التي كانت تجمع بها في عهد الأتراك، وذلك بعد أن نشر الجنرال يوسف، بأمر من الجنرال المذكور بيانا يؤكد إلغاءها، يا لها من تناقضات عجيبة! ومع ذلك يبدو لي أن هذا الجنرال كان يجب أن يكون صادق الوعد لأنه يمثل ملك الفرنسيين في مملكة الجزائر.

وإذن، فقد وجد ابن عمر نفسه في حيرة إزاء سكان المدية، فالذين كانوا خارج المدية، رفضوا أن يدفعوا، ولم يكن يملك الوسائل لإرغامهم. إذ لم يترك له سوى مدفعين وقليل من البارود. ولقد كان من الممكن أن يذهب ابن عمر ضحية لو لم يساعده بعض المغتربين من مدينة الجزائر الذين هاجروا إلى المدية. إنه لم يكن قادرا على الاعتماد على سكان المدينة الأخيرة، التي لم تستسلم للفرنسيين إلا منذ مدة قصيرة، ثم إن هؤلاء السكان كانوا يخشون البدو أكثر مما يخافون السلطة الفرنسية. إن هجوم هؤلاء البدو شديد، ومن الصعب أن يقاومو عندما يهيجون. لقد كانوا يهاجمون الجزائر من حين لآخر، ولولا وجود الجيش الفرنسي ومدفعيته لقتل الجزائريون عن آخرهم،

(1) أي أنه وضع تحت الإقامة الجبرية.

ص: 221

وسبب تلك الهجومات هو أن هؤلاء الأخيرين قد تبنوا قضية الجيش الفرنسي لقد كان من الواجب على الجنرال كلوزيل أن يترك لبن عمر قوات كافية، وأن يبدي استعدادات حسنة، واعتدالا، وأن يوفي بعهوده وبالالتزامات التي أخذها على نفسه. بهذه الوسائل كان من الممكن ألا يظهر البدو أية عداوة، وأن تعيش المنطقة في هدوء وأن يستغني ابن عمر عن استعمال القوة. عندما قام الجنرال كلوزيل بحملته ضد المدية كانت المواصلات بين هذه المدينة ومدينة الجزائر تكاد تكون مقطوعة. ولما رجع جاءه الأشرار وأخبروه بأن عددا من السكان كانوا قد أشاعوا بأن الجنرال انهزم أمام القبائل وكنت واحدا من المتهمين بارتكاب هذا الذنب. وبهذه المناسبة كان السيد، كادي دوفو، قد جمع المجلس البلدي وكنت عضوا فيه لتهنئة الجنرال بالعودة سالما. وعلى أثر الزيارة أخبرنا بالتقارير التي وصلته. وقال بأنه عملا على راحته وللتدليل على الثقة للحكومة الفرنسية، يجب أن نجمع له على الأقل 50 من أبناء الأعيان، يبعثون إلى فرنسا كرهائن، وليتعلموا اللغة، الخ

أيد شيخ البلدية هذا الطلب واقترح أن يشرع في تنفيذه، وإلا إذا تعذر ذلك، أن تشترط مبالغ مالية بدلا من الأطفال، ثم أضاف السيد كادي دوفو بأن رفض إرسال الأطفال إلى فرنسا سيعتبر خروجا عن طاعة الفرنسيين، والذي لا يريد الامتثال لهذا الإجراء يجب عليه أن يخرج من مدينة الجزائر. ومع ذلك، فإنه لم يجرأ أحد على الخروج من الجزائر، وعلى إرسال أبنائه إلى فرنسا.

1 -

لأن الوالي لم يكن موثوقا به.

2 -

لأن هذا الطلب جائر، وحتى من كان يرغب في إرسال ولده ليتعلم في فرنسا، فإنه أصبح يرفض الموافقة على هذا الطلب

ص: 222

التعسفي. وعليه، فإن شيئا لم يتم في هذا الميدان، وضاعت القضية في عالم النسيان.

كان المجلس البلدي يتكون من سبعة أعضاء كانوا، قبل تعيين السيد كادي في منصب شيخ البلدية، يستطيعون التداول بحرية حول القضايا.

غير أن السيد كادي لم يعد يعطي أي اهتمام لآرائهم، وصار، بتصرفاته كأنه يحتقر هذا المجلس. ونتيجة لذلك هاجر اثنان من أعضائه وهما: سيدي مصطفى السائجي ومحمد ولد إبراهيم ريس.

نظرا لذلك التغيب شرع في العمل على استبدالهما. وهكذا دعاني، الجنرال تولوزان، لشغل إحدى الوظيفتين. فقبلت لأنه لم يكن بإمكاني أن أرفض. وقبل هذا العرض كنت متهما، نظرا لأنني كنت في خدمة الأتراك، بأنني أرغب في عودتهم، وبأنني لن أرضى بأية وظيفة في ظل الحكومة الفرنسية. ولذلك، وعلى الرغم من أن وقتي يكاد يضيق عن مشاكلي الخاصة، فإنني قبلت منصبا كان الجميع يرفضونه، ومن جهة أخرى، فإننا لم نكن قادرين على التعبير عن آرائنا أثناء اجتماعات المجلس. فالمداولات كانت صامتة وشكلية فقط، وبكلمة، فإن مساهمتنا كانت غير مجدية.

كان أحد أعضاء هذا المجلس، وهو المسمى بو ضربة، في نزاع معي. فلم أكن أرغب في لقائه، وكان كل منا يشتكي بصاحبه إلى القائد الأعلى، وقد انتهت هذه القضية بعزل أربعة منا واستبدالهم بآخرين.

كان هذا العزل مصدر سعادة لنا وتخلصا من أحد الأعباء التي تثقل كواهلنا ذلك أنه على الرغم من أن السيد شيخ البلدية لم يكن يتبع سوى هواه، فإننا

ص: 223

كنا مسؤولين، تجاه سكان الجزائر، عن أعماله لأننا كنا نوافق عليها كما لو أنها كانت أعمالنا.

قبل أن أتخلى عن وظيفتي كان الجنرال كلوزيل قد طلب من البلدية أن تسلمه مسجد العاصمة الكائن بناحية ميناء المسمكة ليحول إلى مسرح، وأكد بأن حكومته أذنت له بأن يقدم مثل هذا الطلب فقلنا له: إننا لا نستتطيع الموافقة على هذا الإجراء، وحتى لو أردنا أن نفعل ذلك، فإننا لا نتتطيع، لأنه ليس من اختصاصنا، واكتفينا، بأن قلنا له: إذا كان المرغوب هو إقامة مسرح، فإنه يمكن استعمال مسكن الداي القديم الذي هو واسع، كما أنه يمكن استعمال الأراضي المحيطة به لبناء مسرح جديد إذا اقتضى الأمر ذلك. وهكذا ظل الطلب غير مجاب ولم يبن المسرح.

كان من بين اليهود المقربين إلى الجنرال واحد اسمه ب

، وهو رجل لئيم لكنه يجيد التآمر، وتوجد لديه جميع الوسائل الضرورية للتسرب إلى المجتمع يدير المكائد ويقوم بالأعمال الذميمة.

وهكذا أرسل حظي هذا الجنرال إلى وهران، في مهمة لدى الباي، يستخرج منه الفوائد ويجعل منه بقرة حلوبا. ومقابل هذه الخدمات وتلك المحاباة أعطي للسيد بـ

(1) وسام جوقة الشرف. وعندما قدم رسل تونس إلى الجزائر قدموا إلى السيد كـ ..... (2) هدايا رائعة، أجهل نوعها. كانت مهمة هؤلاء الرسل إمضاء عقد خاص ببيع مقاطعتي قسنطينة ووهران.

كانت المفاوضات حول هذا الموضوع قد ابتدئت من طرف السيدين د ...... (3) وجـ ...... (4) اللذين أرسلهما الجنرال بورمون خاصة لتوزيع

(1) و (2) و (3) و (4) نعتقد أن بـ هو بكري وك هو كلوزيل ود دوبيتيوسك صاحب الشرطة، أما جـ .. فلم نتمكن من اكتشافه ولكن يحتمل أن يكون السيد جيراردين.

ص: 224

البيانات التي تدعو الشعب إلى عدم الاعتداء على الجيش. وقد رأيت بنفسي أثاء سفري إلى قسنطينة، تلك البيانات المختلفة التي يكاد يكون معناها واحدا، فهي تدعو العرب والقبائل إلى مصادقة الفرنسيين، وتعدهم وعدا قاطعا بأنه لم يعد يشترط منهم تلك الضرائب التي تعودوا دفعها للأتراك، وبأن جميع أنواع الظلم والإهانات ستتوقف، وبأنهم سيتمتعون بالعدالة والحرية، وتضمن لهم حرية العبادة، الخ

عندما وصل مبعوثا الفرنسيين السيدان د .... وجـ .... ، إلى تونس، اتصلا بالباي عن طريق قنصل فرنسا. عندها ظهر مشروع بيع المقاطعتين وبمقتضى هذا المشروع تسلم قسنطينة ووهران إلى باي تونس مقابل مورد سنوي قدره مليون من الفرنكات يدفعه لفرنسا عن كل مقاطعة. ويقال إنه كان يتوقع أن ينال المبعوثان الفرنسيان مكافأة هامة، ولكن التغيير المفاجىء في الحكومة الفرنسية، وعزل المارشال بورمون بعد ذلك، منعا من إدخال المعاهدة في حيز التنفيذ.

ولما وجد الجنرال كلوزيل مشروع البيع هذا في وثائق سابقة، أمر بإحيائه من جديد وتم التوقيع عليه من الأطراف المعنية. ويقال لنا بهذا الصدد، وإن كنا لا نجزم القول، إنه بالإضافة إلى المليون السنوي تم الاتفاق على أن يعطى مليون آخر لشخصية لا أريد ذكرها هنا، ومائة ألف فرنك لشخصية أخرى لها مرتبة أدنى. ويقال إن هذا المبلغ الأخير قد وقع تحويله وإنه /يوجد عند أحد رجال البنوك بباريس، وإن الصيرفي قد دفع عربونا قدره بضعة آلاف من الفرنكات. وحسب ما أعرفه، فإن الحكومة التركية، لم تكن تستخرج من كل

ص: 225

مقاطعة، في ميدان الضرائب، إلا ثلاثمائة ألف فرنك على أكثر تقدير (5).

وهكذا، إذن، فإن تلك البيانات التي تؤكد إلغاء الضرائب تتعارض مع معاهدات الجنرال كلوزيل التي تجعل الشاري، باي تونس، مجبرا على أن يستخرج من السكان أكثر من ثلاثة أضعاف الضرائب العادية التي كانت تدفع للأتراك، كل ذلك بقطع النظر عما كان يمكن أن يطلبه ذلك الجنرال من منافع أخرى. وبهذه الكيفية، فإن من كان يدفع عشر فرنكات يصبح مطالبا بأربعين على الأقل. هذا ما أدركه العرب والقبائل أنفسهم. وإن هذه التصرفات، كما نرى لا تحتاج إلى تعليق.

كل هذه الظروف قد أبقت العرب والقبائل في حالة عداء دائم ضد الفرنسيين، وساهمت كثيرا في تقريبهم من باي قسنطينة.

ومن حقنا أن نصرح هنا بأن فرنسا. عندما أبرمت مثل هذه المعاهدات، قد تصرفت في الإيالة بكيفية لا يمكن أن تضاهيها كيفية من حيث الجور والتعسف (6)، وما من شك في أن هذه الأعمال كانت ستدان من طرف الدول الأوربية التي تهتم بتحرير الشعوب وعتق الرقيق (7). بمثل هذه (النوايا الحسنة) كيف لا تريدون أن يرغب العرب والقبائل

(5) هذا خطأ لأن الدنوش وحده كان يقدر بحوالي مليونين ونصف من الفرنكات بالنسبة للمقاطعات الثلاث. مع العلم بأن بايلك التيطري هو أفقرها. وبالإضافة إلى الدنوش هناك أنواع مختلفة من الإتاوات والضرائب المفروضة على الواردات والصادرات الخ

(6)

من الثابث أنه ثم التوقيع على المعاهدتين الخاصتين ببيع مقطعتي وهران وقسنطينة، ولكنهما ألغيتا من طرف الحكومة الفرنسية. أنظر نسخة من كل منهما في آخر هذا الفصل.

(7)

يظهر أن حمدان كان يؤمن كثيرا بحقوق الإنسان.

ص: 226

في أن يعود إليهم السيد المارشال كلوزيل؟ وما من شك أن سلوكه هذا هو الذي جعل الجرائد تكتب يوميا، بأن هذه الشخصية محل عبادة في إفريقيا.

ولقد كنت أود؛ عندما سافرت إلى قسنطينة، لو صاحبني بعض الشهود ليسجلوا (الثناء) الذي كان يوجه لهذا القائد الفرنسي طوال الطريق، من الجزائر إلى قسنطينة. كان المفتي سيدي محمد العنابي رجلا نزيها وناضلا. ذنبه الوحيد أنه كان يكتب دائما إلى الجنرال كلوزيل يلومه على تصرفاته التي كانت تبدو له مخالفة لوثيقة الاستسلام، للقوانين الفرنسية ولحقوق الإنسان. ولكن الوالي كان عنيدا، وعليه قبض رجال الدرك على المفتي وقادوه إلى السجن؛ وتعرضت أسرته لجميع الإهانات بحجة أنها كانت تدبر مؤامرة. يا ترى، ما هي الجناية التي يمكن إسنادها للنساء والأطفال؟

وعندما تقدمت إلى الجنرال كلوزيل أسأله عن سبب هذا الاعتقال أجابني بأنه كان يتفاهم مع القبائل لإثارتهم ضد الفرنسيين. ثم توجهت إلى المفتي فحدثته عن هذا الاتهام وسألته عن الأسباب التي يمكن أن تكون في أصل تلك الادعاءات، فاحتج أشد الاحتجاج ضد هذه التهم، وقال إنها كاذبة، وما عليهم إلا أن يأتوا بالبراهين.

وبعد التمحيص فيما يمكن أن يكون السبب أو الأصل في الاتهام، وجدت أنهم إنما استعملوا تلك الحجة لإبعاد المفتي عن الجزائر حتى لا يقال أنهم نقضوا المعاهدة فجأة.

وبعد ذلك علمت من المفتي نفسه كيف وقع اعتقاله، وأرى من

ص: 227

الواجب علي، لفائدته، أن أقدم لقرائي تفاصيل الحادث (8).

لقد جاءه ترجمان الجيش وأخبره بأن الجنرال ينوي إخلاء مدينة الجزائر، قال له:(إنه يريد أن يسلمك الحكم، هل في استطاعتك أن تنظم جيشا وقوة كافية، لتهدئة البلاد وللدفاع عن نفسك؟).

أجاب المفتي بأنه (عندما يحين الأوان، سأبذل كل ما في وسعي للقيام بإعادة التنظيم).

- هل ستحصلون على الجنود من الداخل، أم هل لكم الكفاية في مدينة الجزائر؟

- في المدن وفي كامل أنحاء الإيالة؛ وعندما يقتضي الأمر، فإنني أستطيع الحصول على ثلاثين ألف جندي يكونون تحت تصرفي.

ويقال إن الترجمان كان قد أخفى شخصين ليكونا شاهدين على هذه المحادثة، ولاستعمالهما، عند الحاجة، ضد المفتي.

هذه على ما يبدو هي الوسائل التي استعملت للتخلص من المفتي. وتلك هي المبادىء التي كان يطبقها السيد الوالي! فعندما يريد هذا المسؤول أن يقوم بعمل نعسفي أو أن ينفي هذا، ويبتز أملاك ذاك، فإن جميع الوسائل (تبدو له صالحة). والذي ينفي أو يفقد أملاكه يجب أن يعتبر نفسه سعيدا لأن هناك من يقدم للمحكمة العسكرية. وعلى هذا الأساس، فإذا أراد الوالي أن يتبرأ من نفي هذا المفتي، فما عليه إلا أن يدلنا على القانون الذي خول له القيام بإجراءات ضده!

(8) قال: لفائدته، لأنه، كان قد وعد بأنه لن يفشي السر لأحد.

ص: 228

عندما أخبر المفتي بالنفي توجهت من جديد للقائد الأعلى، أتوسل إليه أن يسمح له، على الأقل، بتسوية شؤونه وبيع أملاكه وأثاثه وعقاراته.

وبعد كثير من الصعوبات حصلت له، تحت كفالتي، على أجل مهلته عشرون يوما سوى خلالها حساباته، وعند انتهاء الأجل رحل إلى الاسكندرية.

إن هذا العمل الجائر قد جعل الناس كلهم يرتابون، وخاصة السلطة التشريعية والقاضي والمفتي. فلم يعد أي وحاد منهم يجرؤ على الكلام عن وثيقة الاستسلام خشية أن ينال مصير المفتي المذكور. وأمر المكلف بإدارة أملاك مكة والمدينة بأن يدفع إلى صندوق أملاك الدولة كل ما كان يحتفظ به من أموال، وأن يسلم في نفس الوقت جميع الدفاتر. لقد امتثل ذلك المدير إلى تلك التدابير وعلمت أن المبالغ المسلمة كان قدرها 140 ألف فرنك. غير أنه أذن لهذا الشخص أن يواصل اقتضاء مقادير الكراءات حسب العادة، ولكنه تلقى تعليمات جديدة تغير قوانين المؤسستين تغييرا كليا. لقد كان الهدف من هذه القوانين هو مساعدة الطبقة الفقيرة، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك، وتوزيع جميع الواردات عليها، أما الآن فإنه لم يعد يوزع عليهم أسبوعيا، إلا حوالي 800 فرنك.

ما هي الوسائل التي استعملت لجعل الحكومة الفرنسية توافق على هذه التدابير؟ فيا ليتني كنت أستطيع أن أرى مراسلات هذا الوالي إبان حكمه لكي أتعرف على ما الذي أيد آراءه في مثل ذلك التناقض مع نوايا الحكومة الفرنسية، خاصة فيما يتعلق بالطبقة الفقيرة المحتاجة.

لقد كان الجنرال بارتوزين، خلال المدة التي حكم فيها الجزائر، ينوي إعادة أملاك مكة والمدينة لأصحابها. وكان للسيد بيشو والدوق دوروفيكو

ص: 229

نفس التفكير، ولكن واحدا من هؤلاء لم يطبق تلك الإجراءات الحسنة.

ولأبرهن لقرائي على أنني لست إلا مرددا لآراء مواطني، فإنني أحيلهم على كتاب السيد بشؤون الصفحة 442 للاطلاع على وثيقة كان أحد قادة العرب قد وجهها لذلك الوالي. وبدلا من أن يصلح الأضرار ويعوضنا، فإن السيد جان تي دوبيسي، قد فعل أحسن من ذلك: أنه صرح بأن جميع المساجد والمؤسسات الخيرية والأوقاف ملك للدولة.

وهكذا، تم الاستحواذ على جزء كبير من المساجد، اكتري بعضها لتجار حولوها إلى محلات، وخصص بعضها الآخر لإسكان جيوش الحملة (9). لقد سبقني سيدي إبراهيم بن مصطفى، الذي غادر باريس منذ مدة وجيزة، إلى تقديم جميع هذه الاعتراضات إلى الحكومة الفرنسية. وأجيب بأن تعليمات ستوجه إلى السيد جانتي دوبيسي لإصلاح الأخطاء ولتكون إدارته مطابقة للعدالة (10).

غير أن الرسائل التي ترد علينا من الجزائر، تخبرنا بأن نفس النظام ما يزال سائدا، وأن السيد جانتي ما زال يتصرف بنفس العنف إلى درج أنه أجبر عددا من مستأجري بعض العمارات التابعة لأملاك مكة والمدينة على أخلائها قبل انتهاء العقد.

(9) لقد وجهت إلى معالي وزير الحرب مذكرة فيها جميع اعتراضات سكان مدينة الجزائر. كما أنني توجهت إلى الملك في نفس هذا الموضوع (انظر آخر هذا الجزء نسخة المطالبات).

(10)

انظر في آخر هذا الجزء تحليل المذكرات والكلمات التي وجهها سيدي إبراهيم بن مصطفى باشا، وجواب الوزير في هذا الموضوع.

ص: 230

وفي رسالة وزير الحربية، بتاريخ 18 جويلت 1833، التي يلاحظ فيها بأنه يجب أن أكون راضيا وردت الفقرة التالة:(لقد أمرت بأن يسمح لكم بتقديم اعتراضاتكم. ولقد استقبلتم من طرف الشخص الذي كلفته بشؤون الجزائر). هذا الشخص هو السيد مارتينو. وها هو ما قاله لي عندما مثلت بين يديه: (فكروا في كل ما تقدمونه للحكومة من كلام، ولا تكونوا متحيزين ولا مبالغين).

إنني لا أعرف كيف أفسر مثل هذه الإجابة. إنني أعترف بأنني لست فرنسيا، ولا أعرف جميع دقائق هذه اللغة. وإنني عرضت الوقائع، في مذكرة المطالبات، بكيفية صريحة ولا يعتبريها غموض ; ولكني لا أعتقد، ولا يمكن أن أتصور أن تلك طريقة مباشرة للإجابة.

بسم الله الرحمن الرحيم، الحاكم المريد لكل سيء.

(إن الموقعين أسفله، بارون فولان، رئيس مقتصدي الجيش الفرنسي في إفريقيا ومقتصد مملكة الجزائر، المفوض من طرف الجنرال كلوزيل القائد الأعلى لجيش افريقيا، وسيدي خير الدين آغا الممثل لجلالة باي تونس، وأحمد باي وهران، المجتمعين للاتفاق على ضبط الشروط التي يتولى بها أحمد باي إدارة بايلك وهران، قد اتفقوا على ما يلي:

المادة الأولى: إن أحمد باي، أمير البيت المالك في تونس، الذي عين بايا بقرار من القائد الأعلى للجيش بتاريخ 4 فيفير الحالي، سيتولى حينا ولاية

ص: 231

البايلك المذكور بجميع ملحقاته ما عدا حصن المرسى الكبير الذي تحتفظ به الحكومة الفرنسية لنفسها.

المادة الثانية: سيبقى إزاء الاحتلال الفرنسي، الذي يوجد مقره بالجزائر في نفس وضع التبعية التي كان عليها سابقوه من البايات إزاء إيالة الجزائر.

وبديهي أن هذه المادة لا تتعلق إلا بكلمات التي حصلت عليها فرنسا بواسطة الغزو.

المادة الثالثة: لا تؤخذ عن البضائع والسلع القادمة من فرنسا إلى موانئ البايلك غير الرسوم التي تفرض على مثيلاتها عندما تدخل ميناء الجزائر. وعليه فإن تعاريف الجمارك المسنونة أو التي ستسن في الجزائر هي التي تطبق دائما.

المادة الرابعة:؛ يحظى الفرنسيون والأوروبيون بحماية خاصة في كامل أنحاء البايلك. ومن يأتي منهم لفلاحة الأرض تعفى منتوجاته من جميع الرسوم والضرائب خلال السنتين الأولى والثانية. المادة الخامسة: إن الباي هو الذي يتقاضى جميع موارد البايلك مهما كان نوعها وبدون أي استثناء. ويدفع الباي بدوره إلى حكومة الجزائر، في صيغة إتاوة مبلغا سنويا قدره مليون من الفرنكات، ولا يشترط شيء آخر مهما كان نوعه.

المادة السادسة: يدفع هذا المبلغ إلى خزينة الجزائر فصليا بالتساوي، وذلك ابتداء من اليوم الذي يتولى فيه الباي منصبه الجديد. وقد تم الاتفاق على أن تخفض الأتاوة في السنة الأولى إلى ثمانمائة ألف فرنك، وإن أجل الدفعة الأولى يؤخر إلى فاتح سبتمبر القادم.

ص: 232

المادة السابعة: يتعهد الباي بأنه سيستعمل، بعدل واعتدال، السلطة التي سيمارسها على هؤلاء السكان، وبأنه يعمل على حمايتهم من اعتداءات الخارج، وعلى بذل كل ما في وسعه للحفاظ على السلام والهدوء في الداخل.

المادة الثامنة: يستطيع جلالة باي تونس، بصفته رئيسا للبيت المالك، بفعل ذلك إلا بعد الحصول على موافقة الحكومة الفرنسية أو القائد الأعلى الذي يمثلها.

المادة التاسعة: لا يمكن للحكومة الفرنسية أن تعزل الباي إلا عندما يخل بالالتزامات الواردة في هذه الاتفاقية.

المادة العاشرة: في حالة ما إذا تبين من خلال مرور الزمن والتجربة والظروف أنه لابد من تغيير أو تعديل هذه الوثيقة، فإنه لا يمكن أن تتم تلك التغييرات أو التعديلات إلا بموافقة جميع الأطراف المتعاقدة.

المادة الحادية عشرة: إن جلالة باي تونس هو الضامن والمسؤول فيما يخص الالتزامات التي يتعهد بها باي وهران في هذه الاتفاقية التي تقدم له للمصادقة عليها.

المادة الثانية عشرة: لقد تم التوقيع على هذه الاتفاقية المصوغة باللغتين من طرف المفوضين، كل حسب صفته المذكورة أعلاه، وأرسلت في نسختين أصليتين ليصادق عليهما الطرفان المتعاقدان؛ وسيتم تبادل الوثائق في أقرب وقت ممكن.

إمضاء: بارون فولان، في أصلية العقد 5، وختم سيدي خير الدين آغا.

ص: 233

شهد على أنها نسخة طبق الأصل: الجنرال، القائد الأعلى لجيش افريقيا كلوزيل.

إن الجنرال، القائد الأعلى للجيش الفرنسي في افريقيا، بمقتضى السلطات التي خولها له ملك الفرنسيين، وبصفته قائدا أعلى، وسيدي مصطفى المفوض المطل لجلالة باي تونس، ولأخيه سيدي مصطفى، والذي ستبقى نسخة من تفويضه ملحقة بأحد هذه الأصول، قد اتفقا على ما يلي:

المادة الأولى: بما أن القائد الأعلى قد عين بمقتضى السلطات المذكورة أعلاه بايا على قسنطينة، سيدي مصطفى الذي اختاره جلالة باي تونس، أخوه، وبما أن سيدي مصطفى الباي المعين قد فوض ذلك التفويض المطلق المذكور أعلاه، سيدي مصطفى الوزير وحافظ الأختام على أن يضمن باسم جلالة باي تونس وباسم الباي المعين، تنفيذ الشروط التي تم الاتفاق عليها بين الطرفين المتعاقدين، فإنه قد تم الاتفاق على صياغة تلك الشروط في هذه الاتفاقية، على أن تكون الكتابة باللغتين، وأن يكون التوقيع على الوثيقة من الطرفين كل حسب صفاته المذكورة في المقدمة.

هذه الشروط هي كالآتي:

1 -

يضمن جللالة باي تونس، ويتعهد شخصيا بأن يدفع في تونس، كضريبة عن مقاطعة قسنطينة، مبلغا قدره ثمانمائة ألف فرنك بالنسبة لسنة 1831. وتكون الدفعة الأولى، وهي الربع، في خلال شهر جوليت القادم، ثم تأتي الدفعات الأخرى في أوقات لاحقة بحيث تكون الأخير في نهاية ديسمبر 1831، ولتسوية الحساب، فإن سيدي مصطفى حافظ الأختام، وأحد

ص: 234

الأطراف المتعاقدة يقدم، باسم باي تونس ولصالح الخزينة في الجزائر، أربع سندات تقدر الواحدة بمائتي ألف فرنك.

2 -

وبالنسبة للسنوات المقبلة، فإن الدفع يكون بالربع أو فصليا. ويرفع المبلغ إلى مليون من الفرنكات يقسم على أربع دفعات. هذا بقطع النظر عن الاتفاقات التي قد تحدث عندما تتم تهدئة مقاطعة قسنطينة.

3 -

تسمح الحكومة التونسية بإرساء السفن الفرنسية، مجانا، في جزيرة طيرقة كما تسمح لها بصيد المرجان وغيره.

4 -

لا يدفع الفرنسيون في موانىء عنابة وستورة وبجاية وغيرها من مراسي مقاطعة قسنطينة إلا نصف الرسوم التي تفرض على الأمم الأخرى (11).

5 -

إن الباي هو الذي يتقاضى موارد مقاطعة قسنطينة مهما كان نوعها.

6 -

تقدم جميع أنواع الحماية للفرنسيين والأوروبيين الذين يأتون للاستقرار في مقاطعة قسنطينة كتجار أو كفلاحين.

7 -

لن تنصب أية حماية فرنسية في موانىء، البايلك أو في مدنه، ما لم يتم إخضاع المقاطعة كلها؛ وعلى أية حال سيقع الاتفاق فيما يخص اتخاذ التدابير الرامية لحفظ الأمن لصالح الطرفين.

8 -

وإذا استدعى جلالة باي تونس، باي قسنطينة، أخاه، فإنه سيتم تعيين أمير آخر تتوفر فيه الصفات الضرورية. وبعد موافقة القائد بعهد له بتسيير بايلك قسنطينة.

(11) من المعلوم أن تلك الرسوم كانت تقدر بنسبة 5% من الواردات أو الصادرات.

ص: 235

المادة الثانية: لقد وقع على هذا العقد المكتوب باللغتين، القائد الأعلى وسيدي مصطفى، كل حسب صفاته المذكورة أعلاه وكان ذلك في نسختين بقيت إحداهما عند القائد الأعلى والثانية عند سيدي مصطفى.

الجزائر، يوم 18 أكتوبر سنة 1830

إمضاء: كومت كلوزيل

سيدي مصطفى

شهد على أنها نسخة مطابقة للأصل الباقي عند القائد الأعلى

أمين عام الحكومة

إمضاء: ف. كز.

ص: 236