الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
عن البيانات منذ أن وقع الغزو الفرنسي
بعد أن تم التوقيع على معاهدة الاستسلام، توجه خليفة باي وهران مع كل من كان معه إلى مقاطعته وبما أنه أسرع في سيره، فإنه كان أول من نقل خبر كارثة الجزائر إلى سكان تلك المقاطعة. لقد كانت الطرق ما تزال هادئة ولو لم يكن كذلك لعرقل الأعراب مسيرته. وفي نواحي وهران التقى بالباي وأخبره بالحادث.
كان هذا الباي عاعنا في السن، ولم يكن له أطفال. وبما أنه لم يكن يأمل الاحتفاظ بمنصبه بعد سقوط الجزائر، فإنه رجع إلى وهران ينتظر نتائج تلك الظروف الحرجة.
وعندما علم العرب بأن الفرنسيين دخلوا إلى الجزائر، رفضوا أن يواصلوا الاعتراف بسلطة الباي وشقوا عصا الطاعة. وزيادة على ذلك نهبوا المزارع التابعة لباي وهران، واستولوا على كل ماشيته كالدواب والخيل الخ
…
إنهم كانوا يعتقدون أن الفرنسيين يريدون غزو كامل الإيالة، وعليه قاموا بنهب كل ما كانوا يلاقونه للاستفادة منه بدلا عن تركه لهم. وحتى لو أراد حسن، باي وهران، أن يتفاهم معهم مثل ما فعل باي التيطري، لما استطاع ذلك لأنه لم يكن محبوبا.
كان حسن شيخا قد مل الحكم، ولذلك لم يكن يطمح إلا في حياة هادئة. وكان يأمل أن الفرنسيين سيحترمون راحته إذا ما أظهر أنه لا يضمر لهم العداوة.
وعلى العكس، فإن باي التيطري الذي كان يدفعه الطموح قد جمع سائر الأتراك الذين أرادوا أن يتبوه، واقترب من الجزائر رغبة في الاتصال بالفرنسيين، واستطاع بفضل نفوذ صديقه بكري أن يحصل على مرتبة آغا بتعيين من المارشال بورمون.
ولكن هذه الأوضاع ستعكر، فيما بعد، بسبب إحدى المناورات، فيعزل بدون ما سبب ويستبدل في منصبه كآغا العرب بحمدان بن أمين السكة (1)، وعندما حان الوقت، الذي فقد فيه بورمون كل سلطة بالجزائر قدم باي التيطري هبات كثيرة للتمكن من الرجوع إلى المدية، ومواصلة تسيير للبايلك كما كان في السابق وسأقص كل هذه المغارات فيما بعد.
أما باي قسنطينة، فإنه رجع إلى مقاطته متبعا الساحل حيث وجد كثيرا
(1) لقد كان بعض المؤرخين، مثل بلايفر، لا يفرقون بين حمدان خوجه وحمدان بن أمين السكة فقد كان هذا الأخير عسكريا، وعينه بورمون آغا العرب، ثم عندما أحس كلوزيل بميوله للوطنية عزله يوم 7 جانفي 1831. وفي العام التالي نفاه روفيكو إلى باريس حيث تزوج بفرنسية، وتوفي سنة 1834.
من المدافع والذخيرة الحربية. وقد تمركز مدة ثلاثة أيام في نواحي الدار البيضاء ليجمع الخيل والبغال التي كانت للدولة، وكذلك كل ما استطاع أن يعثر عليه في مزارع الدولة وضيعها. فجمع حوله ثلاثة آلاف تركي وعددا كبيرا من أسر مدينة الجزائر التي تركت المدينة لأن بعضها لم يعد مطمئنا لها بينما هرب البعض الآخر خوفا من الظلم.
لقد أخذ باي قسنطينة، إذن، كل هذا العدد الكبير من الناس تحت حمايته. وكان يوجد ضمن هذا العدد حوالي خمسمائة امرأة، ولم تؤخذ المؤن لمجابهة أتعاب الطريق لأنه لم تكن هناك استعددات لهذه الرحلة. غير أن باي قسنطينة، قد برهن، في هذه الظروف الطارئة، على كثير من الإنسانية والبطولة، وأن أعماله لكفيلة بأن تمجد، إذ تولى بنفسه إشباع جميع الحاجات الضرورية لهذه الهجرة، وثم اتخاذ كل ما يمكن من الإجراءات. ثم سار بقافلته نحو قسنطينة، ووعد الأتراك بنصف أجورهم. وقد وصل الجميع إلى أبواب تلك المدينة دون أن يمسهم البرابر بأذى. عندئذ وسوس الشيطان لذلك العدد العديد من الأتراك وأوحى لهم ذلك المشروع الفظيع الرامي إلى عزل القائد الذي أوصلهم إلى هناك.
إن الحاج أحمد باي قسنطينة، لم يعدهم إلا بنصف الأجر، ولكي يحصلوا على الأجر كله فكروا في عزله من منصبه واستبداله بابن شاكر باي (2) وقد كان شاكر هذا بايا على قسنطينة. ولكن الابن كان شريرا وسكيرا.
(2) هو ابن محمد شاكر باي الذي خلف محمد نعمان باي سنة 1813، وقتل شنقا في شهر جانفي 1818. وقد ظل هذا الولد يناور للحصول على منصب والده ولكنه لم يفلح.
غير أنه وعد، وقبلت الشروط ثم وقع الاتفاق. وبالفعل، ففي اليوم المحدد لدخولهم إلى قسنطينة ترك الجنود أبواب المدينة وابتعدوا بحوالي ميلين: هناك كان رئيسهم الجديد في انتظارهم.
وبعد ذلك بقليل أخبروا الحاج أحمد بنواياهم، وصرحوا له بأنه ينبغي أن يعتبر نفسه معزولا. ولم يضيع هذا الباي لحظة واحدة في إخبار سكان قسنطنية بتلك الإجراءات الغادرة، وقال لهم أنه لا يريد أن يكون سببا في نشوب حرب أهلية، وإذا كانت لهم نفس نوايا المتمردين، فإنه يرجوهم أن يخرجوا من المدينة كامل أفراد أسرته، وإنه بعد ذلك سينسحب إلى الصحراء عند أهله (3)، إنه كان يفضل أن يتصرف كذلك بدلا من أن يسفك دماء مواطنيه.
بعد أن وصلت هذه المعلومات إلى أعيان المدينة والفقهاء، اجتمعوا للتشاور حول الحزب الذي يجب أن يختاروه، وقد تقرر ما يلي: إن الحاج أحمد باي قد عين من طرف حسين باشا، وكان هذا الأخير وكيلا للسلطان.
ولذلك لا نعترف إلا بسلطة السلطان. وأن السلطان ما يزال موجودا وإذا كان ممثله في الجزائر لم يعد موجودا سياسيا، فإن ما قام به هذا الأخير قد تم بموافقة الباب العالي وعليه يجب أن يكون الحاج أحمد هو رئيسنا، وهو صالح لنا فعلا. ولا نستطيع تغيير هذه الأمور دون أن تكون هناك تعليمات جديدة من الباب العالي. ونظرا إلى المسافة الفاصلة بين البلدين، وفي حالة وفاته فإنه يمكننا أن نختار، دائما بموافقة السلطان، من يصلح بنا لحماية الأمن والسهر
(3) أهله هم أخواله في بيت ابن قانه شيخ العرب.
على هدوء البلاد وفي جميع الحالات، فإن ابن شاكر مغامر، ولا يمكن أن يكون تعيينه شرعيا. وهكذا، إذن، فإننا لن نواصل اعترافنا بسلطان الحاج أحمد باي فقط، وإنما ينبغي أيضا أن نعترف به كباشا ليتمكن من تهدئة القبائل والعرب، إنه سيخلف باشا السلطان، وبعد ذلك نطلب رأي السلطان فيوافق أو لا يوافق على هذا الإجراء. وفي الحين أرسل هذا القرار إلى الحاج أحمد، وأخبر بأن جميع السكان مستعدون لحمايته ضد أعدائه لأنهم يعتبرونه كباشا، وعندئذ توجه لمحاربة المتمردين وهزمهم. وليبرهن هؤلاء الأخيرون على خضوعهم، أرسلوا له رأس قائدهم. وزيادة على ذلك اشترط الحاج أحمد أن يسلم إليه المحركون الرئيسيون لهذه الثورة وعددهم عشرون، فينفيهم إلى تونس. غير أن عددا منهم قد هرب وتفرق في أوساط القبائل والعرب. وبعد ذلك دخل الحاج أحمد منتصرا إلى قسنطينة.
وبعد هذا الحادث، أرسل باي قسنطينة قرار أعيان هذه المقاطعة إلى باقي سكان الإيالة ودعاهم إلى طاعته ففعلوا. ثم طلب من سكان عنابة أن يرسلوا له كمية من الذخائر الحربية، وولى عليهم المسمى الحاج عمار الذي كان وكيلا له في تونس. ولكن الحاج عمار هذا كان يحظى بسمعة سيئة في عنابة، وكان يعتبر حاكما عاجزا، وبما أنه كان قد شغل هذا المنصب في نفس المنطقة، فإن السكان أصبحوا يقدرونه حق قدره.
وعلى هذا الأساس شق سكان عنابة عصا الطاعة؛ فلم يمتثلوا لأوامر الحاج أحمد باي ورفضوا أن يرسلوا له ما طلبه من ذخيرة، ولما أحس الباي
وعليه فقد آن الأوان لتتسلحوا ضد الفرنسيين، ولتتحدوا قصد طردهم. وهكذا، إذن، اتحدوا فيما بينهم، وأمنوا الطرقات. لقد توقعوا أن يقوم الفرنسيون بنهب الجزائريين، ولذلك سارعوا إلى الاستيلاء على ممتلكات سكان مدينة الجزائر في متيحة، إنهم لم يتركوا ماشية ولا حبوبا.