المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

أحبك أو يقولوا جر نمل … ثبيرًا وابن إبراهيم ريعًا غير - المرشد إلى فهم أشعار العرب - جـ ٥

[عبد الله الطيب المجذوب]

فهرس الكتاب

- ‌مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌أطوار المدحة النبوية وبعض أمرها:

- ‌أما طور الدعوة فقد كانت قصيدة المدح النبوي فيه جزءًا لا يتجزأ من الشعر العرب

- ‌طور السياسةهذا هو الطور الثاني من أطوار المدحة النبوية

- ‌الطور الثالثوهو طور التعبد الممهد

- ‌طور النضج:

- ‌الصرصري والبرعي والبوصيري:

- ‌وأعلم أيها القارئ الكريم أن من علامات نفس الشاعر ودلائله أشياء نذكر منها فيما يلي إن شاء الله:

- ‌أولًا: التسلسل:

- ‌ثانيًا: التدرج

- ‌ثالثا: تداعي المعاني

- ‌رابعا: المقابلة

- ‌خامسًا: التخلص:

- ‌سادسًا: المخاطبة:

- ‌سابعًا: الاقتضاب:

- ‌الاقتضاب عند المحدثين:

- ‌فصل فيما يقع من تشابه أشكال القصائد

- ‌فصل ملحق بما يقع من تشابه أشكال القصائد

- ‌أسلوب المقالة: تمهيد: أولاً:

- ‌أسلوب المقالة: أوائله، ثانيًا

- ‌المقالة والقصيدة عند شوقي وحافظ ومن بعد قليلاً

- ‌الضرب الأول:«رومنسية» الدفاع عن القديم

- ‌الضرب الثاني:الرومنسية المسيحية العربية

- ‌الضرب الثالث:«رومنسية» الافندي

- ‌الضرب الرابع وهو رومنسية الفقير المفقود

الفصل: أحبك أو يقولوا جر نمل … ثبيرًا وابن إبراهيم ريعًا غير

أحبك أو يقولوا جر نمل

ثبيرًا وابن إبراهيم ريعًا

غير أن أبا الطيب كما كان يسلك هذا الباب، كان يسلك غيره من أبواب الربط وله في ذلك افتنان أي افتنان. والمذهب الذي ذكره ابن رشيق للنابغة في العينية كثيرات أمثاله عند أبي الطيب. ومن أجود ما جاء له في هذا ميميتة.

ملمومكما يجل عن الملام

ووقع فعاله فوق الكلام

وهي من روائع الشعر العربي كله وفيها أبيات صفة الحمى وفيها قوله الذي ختم به:

تمتع من سهاد أو رقاد

ولا تأمل كرى تحت الرجام

فإن لثالث الحالين معنى

سوى معنى انتباهك والمنام

أبو الطيب عالم وحده.

ويشبه مذهب حسان وإن لم يخرج كخروجه لصلة كلامه صلة أوثق أوس بن غلفاء حيث بدأ بفخر ثم خلص منه إلى هجاء رجل بعينه وأصاب قومه وذلك قوله:

جلبنا الخيل من جنبي أريك

إلى أجلى إلى ضلع الرخام

بكل منفق الجرذان مجر

شديد الأسر للأعداء حام

أي يخرج الجرذان من نافقائها أي أجحارها لكثرة خيله وشدة وقع حوافرها.

أصبنا من أصبنا ثم فئنا

على أهل الشريف إلى شمام

وجدنا من يقود يزيد منهم

ضعاف الأمر غير ذوي نظام

ثم انصرف إلى هجاء يزيد، وهذا على شبهه بخروج حسان أقل احتيالًا منه لأن نفس الفخر وثيق الصلة بنفس الهجاء.

‌سادسًا: المخاطبة:

وهي ضرب من الاحتيال على الربط وحفظ الوحدة كان كثيرًا عند القدماء وما نص عليه ابن رشيق نصًا، غير أنه يدخل في مقاله «ما تخلص فيه الشاعر من معنى إلى معنى ثم عاد إلى الأول وأخذ في غيره ثم رجع إلى ما كان فيه» .

فمن أمثلته ما صنعه عمرو بن كلثوم في المعلقة حيث خاطب بدءًا فقال:

ألا هبي بصحنك فأصبحينا

ثم قال:

ص: 311

قفي قبل التفرق يا ظعينًا

فجعل الساقية ظعينة وكل امرأة ظعينة، ولكنه أراد بها الكناية عن الأعداء لما قدمنا ذكره من غزلهم بنساء العدو، ثم لما ضمنه من معنى الفراق هنا.

ثم قال: قفي نسألك هل أحدثت صرمًا

لوشك البين أم خنت الأمينا

بيوم كريهة إلخ

ثم كما قال ابن رشيق رجع إلى الغزل إلى قوله:

تذكرت الصبا واشتقت لما

رأيت حمولها أصلًا حدينا

فقد وقع الفراق وقومها أعداء. وعاد الشاعر إلى الخطاب ولكنه خاطب رجلًا هذه المرة:

أبا هند فلا تعجل علينا

وقد مهد لخطاب أبي هند بقوله:

فأعرضت اليمامة واشمخرت

كأسياف بأيدي مصلتينا

وهي أسيافه وأسياف قومه. هذا قريب من الخروج الذي تقدم ذكره. وأبو هند كأنه أبو الظعينة التي فارقت. وغير خاف أنه أراد به عمرو بن هند فجعله أباها كما ترى.

ثم قد صرح باسمه فيما بعد:

بأي مشيئة عمرو بن هند

نكون لقيلكم فيها قطينًا

بأي مشيئة عمرو بن هند

تطيع بنا الوشاة وتزدرينا

تهددنا وأوعدنا رويدًا

متى كنا لأمك مقتوينا

فإن قناتنا يا عمرو أعيت

على الأعداء قبلك أن تلينا

ثم خلص إلى الفخر وتحدى بني بكر وبني الطماح والناس جميعًا، ومعلقة عنترة مرتبة على تسلسل وتدرج وتداعي معان كل أولئك معًا في إطار عادة الشعراء. إلا أنه جعل من الخطاب وسيلة قوية توسل بها إلى الربط.

خاطب دار عبلة أولًا. ثم صار إلى ذكر عبلة نفسها

وتحل عبلة بالجواء وأهلنا

بالحزن فالصمان فالمتثلم

وعاد إلى الطلل على النحو الذي نبه عليه ابن رشيق في «حييت من طلل» ثم إلى عبلة «علقتها عرضًا» - ثم خاطبها

إن كنت أزمعت الفراق فإنما

زمت ركابكم بليل مظلم

ص: 312

ثم انصرف إلى حمولة أهلها بعين عبد يحسن الحلاب والصر. وإن شئت جعلت هذا من عقدته بخزي لونه وهو قول يقول به بعض أهل العصر يريدون أن يضاهئوا به الفرنجة الأمريكيين وغيرهم أنه للعرب زنوج كما للفرنجة زنوج استعبدوهم. وفي بعض المعاجم في تعريف السودان أنهم عبيد العرب. وكان الجاحظ رحمه الله سليل عبد أسود كان جمالًا لعمرو بن قلع الناسئ- أي من القوم الذين قال قائلهم:

ونحن الناسئون على معد

شهور الحل نجعلها حرامًا

ولعله كان من البجاة أو ممن اختطفه البجاة من بلاد السودان أو الحبشة فبيع بتهامة.

وكان الجاحظ مما يأنس بالزنج وأخبارهم كحديثه عن الفاشكار الذي لم يكن يحسن الفشكرة أحد مثله، أحسبها تصفيف أعواد القمح بعد حصاده ورسالته عن السودان وفضلهم، وحكايته عن شيخ عظيم جهير الصوت يستقصي الإعراب وقد ولده رجل من أهل الشورى وكان- كما قال أبو عثمان- بقرب عبد أسود دقيق العظم دميم الوجه ورآني أكبره فقال حين نهض ورأى عظمًا: يا أبا عثمان لا والله لا يساوي ذلك العظم البالين بصرت عيني به في الحمام وتناول قطعة من فخار فأعطاها رجلًا وقال له حك ظهري، أفتظن هذا يا أبا عثمان يفلح أبدًا.

وأغلب الظن أن أبا عثمان قد ظن أنه لا يفلح ولولا ذلك ما ساق الخبر. وليحذر من يخوض في أمر عنترة. وقد جاء الأثر بإكبار النبي صلى الله عليه وسلم أمره واستحسانه شعره إن صحت روايته، أن يكون ممن عسى ألا يفلح أبدًا أو لا يساوي ذلك العظم.

وقد كانت في عنترة سماحة خلق وكرم نفس وكبرياء ثقة بما عنده من بلاء لا كبرياء أست في الماء وأنف في السماء.

وكان عنده التعريض والتهكم بما كان يطعن به فيه من دونه، فإن يك هذا عقدة نقصه فذاك- مثل قوله:

كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

ومثل قوله: سودًا كخافية الغراب الأسحم.

ومثل قوله: ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها

قيل الفوارس ويك عنتر أقدم

ولو كان بنفسه سقم نقص ما قال هذا، وقد يسخر كما ترى بهؤلاء القائلين ويك عنتر أقدم. وزعم بعضهم وأظنه صاحب الموشح أن عنترة كان ممن خام ثم أقدم لقوله:

إذ يتقون بي الأسنة لم أخم

عنها ولكني تضايق مقدمي

وكان الرجل ذا علم بالحرب وخبر أنه كان يضرب الجبان لينخلع قلب الشجاع يشهد

ص: 313

بهذا ثم وصف عنترة ثغرها:

إذ تستبيك بذي غروب واضح

عذب مقبله لذيذ المطعم

وكأن فأرة تاجر البيت

أو روضة أنفًا

وبعد أبيات الروضة والذباب المترنم.

وهل تعصب أبو عثمان لابن عمة آبائه إذ زعم أن صفته الذباب من التشبيهات العقم التي لا تستطاع؟

وإذ هي:

تمسي وتصبح فوق ظهر حشية

التفت عنترة إلى نفسه، فهذا أول مجيئه بالغرض الذي من أجله سيقت القصيدة، وهو خروج خفي إذ هو تمهيد دقيق رشيق ....

وأبيت فوق سراة أدهم ملجم

وحشيتي سرج على عبل الشوى

نهد مراكله نبيل المحزم

والمرأة مما تشبه بالمهرة.

والصفات التي خلعها عنترة على مهرة بعضها منتزع من صفات الفتاة- عبل الشوى، وتوصف الفتاة بامتلاء العضد والساق وحسنهما.

نهد- وذلك ظاهر

نهد مراكله أي سام على جوافر وقوائم صلاب. وإن تك عبلة الموصوفة هنا ما هي إلا سمية التي قال فيها:

أمن سمية دمع العين تذريف

الأبيات الفائية التي طرب لها أبو العلاء في غفرانه (325) ومع ذلك أدخله النار وقال «لقد شق على دخول مثلك النار» وصار به تداعي المعاني إلى أن يورد بيتا زعم أن سيبويه كان ينشده بكسر الهمزة كقولهم مغيرة بكسر الميم وهو

أحب لحبها السودان حتى

أحب لحبها سود الكلاب

وليس البيت في نصوص الكتاب التي بأيدينا، ولكن فيها المغيرة بكسر الميم ومنتن ولعل ما بأيدينا من الكتاب نقصت منه مواضع فمثلًا البيت:

ص: 314

أتيت مهاجرين فعملوني

ثلاثة أحرف متشابهات

وخطوا لي أبا جاد وقالوا

تعلم سعفصًا وقريشيات

مذكور في الهوامش كأنه في شرح الأعلم للشواهد وليس في نص الكتاب، ولعل الأعلم أن يكون استشهد به، وهذا بعد باب آخر ونعود إلى ما كنا فيه.

وقد ذكروا أن سمية أغرت به أباه فضربه- فكأن قد رقت له وتجللته تحول بين أبيه وبينه إذ ضربه أبوه، وذلك قوله:

تجللتني إذ أهوى العصا قبلي

كأنها رشأ في البيت مطروف

العبد عبدكم والمال مالكم

فهل عذابك عني اليوم مصروف

وقوله «رشأ في البيت» يشبه قول علقمة:

كأنها رشأ في البيت ملزوم

ومن علقمة أخذه. وكأنه نظر أيضًا إلى هذا التشبيه إذ وصف أمه فقال:

وأنا ابن سوداء الجبين كأنها

ضبع ترعرع في رسوم المنزل

إن كانت أمك يا هذا رشأ

الساق منها مثل ساق نعامة

والشعر منها مثل حب الفلفل

يعني امتلاء ساقها وغلظه.

وقوله «نبيل المحزم» يفيد ضمور مهره وضمور عبلته أيضًا.

على أنه من تمام أدبه لم يمض في صفة حصانه ولكن رجع إلى أمر محبوبته:

هل تبلغني دارها شدنية

وهذا قولنا أنه في تداعي معانيه وأخذ كلامه بعضه برقاب بعض التزم بإطار عادة الشعراء من نسيب فناقة- ثم بعد أن بعدت وتمنى أن تبلغه دارها

خطارة غب السري زيافة

تطس الإكام بوخد خف ميثم

وشبه الناقة بالظليم

صعل يعود بذي العشيرة بيضه

كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم

وذكر جدها وجنونها في السير ثم بروكها وكأن صدرها ناي له هزيم- وهذا من أجمل الشعر

ص: 315

بركت على جنب الرداع كأنما

بركت على قصب أجش مهضم

إنما عنى صوت هزيم صدرها

بعد هذا عاد إلى المحبوبة فخاطبها،

أثنى علي بما علمت فإنني

سمح مخالطتي إذا لم أظلم

وجعل ذلك ذريعة لمزيد من الدفاع والحديث عن نفسه والفخر الكريم النبيل مع اعتدال وأناة وتدبر كتدبره إذ قال:

لم أخم

عنها ولكني تضايق مقدمي

قال:

ولقد شربت من المدامة بعدما

ركد الهواجر بالمشوف المعلم

بزجاجة صفراء ذات أسرة

قرنت بأزهر في الشمال مفدم

فإذا شربت فإنني مستهلك

مالي وعرضي وافر لم يكلم

وإذا صحوت فما أقصر عن ندى

وكما علمت شمائلي وتكرمي

ومن ها هنا أخذ يتقرب إلى عبلة. وقد ذكرنا في غير هذا الكتاب أن شكسبير قد تأثر بسيرة عنترة ومقاله في قصيدته هذه حيث صاغ ما صاغه على لسان القائد الذي سماه أوتيلو (وترجمها بعضهم عطيل وقد تكون من عطاء الله وقد تكون محرفة من اسم عنترة) إذ زعم في دفاعه عن نفسه أنه إنما سحر الفتاة بحديثه عن شجاعة نفسه وعن مغامراته. ولا تستبعد أن يكون شكسبير سمع في المجالس ممن كان له علم بالعربية وآدابها. وقد ذكرنا أن بيدويل وهو على زمان شكسبير كان بالعربية عالمًا ولا ريب أنه كان من علماء الملك جيمس الأول الذين صدر عنهم نص الكتاب المقدس الموثق عندهم. ومن قبل كما ألمعنا كان لشوسير بالعربية صلة وثيقة إذ قد سفر إلى إسبانيا وكانت الأندلس لم تزل لها بقية صالحة على زمانه، وقد ذكرنا أيضًا كتابته رسالة عن الإسطرلاب ما كان ليقدم مثله على مثلها من غير علم بالعربية، وقد تقدمه بزمان غير طويل من بني وطنه أحد أكابر علماء القسيسين بالعربية وهو روجر بيكون في القرن الثالث عشر الميلادي، ومن قبله في القرن الثاني عشر الميلادي «أد يلارد الباثي» الإنجليزي Adelard of Bath وهو معاصر لأبيلار الذي عشق ايليويز وهذا فرنسي.

وإنما نكرر هذا القول الذي ذكرناه من قبل لأن في زماننا هذا لن ننفك نحتاج إلى تأكيد الحجة حتى يعيها الغافل والمتغافل وبالله التوفيق.

ثم أنظر إليه كيف بعد قوله «وإذا صحوت» وما زال في معراض الفخر ببلائه في الحرب

ص: 316

المراد به التقرب إليها، جعل لها مكانًا بمخاطبتها خطابًا خفيًا حيث قال:

وحليل غانية تركت مجدلًا

تمكو فريصته كشدق الأعلم

أي رب حليل غانية مثلها- بل هي عنده أجمل الغواني وأحبه. ولذلك فهو حقيق ألا يخيم عن حمايتها بما وهبه الله من شجاعة وغيرة وصبر ونصر.

قوله «كشدق الأعلم» من قبيل قوله «كالعبد ذي الفرو الطويل الأصلم» قالوا كان يقال له عنترة الفلحاء وما أرى ذلك قيل إلا لأن شفته قد كانت غليظة. قال أبو الطيب يذكر كافورًا:

وأسود مشفرة نصفه

يقال له أنت بدر الدجى

وأوصاف السودان- في ألف ليلة- قريبة من هذا، حتى إن بعضهم يوشك أن يكون مفترشًا بعض شفته.

سبقت يداي له بعاجل طعنة

ورشاش نافذة كلون العندم

هذه هي الصورة الأولى- ثم قوله تمكو فريصته الصورة الثانية وفيها أنفاس أسف. كان حليل غانية محبوبة، والآن مجدل لجراحاته بالدم وذماء الموت صفير. قوله بعاجل طعنة ورشاش نافذة جعلهما معًا أمرًا واحدًا. وهذا أجود من قول قيس بن الخطيم:

طعنت ابن عبد القيس طعنة ثائر

لها نفذ لولا الشعاع أضاءها

وإنما قصد إلى تصوير الغيظ وحقد طلب الثائر. أما عنترة فصور محض لقاء فارس وفارس

متحاميين المجد كل واثق

ببلائه واليوم يوم أشنع

إلا أن أحدهما يقال له الفلحاء ويقال له الأعلم، فلتعلمن أينا الفلحاء وأينا الأعلم.

ظاهر هذا الحقد ولكن باطنه لمتأمل الصورة أسف وحزن وتفكر في مصائر الأيام. لعله هو أن يكون، لو لم تعجل يده بسابق الخبرة المقتول، وإذ كانت فريصته هي التي تمكو- وليصرف الحلوة التي خاطبها أتبع ذلك قوله يخاطبها:

هلا سألت الخيل يا بنة مالك

إن كنت جاهلة بما لم تعلمي

أنا أيضًا لقيت بلاء الحرب وأوجاعها فليس دهري القساوة وإنما هو الحفاظ وصدق القتال وليس ينجي من الغمرات شيء غيره.

ص: 317

إذ لا أزال على رحالة سابح

نهد تعاوره الكماة مكلم

لاحظ الربط بين خطابها مع الإعجاب بهذا المهر- سابح نهد- ثم هذا العطف عليه والكناية به عن نفسه: «تعاوره الكماة مكلم» ثم بين سبب هذا التكليم، أنه يعرض نفسه للطعان وللسهام وهي منايا تخطئ وتصيب ومن تعرض لها فقد أهدف

طورًا يجرد للطعان وتارة

يأوي إلى حصد القسي عرموم

يخبرك من شهد الوقيعة أنني

أغشى الوغي وأعف عند المغنم

أي في أيضًا مع كمال الفروسية ضربًا وطعنًا كمال آدابها، وفي ذكر العفاف تزكية لنفسه عندها، أنه حين ترك حليل الغانية مجدلًا عف فلم يروعها، إذ كان إنما يدافع عن حوزته وعن حريمه أيضًا وهو القائل:

أنا الهجين عنترة

كل امرئ يحمي حره

أي فرجه وعنى بذلك امرأته ونساءه:

أسوده وأحمره

والشعرات الواردات مشفره

وهذه لغة مكشوفة خشنة تناسب دفعه الظلم عن نفسه لما أراده أبوه أن يكر ولم يعده أن يحرره، ولكل مقام مقال. ثم جاء بعد صورة حليل الغانية بصورتين تدرج فيهما من هذه الصورة الأولى من بئيس إلى أباس منه إلى أشد من ذلك- فالثانية قوله:

ومدجج كره الكماة نزاله

لا ممعن هربًا ولا مستسلم

بل هو متحد قتول، فلهذا كره الكماة جانبه، والكماة جمع كمي وهو الشجاع المقاتل الذي قد كمي كل ضعف فلا يدري قرنه أين يصيبه. كمي يكمي (باب ضرب) أي ستر ومنه قولهم كمي شهادته أي سترها، وفي دارجة أهل المغرب يكمي أي يدخن التبغ لإدخاله دخانه في صدره كالشيء المكتوم (1)

جادت له كفي بعاجل طعنة

بمثقف صدق الكعوب مقوم

فهذه الطعنة عاجلة نافذة إلا أنها دون مفاجأة الأولى التي كان نفاذها وانفجار الدم منها كأنهما شيء واحد حدث كله في وقت واحد، وقد بين عنترة ما صحب هذه الطعنة على عجلتها ونفاذها من جهد خبير بالقتال متمرس به:

فشككت بالرمح الأصم ثيابه

ليس الكريم على القنا بمرحم

(1) أو لأن أوائل المدخنين كانوا لا يجاهرون بذلك ويخفونه عمن يحترمونه أو يتهيبونه.

ص: 318

وفي قوله «ليس الكريم على القنا بمحرم» من نفس الأسف والتفكر في مصائر الحياة قريب مما في قوله:

تمكو فريصته كشدق الأعلم

وقد فصل صورة هذا الأسف وروح المأساة في قوله من بعد:

فتركته جزر السباع ينشنه

يقضمن حسن بنانه والمعصم

وذلك أنه كان مدججًا فما بدا له منه إلا هذا البنان والمعصم بحسنهما، وما كان لذلك من غناء له إذ عاجله هو بطعنة من مثقفه ذي الكعوب المقوم.

والصورة الثالثة لمقاتل متمرس شرس جريء بصير بالحرب واثق بنفسه عظيم الخنزوانة، وقد احتاج عنترة إلى رمحه وسيفه معًا ليقهره:

أول شيء كأن لم ير منه إلا هذه الدرع السابغة والهيئة المهولة الشخص، وكأنه شجرة من شجر المسرح.

والمبارزة التي يصفها عنترة كأنها مبارزة راجلين لا فارسين على جواديهما وكان هذا المبارز معلمًا وكنى عن جودة تصريفه القناة والسيف بقوله:

ربذ يداه بالقداح إذا شتا

هتاك غايات التجار ملوم

أشرب صفته إذ يلعب الميسر وإذ يسبأ الخمر لونًا من حركة أداة الحرب ومن الطعن ومشك السابغة التي هتك فروجها حتى أصاب مقتله

لما رآني قد نزلت أريده

أبدى نواجذه لغير تبسم

عهدي به مد النهار كأنما

خضب البنان ورأسه بالعظلم

فالبنان الذي كان يصرف به السلاح والقداح والرأس الذي عليه الخوذة تبرق وقد كشر هو عن أنياب قد سال الدم عليهما وجمد وهو جسد ميت الآن. طعنه أولًا فهذا هتك فروج الدرع ولما أحدث به ذلك اضطرابًا علاه بالسيف القاطع فشق هامته أو كما قال: -

فطعنته بالرمح ثم علوته

بمهند صافي الحديدة مخذم

ثم ها هو ذا قتيلًا

بطل كأن ثيابه في سرحة

يحذى نعال السبت ليس بتوأم

قوله يحذى نعال السبت يفيد به إكفاءه عن سرجه حتى كأن قد ارتفعت قدماه وتدلى سائر جسده، كان كسرحة قائمة وهو الآن كأعجاز نخل منقعر

ص: 319

وتأمل قوله بعد هذا مباشرةً وأغلب الظن أن هذا الترتيب صحيح:

يا شاة ما قنص لمن حلت له

حرمت علي وليتها لم تحرم

هو الآن في حومة الحرب.

ومما يشجعه على الإقدام أن يكون لقلب هذه المحبوبة فارس أحلامها.

لا يزعم عنترة بعد قهره هذا المعلم البئيس الباسل الذي بارزه أنه سبى ظعينته فقد سبق قوله «أعف عن المغنم» . فانصرف كما ترى إلى نداء عبلة بحسرة بعدها. ثم أتبع ذلك وصفه الموجز لمغامرة غرامية تناسب ذكر عبلة وتناسب ما قدمه من انتصار وتنزل من بعده مكانًا مناسبًا له، وكأن ذلك هو المغنم وهو الجائزة.

قد ذكرنا من قبل أن ورود هذا النموذج الموجز في ميمية عنترة يصحح ما قدمناه من أن موضوع المغامرة الغرامية قد كان من أنماط النسيب معروفًا. وعليه ما رووه من كلام امرئ القيس ومن ساروا على نهجه من بعد. ومن هؤلاء بلا شك عمر بن أبي ربيعة:

يا شاة ما قنص لمن حلت له

حرمت علي وليتها لم تحرم

فبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي

فتحسي أخبارها لي وأعلمي

قالت رأيت من الأعادي غرة

والشاة ممكنة لمن هو مرتمى

وكأنما التفتت بجيد جداية

رشإ من الغزلان حر أرثم

قوله وكأنما التفتت بجيد جداية اختصار لخبر اللقاء وينظر إلى مقال امرئ القيس

فسرت بها أمشي تجر وراءنا

على أثرينا ذيل مرط مرفل

تصد وتبدي عن أسيل إلخ

حسن هذه الحسناء جائزة ومغنم وشكر لهذا الصنيع الذي قدمه من نزوله يبارز حماة الحقائق ومن يكره نزاله من الأبطال ويرهب ولكن عمرًا- وكنى بعمرو عن عمه أو قبيلته أو أحد رجالها أو عن عدو له ممن يحسده وهو أسود على هذه الفعال البيض فلو قدر على طمسها لفعل

نبئت عمرًا غير شاكر نعمتي

والكفر مخبثة لنفس المنعم

صدق

ولقد حفظت وصاة عمر بالضحى

إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم

لكريهة الحرب. وقوله ولقد حفظت وصاة عمر، إن رددته على عمرو على أنه عمه، فكأنه يقول قد حفظت وصاته، ومع ذلك لم يشكر بلائي. وأقرب من هذا أن يكون

ص: 320

عمرو إما شخصًا بعينه وإما كناية تعم ثم قوله ولقد حفظت وصاة عمي مردود على خطابه المحبوبة وهي إما ابنة عمه كما يزعم أصحاب السير والأخبار والأساطير وإما جعلها ابنة عمه على عرف العرب إذا الحسناء التي تراد لتكون زوجة- سواء أكان ذلك مرادًا بالقوة أم بالفعل- يقال لها «ابنة عمي» ، ثم مضى عنترة إذ عاد إلى خطابها يقص قصة شجاعته وإقدامه. وقد رأينا درجاته الثلاث مع الأقران الثلاثة. ثم الآن قد حمى الوطيس وجاءت ساعة الصبر وثبات الأقدام والمعرفة بالحرب متى يكون الإقدام ومتى يكون التوقف والتربص وانتظار فرص الهجوم.

علقمة صور لنا المعركة في عين أباغ- تلك التي قتل فيها ملك الحيرة وأسر أخوه شاس في جماعة بني تميم- بتصوير رسام كأنما يضع مشاهد هيجاء المعركة وأهوالها كلها على لوحة بخياله المهيمن وبقوله الناصع المبين.

أما عنترة قد نقلنا معه إلى وسط المعمعة لنشاركه في إحساسه وانفعالات نفسه وليعلمنا مما علمه واختبره بعض علم القتال- ثم لنتذكر أن هذا الخطاب موجه إلى ابنة هذا العم الذي قد حفظ وصاته ليكسب عطفها ومحبتها:

في حومة الحرب التي لا تشتكي

غمراتها الأبطال غير تغمغم

إذ يتقون بي الأسنة لم أخم

عنها ولكني تضايق مقدمي

يتقون به الأسنة لأنه قائدهم المتقدم أمامهم.

ثم هو الآن سيدهم. ومن شأن السيد أن يحمي عبده لأن العبد مال. العبد لا يحسن الكر ولكن يحسب الحلاب والصر.

ثم زعم بعضهم أن عنترة أقر ببعض الإحجام والجبن إذ قال «لم أخم عنها ولكني تضايق مقدمي» وأولى أن يقال إن هذا يقص علينا به خبر قول أبيه له «كر» . وكأنه عندما يتقدم حين يحمي الوطيس يسمع هذا الصوت: «كر وأنت حر» . ولكنه ليس بأهوج يكر ليكون درقة غيره من الأسنة، ولكن ليكون رأس سنانهم الطاعن في نحور العدو.

لما رأيت القوم أقبل جمعهم

يتذامرون كررت غير مذمم

تضايق مقدمي. أي تضايقت فرصات الإقدام. ثم ها هم هؤلاء مقدمون يحرض بعضهم بعضًا. ورأت عينة اللاقطة مكامن ضعفهم.

لأمر ما كانت العرب في مقامات حروبها أيام الفتوح الأولى مما تقص قصص عنترة وتتناشد شعره.

ص: 321

يدعون هنتر والرماح كأنها

أشطان بئر في لبان الأدهم

هؤلاء هم قومه كما سيقص علينا خبرهم من بعد. وذلك أن منهم من كان يتعجل في نفسه إلى القتال. وكان دأب العرب المراماة قبل الاشتباك. فكان لذع السهام والرماح مما يهيج إلى اندفاعات الإقدام. وكان عنترة بثباته وخبرته وصبره لا يقدم متهورًا. فكان ريثه ربما قلق له من يستعجلون الهجوم فيصيحون به يحضونه: «ويك عنتر أقدم» وكأنما ضمن هذا منهم مقالة «أي شيء تنتظر أيها العبد؟ »

وعلى العبد اعتمادهم، وفي قلوبهم حب له وإكبار.

قالوا كان عمار بن ياسر رضي الله عنه في صفين يطعن بزج القناة في ظهر هاشم بن عتبة بن أبي وقاص يقول له: تقدم يا أعور؟ وكان هاشم من أهل الحروب ذا علم بهن وكان عمار رضي الله عنه لا يجهل ذلك من أمره بل قد كان منه على ثقة. فكان هاشم لا يتحرك لتحضيض عمار وطعنه بالزج في ظهره ولكن يتريث ليجد فرصة الإقدام حتى إذا وجدها اندفع بالراية يرقل- ومن أجل ذلك سموه المرقال- وهو يرتجز.

أعور يبغي أهله محلًا

قد عالج الحياة حتى ملا

يتلهم بذي الكعوب تلا

لا بد أن يفل أو يفلا

ومن صبر عنترة أنه كان لا يندفع والقوم يحضونه والرماح مشرعة والسهام تخطيء وتصيب حتى إذا كان وقت الإقدام وحانت فرصته كر وهو على بصيرة من أمره وعلى ثقة:

ما زلت أرميهم بثغرة نحره

ولبانه حتى تسربل بالدم

فازور من وقع القنا بلبانه

وشكا إلي بعبرة وتحمحم

لو كان يدري ما المحاورة اشتكى

ولكان لو علم الكلام مكلم

وبعد هذه لمناجاة والرحمة لمهره رجع بنا إلى قوله من قبل: «يدعون عنتر والرماح كأنها البيت» وذلك قوله:

ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها

قبل الفوارس ويك عنتر أقدم

فويك عنتر تفسير ورجعة إلى «يدعون عنتر» وقد يظن بعض أهل العصر أن قوله «ولقد

ص: 322

شفى نفسي وأبرأ سقمها» منبئ عن عقدة نقص ولو قد كان ذلك حقيقة أمره لكتمه ولم يصرح بشيء منه. وإنما شفى نفسه ثقته وإحساسه آن إذ دعوه بأنهم يكبرون قدره ومنهم محبون له.

والخيل تقتحم الخبار عوابسًا

من بين شيظمة وأجرد شيظم

الخبار مالان واسترخى من الأرض. وقد يكون عنترة هنا يصف مكان خبار أي أرضًا ذات لين واسترخاء حيث وقعت المعركة. ويجوز أن تكون تلك الأرض لانت واسترخت لجرى الخيل عليها أو لتصبب العرق والدم. والوجه الأول أولى وأقرب في المعنى. وكما ترى قدم عنترة ذكر الخيل مجتمعة للدلالة على أنه أقدم وقال لهم الآن كروا فكروا جماعة معًا، والخيل مراد بها الأفراس والفرسان جميعًا وكلهم بهم عبوس. ثم أخلص عجز البيت كله للتنبيه على الخيل مفردات من بين شيظمة وأجرد شيظم أي طويل قوي الجسم فتيه وهي صفة توصف بها الخيل والإبل والناس وقد مر بك قول الشاعر يخاطب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه:

يعقلهن أجرد شيظمي

وما أحسبه عني بأجرد شيظم إلا حصانه، إذ هو الذي بدأ الكر، والأجرد القليل الشعر وقوله أجرد شيظم يدل على أن الشيظمة هي أيضًا جرداء وما يحسن ذكره هنا بين بشار:

كأن مثار النقع فوق رؤوسنا

وأسيافنا ليل تهاوي كواكبه

فقد قدم ذكر مثار النقع، أي ما أثير من الغبار. ولو قد كان فارسًا حقًا لبدأ بالخيل التي أثارته كقول عنترة ههنا وكقول أبي الطيب من بعد:

تثير على سلمية مسبطرًا

تناكر تحته لولا الشعار

(على أن أبا الطيب قد نظر إليه وأخذ منه في هذا البيت كما قد نظر إلى عنترة أيضًا وإلى دبيب عقبان النابغة حيث قال بعد هذا البيت:

غبارًا تعثر العقبان فيه

كأن الجو وعث أو خبار

وهذا من مبالغاته)

وأحسب أن أبا تمام كأنما قد عمد في نفسه إلى أن يفسر قول بشار، حيث قال:

من لم يقد فيطير في خيشومه

رهج الخميس فلن يقود خميسًا

ص: 323

والأعمى يحس الغبار حيث يثور بخيشومه ثم بسائر ما عنده من حاسة اللمس وعندنا أن أبا تمام قد أخذ قوله «فيطير في خيشومه رهج الخميس» أخذًا حفيًا من بشار، فهذا مزعمنا أنه إنما فسره بهذا الأخذ ووضح بعض كنائن معناه.

وكثير ممن يتعاطون النقد وعلوم البلاغة ربما استشهدوا ببيت بشار على إحسانه الذي ضاهى به البصيرين. وبيان البيت بيان ضرير لمن تأمله للذي قدمنا من قوله بادئًا «كأن مثار النقع» ولأنه أيضًا لا يقصد إلى الجانب الأبصاري في قوله:

ليل تهاوى كواكبه

كما يقصد إلى الجانب الأسطوري. أي كأن أراد أن يقول: كأن مثار النقع يعيد على الناس يوم حليمة الذي هو ليس بسر- قالوا ثار النقع حتى بدت الكواكب. وكان بشار مما يذكر الناس بأنه من أولى الضرر، وألا ينتظروا منه أن يقول كما يقول ذو بصر، مثلًا قوله.

يا عين أذني لبعض الحي عاشقة

والأذن تعشق قبل العين أحيانًا

وقوله: وإنا لا نراك فألمسينا

وقوله في إحدى الرائيتين: ألصق بي لحية له خشنت

ذات نصال كأنها الأبر

وفيها: قولي لها بقة لها ظفر

إن كان في البق ماله ظفر

فهذا كله من حاسة اللمس لا البصر

وفي الرائية الأخرى:

أمتى بدد هذا لعبي

ووشاحي حله حتى انتثر

فهذا من قرى إشارته إلى يوم حليمة، إذ يشير هنا إلى قول امرئ القيس:

وهي إذ ذاك عليها مئزر

ولها بيت جوار من لعب

فجعل مكان المئزر وشاحًا وإنما كنت الجارية به كما لا يخفى.

ونرجع بعد إلى وصف عنترة البصير بعينه وقلبه معًا:

والخيل تقتحم الخبار عوابسًا

ما بين شيظمة وأجرد شيظم

ذلل ركابي حيث كنت مشايعي

قلبي وأحفزه بأمر مبرم

وهذا كأنه خاتمة- غير أنه ما زالت في نفسه بقية وهذه البقية قوية المناسبة لقوله «ذلل ركابي» وذلك قوله:

ص: 324

ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر

للحرب دائرة على ابني ضمضم

الشاتمي عرضي ولم اشتمهما

والناذرين إذا لم القهما دمى

إن يفعلا فلقد تركت أباهما

جزر السباع وكل نسر قشعم

قد رووا قبل هذا ثلاثة أبيات: فيهن تصريح برجعة إلى خطاب المحبوبة. على أن قوله «ولقد خشيت» منبئ عن أنه يخاطبها، وليس بحديث منه إلى نفسه فقوله «مشايعي قلبي» يمنع ذلك، لأن حديث النفس في هذا الموضع مشعر بضعف ليس في عنترة ولا في قصيدته هذه وكأن الذين رووا الأبيات الثلاثة بعد بيت «بأمر مبرم» وهي:

إني عداني أن أزورك فأعلمي

ما قد علمت وبعض ما لم تعلمي

حالت رماح ابني بغيض دونكم

وزت جواني الحرب من لم يجرم

ولقد كررت المهر يدمي نحره

حتى اتقتني الخيل بابني حذيم

ولقد خشيت .....

(والذي علمته غيرة أهلها والذي لم تعلمه أمر القتال)

كأن الذين رووا هذه الأبيات الثلاثة تأولوا ولقد خشيت على خطاب النفس فعمدوا إلى رواية هذه الأبيات ليكون كل ذلك خطابًا. ومن تأمل وجد قوله: ما قد علمت إلخ كأنه تكرار لقوله: «هلا سألت الخيل يا بنة مالك» قوله: «وزوت جواني الحرب» كأنه من قول زهير:

تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت

ينجمها من ليس فيها بمجرم

ولقد كررت المهر، تكرارًا لما وصف به مهره، وفي الصياغة تكرار لقوله: ولقد حفظت ولقد خشيت.

هذا ومن المخاطبة مذهب الحارث في همزيته المعلقة. وفيه مشابه من مذهب عمرو بن كلثوم في النونية. غير أنه لم يتدرج من مخاطبة الظعينة إلى مخاطبة الخصوم، بل خلص إلى ذلك بعد النسيب خلوصًا مباشرًا:

أيها الناطق المرقش عنا

عند عمرو هل لذاك بقاء

وقد كرره من بعد فقال:

أيها الناطق المبلغ عنا

عند عمرو وهل لذاك انتهاء

ص: 325

وفي القصيدة بعد أمثال:

إن نبشتم

أو نقشتم .... أو سكتم ....

وهلم جرا.

وعينية الحادرة نسيج وحدها في اعتمادها على شيء من ظاهر احتيال المخاطبة وباطن من استمرار صورة الثغر الحلو المبتسم الذي هو مخاطبه مع ما يلابس ذلك من معاني الشوق والحب، وقد سبق منا التنبيه إلى بعض ذلك في الجزء الثالث في باب الإيحاء بالتجارب الذاتية. أما احتيال المخاطبة فتكراره اسم المحبوبة عندما صار من النسيب إلى الفخر- قال في البيت التاسع:

أسمى ويحك هل سمعت بغدرة البيت

وقال في السادس عشر:

فسمى ما يدريك أن رب فتية البيت

ورب بتخفيف الباء وتشديدها يخل بالوزن والتخفيف والتشديد كلاهما قرأوا به في قوله تعالى: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين} التخفيف قراءة عاصم ونافع وأبي جعفر وسائر القراء على التثقيل.

وقريب من احتيال الحادرة هذا صنيع ثعلبة بن صعير في قصيدته،

هل عند عمرة من بتات مسافر

ذي حاجة متروح أو باكر

وهي الرابعة والعشرون في المفضليات. البتات المتاع والزاد وما أشبه وهذا البيت مضمن خطاب عمرة إذ لم يجد لديها شيئًا فانصرف عاتبًا.

سئم الإقامة بعد طول ثوائه

وقضى لبانته فليس بناظر

أي ليس بمنتظر

لعدات ذي أرب ولا لمواعد

خلف ولو حلفت بأسحم مائر

وعدتك ثمت أخلفت موعودها

ولعل ما منعتك ليس بضائر

مسكين! !

وأرى الغواني لا يدوم وصالها

أبدا الذي عسر ولا مياسر

كأنه ينقض قول علقمة كله هنا وإنما دعاه إلى نقضه بهذا التعميم ما مني به الآن من مزاج سوداوي

وإذا خليلك لم يدم لك وصله

فأقطع لبانته بحرف ضامر

ص: 326

وهذا يشبه كلام لبيد، فإن كان سابقًا له فقد أخذ لبيد منه وإن كانا متعاصرين فالله أعلم أيهما أخذ من صاحبه، ولكن قول لبيد:

حتى إذا ألقت يدا في كافر

وأجن عورات الثغور ظلامها

أحسبه أخذه من بيان القرآن إذ سورة صاد مكية وفيها قوله تعالى: {فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب} وكان لبيد يفد إلى مكة في أيام ما قبل الهجرة. وموضع الأخذ هنا الإضمار البحت اعتمادًا على علم السامع بمرجع الضمير. ويبقى لفظ «كافر» متنازعًا بين لبيد وثعلبة أيهما سبق إليه وهو عند ثعلية:

فتذكرا ثقلًا رثيدًا بعدما

ألقت ذكاء يميتها في كافر

وغير ثعلبة اسم عمرته فصيرها سمية عند قوله:

أسمى ما يدريك أن رب فتية

بيض الوجوه ذوي ندى ومآثر

حسنى الفكاهة ما تذم لحامهم

سبطي الأكف وفي الحروب مساعر

باكرتهم بسباء جون ذراع

قبل الصباح وقبل لغو الطائر

وهذا أدنى إلى وقت الشروق من قول لبيد «بادرت حاجتها الدجاج البيت» وجعل ثعلبة هذا مدخلًا إلى الفخر. ورب كما ترى عنده مخففة الباء.

وقد ضمن فخره قوله:

ولرب واضحة الجبين غريرة

مثل المهاة تروق عين الناظر

قد بت ألعبها وأقصرهما

حتى بدا وضح الصباح الجاشر

أي ذو الإشراق والسطوع قال الشارح الجشر تباشير الصباح- الجشر بفتح فسكون مصدر جشر. فالواضحة الجبين هي عمرة نفسها أو أخرى يغايظها بها على نحو قريب من نمط امرئ القيس إذ قال «فمثلك حبلى» في مغايظته لعنيزة صاحبة الغبيك.

وقول ثعلبة في آخر القصيدة

ولرب خصم جاهدين ذوي شذى

ليس (مع ما فيه من فخر) ببعيد المناسبة لما كان فيه من مخاصمة عمرة.

ومذهب لبيد في المعلقة في خطابه نوار قريب من طريقة ثعلبة والحادرة في مذهب هذا

ص: 327

الاحتيال الرابط- قال في أوائل القصيدة:

بل ما تذكر من نوار وقد نأت

وتقطعت أسبابها ورمامها

ثم قال بعد أن وصف ناقته بما وصفها:

أو لم تكن تدري نوار بأنني

وصال عقد حبائل جذامها

ثم قال:

بل أنت لا تدرين كم من ليلة

طلق لذيذ لهوها وندامها

ثم مضى في فخره- فقوله: «وغداة ريح» وقوله: «ولقد حميت» وقوله: «وجزور أيسار» كل ذلك وما هو بمجراه داخل في مخاطبته لنوار حيث قال «بل أنت لا تدرين» ومردود عليه. هذا. وأما المعاني والصور الباطنة الرابطة بين أول كلام الحادرة وآخره فهي جمال سمية وحديث الشاعر إلى شخصها الجميل وهذا الجيد الواضح وهذه المقلة الحوراء المغرورقة حينًا بعد حين- حقًا أو توهم الشاعر ذلك- بدمعات الوداع، وهذا الثغر المبتسم الحلو، الذي كأنما ابتسامته من حلاوتها قبلة

وتزودت عيني غداة لقيتها

بلوى البنينة نظرة لم تقلع

وإنما نظر إلى هذا التصدف الذي يجلو عليه المحاسن وذلك قوله من بعد:

وتصدفت حتى استبتك بواضح

صلت كمنتصب الغزال الأتلع

وبمقلتي حوراء تحسب طرفها

وسنان حرة مستهل الأدمع

وإذا تنازعك الحديث رأيتها

حسنًا تبسمها لذيذ المكرع

فقد ود تقبيله هنا كما ترى وكأن قد قبله.

وقول «تنازعك» الحديث مفيدنا أنه كان بينهما فيه أخذ وعطاء وقد استراح الشاعر من قوة الشعور التي تضمنها قوله «وإذا تنازعك الحديث» وما قبله من نعت إلى التشبيه ووصف الطبيعة. وقد يبدو أول وهلة أن الشاعر قد استطرد بتشبيه الثغر إلى وصف الطبيعة كما قدمنا أن الشعراء مما يفعلونه. ولكن مزيدًا من النظر في نعته يدل على المعنى الذي أوردناه أخيرًا ههنا أنه طلب بعض الاستراحة الوجدانية. وقد ضمن صفة الثغر المترقرق بصفائه وحلاوته هذه الصفات التي نعت بها الغدير والسارية والغلل المتقطع في أصول الخروع. وذلك قوله:

ص: 328

وإذا تنازعك الحديث رأيتها

حسنًا تبسمها- لذيذ المكرع

ثم وصف لذيذ المكرع هذا بصفاء قطرات السارية ثم جعل ذلك غديرًا لمائه مع الصفاء لون أسجر فهذا هو اللمى

بغريض سارية أدرته الصبا

من ماء أسجر طيب المستنقع

فطيب المستنقع شاهدة بالصفاء. والسجرة حمرة إلى الكدرة وهو لون الماء بعد أن ينهل على الأرض ويستن ليكون جداول وغدرانا. وأسجر هنا أي ماء غدير أسجر. ومن نون الماء ونقل همزة الأسجر كان ذلك له وجهًا والوجه الأول عليه رواية الديوان. ويفيدنا أن الوجه الثاني رواية أيضًا قول الشارح ويقال لماء السماء قبل أن يصفو أسجر (ص 54 شرح الأنباري الكبير س 11 - 12) فإن تك أسجر صفة لماء فلا بد من تنوين ونقل وعلى هذا الوجه ضبط طبعة دار المعارف بتعليقات العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله والأستاذ الجليل عبد السلام محمد هرون (سنة 1361 هـ ص 42 س 6)

ظل البطاح له انهلال حريصة

فصفا النطاف له بعيد المقلع

أي بعد الإقلاع والحريصة سحابة. والضمير في له يعود على ماء أسجر في رواية من نون الماء وجعل أسجر صفة له، وأشبه أن يكون عائدًا على الغدير في رواية من لم ينون، أي من ماء غدير أسجر سبب سجرة لونه أن البطاح انهلت عليها سحابة حريصة فقشرت من أعاليها فهذا ظلمها له إذ هي لا تمسك الماء فانحدر وفيه كدرة ثم أقلعت السماء فاجتمع الماء صافيًا وفيه السجرة كهذا الثغر الصافي ذي اللمى

لعب السيول به فأصبح ماؤه

غللًا تقطع في أصول الخروع

أي في أصوب النبات الغ الخضرة. وصفة هذا الماء الغلل المترقرق كأنما هي صفة لهذا الذي هو لذيذ المكرع- ثغرها المبتسم.

ثم يقول- وهذا يؤكد لك معنى الاستراحة الوجدانية، وأنه ما زال ينظر إلى الثغر ويخاطب ذات ابتسامته الشائقة:

أسمي ويحك هل سمعت بغدرة

رفع اللواء لنا بها في مجمع

ثم يمضي في الفخر حتى يقول:

ومحل مجد لا يسرح أهله

يوم الإقامة والحلول المرتع

بسيل ثغر لا يسرح أهله

سقم يشار لقاؤه بالإصبع

لقاؤه بكسر اللام ورفع الهمزة أو نصبها فمن نصب جعلها بمعنى إليه ومن رفع لم

ص: 329

يبعد من هذا المعنى، وقد كرر لا يسرح أهله. وكأن ذكر الثغر لفته بنوع من تداعي المعاني إلى هذا الثغر اللذيذ الذي يحدثه فقال:

فسمي ما يدريك أن رب فتية

باكرت لذتهم بأدهم مترع

وكأن هذه الصورة منتزعة من ثغرها الألمى المترع اللذيذ المكرع- وقد رووا في قوله من «ماء أسجر طيب المستنقع» : «ببزيل أسجر إلخ» فجعلوه دن خمر، ولعل الشاعر قال هكذا أول الأمر ثم عدل عنه.

ومضى الحادرة يذكر لذته بالشراب مع صحبه- وجاء مع الأدكن المترع بصفة العيون ولكنها ليست بمقلتي صاحبته ذات الطرف الوسنان، الحرة مستهل الأدمع- إنها عيون صحبه التي أحمرت من ثمل الخمر.

هذه الخمر كدم الغزال ويروي كدم الذبيح. وفي هذا التشبيه شيء مستكن من معنى الغزال الأتلع الذي هو حبيبته الحسناء البكر التي بكرت مفارقة وما متعته إلا نظرة.

ههنا، عندما ينتقل الحادرة إلى تصوير نداماه وسكرهم ورفاقه في شدة السفر، شيء من عناصر التحول والمقابلة وقد استشهدنا من قبل على ذلك بصنيع الشنفري في التائية حيث قابل بين صفات المحبوبة وصفة رقيقة «وأم عيال قد شهدت إلخ» .

قوله: متبطحين على الكنيف كأنهم

يبكون حول جنازة لم ترفع

فيه ذرء أنفاس من قوله:

ظلم البطاح له انهلال حريصة

هذا الذرء تحسه في لفظتي متبطحين والبطاح وفي البكاء وفي انهلال الحريصة والجنازة هنا الدن الذي شربوه. والأسجر في رواية من روى ببزيل أسجر هو الدن وقوله من بعد يصف الأشعث

ولدى أشعث باسط ليمينه

قسمًا لقد أنضجت لم يتورع

صورة فيها مشابه من أم عيال الشنفري ومقابلة لقوله:

وإذا تنازعك الحديث رأيتها

حسنًا تبسمها لذيذ المكرع

ثم ما جاء بعد من ذكر السفر

ومسهدين من الكلال بعثتهم

بعد الكلال إلى سواهم ظلع

أودي السفار برمها فتخالها

هيما مقطعة حبال الأذرع

تخد الفيافي بالرحال وكلها

تخدي بمنخرق القميص سميدع

ص: 330

فهذه في مقابلة الظعائن التي كل منها تسير بحسناء تتصدف بواضح صلت كمنتصب الغزال الأتلع

وقوله من بعد:

ومطية حملت رحل مطية

حرج تنم من العثار بدعدع

رجع به إلى مشقات السفر وقوله ومطية خطاب إذ كأنه قد قال: فسمي ما يدريك أن رب مطية هكذا شأنها صنعت بها كذا وكذا.

ثم جعل آخر شيء صفته نفسه في السفر حيث أناخ وعرس وتوسد ساعده القوي وهجع هجعة كموتة فلما نهض وجد أن ساعده قد خدر حتى كأن قد بان، غير أنها كانت هجعة قصيرة لم يتقلب فيها عن حال توسده فلهذا خدر ساعده، وناقته لم تترك إلا أثر ثفناتها، كأن موضع كل ثفنه من ثفناتها الخمس أفحوص قطاة.

ومناخ غير تئية عرسته

قمن من الحدثان نابي المضجع

عرسته ووساد رأسي ساعد

خاظي البضيع عروقه لم تدسع

أي لم تمتلئ وتنتفخ كما تفعل عروق من جاوز الشباب وشاخ

فرفعت عنه وهو أحمر فاتر

قد بان مني غير أن لم يقطع

في قوله قد بان مني نوع من أصداء بكور سمية وبينها مع علاقة قلبية بها. والحمرة من ألوان هوادج الظعائن.

فترى بحيث توكأت ثفناتها

أثرًا كمفتحص القطا للمهجع

وتقي إذا مست مناسمها الحصى

وجعًا وإن تزجر به تترفع

ثم رجع إلى الخطاب:

متاع ذعلبة تخب براكب

ماض بشيعته وغير مشيع

كأنه بهذا يصف حال نفسه وحالها، إذ قد كان هو مسافر مع رفقته الشعث في شيعة وأما الآن إذ مضت فهو متروك وحده ليمضي وحده، أم ذكراها وها الثغر المبتسم له شيعة بعدها؟

ولقد ردنا إلى ما بدأ بها إذ قال: «بكرت سمية بكرة فتمتع» بمقالة هنا «ومتاع ذعلبة» - والذعلبة الناقة السريعة. وإن كانت قلوصًا شابة فذلك أسرع لها. وقد يعلم القارئ الكريم أصلحه الله أن العرب ربما كنت بالقلوص عن المرأة- فصلة متاع ذعلبة، على هذا بقوله «بكرت سمية بكرة فتمتع» واضحة إن شاء الله. وهل نظر ثعلبة بن صعير

ص: 331

في قوله: «هل عند عمرة من بتات مسافر» إلى قول الحادرة في مقطع كلامه هذا فجعله هو مطلعًا؟ أم هذا الضرب من القول كثير وروده في الشعر ومنه كما تعلم قول المسيب: «أرحلت من سلمى بغير متاع»

وأخذ الشعراء بعضهم عن بعض طريق ركوب. وأمثلة الخطاب المجعول واسطة للربط بعد كثيرة. ومنها سوى ما تقدم جيمية شبيب ابن البرصاء في المفضليات:

الم تر أن الحي فرق بينهم

نوى يوم صحراء الغميم خلوج

نوى شطنتهم عن نوانا وهيجت

لنا طربًا إن الخطوب تهيج

وفيها مما يجري مجرى الخطاب:

لعمر ابنة العمري ما آنا بالذي

له أن تنوب النائبات ضجيج

وقد علمت أم الصبيين أنني

إلى الضيف قوام السنات خروج

وأني لأغلى اللحم نيئًا وإنني

لممن يهين اللحم وهو نضيج

إذا المرضع العوجاء بالليل عزها

على ثديها ذو ودعتين لهوج

هذا البيت جيد وفيه انطباع من تجربة حقيقية صادقة. هذه المرأة العوجاء أي النحيلة السيئة الغذاء- قال الهذلي:

ويأوي إلى نسوة عطل

وعوج مراضيع مثل السعالى

وهذا الطفل ذو الودعتين الجائع الذي يروم ثديها وليس فيه ما يسد رمق جوعه.

وفي هذه القصيدة بيت ذكر فيه دمشق والأرز إذ وصف ناقته فقال:

لها ربذات بالنجاء كأنها

دعائم أرز بينهن فروج

وقريبة من هذه الجيمية في منهج الخطابة، وهي أسبق منها زمانًا بلا ريب لأن صاحبها عمرو بن الأهتم أقدم زمانًا من شبيب البرصاء قافية هذا التي أولها:

ألا طرقت أسماء وهي طروق

وزارت علي أن الخيال يشوق

وقد جاء بالخطاب في أولها ثم ساق الكلام عليه:

ذريني فإن البخل يا أم هيثم

لصالح أخلاق الرجال سروق

ذريني وحطي في هواي فإنني

على الحسب الزاكي الرفيع شفيق

ص: 332