المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌طور السياسةهذا هو الطور الثاني من أطوار المدحة النبوية - المرشد إلى فهم أشعار العرب - جـ ٥

[عبد الله الطيب المجذوب]

فهرس الكتاب

- ‌مدح الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌أطوار المدحة النبوية وبعض أمرها:

- ‌أما طور الدعوة فقد كانت قصيدة المدح النبوي فيه جزءًا لا يتجزأ من الشعر العرب

- ‌طور السياسةهذا هو الطور الثاني من أطوار المدحة النبوية

- ‌الطور الثالثوهو طور التعبد الممهد

- ‌طور النضج:

- ‌الصرصري والبرعي والبوصيري:

- ‌وأعلم أيها القارئ الكريم أن من علامات نفس الشاعر ودلائله أشياء نذكر منها فيما يلي إن شاء الله:

- ‌أولًا: التسلسل:

- ‌ثانيًا: التدرج

- ‌ثالثا: تداعي المعاني

- ‌رابعا: المقابلة

- ‌خامسًا: التخلص:

- ‌سادسًا: المخاطبة:

- ‌سابعًا: الاقتضاب:

- ‌الاقتضاب عند المحدثين:

- ‌فصل فيما يقع من تشابه أشكال القصائد

- ‌فصل ملحق بما يقع من تشابه أشكال القصائد

- ‌أسلوب المقالة: تمهيد: أولاً:

- ‌أسلوب المقالة: أوائله، ثانيًا

- ‌المقالة والقصيدة عند شوقي وحافظ ومن بعد قليلاً

- ‌الضرب الأول:«رومنسية» الدفاع عن القديم

- ‌الضرب الثاني:الرومنسية المسيحية العربية

- ‌الضرب الثالث:«رومنسية» الافندي

- ‌الضرب الرابع وهو رومنسية الفقير المفقود

الفصل: ‌طور السياسةهذا هو الطور الثاني من أطوار المدحة النبوية

وقال تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ساء مثلًا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} [الأعراف] فيذكر أن هذه الآيات نزلت في أمره وقيل غير ذلك. فإن تكن في أمره فهو خبر قاطع في هلاكه وما كان قوله الذي قال إلا لهثًا لهث به، كما يلهث الكلب، ونعوذ بالله من سوء المنقلب.

‌طور السياسة

هذا هو الطور الثاني من أطوار المدحة النبوية

. وغير خاف أن الطور الأول منه جانب سياسي - إلا أن جانب التعبد والجهاد لإعلاء كلمة الدين هو المعنى والمقصد الأول، وما سواه فرع منه، إذ لم تكن السياسة نفسها آنئد إلا فرعًا من إقامة الدعوة - ومما يشهد بهذا ما مر من كلام حسان رضي الله عنه في الهمزية وكلام ابن رواحة رضي الله عنه. ونحو قول كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في سورة التوبة، رضي الله عنه: -

نطيع نبينا ونطيع ربا

هو الرحمن كان بنا رؤوفا

فإن تلقوا إلينا السلم نقبل

ونجعلكم لنا عضدًا وريفا

وإن تأبوا نجاهدكم ونصبر

ولا يك أمرنا عشًا ضعيفا

واختلاف هذا الطور عما قبله كامن في أن مدح الرسول صلى الله عليه وسلم مراد به جانب نصر دعوة سياسية بعينها، هي دعوة آل البيت وشيعتهم الذين كانوا يرون أن الإمامة لا تكون في حي سواهم إلا غصبًا إذ هم أهل الحق.

مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في شعر هؤلاء كان مذهوبًا به مذهب الاستنجاد بدعاء يتوسلون فيه به لينصرهم الله على من غصبوا آله حقهم، فهذا جانب ديني تعبدي، وكان مذهوبًا به أيضًا مذهب استنهاض همم المسلمين لرعاية حقه ومن حقه أن يحفظوا عهد الله إليهم في آله إذ قال سبحانه وتعالى:{قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى} - وأن يحاربوا من حاربهم، وألا يروا أحدًا صالحًا للإمامة غيرهم وهلم جرا، فكل هذا جوانب سياسية.

ص: 34

الكميت بن زيد الأسدي صاحب الهاشميات أبرز من مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذا الوجه السياسي. ولعل من رثاء حسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما يكون مما مهد له ولمن سبقوه كأبي الأسود الدؤلي وقد روي له قوله:

يقول الأرذلون بنو قشير

طوال الدهر ما تنسى عليا

أحب محمدًا حبًا شديدا وعباسًا وحمزة والوصيا

فإن يك حبهم رشدًا أصبه

ولست بمخطئ إن كان غيا

فقد شمل بحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم حبه لعميه ولعلي رضي الله عنهم. ولم يكن حسان رضي الله عنه ممن عرف له تشيع، وكان فيه حب لعثمان أمير المؤمنين رضي الله عنه، وقد رثاه بقوله المشهور:

ضحوا بأشمط عنوان السجود به

يقطع الليل تسبيحًا وقرآنًا

غير أنه في رثائه رسول الله صلى الله عليه وسلم تجد له أنفاس حزن شديد لعله مستمد من شعور الأنصار أنهم قد غلبتهم قريش على أمر رياسة الدولة الاسلامية وسياستها بعد بيعة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه يوم السقيفة وانصراف الناس عن سيد الخزرج سعد بن عبادة رضي الله عنه قال رضي الله عنه: -

ما بال عينك لا تنام كأنما

كحلت مآقيها بكحل الأرمد

جزعًا على المهدي أصبح ثاويا

يا خير من وطئ الحصى لا تبعد

المهدي هنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا البيت من أقدم ما جاء فيه هذا اللفظ، وهو ليس في القرءان، ولكنه ورد في بعض الحديث

وجهي يقيك الترب لهفي ليتني

غيبت قبلك في بقيع الغرقد

البقيع فيه قبور أهل المدينة وفيه من قبور الصحابة عدد رضوان الله عنهم أجمعين وفيه قبر فاطمة الزهراء وقبر العباس وقبر عثمان بن عفان رضي الله عنهم وأرضاهم.

فظللت بعد وفاته متبلدًا

متلددًا يا ليتني لم أولد

ص: 35

هذا الشعر شدد انفعال العاطفة لمتأمله. وحسان الذي يقول «يا ليتني لم أولد» كان إذ قال هذا ابن سبعين سنة أو زاد عليها

أأقيم بعدك بالمدينة بينهم

يا ليتني صبحت سم الأسود

أو حل أمر الله فينا عاجلًا

في روحة من يومنا أو في غد

فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا

محضًا ضرائبه سكري المحتد

يا بكر آمنة المبارك بكرها

ولدته محصنة بسعد الأسعد

نورًا أضاء على البرية كلها

من يهد للنور المبارك يهتد

يا رب فاجمعنا معًا ونبينا

في جنة تنبي عيون الحسد

فهذا تعريض بمن يكون حديث عهد بالإسلام وفي ضميره للأنصار عداوة، وقد حف أهل الردة بالمدينة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بقليل فلولا ما هدى الله إليه سيدنا أبا بكر من التشمير، ولكن الله سلم، وما النصر إلا من عند الله، إن الله عزيز حمام.

في جنة الفردوس فاكتبها لنا

يا ذا الجلال وذا العلي والسؤدد

والله أسمع ما بقيت بهالك

إلا بكيت على النبي محمد

يا ويح أنصار النبي ورهطه

بعد المغيب في سواء الملحد

ضاقت بالأنصار البلاد فأصبحوا

سودًا وجوههم كلون الإثمد

ولقد ولدناه وفينا قبره

وفضول نعمته بنا لم تجحد

والله أكرمنا به وهدى به

أنصاره في كل ساعة مشهد

صلى الإله ومن يحف بعرشه

والطيبون على المبارك أحمد

هذه القصيدة من نفيس شعر حسان وجيده. والأسى على ما صار إليه أمر الأنصار جلي كما ترى. وفي شرح نهج البلاغة شعر سياسي ذو لهجة شديدة منسوب إلى حسان

- تناول رجال قريش ونسب بعضهم إلى نوع من حمية الجاهلية كقوله:

وعكرمة الشاني لنا ابن أبي جهل

وهذا الشعر منحول. ومما يكون جرأ على انتحاله وانتحال أمثاله ما في هذه المرثية (1) من مستكن معاني السياسة مع ما هي مشتملة عليه من اللوعة والحزن العميق. روى أبو عبيدة بيت يا ويح أنصار النبي إلخ هكذا:

(1) لا نعني أن المرثية منحولة. كلا. ولكن صحتها جرأت من ينتحل ما ينتحله محذوا على نموذجها.

ص: 36

وقيل أفرطت بل قصدت ولو

عنفني القائلون أو ثلبوا

إليك يا خير من تضمنت الـ

أرض ولو عاب قولي العيب

أي العائبون بفتح العين المهملة والياء)

لج بتفضيلك اللسان ولو

أكثر فيك الضجاج واللجب

أنت المصفى المحض المهذب في النـ سبة إن نص قومك النسب

ولو كان لم يقل فيه عليه السلام إلا مثل قوله:

وبورك قبر أنت فيه وبوركت

به وله أهل بذلك يثرب

لقد غيبوا برًا وحزمًا ونائلا

عشية وأراك الضريح المنصب

فلو كان لم يمدحه عليه السلام بهذه الأشعار التي لا تصلح في عامة العرب لما كان ذلك بالمحمود، فكيف مع الذي حكينا قبل هذا؟ ! » ا. هـ كلام الجاحظ.

قلت وما خفي عن الجاحظ مراد الكميت وهو القائل:

يشيرون بالأيدي إلى وقولهم

ألا خاب هذا والمشيرون أخيب

فطائفة قد كفرتني بحبكم

وطائفة قالوا مسيء ومذنب

فالكميت لا يعني أنهم يعيبون مدحه المصطفى عليه الصلاة والسلام ولكن حبه آل البيت وغلوه في ذلك وهو بعد القائل:

أهوى عليا أمير المؤمنين ولا

ألوم يومًا أبا بكر ولا عمرا

ولا أقول وإن لم يعطيا فدكا

بنت النبي ولا ميراثه كفرا

الله أعلم ماذا يحضران به

يوم القيامة من عذر إذا اعتذرا

فهذا الذي كان ينكره الناس على الكميت لأحبه النبي صلى الله عليه وسلم ولا مدحه له، ومراده غير خاف، فالذي عابه به الجاحظ على هذا فيه نظر. وأما عيبه عليه «لقد غيبوا برا إلخ» أنها كما يمدح به الرجل الكريم من عامة العرب، فهو أيضًا فيه نظر، لأن الكميت ما عدا أن اتبع حسان في مرثيته الجيدة حيث قال:

فبوركت يا قبر الرسول وبوركت

بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد

وبورك لحد منك ضمن طيبا

عليه بناء من صفيح منضد

تهيل عليه الترب أيد وأعين

عليه وقد غارت بذلك أسعد

لقد غيبوا حلمًا وعلمًا ورحمة

عشية علوه الثرى لا يوسد

ص: 37

وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم

وقد وهنت منهم ظهور وأعضد

يبكون من تبكي السنوات يومه

ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد

وهل عدلت يومًا رزية هالك

رزية يوم مات فيه محمد

صلى الله عليه وسلم.

والعجب لابن قتيبه قال: «وهذه عندي قصة الكميت في مدحه بني أمية وآل أبي طالب فإنه كان يتشيع وينحرف عن بني أمية بالرأي والهوى وشعره في بني أمية أجود منه في الطالبيين. ولا أرى علة ذلك إلا قوة أسباب الطمع وإيثار النفس لعاجل الدنيا على آجل الآخرة» ا. هـ

وزعم ابن قتيبة أن الكميت شديد التكلف في الشعر كثير السرقة. ولو كان هذا حقًا ما كان شعره ليعجب الفرزدق في الخبر الذي رووه، اللهم إلا أن يكون الخبر مكذوبًا وهذا بعيد. ومما يعجب لأمره من كلام ابن قتيبة أول شيء قوله «آل أبي طالب» وقوله «في الطالبيين» والكميت نفسه يقول:

يا ويح أنصار النبي ونسله

بعد المغيب في سواء الملحد

استشهد به في موضعين أو ثلاثة من مجاز القرآن. ونسله ورهطه كلتاهما روى ومتقاربتا المعنى إلا أن نسله أخص والمعنى يا ويح أنصاره وويح نسله أو رهطه ويجوز يا ويح أنصار نسله أو رهطه. وإن يكن أبو عبيدة قد كان كما زعم بعضهم به ميل إلى رأي الخوارج فرواية نسله أشبه إذ ذلك لا يتجاوز فاطمة رضي الله عنها وكان بقاؤها بعد الرسول صلى الله عليه وسلم قليلًا. وما كان أبو عبيدة ليستشهد بهذا البيت في تفسير القرآن وينسبه إلى حسان إلا وهو من ذلك على ثقة.

كان في أكثر الأنصار ميل إلى علي كرم الله وجهه وقد أصيب المسلمون على أيام يزيد بن معاوية بمقتل الحسين رضي الله عنه وبوقعة الحرة. وقد جعل الكميت من صلة ما بين الأنصار وآل البيت حجة يجادل بها -قال:

وقالوا ورثناها أبانا وأمنا

وما ورثتهم ذاك أم ولا أب

ولكن مواريث ابن آمنة الذي

أقر له بالفضل شرق ومغرب

بك اجتمعت أنسابنا بعد فرقة

فنحن بنو الإسلام ندعى وننسب

يقولون لم يورث ولولا تراثه

لقد شركت فيها بكيل وأرحب

ولانتشلك عضوين منها يحابر

وكان لعبد القيس عضو مؤرب

ص: 38

علام إذن زرنا الزبير ونافعا

بأسيافنا بعد المقانب مقنب

وشاط على أرماحنا بادعائها

وتحويلها عنكم شبيب وقعنب

وإلا فقولوا غيرها تتعرفوا

نواصيها تردى بنا وهي شرب

ولم يكن الأنصار عنها بمعزل

ولا غيبًا عنها إذ الناس غيب

هم رئموها غير ظأر وأشبلوا

عليها بأطراف القنا وتحدبوا

فإن هي لم تصلح لحي سواهم

فإن ذوي القربى أحق وأقرب

في هذه الأبيات من البائية «طربت وما شوقًا إلى البيض» بعض البيان لما تقدم ذكره من أمر المزج بين مدحه صلى الله عليه وسلم وقضايا السياسية التي كانت تحترب عليها الفرق آنئذ-الزبير ونافع وشبيب وقعنب هؤلاء من زعماء الخوارج، وكانوا يرون تقديم الصالح من المسلمين للإمامة لا يشترطون كونه قرشيًا. ومكان مدح الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله «بك اجتمعت أنسابنا» لا يخفى. وهذا يشبهه قول الآخر:

دعى القوم ينصر مدعيه

ليلحقه بذى الحسب الصميم

أبي الإسلام لا أب لي سواه

إذا افتخروا بقيس أو تميم

قال الجاحظ في كتابه الحيوان:

«ومن المديح الخطأ الذي لم أر قط أعجب منه قول الكميت بن زيد وهو يمدح النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان مديحه لبني أمية لجاز أن يعيبه بذلك بعض بني هاشم، ولو مدح به بعض بنى هاشم لجاز أن تعيبه العامة أو لو مدح به عمرو بن عبيد لجاز أن يعيبه المخالف، ولو مدح المهلب لجاز أن يعيبه أصحاب الأحنف - فأما مديح النبي صلى الله عليه وسلم، فمن هذا الذي يسوؤه ذلك حيث قال: -

فاعتتب الشوق في فؤادي والشعـ

ـر إلى من إليه معتتب

إلى السراج المنير أحمد لا

يعدلني رغبة ولا رهب

عنه إلى غيره ولو رفع النا

س إلى العيون وارتقبوا

(ههنا كما ترى شيء من التضمين)

ص: 39

بني هاشم رهط النبي فإنني

بهم ولهم أرضى مرارًا وأغضب

فلم يقسمهم إلى طالبيين وغير طالبيين وقد ذكر سيدنا العباس «عم نبينا» صلى الله عليه وسلم فقد أساء ابن قتيبة في هذا التخصيص الذي الكميت بريء منه، ولا ريب، كان الكميت يدافع عن قضية آل البيت ويرى عليا كرم الله وجهه أحق الصحابة بالخلافة فهذا قد مرد سادة بني العباس الخلفاء من بعد المنصور على إنكاره وحمل من استطاعوا حمله على القول بذلك فقالوا:

أني وأون وليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام

فصار شعر الكميت ولا سيما هاشمياته مرغوبًا عنه لديهم. فهل جاء ابن قتيبة بمقاله هذا مصانعة لأهل الدولة؟

والذي صنعه الجاحظ قريب منه، والجاحظ أقوى عذرًا إذ كان من رجال الدولة أقرب.

ومما يزيد العجب عجبًا أن ابن قتيبة حين استشهد بما قال هو إنه يستجاد من شعر الكميت، لم يجيء بشيء مما قاله في بني أمية إلا قوله في هشام:

مصيب على الأعواد يوم ركوبه

لما قال فيها مخطئ حين ينزل

وهذا يذمه به من اللامية الهاشمية التي ذم فيها بني أمية فقال:

تحل دماء المسلمين لديهم

ويحرم طلع النخلة المتهدل

وجاء بأبيات من البائية فقال ويستجاد له قوله في ذكر النبي صلى الله عليه وسلم:

يقولون لم يورث ولولا تراثه

لقد شركت فيه بكيل وأرحب

ولانتشلت عضوين منها يحابر

وكان لعبد القيس عضو مؤرب

فإن هي لم تصلح لحي سواهم

إذن فذوو القربي أحق وأقرب

ص: 40

الهجرة. وكتاب الإمامة والسياسة إن كان حقًا من تأليف ابن قتيبة يشعر بميل فيه إلى علي كرم الله وجهه. فيكون ما ذكره عن الكميت من باب التقية والله أعلم.

واستشهد على سرقة الكميت بأبيات من رائيته في بني أمية -وقد زعم آنفًا أنه كان يجيد مدحهم، وأي جودة لما هو سرقة بينة- فتأمل. وآفة الرأي الهوى.

كان الكميت شاعرًا مجيدًا وهاشمياته في آل البيت من روائع شعره، وقد كن مما اندكت به صروح ملك بني أمية. وقد قتل من أجلها وتذرع إلى ذلك بعصابيته لمضر وهجائه لقبائل اليمن في الكلمة النونية التي يقول فيها:

فما أعني بذلك أسفليكم

ولكني عنيت به الذوينا

وقد صرح بعض شعراء الشيعة بعد الكميت بهجاء الصحابة، فعل هذا مثلًا السيد الحميري فكان ذلك مما جعل الناس ينفرون من رواية شعره، إلا من كان له في ذلك هوى.

وقد حببت الهاشميات الناس في الشعر الحزين الذي يذكر مقاتل أهل البيت وما أصيبوا به من قبل طغيان بني أمية. فصار القول في ذلك كأنه طرف من مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كالذي اشتهر من أمر تائية دعبل الخزاعي:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

ديار علي والحسين وجعفر

وحمزة والسجاد ذي الثفنات

قال عبد الله بن المعتز «وهو صاحب القصيدة:

مدارس آيات خلت من تلاوة

ومنزل وحي مقفر العرصات

وهي أشهر من الشمس ولا حاجة بنا إلى تضمينها ولا تضمين شيء منها. وهو صاحب التائية الأخرى التي أولها:

طرقتك طارقة المني ببيات

لا تظهري جزعًا فأنت بدات

في حب آل المصطفى ووصيه

شغل عن اللذات والقنيات

ص: 41