الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمتع من سهاد أو رقاد
…
ولا تأمل كرى تحت الرجام
فإن لثالث الحالين معنى
…
سوى معنى انتباهك المنام
وقد أخل شكسبير من معنى هذين البيتي مع قوله «الدهر يعجب من حملي نوائبه» (1)
في كلمته: (هامليت 3 - 1 س 76 - 82)
Who woud fardels bear،
To grunt and sweat under ameary life،
But that the dread of something after death،
The undiscover'd country from whose bourn
No traveller reurns، puzzles the will،
And makes us rather bear those ills we have
Than fly to others that we know not of?
من كان سيحمل الأعباء
ويزحر وعرق تحت نصب العيش
لولا المخافة من شيء يكون بعد الموت
الدار التي لم تكتشف ولا من حدودها
عاد مسافر، هي التي تحير الإرادة
وتجعلنا نؤثر ما عندنا من شرور
على أن نفر إلى أخرى لا نعلم أمرها.
ولا يخفى أن نظام الشعر العرب- وهذا المعنى قد ذكرناه مرات من قبل، «وعلى الله قصد السبيل ومنها جزالة شعر العرب- وهذا المعنى قد ذكرناه مرات من قبل، «وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين» .
فصل ملحق بما يقع من تشابه أشكال القصائد
سبق الحديث عن الرثاء وعن الوصايا. ورب قائل فلم لا نجد لذلك من مثال بين السبع الطوال والعشر الطوال. وقد يجاب عن هذا بأن العرب اكتفت في هذا الباب بما اشتهر من المراثي مثل كلمات الخنساء وجنوب وأعشى بأهله وأوس بن حجر ومتمم. وفي الوصايا بمأثور ما جاء من ذلك في شعر ذي الأصبع وعبدة بن الطيب ولامية عبد قيس بن خفاف البرجمى.
ومع ذلك يحسن أن ننبه ههنا على أن المعلقات قد جاءت فيهم أبيات من غرض الرثاء
(1) انظر حديثنا عنه من قبل والهامش أيضا.
ومن غرض الوصايا أو مدانية لذلك.
في معلقة طرفة ذكر الموت ومعاني الرثاء مصرحا بهن في قوله:
إذا مت فاتبعيني بما أنا أهله
…
وشقي علي الحبيب يابنة معبد
ولا تجعلني كامرئ ليس همه
…
كهمي ولا يغني غنائي ومشهدي
بطيء عن الجلى سريع إلى الخنى
…
ذلول بإجماع الرجال مهلد
وله كما تعلم أبيات في الموت تجرى مجرى عظات الرثاء
أرى قبر نحام بخيل بماله
…
كقبر غوى في البطالة مفسد
ترى جثوتين من تراب عليهما
…
صفائح صم من صفيح منصد
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفى
…
عقيلة مال الفاحش المتشدد
أرى العيش كنزا ناقصا كل ليلة
…
وما تنقص الأيام والدهر ينفذ
لعمرك إن الموت ما أخطأ الفتى
…
لكالطول المرخي وثنياه باليد
وفي كلمة عبيد عظات تجري هذا المجرى، وقد ختمها بافتراس العقاب الثعلب ومع أن هذا جاء به على مذهب الشعراء في تشبيه فرسه بالعقاب، روحه في جملتها روح حزن، إذ إنما جاء به في معرض الذكرى وتوجس دنو الموت.
وكلمة زهير تجري مواضع الحكمة منها مجرى الوصايا. وليس يقدح في قولنا هذا أن جعلنا الوصايا في جملتها بابا من معدن المراثي. فهذا هو الأصل، إذ الوصية أكثر ما تكون عند الموت. ثم جرت الأسفار وما أشبه من أحوال المفارقة مجرى الموت. ثم صار الوصية من باب الحكمة ومن باب النصيحة وكأنها أمر مستقل بنفسه. وقد جعل أبو تمام وصية يزيد بن الحكم الكلابي:
يا بدر والأمثال يضـ
…
ـربها لذي الب الحكيم
في باب الأدب وهو الثالث في ترتيب أبواب كتاب الحماسة.
والحق أن قول زهير
ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة
…
وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
فلا تكتمن الله ما في نفوسكم
…
ليخفى ومهما يكتم الله يعلم
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر
…
ليوم الحساب أو يعجل فينقم
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو
…
وما هو عنها بالحديث المرجم
إنما هو وصية وإن يك قد سماها رسالة.
وقد ذكر عنترة الوصية في قوله:
ولقد حفظت وصاة عمي بالضحى
…
إذ تقلص الشفتان عن وضح الفم
والحرب فيها مقاربة الموت.
ومما يدلك على ملابسة الموت للوصية قوله تعالى: (ووصى بها أبراهي بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت
…
)
وقال تعالى: {ووصينا الإنسان بوالديه إحسانًا} أو «حسنا» (قراءتان){ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون}
…
{لعلكم تذكرون} (بتشديد الذال وتخفيفها){لعلكم تتقون}
…
آيات الأنعام.
وأدب الوصايا في العربية كثير. يوصي الآباء الأبناء، وسادة القوم عشائرهم والأمهات بناتهن وكذلك الآباء. وفي كتاب الأمالي من ذلك أمثلة جياد. والمتأمل لمسرحيات شكسبير واجد فيها وصايا كثيرة، مثل وصية يوليسيس لأخيل «ترويليس وكريسيدا 1 - 3 - 3» ومثل وصايا كثيرة، مثل وصية بولونيوس لابنته (1 - 3 - س 120 - 124
…
) ولابنه (1 - 3 ص س 66 - 81) وهذه الوصية من مشهور كلامه ومما يختار ويحفظ وفيها مشابه قوية من بعض ما جاء في كلمة عبد قيس بن خفاف البرجمي وهي في المفضليات وأوردها صاحب اللسان كاملة وأحسب أنحبيبا لم يوردها في حماسته لشهرتها إذ ليس يخفي عن مثله مكانها:
أجبيل إن أباك كارب يومه
…
فإذا دعيت إلى المكارم فاعجل
كارب يومه أي دنا، وهذا سبب الوصية. وقال بولونيوس polonius وكان صاحب حجاب الملك ومن وزرائه يعظ ابنه ويوصيه وهو يودعه ما معناه «أذهب مباركتي لك وهذه الكلمات القلائل من وصيتي خطهن في قلبك خطا» (انظر هاملت الفصل الأول المنظر الثالث).
أوصيك إيصاء امرئ لك ناصح
…
طبن بريب الدهر غير مغفل
فهذا ونحوه مما يقع في كثير من كلام أهل الحكمة عند وصيتهم البنين ومن
بمنزلتهم ممن يهمهم أمره، وقول بولونيوس الذي قر بنا تعريبه آنفًا
There my blessing with thee!
And these few precepts in memory
Look thou character.
الله فاتقه وأوف بنذره
…
وذا حلفت مماريا فتحلل
والضيف أكرمه فإن مبيته
…
حق ولاتك لعنة للنزل
وأعلم بأن الضيف مخبر أهله
…
بمبيت ليلته وإن لم يسأل
وهذا من صميم أدب العرب، أعني قرى الضيف ومبيته.
ودع القوارص للصديق وغيره
…
كيلا يروك من اللئام العزل
وصل المواصل ما صفا لك وده
…
وأحذر حبال الخائن المتبدل
وقد كشف ما تضمنه هذان البيتان من ثمين المعاني صالح بن عبد القدوس حيث قال في موضع من بائيته الطويلة الزينبية: -
ودع الكذوب فلا يكن لك صاحبا
…
إن الكذوب يشين حرا يصحب
وأحذر مصاحبة اللئام فإنها
…
تعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
إن القلوب إذا تنافر ودها
…
مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
إن العدو وإن تقادم عهده
…
فالحقد باق في الصدور مغيب
يعطيك من طرف اللسان حلاوة
…
ويروغ منك كما يروغ الثعلب
وقال أبو الطيب:
لا يخدعنك من عدو دمعه
…
وارحم شبابك من عدو ترحم
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
…
حتى يراق على جوانبه الدم
يؤذي القليل من اللئام بطبعه
…
من لا يقل كما يقل ويلؤم
أي أذاه للعدد الكثير على مقدار عظم لؤمه وجسامة خساسة قدره وقلته. أي كلما كان أقل والأم كان أذاه أكثر وأشد.
الظلم من شيم النفوس فإن تجد
…
ذا عفة فلعلة لا يظلم
والذل يظهر في الذليل مودة
…
وأود منه لمن يود الأرقم
ومن العداوة ما ينالك نفعه
…
ومن الصداقة ما يضر ويؤلم
فهذا جار مجرى النصيحة والوصية- وقال البرجمي، وإنما ذكرنا أبيات أبي الطيب هذه لما فيها من معنى الصداقة، وتناول أبي الطيب له كثير: -
واترك محل السوء لا تحلل به
…
وإذا نبا بك منزل فتحول
دار الهوان لمن رآها داره
…
أفراحل عنها كمن لم يرحل
فكيف إذ ضرب الهوان بجرانه في كل دار. قال تعالى جل من قائل: {إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلةً ولا يهتدون سبيلًا}
وقال عبد قيس:
وإذا هممت بأمر شر فائتد
…
وإذا هممت بأمر خير فافعل
قال الضبي -أي أبو عكرمة- هذا مأخوذ من قول لبيد:
واكذب النفس إذا حدثتها
…
إن صدق النفس يزري بالأمل
غير أن لا تكذبنها في التقي
…
واخزها بالبر لله الأجل
قال الشارح واخزها يعني سسها يقال قد خزاه الله يخزوه قال الشاعر:
«ولا أنت دياني فتخزوني» - قلت يجوز أن يكون الضبي قال ما قال يريد به محض المشابهة، وإلا فعبد قيس بن خفاف البرجمي من معاصري نابغة بني ذبيان وحاتم طي ولبيد بعد زمانهما، إلا أن يقال قد طال عمر لبيد، وليس ذلك بدافع ما تقدم.
وقال شكسبير على لسان بولونيوس بعد الفاتحة التي مضى ذكرها:
Give thy thoughts no tongue
Nor any unproportion'd thought his act
Be thou familiar; but by no means vulgar;
The friends thou hast and their adoption tried
Grapple them to thy soul with hoops of steel;
But do not dull thy palm with entertainment
Of each new- hatch'd; unfleg'd comrade. Beware،
Of entrance to quarrel، but being in
Bear't that th' oppsosed may beware of thee.
Give every man thy ear، but few thy voice;
Take each man's censure، but reseve thy judgement.
ترجمة تقريبية
لا تعط آراءك لسانا
ولا رأيًا غير ممحص فعله
عليك بالألفة، ولكن إياك والابتذال
أصدقاؤك الذين بلوت مودتهم
نطهم إلى نفسك بأطواق من حديد
ولكن لا تكلن راحتك باستطراف
كل حديث انفلاق الصحبة عنه أزعر واحذر
الدخول في الشر ولكن متى كنت فيه
فاثبت له، لعل الخصم يخشاك
أعط كل امرئ سمعك، وقليلاً منهم صوتك
خذ من كل حديث خلاصته، واحتفظ بحكمك
لعل القارئ أحس شبهًا بين قول بولونيوس شكسبير «ولا رأيًا ممحصًا فعله» وما مر من كلام عبد قيس «وإذا هممت بأمر شرد فاتئد» - وانظر بعد قوله:
وإذا أتتك من العدو قوارص
…
فاقرص كذاك ولا تقل لم أفعل
فهذا مشبه لقوله واحذر الدخول في الشر
وإذا افتقرت فلا تكن متخشعًا
…
ترجو الفواضل عند غير المفضل
وصاحب شكسبير ينهى ابنه أن يسلف أو أن يستدين في قول له من بعد
Neither a borrower، nor a lender be
وكلام عبد قيس ذو عموم وكلام بولونيوس أشبه بطبيعة الطبقة التي منها هو وابنه على زمان شكسبير.
وإذا لقيت القوم فاضرب فيهم
…
حتى يروك طلاء أجرب مهمل
هذا أشبه يقول صاحب شكسبير «ولكن متى كنت فيه فاثبت لعل الخصم يخشاك»
واستغن ما أغناك ربك بالغنى
…
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
أي استغن عن الناس إذا اغتنيت من غير تضييع غير للحقوق. وهذا البيت غير جد بعيد عن معنى النهي عن التسليف وعن الدين
واستأن حلمك في أمورك كلها
…
وإذا عزمت على الهوى فتوكل
وهذا مقارب لما نصح به بولونيوس من الإصغاء وتأجيل الحكم حتى يتبين أمره.
وإذا تشاجر في فؤادك مرة
…
أمران فاعمد للأعف الأجمل
وإذا لقيت الباهشين إلى الندى
…
غبرًا أكفهم بقاع ممحل
فأعنهم وأيسر بما يسروا به
…
وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
وهذا من آداب مجتمع العرب. وفي كلمة شكسبير مما لم نذكره ما يقابله من آداب مجتمع الإفرنج من هيئة الزي وإظهار يسار الحال من غير تباه بذلك.
هذا وليس الأرب من إيراد كلمة عبد قيس وما استشهدنا به من كلام شكسبير الموازنة في باب الأخذ والسرقات والتوليد وما يجري هذا المجرى من تشابه ألوان البيان وخواطره.
وإن كان ذلك مما لا يخرج عن أربنا كل الخروج. ولكنا إذ نحن بمعرض الحديث عن أشكال القصيد أردنا أن نتساءل، هل لناقد أن يعد كلام شكسبير على لسان بولونيوسه هذا قطعة شعر غنائي؟ وظاهر أن الجواب نفي إذ هذه قطعة من مسرحية معروفة.
أفسنخ كلام بولونيوس هذا من حيث هو نصيحة وخطاب حكيم مختلف عن سنخ كلام عبد قيس، وما استشهدنا به من كلام صالح بن عبد القدوس وأبي الطيب؟ فلماذا يعد كلام هؤلاء غنائيًا؟
الفرق في طريقة التناول. الشاعر العربي مكافحنا لا يحجبه حجاب.
وقد وضحنا القول وفصلناه من قبل أن هذه المكافحة ليست بالغناء (بمعناه النقدي الاصطلاحي الإفرنجي) ولا ينبغي لها أن يلتبس أمرها بأمره. الأديب الإفرنجي والرومي واليوناني من قبل كل أولئك يستتر مستترهم وراء المسرحية ووراء الملحمة فلا يكافح مكافحة صارحة وقولهم غنائي (ليريك بالمعنى الاصطلاحي) لا يعنون به الغناء والترنم وما هو من هذا الباب من الموسيقا. فهذا أبدًا ملازم للشعر. وقد كانت مسرحيات يونان فيما ذكر تصحبها الموسيقا والغناء. ومسرحيات شكسبير فيها الخطب والأسجاع والمرسل المزدوج والقطع الرنانة الوزن من الأغاني. الشعر -كما قال سيبويه- وضع