المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

إذا كان يجوز أن يكون مسكرا؛ لأن إباحة الحرام مثل - المستدرك على مجموع الفتاوى - جـ ٥

[ابن تيمية]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الطلاق

- ‌باب ما يختلف به عدد الطلاق

- ‌باب الطلاق في الماضي والمستقبل

- ‌باب تعليق الطلاق بالشروط

- ‌باب التأويل في الحلف

- ‌باب الشك في الطلاق

- ‌باب الرجعة

- ‌كتاب الإيلاء

- ‌كتاب الظهار

- ‌اللعان

- ‌كتاب العدد

- ‌باب الاستبراء

- ‌الرضاع

- ‌كتاب النفقات

- ‌باب الحضانة

- ‌كتاب الجنايات

- ‌باب شروط وجوب القصاص

- ‌باب استيفاء القصاص

- ‌باب العفو عن القصاص

- ‌باب ما يوجب القصاص فيما دون النفس

- ‌كتاب الديات

- ‌باب ديات الأعضاء ومنافعها

- ‌باب العاقلة وما تحمله

- ‌باب القسامة

- ‌كتاب الحدود

- ‌باب حد الزنا واللواط

- ‌باب حد القذف

- ‌باب حد المسكر

- ‌باب التعزير

- ‌باب القطع في السرقة

- ‌باب حد قطاع الطريق

- ‌باب الخلافة والملك

- ‌باب قتل أهل البغي

- ‌باب حكم المرتد

- ‌كتاب الأطعمة

- ‌باب الذكاة

- ‌باب الصيد

- ‌كتاب الأيمان

- ‌باب النذور

- ‌الإفتاء

- ‌كتاب القضاء

- ‌باب آداب القاضي

- ‌باب طريق الحكم وصفته

- ‌باب كتاب القاضي إلى القاضي

- ‌باب القسمة

- ‌باب الدعاوي والبينات

- ‌كتاب الشهادات

- ‌باب اليمين في الدعاوي

- ‌كتاب الإقرار

- ‌علوم

- ‌الاشتقاق

- ‌علم النفس

- ‌أعلام

- ‌مؤلفات:

- ‌المراجع

الفصل: إذا كان يجوز أن يكون مسكرا؛ لأن إباحة الحرام مثل

إذا كان يجوز أن يكون مسكرا؛ لأن إباحة الحرام مثل تحريم الحلال، فيكشف عن هذا بشهادة من تقبل شهادته مثل: أن يكون طعمه ثم تاب منه، أو طعمه غير معتقد تحريمه، أو معتقد حله لتداو ونحوه، أو على مذهب الكوفيين في تناول يسير النبيذ، فإن شهد به جماعة ممن تناوله معتقدا تحريمه فينبغي إذا أخبر عدد كثير لا يمكن تواطؤهم على الكذب أن يحكم بذلك، فإن مثل هذا التواتر والاستفاضة كما استفاض بين الفساق والكفار الموت والنسب والنكاح والطلاق، فيكون أحد الأمرين:

إما الحكم بذلك، لأن التواتر لا يشترط فيه الإسلام، والعدالة، وإما الشهادة بذلك بناء على أن الاستفاضة يحصل بها ما يحصل بالتواتر، وإما أن يمتحن بعض العدول بتناوله لوجهين.

أحدهما: أنه لا يعلم تحريم ذلك قبل التأويل فيجوز الإقدام على تناوله، وكراهة الإقدام على الشبهة تعارضها مصلحة بيان الحال.

الوجه الثاني: أن المحرمات قد تباح عند الضرورة، والحاجة إلى البيان موضع ضرورة فيجوز تناولها لأجل ذلك (1) .

وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله، رخص أكثر العلماء فيما يكره عليه من المحرمات لحق الله كأكل الميتة وشرب الخمر وهو ظاهر مذهب أحمد رحمه الله (2) .

‌باب التعزير

وإذا شتم الرجل أباه واعتدى عليه وجب أن يعاقب عقوبة بليغة تردعه وأمثاله بل وأبلغ من ذلك أنه ثبت في الصحيح "أن من الكبائر أن يسب الرجل والديه، قالوا: وكيف يسب الرجل والديه؟ " قال: "يسب

(1) اختيارات (299) ، ف (2/ 367) .

(2)

إنصاف (10/ 231) ، ف (2/ 367) .

ص: 111

أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه" وقال تعالى:{فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ} [23/17] فكيف يشتمهما؟ (1) .

ومن قال: الله أكبر عليك، فهو من نحو الدعاء عليه، فإن لم يكن بحق وإلا كان ظالما له، يستحق الانتصار منه لذلك، إما بمثل قوله، أو تعزيره (2) .

ومن قذف رجلا بأنه ينظر إلى حريم الناس وهو كذاب عزر على افترائه بما يزجره وأمثاله إذا طالبه المقذوف بذلك، وكذلك إذا شتمه بأنه فاسق أو أنه يشرب الخمر، وهو كاذب عليه يعزر (3) .

ومن اعتاد الكذب فصار إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتمن خان، فهو منافق والمنافق شر من الكافر، فإذا قال رجل للذي يكذب النصراني خير منك، وقصد أن النصراني لا يكذب خير من هذا الكذاب مع أن دين الإسلام هو الحق فلا شيء عليه، فإن الكذب أساس النفاق، ومن لا يكذب خير ممن يكذب (4) .

ومن التعزير الذي جاءت به السنة ونص عليه أحمد والشافعي: نفي المخنث، وحلق عمر رأس نصر بن حجاج ونفاه لما افتتن به النساء فكذلك من افتتن به الرجال من المردان بل هو أولى (5) .

ولا يقدر التعزير بل بما يردع المعزر، وقد يكون بالعزل والنيل من عرضه مثل أن يقال له: يا ظالم، يا معتدي، وبإقامته من المجلس.

(1) مختصر الفتاوى (493) ، ف (2/ 371) .

(2)

مختصر الفتاوى (371) ، ف (2/ 371) .

(3)

مختصر الفتاوى (493) ، ف (2/ 371) .

(4)

مختصر الفتاوى (548) ، ف (2/ 371) .

(5)

اختيارات (299) ، ف (2/ 371) .

ص: 112

والذين قدروا التعزير من أصحابنا إنما هو فيما إذا كان تعزيرا على ما مضى من فعل أو ترك، فإن كان تعزيرا لأجل ترك ما هو فاعل له فهو بمنزلة قتل المرتد والحربي وقتال الباغي والعادي، وهذا تعزير غير مقدر، بل قد ينتهي إلى القتل، كما في الصائل لأخذ المال يجوز أن يمنع من الأخذ ولو بالقتل، وعلى هذا فإذا كان المقصود دفع الفساد ولم يندفع إلا بالقتل قتل، وحينئذ فمن تكرر منه فعل الفساد، ولم يرتدع بالحدود المقدرة بل استمر على ذلك الفساد هو كالصائل الذي لا يندفع إلا بالقتل فيقتل، ويمكن أن يخرج قتل الشارب في الرابعة على هذا.

ويقتل الجاسوس الذي تكرر منه التجسس على المسلمين لعدوهم، وقد ذكر الحنفية والمالكية شيئا من هذا، وإليه يرجع قول ابن عقيل، وهو أصل عظيم في إصلاح الناس.

وكذلك تارك الواجب، فلا يزال يعاقب حتى يفعله.

ومن فر إلى بلاد العدو ولم يندفع ضرره إلا بقتله قتل.

والتعزير بالمال سائغ، إتلافا وأخذا وهو جار على مذهب أحمد؛ لأنه لم يختلف أصحابه أن العقوبات في الأموال غير منسوخة كلها.

وقول الشيخ أبي محمد المقدسي: لا يجوز أخذ ماله، يعني المعزر، فإشارة منه إلى ما يأخذه الولاة الظلمة.

ومن وطئ امرأة مشركة قدح ذلك في عدالته وأدب.

والتعزير يكون على فعل المحرمات وترك الواجبات.

فمن ترك الواجبات: من كتم ما يجب بيانه كالبائع المدلس، والمؤجر المدلس والناكح وغيرهم من العالمين، وكذا الشاهد والمخبر والمفتي والحاكم ونحوهم، فإن كتمان الحق مشبه بالكذب.

وينبغي أن يكون سببا للضمان، كما أن الكذب سبب للضمان.

ص: 113

فإن ترك الواجبات عندنا في الضمان كفعل المحرمات، حتى قلنا: من قدر على إنجاء شخص بإطعام أو سقي فلم يفعل فمات ضمنه.

فعلى هذا فلو كتم شهادة كتمانا أبطل بها حق مسلم ضمنه، مثل أن يكون عليه حق ببينة وقد أداه حقه، وله بينة بالأداء، فكتم الشهادة حتى ضمن ذلك الحق، وكما لو كانت وثائق لرجل فكتمها أو جحدها حتى فات الحق، ولو قال: أنا أعلمها ولا أؤديها فوجوب الضمان ظاهر.

وظاهر نقل حنبل وابن منصور: سماع الدعوى والإعداء التحليف في الشهادة.

ومن هذا الباب لو كان في القرية أو المحلة أو البلدة رجل ظالم فسأل الوالي أو الغريم عن مكانه ليأخذ منه الحق فإنه يجب على الناس دلالته عليه بخلاف ما لو كان قصده أكثر من الحق، فعلى هذا: إذا كتموا ذلك حتى تلف الحق ضمنوه.

ويملك السلطان تعزير من ثبت عنده أنه كتم الخبر الواجب، كما يملك تعزير المقر إقرارًا مجهولاً، حتى يفسر؟ ومن كتم الإقرار.

وقد يكون التعزير على ترك المستحب، كما يعزر العاطس الذي لم يحمد الله بترك تشميته.

وقال أبو العباس في موضع آخر: والتعزير على الشيء دليل على تحريمه.

ومن هذا الباب ما ذكره أصحابنا وأصحاب الشافعي من قتل الداعية من أهل البدع، كما قتل الجعد بن درهم، والجهم بن صفوان، وغيلان القدري.

وقتل هؤلاء له مأخذان.

ص: 114

أحدهما: كون ذلك كفرا، كقتل المرتد ردة مجردة أو مغلظة وهذا المعنى يعم الداعي إليها وغير الداعي، وإذا كفروا فيكون قتلهم من باب قتل المرتد.

والمأخذ الثاني: لما في الدعاء إلى البدعة من إفساد دين الناس، ولهذا كان أصل الإمام أحمد وغيره من فقهاء الحديث وعلمائهم، أنهم يفرقون بين الداعي إلى البدعة وغير الداعي في رد الشهادة، وترك الرواية عنه، والصلاة خلفه، وهجره، ولهذا ترك أصحاب الكتب الستة وأحمد في مسنده الرواية عن مثل عمرو بن عبيد ونحوه، ولم يتركوا الرواية عن القدرية الذين ليسوا بدعاة.

وعلى هذا المأخذ: فقتلهم من باب قتل المفسدين المحاربين، لأن المحاربة باللسان كالمحاربة باليد.

ويشبه قتل المحاربين للسنة بالرأي قتل المحاربين لها بالرواية، وهو قتل من يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قتل النبي صلى الله عليه وسلم الذي كذب عليه في حياته، وهو حديث جيد، لما فيه من تغيير سنته.

وقرر أبو العباس هذا مع نظائر له في «الصارم المسلول، على شاتم الرسول» كقتل الذي يتعرض لحرمه أو يسبه ونحو ذلك، وكما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المفرق بين جماعة المسلمين لما فيه من تفريق الجماعة.

ومن هذا الباب قتل الجاسوس المسلم الذي يخبر العدو بعورات المسلمين.

ومنه الذي يكذب بلسانه أو خطه أو يأمر بذلك حتى يقتل به أعيان الأمة: علماؤها وأمراؤها، فيحصل بكذبه أنواع كثيرة من الفساد، فهذا متى لم يندفع فساده إلا بقتله فلا ريب في قتله، وإن جاز أن يندفع وجاز ألا يندفع قتل أيضًا.

ص: 115

وعلى هذا جاء قوله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} [32/5]، وقوله:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا} [33/5] .

وأما إن اندفع الفساد الأكبر بقتله، لكن بقي فساد دون ذلك، فهو محل نظر.

قال أبو العباس: وأفتيت أميرا مقدما على عسكر كبير في الحربية، إذا نهبوا أموال المسلمين ولم ينزجروا إلا بالقتل أن يقتل من يكفون بقتله ولو أنهم عشرة إذ هو من باب دفع الصائل، قال: وأمرت أميرا خرج لتسكين الفتنة الثائرة بين قيس ويمن قد قتل منهم ألفان أن يقتل من يحصل بقتله كف الفتنة، ولو أنهم مائة.

قال: وأفتيت ولاة الأمور في شهر رمضان، سنة أربع وسبع مائة بقتل من أمسك في سوق المسلمين وهو سكران وقد شرب الخمر مع أهل الذمة وهو مجتاز بشقة لحم يذهب بها إلى ندمائه، وكنت أفيتهم قبل هذا: بأنه يعاقب عقوبتين عقوبة على الشرب، وعقوبة على الفطر في نهار رمضان، فقالوا: ما مقدار التعزير؟ فقلت: هذا يختلف باختلاف الذنب، وحال المذنب، وحال الناس، وتوقفت عن القتل، فكبر هذا على الأمراء والناس حتى خفت أنه إن لم يقتل ينحل نظام الإسلام لجرأة الناس على انتهاك المحارم في نهار رمضان فأفتيت بقتله فقتل، ثم ظهر فيما بعد أنه كان يهوديا وأنه أظهر الإسلام.

والمطلوب له ثلاث أحوال:

أحدها: براءته في الظاهر، فهل يحضره الحاكم؟ على روايتين.

وذكر أبو العباس في موضع آخر: أن المدعي حيث ظهر كذبه في دعواه بما يؤذي به المدعى عليه عزر لكذبه ولأذاه وأن طريقة القاضي

ص: 116

رد هذه الدعوى على الروايتين، بخلاف ما إذا كانت ممكنة، ونص أحمد في رواية عبد الله فيما إذا علم بالعرف المطرد أنه لا حقيقة للدعوى لا يعذبه، وفيما لم يعرف واحد من الأمرين يعذبه، كما في رواية الأثرم، وهذا التفريق حسن.

والحال الثاني: احتمال الأمرين، وأنه يحضره بلا خلاف.

والحال الثالث: تهمته وهو قيام سبب يوهم أن الحق عنده، فإن الاتهام افتعال من الوهم، وحبسه هنا بمنزلة حبسه بعد إقامة البينة وقبل التعزير، أو بمنزلة حبسه بعد شهادة أحد الشاهدين، فأما امتحانه بالضرب كما يجوز ضربه لامتناعه من أداء الحق الواجب دينا أو عينا، ففي المسألة حديث النعمان بن بشير في سنن أبي داود لما قال:"إن شئتم ضربته فإن ظهر الحق عنده وإلا ضربتكم وقال: هذا قضاء الله ورسوله".

وهذا يشبه تحليف المدعي إذا كان معه لوث، فإن اقتران اللوث بالدعوى جعل جانبه مرجحا فلا يستبعد أن يكون اقترانه بالتهمة يبيح مثل ذلك.

والمقصود أنه إذا استحق التعزير وكان متهما بما يوجب حقا واحدا مثل أن يثبت عليه هتك الحرز ودخوله ولم يقر بأخذ المال وإخراجه ويثبت عليه المحاربة لخروجه بالسلاح وشهره له، ولم يثبت عليه القتل والأخذ، فهذا يعزر لما فعله من المعاصي، وهل يجوز أن يفعل ذلك، أيضا امتحانا لا غير، فيجمع بين المصلحتين؟ هذا قوي في حقوق الآدميين.

فأما حدود الله تعالى عند الحاجة إلى إقامتها فيحتمل، ويقوى ذلك إذا أنكر الجميع ثم قامت البينة ببعض ما أنكر فإنه يصير لوثًا.

ص: 117

ونظير ذلك أن يعاقب الإمام من استحق العقوبة بقتل وتوهم العامة بأنه عاقبه على بعض الذنوب التي يريد الحذر عنها، وهذا شبيه بما كان يفعله صلى الله عليه وسلم من أنه "إذا أراد غزوة ورى بغيرها".

والذي لا ريب فيه: أن الحاكم إذا علم كتمانه الحق عاقبه حتى يقربه، كما يعاقب كاتم المال الواجب أداؤه، فأما إذا احتمل أن لا يكون كاتما فهذا كالمتهم سواء.

وخبر من قال له جني بأن فلانا سرق كذا كخبر إنسي مجهول فيفيد تهمة.

وإذا طلب المتهم بحق فمن عرف مكانه دل عليه.

والقوادة التي تفسد النساء والرجال أقل ما يجب على الحاكم فيها الضرب البليغ وينبغي تشهيرها بذلك بحيث يستفيض هذا في النساء، والرجال وإذا أركبت دابة وضمت عليها ثيابها ونودي عليها هذا جزاء من يفعل كذا وكذا كان من أعظم ما يؤجر عليه، إذ هي بمنزلة عجوز السواء امرأة لوط وقد أهلكها الله تعالى مع قومها.

ومن قال لمن لامه الناس: تقرءون تواريخ آدم؟ وظهر منه قصد معرفتهم بخطيئته عزر ولو كان صادقا، وكذا من يمسك الحية ويدخل النار ونحوه.

وكذا من تنقص مسلمًا بأنه مسلماني مع حسن إسلامه.

ومن غضب فقال: ما نحن مسلمون، إن أراد ذم نفسه لنقص دينه فلاحرج فيه ولا عقوبة.

ومن قال لذمي: يا حاج، عزر لأن فيه تشبيه قاصد الكنائس بقاصد بيت الله، وفيه تعظيم ذلك فهو بمنزلة من يشبه أعياد الكفار.

ص: 118

بأعياد المسلمين وكذا يعزر من يسمي من زار القبور والمشاهد حاجا، إلا أن يسميه حاجا بقيد، كحجاج الكفار والضالين، ومن سمي زيارة ذلك حجا أو جعل له مناسك فإنه ضال مضل، ليس لأحد أن يفعل في ذلك ما هو من خصائص حج البيت العتيق.

وإذا اشترى اليهودي نصرانيا فجعله يهوديًّا عزر على جعله يهوديا ولا يكون مسلما.

ولا يجوز للجذمى مخالطة الناس عموما، ولا مخالطة أحد معين إلا بإذنه، وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الناس لهم، بل يكونون في مكان منفرد لهم، ونحو ذلك كما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه، وكما ذكره العلماء، وإذا امتنع ولي الأمر من ذلك أو امتنع المجذوم أثم بذلك.

وإذا أصر على ترك الواجب مع علمه به فسق.

ومن دعي عليه ظلما له أن يدعو على ظالمه بمثل ما دعا به عليه نحو: أخزاك الله، أو لعنك، أو شتمه بغير فرية نحو: يا كلب، يا خنزير فله أن يقول له مثل ذلك لقوله تعالى:{وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ *} [41/42] فعلم أنه لا سبيل إلا على الظالم للناس الباغي.

وإذا كان له أن يستعين بالمخلوق من وكيل ووال وغيرهما فاستعانته بخالقه أولى بالجواز.

ومن وجب عليه الحد بقتل أو غيره سقط عنه بالتوبة، وظاهر كلام أصحابنا لا يجب عليه التعزير، كقولهم: هو واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.

ص: 119

وذكر أبو العباس في موضع آخر: أن المرتد إذا قبلت توبته ساغ تعزيره بعد التوبة (1) .

إذا كانت المعصية لا حد فيها ولا كفارة كما مثل المصنف (2) .

وفعلها فإنه يعزر، وقد يفعل معصية لا كفارة فيها ولا حد ولا تعزير أيضا كما لو شتم نفسه أو سبها قاله القاضي، ومال الشيخ تقي الدين إلى وجوب التعزير، قال الزركشي، ولا يشرع التعزير فيما فيه حد إلا على ما قاله أبو العباس ابن تيمية في شارب الخمر، يعني في جواز قتله، وفيما إذا أتى حدا في الحرم فإن بعض الأصحاب قال: يغلظ، وهو نظير تغليظ الدية بالقتل في ذلك (3) .

وقال المصنف والشارح وصاحب الفروع: ويحتمل كلام الإمام أحمد والخرقي ألا يبلغ بكل جناية حدا مشروعا من جنسها، ويجوز أن يزيد على حد من غير جنسها، فعلى هذا ما كان سببه الوطء يجوز أن يجلد مائة إلا سوطا لينقص عن حد الزنا، وما كان سببه غير الوطء لم يبلغ به أدنى الحدود وإليه ميل الشيخ تقي الدين.

وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله يعزر بما يردعه كعزل متول، وقال: لا يتقدر لكن ما فيه مقدر لا يبلغه فلا يقطع بسرقة دون نصاب ولا يحد حد الشرب بمضمضة خمر ونحوه، وقال: هو رواية عن الإمام أحمد، واختيار طائفة من أصحابه، وقد يقال بقتله للحاجة،

وقال: يقتل مبتدع داعية، وذكره وجها لمالك رحمه الله ونقله إبراهيم

(1) اختيارات (300-306) فيها زيادات كثيرة وجامعة لما تفرق أو أكثره، وانظر الفروع (6/ 118-120) ، ف (2/ 371) ،.

(2)

كالاستمتاع الذي لا يوجب الحد، وإتيان المرأة المرأة وسرقة ما لا يوجب القطع والجناية على الناس بما لا قصاص فيه والقذف بغير الزنا ونحوه.

(3)

إنصاف (10/ 239) ، ف (2/ 371) .

ص: 120