الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنه يكفي وصف القصة له يؤيده قول أبي طالب: نازعني ابن عمي، الأذان فتحاكمنا إلى أبي عبد الله، قال: اقترعا (1) .
قال شيخنا: خصوا اللعان؛ لأن فيه دعوى وإنكار، وبقية الفسوخ كإعسار قد يتصادقان فيكون الحكم إنشاء لا ابتداء، ونظيره لو حكماه في التداعي بدين وأقربه الورثة (2) .
باب طريق الحكم وصفته
وإذا طلبا حكمين أجيب من طلب الذي له الولاية على محل النزاع إذا كان الحاكمان عدلين فإن كان لهما الولاية معا أجيب من طلب الحاكم الأقرب، فإما أن يقرع بينهما، أو يجاب المدعي، فهذا القول الثالث أفتى به طائفة في زماننا، والأولان مقدمان، فهذه مسألة نزاع (3) .
قال في الإنصاف: واعلم أنه إذا ادعي على القاضي المعزول فالصحيح من المذهب أنه يعتبر تحرير الدعوى في حقه، قال الشيخ تقي الدين: تخصيص الحاكم المعزول بتحرير الدعوى في حقه لا معنى له، فإن الخليفة ونحوه في معناه، وكذلك العالم الكبير والشيخ المتبوع (4) .
لو قال لمدعي دينار: لا تستحق علي حبة، فعند ابن عقيل أن هذا ليس بجواب، وعند الشيخ تقي الدين رحمه الله: يعم الحبات، وما لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى (5) .
ظاهر قوله: فإذا أحضرها سمعها الحاكم وحكم، أن الشهادة لا
(1) فروع (6/ 436، 437) والإنصاف (11/ 198) ، ف (2/ 417) .
(2)
فروع (6/ 440) ، ف (2/ 417) وهذا النقل فيه زيادة عما قبله.
(3)
مختصر الفتاوى (567) ، ف (2/ 418) .
(4)
إنصاف (11/ 231) ، ف (2/ 418) .
(5)
إنصاف (11/ 242) ، ف (2/ 419) .
تسمع قبل الدعوى، فإن كان الحق لآدمي معين فالصحيح من المذهب أنها لا تسمع قبل الدعوى.. وسمعها القاضي في التعليق وأبو الخطاب في الانتصار والمصنف في المغني، إن لم يعلم به، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: هو غريب، وذكر الأصحاب أنها تسمع بالوكالة من غير خصم، ونقله مهنا، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: تسمع ولو كان في البلد، وبناه القاضي وغيره على جواز القضاء على الغائب. اهـ.
«والوصية مثل الوكالة» ، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: الوكالة إنما تثبت استيفاء حق أو إبقاءه (1) .
وتسمع البينة قبل الدعوى في كل حق لآدمي غير معين: كالوقف على الفقراء، أو على مسجد، أو رباط، أو وصية لأحدهما، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: وكذا عقوبة كذاب مفتر على الناس، والمتكلم فيهم (2) .
وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله في حفظ وقف وغيره بالثبات عن خصم مقدر: تسمع الدعوى والشهادة فيه بلا خصم، قال: وقد ذكره قوم من الفقهاء، وفعله طائفة من الفقهاء، وفعله طائفة من القضاة، ولم يسمعها طوائف من الحنفية والشافعية والحنبلية.
وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله ما ذكره القاضي من احتيال الحنفية على سماع البينة من غير وجود مدعي عليه فإن المشتري المقر بالبيع قد قبض المبيع وسلم الثمن فهو لا يدعي شيئا ولا يدعى عليه شيء، وإنما غرضه تثبيت الإقرار والعقد، والمقصود سماع القاضي البينة وحكمه بموجبها من غير وجود مدعى عليه ومن غير مدع على أحد؛ لكن خوفا من حدوث خصم مستقبل، فيكون هذا الثبوت حجة
(1) إنصاف (11/ 246) ، ف (2/ 419) .
(2)
إنصاف (11/ 248) وفروع (6/ 524) .
بمنزلة الشهادة، فإن لم يكن القاضي يسمع البينة بلا هذه الدعوى وإلا امتنع من سماعها مطلقًا، وعطل هذا المقصود الذي احتالوا عليه.
قال الشيخ تقي الدين رحمه الله، وكلامه يقتضي أنه هو لا يحتاج إلى هذا الاختيال مع أن جماعات من القضاة المتأخرين من الشافعية والحنابلة دخلوا مع الحنفية في ذلك وسموه الخصم المسخر، قال: وأما على أصلنا الصحيح وأصل مالك رحمه الله فإما أن نمنع الدعوى من غير خصم منازع فتثبت الحقوق بالشهادات على الشهادات كما ذكره من ذكره من أصحابنا، وأما أن نسمع الدعوى والبينة بلا خصم، كما ذكره طائفة من المالكية والشافعية وهو مقتضى كلام الإمام أحمد رحمه الله وأصحابنا في مواضع؛ لأنا نسمع الدعوى والبينة على الغائب والممتنع، وكذا على الحاضر في البلد في المنصوص، فمع عدم خصم أولى.
قال: وقال أصحابنا: كتاب الحاكم كشهود الفرع، قالوا: لأن المكتوب إليه يحكم بما قام مقامه غيره، لأن إعلام القاضي للقاضي قائم مقام الشاهدين، فجعلوا كل واحد من كتاب الحاكم وشهود الفرع قائما مقام غيره وهو بدل عن شهود الأصل، وجعلوا كتاب القاضي كخطابه، وإنما خصوه بالكتاب لأن العادة تباعد الحكمين، وإلا فلو كان في محل واحد كان مخاطبة أحدهما للآخر أبلغ من الكتاب، وبنوا ذلك على أن الحاكم يثبت عنده بالشهادة ما لم يحكم به وإنما يعلم به حاكما آخر ليحكم به، كما يعلم الفروع بشهادة الأصول.
قال: وهذا كله إنما يصح إذا سمعت الدعوى والبينة في غير وجه خصم، وهو يفيد أن كلما ثبت بالشهادة على الشهادة يثبته القاضي بكتابه.
قال: ولأن الناس بهم حاجة إلى إثبات حقوقهم بإثبات القضاة، كإثباتها بشهادة الفروع، وإثبات القضاة أنفع لكونه كفى مؤنة النظر في
الشهود، وبهم حاجة إلى الحكم فيما فيه شبهة أو خلاف لرفع، وإنما يخافون من خصم حادث (1) .
وقال في الفروع: وإن قال المدعي «ما لي بينة» ، أعلمه الحاكم بأن له اليمين على خصمه، قال: وله تحليفه مع علمه قدرته على حقه، نص عليه نقل ابن هانئ: إن علم عنده مالا لا يؤدي إليه حقه أرجو ألا يأثم، وظاهر رواية أبي طالب يكره، وقاله شيخنا: ونقله من حواشي تعليق القاضي، وهذا يدل على تحريم تحليف البريء، دون الظالم اهـ (2) .
قال ابن القيم رحمه الله: ولما كانت أفهام الصحابة رضي الله عنهم فوق أفهام جميع الأمة وعلمهم بمقاصد نبيهم صلى الله عليه وسلم وقواعد دينه وشرعه أتم من علم كل من جاء بعدهم عدلوا عن ذلك إلى غير هذه المواضع الثلاثة (3) ، وحكموا بالرد مع النكول في موضع، وبالنكول وحده في موضع، وهذا من كمال فهمهم وعلمهم بالجامع والفارق والحكم والمناسبات، ولم يرتضوا لأنفسهم عبارات المتأخرين واصطلاحاتهم وتكلفاتهم، فهم كانوا أعمق الأمة علما، وأقلهم تكلفا والمتأخرون عكسهم في الأمرين.
فعثمان بن عفان قال لابن عمر: احلف بالله لقد بعت العبد وما به داء علمته، فأبى فحكم عليه بالنكول، ولم يرد اليمين في هذه الصورة على المدعي ويقول له: احلف أنت أنه كان عالما بالعيب، لأن هذا مما لا يمكن أن يعلمه المدعي ويمكن المدعى عليه معرفته، فإذا لم يحلف المدعى عليه لم يكلف المدعي اليمين، فإن ابن عمر قد باعه بالبراءة من العيوب، وهو إنما يبرأ إذا لم يعلم بالعيب فقال له:
(1) إنصاف (11/ 248-250) ، ف (2/419) .
(2)
إنصاف (11/ 251) .
(3)
الطرق الحكمية (122، 223، 116) ، ف (2/ 419) .
احلف أنك بعته وما به عيب تعلمه، وهذا مما يمكن أن يحلف عليه دون المدعي، فإنه قد تعذر عليه اليمين أنه كان عالما بالعيب وأنه كتمه مع علمه به.
وأما أثر عمر بن الخطاب وقوله للمقداد: احلف أنها سبعة آلاف، فأبي أن يحلف فلم يحكم عليه بنكول عثمان فوجهه: أن المقرض إن كان عالما بصدق نفسه وصحة دعواه حلف وأخذه وإن لم يعلم ذلك لم تحل له الدعوى بما لا يعلم صحته، فإذا نكل عن اليمين لم يقض له بمجرد نكول خصمه إذا خصمه قد لا يكون عالما بصحة دعواه فإذا قال للمدعي: إن كنت عالما بصحة دعواك فاحلف وخذ، فنقد أنصفه جد الإنصاف.
فلا أحسن مما قضى به الصحابة رضي الله عنهم.
وهذا التفصيل في المسألة هو الحق، وهو اختيار شيخنا قدس الله روحه (1) .
والخط كاللفظ إذا ثبت أنه كان عنده على سبيل الوديعة، أو أنه قبضه أخذ بالخط، كما لو تلفظ بذلك، ولو أن يأخذ منه ما أخذه إذا كانت الوديعة قد تلفت بغير تفريط (2) .
مسألة: وإذا كانت عادة العمال يستأجرون بالوصولات فمات العمال فادعى بعض المستأجرين أنه قبض منه فلا يقبل إلا ببينة أو وصول فإذا قبض من له ولاية القبض لم يعد على المحتكرين بل يجب على أهل الوقف (3) .
ونص فيمن كتب وصيته، وقال: اشهدوا علي بما فيها: أنهم لا يشهدون إلا أن يسمعوها منه أو تقرأ عليه فيقرها بها.
(1) المصدر السابق.
(2)
مختصر الفتاوى (608) ، ف (2/ 419) .
(3)
مختصر الفتاوى (618) ، ف (2/ 419) .
فاختلف أصحابنا فمنهم من خرج في كل مسألة حكم الأخرى وجعل فيها وجهين بالنقل والتخريج.
ومنهم من منع التخريج وأقر النصين وفرق بينهما.
واختار شيخنا التفريق، قال: والفرق أنه إذا كتب وصيته، وقال: اشهدوا علي بما فيه فإنهم لا يشهدون بجواز أن يزيد في الوصية وينقص ويغير.
وأما إذا كتب وصيته ثم مات وعرف أنه خطه فإنه يشهد به لزوال المحذور (1) .
ومسألة تحرير الدعوى وفروعها ضعيفة؛ لحديث الحضرمي في دعواه على الآخر أرضا غير موصوفة.
وإذا قيل: لا تسمع الدعوى إلا محررة، فالواجب أن من ادعى مجملا استفصله الحاكم.
وظاهر كلام أبي العباس صحة الدعوى على المبهم، كدعوى الأنصار على اليهود قتل صاحبهم ودعوى المسروق منه على بني أبيرق وغيرهم.
ثم المبهم قد يكون مطلقًا، وقد ينحصر في قوم، كقولها: انكحني أحدهما، وزوجني أحدهما.
والثبوت المحض يصح بلا مدعى عليه، وقد ذكره قوم من الفقهاء وفعله طائفة من القضاة.
وتسمع الدعوى في الوكالة من غير حضور الخصم المدعى عليه، ونقله مهنا عن أحمد، ولو كان الخصم في البلد (2) .
(1) الطرق الحكمية (206) ، ف (2/ 419) .
(2)
وانظر الفروع (6/ 528) لزيادة الإيضاح.
وتسمع دعوى الاستيلاد، وقاله أصحابنا، وفسره القاضي بأن يدعي استيلاد أمة فتنكره.
وقال أبو العباس: بل هي المدعية.
ومن ادعى على خصمه أن بيده عقار استغله مدة معينة وعينه وأنه استحقه فأنكر المدعى عليه وأقام المدعي بينة باستيلائه لا باستحقاقه لزم الحاكم إثباته والشهادة به، كما يلزم البينة أن تشهد به، لأنه كفرع مع أصل، وما لزم أصل الشهادة به لزم فرعه حيث يقبل، ولو لم تلزم إعانة مدع بإثبات وشهادة ونحو ذلك إلا بعد ثبوت استحقاقه لزم الدور، بخلاف الحكم، وهو الأمر بإعطائه ما ادعاه إن أقام بينة بأنه هو المستحق أمر بإعطائه ما ادعاه، وإلا فهو كمال مجهول يصرف في المصالح.
ومن بيده عقار فادعى رجل بثبوته عند الحاكم أنه كان لجده إلى موته ثم إلى ورثته ولم يثبت أنه مخلف عن مورثه ولا ينزع منه بذلك؛ لأن أصلين تعارضا، وأسباب انتقاله أكثر من الإرث ولم تجر العادة بسكوتهم المدة الطويلة، ولو فتح هذا الباب لانتزع كثير من عقار الناس بهذا الطريق.
ولو شهدت له بينة بملكه إلى حين وقفه وأقام وارث بينة أن مورثه اشتراه من الواقف قبل وقفه قدمت بينة الوارث أن مورثه اشتراه من الواقف قبل وقفه، لأن معها زيادة علم كتقديم من شهد له بأنه اشتراه من أبيه على من شهد له بأنه ورثه من أبيه.
قال القاضي: إذا ادعى على رجل ألفا من ثمن مبيع أو قرض أو غصب فقال: لا يستحق علي شيئًا كان جوابًا صحيحًا ويستحلف على ذلك.
وإن قال: لم أبايع وطنه منه ولم أغصبه، فهل يكون جوابا يحلف معه عليه؟ على وجهين.
أحدهما: هو جواب صحيح يحلف عليه، والثاني: ليس بجواب صحيح يحلف عليه، لأنه يحتمل أنه غصبه ثم رده عليه، أو أقرضه ثم رده عليه أو باعه ثم رده إليه.
قال أبو العباس: إنما يتوجه الوجهان في أن الحاكم هل يلزمه بهذا الجواب أم لا؟ وأما صحته فلا ريب فيها.
وقياس المذهب: أن الإجمال ليس بجواب صحيح، لأن المطلوب قد يعتقد أنه ليس عليه لجهل أو تأويل ويكون واجبًا عليه في نفس الأمر، أو في مذهب الحاكم، ويمين المدعي بمنزلة الشاهد، كما لا يشهد بتأويل أو جهل.
ومن أصلنا إذا قال: كان له علي ثم أوفيته، لم يكن مقرًّا، فلا ضرر عليه في ذلك، إلا إذا قلنا بالرواية الضعيفة فقد أطلق أحمد التعديل في موضع فقال عبد الله: سألت أبي عن أبي يعفور العبدي، فقال: ثقة، قال أبو داود لأحمد الأسود بن قيس؟ فقال: ثقة.
قال أبو العباس: وعلى هذه الطريقة فكل لفظ يحصل به تعديل المخبر يحصل به تعديل الشهود مثل أن يقول: لا بأس به، لا أعلم إلا خيرا، كما نقل عن شريح وسوار وغيرهما.
ثم وجدت القاضي قد احتج في المسألة بأن عمر سأل رجلاً عن رجل؟ فقال: لا أعلم إلا خيرًا، فقال: حسبك إن ابن عمر كان إذا أنعم أن يمدح الرجل قال: لا نعلم إلا خيرًا، وعلى هذا فلا يعتبر لفظ الشهادة، وإن أوجبنا اثنين، لأن هذا من باب الاجتهاد، بمنزلة تقويم المقوم والقائف، لأنه من باب المسموع، ومثله المزكي والتفليس والرشد ونحوها فإن هذا كله إثبات صفة اجتهادية.
ويقبل في الترجمة والجرح والتعديل والتعريف والرسالة قول عدل واحد، وهو رواية عن أحمد، ويقبل الجرح والتعديل باستفاضة.
ومقتضى تعليل القاضي أنه لو قال المزكي: هو عدل لكن ليس على أنه يقبل مطلقًا، مثل أن يكون عدو المعدل، وشهادة العدو لعدوه مقبولة فوجود العداوة لا يمنع التزكية وإن لم تقبل شهادته على المزكي (1) .
وللمحكوم عليه أن يطالب الحاكم عليه بتسمية البينة ليتمكن من القدح فيها بالاتفاق (2) .
ويلزم الحاكم أن يكتب للمدعي عليه إذا ثبتت براءته محضرا بذلك إن تضرر بتركه (3) .
وقال الشيخ تقي الدين: التعريف يتضمن تعريف عين المشهود له والمشهود به إذا وقعت على الأسماء، وتعريف المحكوم عليه والمحكوم به، وتعريف المثبت عليه والمثبت له ونفس المثبت في كتاب القاضي إلى القاضي، والتعريف مثل الترجمة سواء، فإنه بيان مسمى هذا الاسم، كما أن الترجمة كذلك لأن التعريف قد يكون في أسماء الأعلام، والترجمة في أسماء الأجناس، وهذا التفسير لا يختص بشخص دون شخص اهـ (4) .
اختلفت الرواية عن أحمد فيما لو حكم الحاكم بما يرى المحكوم له تحريمه فهل يباح له بالحكم؟ على روايتين والتحقيق في هذا أنه ليس للرجل أن يطلب من الإمام ما يرى أنه حرام، ومن فعل هذا فقد فعل ما يعتقد تحريمه، وهذا لا يجوز لكن لو كان الطالب غيره، أو ابتدأ الإمام بحكمه أو قسمه فهنا يتوجه القول بالحل (5) .
(1) اختيارات (339-343) ، ف (2/ 419) .
(2)
فروع (6/ 470) والإنصاف (11/ 286) والاختيارات (349) ، ف (2/ 419) .
(3)
اختيارات (349) ، ف (2/419) .
(4)
إنصاف (11/ 297) ، ف (2/ 419) .
(5)
اختيارات (344) ، ف (2/ 419) .
واختار الشيخ تقي الدين جواز الأخذ (1) ولو قدر على أخذه بالحاكم في الحق الثابت بإقرار أو بينة إن كان سبب الحق ظاهرا، فأما إن كان قد غصب ماله فيجوز له الأخذ بقدر حقه ذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله وغيره (2) .
وإذا مات الشاهد فهل يحكم بخطه؟ فيه نزاع، فمذهب مالك يحكم به، وهو قول في مذهب أحمد.
وإذا شهد شاهد أن فلانة أبرأت زوجها حلف الزوج وحكم له إن كان الشاهد ممن يرضى من الشهداء.
وإن كان الشاهد في الرضاع عدلاً قبل قوله، وفي تحليفه نزاع.
ويجوز للشافعي أن يشهد عند حاكم مالكي، أن هذا خط فلان إذا جزم به من غير شك، متبعًا لمن يجيز ذلك من الأئمة في مسألة يتوجه فيها قول الذي قلده ولم يكن متبعًا للرخصة فهذه سائغ في المشهور من مذاهب الأربعة، إذ لا يجب على أحد أن يلتزم مذهب شخص بعينه في جميع الشريعة في ظاهر مذهب الشافعي وغيره، ولكن متى ألزم نفسه التزامه فلا بد له أن يلتزمه فيما له وعليه، مثل أن يترجح عنده إثبات الشفعة للجار فيتبع ذلك له وعليه.
فأما أن يقلده من يرى إثباتها إذا كان هو الطالب وإذا كان هو المطلوب يقلد من ينفيها فهذا لا يجوز بلا نزاع فيما أعلمه، وكذلك لا يجوز أن يتبع الرخص مطلقًا.
والعمل بالخط مذهب قوي، بل هو قول جمهور السلف، وإذا رأى الرجل بخط أبيه حقًّا له وهو يعلم صدقه جاز له أن يدعيه ويحلف عليه.
(1) وعنه في الضيف يأخذ وإن قدر على أخذه بالحاكم.
(2)
إنصاف (11/ 311) قلت: وتقدم في باب الغصب ف (2/ 419) .
وإذا اتفقوا على أنه يجوز أن يشهد على الرجل إذا عرف صورته مع إمكان الاشتباه وتنازعوا في الشهادة على الصوت من غير رؤية المشهود عليه فجوزه الجمهور كمالك وأحمد، وجوزه الشافعي في صورة المضبطة فالشهادة على الخط دون ذلك لأنه أقوى (1) .
وإذا أمكن القاضي أن يرسل إلى الغائب رسولاً، ويكتب إليه الكتاب والدعوى، ويجاب عن الدعوى بالكتاب والرسول فهذا هو الذي ينبغي كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم، بمكاتبة اليهود لما ادعى الأنصار عليهم قتل صاحبهم وكاتبهم ولم يحضرهم وهكذا ينبغي أن يكون في كل غائب طلب إقراره أو إنكاره إذا لم يقم الطالب بينة، وإن أقام بينة فمن الممكن أيضًا أن يقال: إذا كان الخصم في البلد لم يجب عليه حضور مجلس الحاكم، بل يقول: أرسلوا إلي من يعلمني بما يدعي به علي.
وإذا كان لا بد للقاضي من رسول إلى الخصم يبلغه الدعوى ويحضره فيجوز أن يقام مقامه رسول، فإن المقصود من حضور الخصم سماع الدعوى ورد الجواب بإقرار أو إنكار.
وهذا نظير مانص عليه الإمام أحمد من أن النكاح يصح بالمراسلة مع أنه في الحضور لا يجوز تراخي القبول عن الإيجاب تراخيًا كثيرًا، فالدعوى التي يصح تراخي جوابها أولى وأحرى.
وعلى هذا فالرسول في الدعوى يجوز أن يكون واحدًا، لأنه نائب الحاكم كما كان أنيس نائب النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الحد بعد سماع الاعتراف وثبوت الحد، أو يخرج على المراسلة من الحاكم إلى الحاكم، وفيه روايتان، فينظر في قضيته خبيرًا.
قال أبو العباس: فما وجدت فيها إلا واحدًا، ثم وجدت هذا منصوصا عن الإمام أحمد في رواية أبي طالب فإنه نص فيها على أنه إذا
(1) مختصر الفتاوى (601) ، ف (2/ 424) .