الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإثم، وذلك ينافي الجهل، كذلك الأمر والنهي، وهذا هو المنصوص عن أحمد (1) .
باب آداب القاضي
وأجمع المسلمون على أن الحاكم ليس له أن يقبل الرشوة، سواء حكم بحق أو بباطل، ولا يحكم لنفسه، وليس للحاكم أن يكون له وكيل يعرف أنه وكيله يتجر له في بلاد عمله، وإذا عرف أن الحاكم بهذه المثابة فإنه ينهى عن ذلك، فإن انتهى وإلا استبدل به من هو أصلح منه إن أمكن، وإذا فصل الحكومة بينه وبين غريمه حاكم نافذ الحكم في الشرع لعلمه ودينه لم يكن لغريمه أن يحاكم عند حاكم آخر (2) .
ومن ادعى أن بعض الحكام أخذ منه شيئا وكان الرجل معروفا بالصدق فله على الحاكم اليمين، وإن كان غيره من الصادقين، وقد قال مثل قوله، لم ترد أخبار الصادقين بل ينبغي عزل الحاكم.
وإن كان الحاكم معروفا بالأمانة والرجل فاجرا لم يلتفت إلى قوله وعزر وإن كان كل منهما متهما فله تحليفه ولا يعزر (3) .
والأشبه ألا يكون للحاكم شراء ما يحتاجه في مظنة المحاباة والاستغلال والتبدل.
قال القاضي في التعليق: قاس المخالف القاضي على المفتي في مباشرة البيع، قال القاضي: أما المفتي فإنه لا يحابى في العادة، والقاضي بخلافه، ولا يكره له البيع في مجلس فتياه، ولا يكره له قبول الهدية بخلاف القاضي.
(1) اختيارات (337) وانظر الإنصاف (11/ 171، 174، 175) ، ف (2/ 417) .
(2)
مختصر الفتاوى (553) ، ف (2/ 417) .
(3)
مختصر الفتاوى (606) ، ف (2/ 417) .
قال أبو العباس: هذا فيه نظر وتفصيل؛ فإن العالم شبيه في هديته ومعاملته بالقاضي. وفيه حكايات عن أحمد. والعالم لا يعتاض على تعليمه (1) .
ولا يمضي حكم العدو على عدوه، كما لا تقبل شهادته عليه، بل يترافعان إلى حاكم آخر (2) .
وليس للحاكم منع الناس مما أباحه الله ورسوله مثل: أن يمنع أن يزوج المرأة وليها، أو يمنع الشهود أو غيرهم من كتابة مهرها، أو كتابة عقد بيع أو إجارة، أو إقرار، أو غير ذلك، وإن كان الكاتب مرتزقا بذلك، وإذا منع القاضي ذلك ليصل إليه منافع هذه الأمور كان هذا من المكس، نظير من يستأجر حانوتا في القرية على ألا يبيع غيره، وإن كان إنما يمنع الجاهل لئلا يعقد عقدا فاسدا فالطريق أن يفعل كما فعل الخلفاء الراشدون من تعزير من يعقد نكاحا فاسدا، كما فعله عمر وعثمان رضي الله عنهما فيمن تزوج بغير ولي وفيمن تزوج في العدة (3) .
ومن ادعى بحق وخرج يقيم البينة لم يجز حبس الغريم لكن هل له طلب كفيل منه إلى ثلاثة أيام أو نحوها إذا قال المدعي لي بينة حاضرة؟ فيه نزاع، هذا إذا لم تكن دعوى تهمة، فإن كانت دعوة تهمة مثل: أن ادعى أنه سرق فهنا إن كان مجهول الحال حبس حتى يكشف عنه، وأما دعوى الحقوق مثل: البيع والقرض والدين فلا يحبس بدون حجة، وإن ذكر نزاع في المدة القريبة كاليوم، فلا نزاع فيما أعلمه (4) .
وإذا حبست زوجها على الحق، فله عليها، ما كان يجب قبل الحبس
(1) اختيارات (337) ، ف (2/ 417) .
(2)
مختصر الفتاوى (567) ، ف (2/، 417) .
(3)
مختصر الفتاوى (554، 555) ، ف (2/ 417) .
(4)
مختصر الفتاوى (609) ، ف (2/ 418) .
من إسكانها حيث شاء ومنعها الخروج، فإذا أمكن حبسه في مكان تكون هي عنده تمنعه من الخروج فعل ذلك، فإنه ليس للغريم منع المحبوس من حوائجه إذا احتاج؛ بل يخرجه ويلازمه مثل: غسل الجنابة، نحوه، والزوج له منعها مطلقا.
وأيضا فإنها قد تحبسه وتبقى هي مفلوتة تفعل الفواحش، وتقهره، وتعاشر من تختار، وتبقى هي القوامة عليه، لا سيما حيث يكثر ذلك في الأزمنة والأمكنة، وغاية ذلك (1) من أعظم المصالح التي لا يجوز إهمالها فكيف يستحل مسلم أن يحبس الرجل ويمنع زوجته من حبسها معه؟ بل يتركها تذهب حيث شاءت وهي إنما تملك بما لها عليه ملازمته، والملازمة تحصل بأن تكون هي وهو في موضع واحد؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الغريم بملازمة غريمه، وإذا طلب منها الجماع في الحبس لم يكن له منعه.
وإذا ظهر أنه قادر على الوفاء وامتنع ظلما عوقب بغير الحبس مثل ضربه مرة بعد مرة حتى يوفي؛ لأن مطل الغني ظلم، والظالم يستحق العقوبة.
وتمكين هذا من فضول الأكل والنكاح محل اجتهاد، فإذا رأى الحاكم تعزيره بالمنع منه كان له ذلك.
وإن لم يكن حبسها معه، إما لعداوة تحصل بينهما فأمكن أن يسكنها في موضع لا تخرج منه مثل رباط عند أناس مأمونين فلا بأس.
وبالجملة: فلا تترك المرأة تذهب حيث شاءت باتفاق (2) .
والقضاء نوعان: إخبار: هو إظهار وإبداء، وأمر: هو إنشاء وابتداء
(1) لعله: ورعاية ذلك.
(2)
مختصر الفتاوى (608) ، ف (2/ 418) .
فالخبر: ثبت عندي، ويدخل فيه خبره عن حكمه، وعن عدالة الشهود وعن الإقرار والشهادة.
والآخر: هو حقيقة الحكم: أمر ونهي وإباحة، ويحصل بقوله: أعطه، ولا تكلمه أو ألزمه، وبقوله: حكمت، وألزمت.
وإذا قال الحاكم: ثبت عندي بشهادتهما فهذا فيه وجهان.
أحدهما: أن ذلك حكم، كما قاله ابن عقيل وغيره.
وفعل الحاكم حكم في أصح الوجهين في مذهب أحمد وغيره (1) .
وأخبار الحاكم «أنه ثبت عندي» بمنزلة إخباره أنه حكم به، أما إذا قال: شهد عندي فلان، أو أقر عندي، فهو بمنزلة الشاهد سواء، فإنه في الأول تضمن قوله: ثبت عندي، الدعوى والشهادة والعدالة أو الإقرار، وهذا من خصائص الحكم؛ بخلاف قوله: شهد عندي، أو أقر عندي، فإنما يقتضي الدعوى.
وخبره في غير محل ولايته كخبره في غيره زمن ولايته.
ونظير إخبار القاضي بعد عزله إخبار أمير الغزو أو الجهاد بعد عزله بما فعله (2) .
يجوز للحنفي الحاكم أن يستنيب شافعيا يحكم باجتهاده، وإن خالف اجتهاد مستنيبه، ولو شرط عليه أن يحكم بقول مستنيبه لم يجز هذا الشرط.
وأيضا: إذا رأى المستنيب قول بعض الأئمة أرجح من بعض لم يجز له أن يحكم بالمرجوح، بل عليه أن يحكم بالراجح، فكيف لا يكون له أن يستنيب من يحكم بالراجح، وإن خالف قول إمامه؟ وليس
(1) اختيارات (334) ، ف (2/ 418) .
(2)
فروع (6/ 489) وإنصاف (11/ 305) واختيارات (347، 348) ، ف (2/ 418) .
على الخلق لا القضاة ولا غيرهم أن يطيعوا أحدا في كل ما يأمر به وينهى عنه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن سواه من الأئمة فإنه يؤخذ من قوله ويترك فيجوز لكل من الحكام أن يستنيب من يخالفه في مذهبه ليحكم بما أنزل الله (1) .
وقال شيخنا: لا ينعزل بانعزال المستنيب وموته حتى يقوم غيره مقامه، كعقد وصي وناظر عقدا جائزا، كوكالة وشركة ومضاربة ومثله كل عقد لمصلحة المسلمين كوال ومن ينصبه لجباية مال وصرفه وأمير الجهاد ووكيل بيت المال والمحتسب ذكر شيخناه وهو ظاهر كلام غيره (2) .
قال أصحابنا: ولا ينقض الحاكم حكم نفسه ولا غيره إلا أن يخالف نصًّا أو إجماعًا.
قال أبو العباس: ويفرق في هذا بين ما إذا استوفى المحكوم له الحق الذي ثبت له من المال، أو لم يستوف، فإن استوفى فلا كلام، وإن لم يستوف فالذي ينبغي نقض حكمه نفسه والإشارة على غيره بالنقض.
وليس للإنسان أن يعتقد أحد القولين في مسائل النزاع فيما له، والقول الآخر فيما عليه باتفاق المسلمين كما يعتقد أنه إذا كان جارا استحق شفعة الجوار، وإذا كان مشتريا لم يجب عليه شفعة الجوار.
والقضية الواحدة المشتملة على أشخاص أو أعيان فهل للحاكم أن يحكم على شخص أوله بخلاف ما حكم هو أو غيره لشخص آخر أو عليه أو في عين؟ مثل أن يدعي في مسألة الحمارية بعض ولد الأبوين فيقضي له بالتشريك ثم يدعي عنده آخر فيقضي عليه بنفي التشريك أو
(1) مختصر الفتاوى (553) ، ف (2/ 418) .
(2)
فروع (6/ 436، 437) ، ف (2/، 418) .
يكون حاكم غيره قد حكم بنفي التشريك لشخص أو عليه فيحكم هو بخلافه.
فهذا ينبني على أن الحكم لأحد الشريكين أو الحكم عليه حكم عليه وله، وقد ذكر ذلك الفقهاء من أصحابنا وغيرهم.
لكن هناك يتوجه أن يبقى حق الغائب فيما طريقه الثبوت لتمكنه من القدح في الشهود ومعارضته.
أما إذا كان طريقه الفقه المحض فهنا لا فرق بين الخصم الحاضر والغائب.
ثم لو تداعيا في عين من الميراث، فهل يقول أحد: إن الحكم باستحقاق عين معينة لا يمنع الحكم بعدم استحقاق العين الأخرى مع اتحاد حكمهما من كل وجه؟ هذا لا يقوله أحد.
يوضح ذلك أن الأمة اختلفت في هذه المسألة على قولين. قائل يقول: يستحق جميع ولد الأبوين جميع التركة، وقائل يقول: لا حق لواحد منهم في شيء منها.
فلو حكم حاكم في وقتين أو حاكمان باستحقاق البعض أو استحقاقهم للبعض لكان قد حكم في هذه القضية بخلاف الإجماع، وهذا قد يفعله بعض قضاة زماننا؛ لكن هو ظنين في علمه ودينه؛ بل ممن لا يجوز توليته القضاء.
ويشبه هذه طبقات الواقف أو أزمنة الطبقة فإذا حكم حاكم بأن هذا الشخص مستحق لهذا المكان من الوقف ومستحق الساعة بمقتضى شرط شامل لجميع الأزمنة والأمكنة فهو كالميراث.
وأما إن حكم باستحقاق تلك الطبقة فهل يكون للطبقة الثانية إذا اقتضى الشرط لها؟ وأخذ هذا فيه نظر، من حيث إن تلقي كل طبقة من الواقف في زمن حدوثها شبيه بما لو مات عتيق شخص فحكم حاكم.
بميراثه المال، وذلك أن كل طبقة من أهل الوقف تستحق ما حدث لها من الوقف عند وجودها، مع أن كل عصبة تستحق ميراث المعتقين عند موتهم.
والأشبه بمسألتنا ما لو حكم حاكم في عتيق بأن ميراثه للأكبر، ثم توفي ابن ذلك العتيق الذي كان محجوبا عن ميراث أبيه، فهل لحاكم آخر أن يحكم بميراثه لغير الأكبر؟
هذا يتوجه هنا وفي الوقف مما يترتب الاستحقاق فيه بخلاف الميراث ونحوه مما يقع مشتركا في الزمان (1) .
وإذا رفع إليه الخصمان عقدا فاسدا عنده فقط وأقر بأن نافذ الحكم حكم بصحته فله إلزامهما بذلك ورده والحكم بمذهبه، وقال شيخنا: قد يقال: قياس المذهب أنه كالبينة ثم ذكر أنه كبينة إن عينا الحاكم (2) .
وإذا حكم أحد الخصمين على خصمه جاز لقصة ابن مسعود؛ وكذا إذا حكم مفت في مسألة اجتهادية، وهل يفتقر ذلك إلى تعيين الخصمين أو حضورهما أو يكفي وصف القصة له؟ الأشبه أنه لا يفتقر بل إذا تراضيا بقوله في قضية موصوفة مطابقة لقضيتهم فقد لزمه، فإن أراد أحدهما الامتناع فإن كان قبل الشروع فينبغي جوازه، وإن كان بعد الشروع لم يملك الامتناع لأنه إذا استشعر بالغلبة امتنع فلا يحصل المقصود (3) .
وإن حكما بينهما من يصلح للقضاء نفذ حكمه وهو كحاكم الإمام، وعنه ينفذ في قود وحد قذف ولعان ونكاح، وظاهر كلامه ينفذ في غير فرج، واختار شيخنا نفوذ حكمه بعد حكم حاكم لا إمام، وأنه إن حكم أحدهما خصمه أو حكما مفتيا في مسألة اجتهادية جاز.
(1) اختيارات (344-346) ، ف (2/ 418) .
(2)
فروع (6/ 494) ، ف (2/ 417) .
(3)
اختيارات (335) ، ف (2/ 417) .