الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال أبو العباس في جند قاتلوا عربا نهبوا أموال التجار ليردوها إليهم فهم يجاهدون في سبيل الله، ولا ضمان عليهم بقود ولا دية ولا كفارة (1) .
باب الخلافة والملك
نصب السلطان
قد أوجب النبي صلى الله عليه وسلم تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر فهو تنبيه على أنواع الاجتماع (2) .
ومن أمر للرئاسة والمال لم يثب، ويأثم على فساد نيته كالمصلي رياء وسمعة (3) .
وقال الشيخ تقي الدين: العدل تحصيل منفعته، ودفع مضرته، وعند الاجتماع يقدم أرجحهما لتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما.
وقال في موضع آخر بعد أن ذكر ما رواه أحمد عن ميمون بن مهران، قال: ثلاثة لا تبلون نفسك بهم: لا تدخلن على ذي سلطان وإن قلت آمره بطاعة الله، ولا تخلون بامرأة وإن قلت: أعلمها كتاب الله، ولا تصغين بسمعك لذي هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه.
قال الشيخ تقي الدين: فالاجتماع بالسلطان من جنس الإمارة والولاية، وفعل ذلك لأمره ونهيه بمنزلة الولاية بنية العدل وإقامة الحق.
(1) اختيارات ص (297) ، ف (2/ 376) وانظر ما إذا تعدى أهل مكة أو غيرهم على الركب الحجاج دفع الركب كما يدفع الصائل، أول كتاب الحج من هذا.
(2)
فروع (6/ 417) اختيارات (331) ، ف (2/ 376) .
(3)
فروع (6/ 417) واختيارات (297) ولفظها، ومن آمن إلخ، ف (2/ 376) .
واستماع كلام المبتدع للرد عليه من جنس الجهاد، وأما الخلوة بالمرأة الأجنبية فمحرم فهذا كله من جنس واحد، وهو دخول الإنسان بنفسه من غير حاجة فيما يوجب عليه أمورا أو يحرم عليه أمورا، لا سيما إن كانت تلك الأمور مما جرت العادة بترك واجبها وفعل محظورها، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال:"فلا يزال ما يراه من الشبهات حتى يفتنه ذلك".
من هذا الباب ما يذكر عن طوائف من السلف من امتناعهم ومنعهم من استماع كلام المبتدعة خشية الفتنة عليهم، وعلى غيرهم وأما من نهى عن ذلك للهجر أو للعقوبة على فعله فذلك نوع آخر إلى أن قال: فهذه الأمور العدل فيه ألا يطلب العبد أن يبتلى بها، وإذا ابتلي بها فليتق الله وليصبر، والاستعداد لها أن تصيبه من غير طلب الابتلاء بها، فهذه المحن والفتن إذا لم يطلبها المرء ولم يتعرض لها بل ابتلي بها ابتداء أعانه الله تعالى عليها بحسب حال ذلك العبد عنده؛ لأنه لم يكن منه في طلبها فعل ولا قصد حتى يكون ذلك ذبنا يعاقب عليه، ولا كان منه كبر واختيال مثل دعوى قوة أو ظن كفاية بنفسه حتى يخذل بترك توكله ويوكل إلى نفسه، فإن العبد يؤتى من ترك ما أمر به.
وسواء كان مراده بها محرما، أو مباحا، أو مستحبا.
وإرادته بها المحرم زيادة ذنب.
وإن أراد بها المستحب فقد فعل ما لم يؤمر به، وهذا مما يذم عليه، كما في صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا، "ما بعث الله من نبي إلا كان له من أمته حواريون وأنصار يستنون بسنته ويهتدون بهديه، ثم إنه يخلف من بعده خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون".
والتعرض للفتنة هو من باب الذنوب فالمؤمن الصادق لا يفعل.
إلا ما أمر به فإن ذلك هو عبادة، ولا يستعين إلا بالله، فإذا أوجب هو بنفسه أو حرم هو بنفسه خرج عن الأول، فإن وثق بنفسه خرج عن الثاني، فإذا أذنب بعد ذلك فقد يتوب بعد الذنب فيعينه حينئذ وقد يكون له حسنات راجحة يستحق بها الإعانة، وقد يتداركه الله برحمته فيسلم أو يخفف عليه، والتوبة بفعل المأمور وترك المحظور في كل حال بحسبه، ليست ترك ما دخل فيه، فإن ذلك قد لا يمكنه إلا بذنوب هي أعظم من ذنوبه مع مقامه، فتدبر هذا.
والمبتلى من غير تعرض قد يفرط بترك المأمور وفعل المحظور حتى يخذل ولا يعان فيؤتى من ذنوبه، لا من نفس ما ابتلي به، كما قال تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا} [155/3] ، وهذا كثير أكثر من الذي قبله، فأما المؤمنون الذين لم يكن منهم تفريط ولا عدوان فإذا ابتلوا أعينوا.
قال: وقد تبين أن التعرض للفتن بالإيجاب والتحريم بالعهود والنذور وطلب الولاية وتمني لقاء العدو ونحو ذلك هو من الذنوب انتهى كلامه (1) .
لا يعلم العدل والظلم إلا بالعلم، فصار الدين كله، العلم والعدل، وضد ذلك الظلم والجهل، قال الله تعالى: {وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ
إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [72/33] وذلك يقع من الرعاة تارة، ومن الرعية تارة، ومن غيرهم تارة، فإن من العلم والعدل المأمور به الصبر على ظلم الأئمة وجورهم، وكما هو من أصول أهل السنة والجماعة، وكما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث المشهورة عنه، كما قال: "إنكم
(1) الآداب (3/ 479، 480) ، ف (2/ 376) .
ستلقون بعدي أثرة فاصبروا حتى تلقوني على الحوض" وقال: "من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر عليه" إلى أمثال ذلك، وقال: "أدوا لهم الذي لهم واسألوا الله الذي لكم" و"نهى عن قتالهم ما صلوا" وذلك لأن معهم أصل الدين المقصود وهو توحيد الله وعبادته، ومعهم حسنات وترك لسيئات كثيرة.
وأما ما يقع من ظلمهم وجورهم بتأويل سائغ أو غير سائغ فلا يجوز أن يزال بما فيه ظلم وجور، كما هو عادة أكثر النفوس يزيل الشر بما هـ شر منه، ويزيل العدوان بما هو أعدى منه، فالخروج عليهم يوجب من الظلم والفساد أكثر من ظلمهم فيصير عليه، كما يصبر عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ظلم المأمور المنهي في مواضع كثيرة كقوله:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ} [17/31]، وقوله:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [35/46] وقوله: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [48/52] ، وهذا عام في ولاة الأمور وفي الرعية إذا أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فعليهم أن يصبروا على ما أصيبوا به في ذات الله كما يصبر المجاهدون على ما يصاب من أنفسهم وأموالهم، فالصبر على الأذى في العرض أولى وأولى، وذلك لأن مصلحة الأمر والنهي لا تتم إلا بذلك، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وقد يندرج في ذلك ولاة الأمور فإن عليهم من الصبر والحلم ما ليس على غيرهم، كما أن عليهم من الشجاعة والسماحة ما ليس على غيرهم؛ لأن مصلحة الإمارة لا تتم إلا بذلك، فكما وجب على الأئمة الصبر على أذى الرعية وظلمها إذا لم تتم المصلحة إلا بذلك أو كان تركه يفضي إلى فساد أكثر منه.