الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الدعاوي والبينات
قال ابن القيم رحمه الله: وقد ذكر أصحاب مالك القسامة في الأموال، وذلك فيما إذا أغار قوم على بيت رجل وأخذوا ما فيه والناس ينظرون إليهم ولم يشهدوا على معاينة ما أخذوا ولكن علم أنهم أغاروا وانتهبوا فقال ابن القاسم وابن الماجشون: القول قول المنتهب مع يمينه، وقال مطرف وابن كنانة وابن حبيب: القول قول المنهوب منه مع يمينه فيما يشبه، وقد تقدم ذلك، وذكرنا أنه اختيار شيخ الإسلام، وحكينا كلامه رحمه الله (1) .
ويجب أن يفرق بين فسق المدعى عليه وعدالته، فليس كل مدعى عليه يرضى منه باليمين، ولا كل مدع يطالب بالبينة، فإن المدعي به إذا كان كبيرة والمطلوب لا تعلم عدالته فمن استحل أن يقتل أو يسرق استحل أن يحلف، لا سيما عند خوف القتل أو القطع ويرجع (2) باليد العرفية إذا استويا في الخشية أو عدمها.
وإن كانت العين بيد أحدهما فمن شاهد الحال معه كان ذلك لوثًا فيحكم له بيمينه (3) .
وإن ادعى أن له الآن لم تسمع بينة أنه كان له أمس، أو في يده في أصح الوجهين.
وقال الشيخ تقي الدين: إن قال لا أعلم له مزيلاً، قبل كعلم الحاكم أنه يلبس عليه (4) .
ولو قال لمدعي دينارًا لا يستحق علي حبة فعند ابن عقيل ليس
(1) الطريق الحكمية (191) ، ف (2/ 421) .
(2)
لعله يرجع.
(3)
اختيارات (352، 353) ، ف (2/ 421) .
(4)
إنصاف (11/ 272) ، ف (2/ 421) .
بجواب لأنه لا يكتفي في دفع الدعوى إلا بنص لا بظاهر، ولهذا لو حلف والله إني لصادق فيما أدعيته عليه أو حلف المنكر إنه لكاذب فيما ادعاه علي لم يقبل، وعند شيخنا: يعم الحبات وما لم يندرج في لفظ حبة من باب الفحوى (1) .
وإذا نكل المدعى عليه عن اليمين ردت على المدعي، وقيل: لا ترد؛ بل يحكم عليه بنكوله، وقيل:إن كان المدعى عليه هو العالم بالمدعي، دون المدعي مثل أن يدعي الورثة أو الوصي على غريم للميت دعوى فينكرها فهنا لا يحلف المدعي، بل إذا نكل المنكر قضي عليه لقوله صلى الله عليه وسلم "لا تضطروا لناس في أيمانهم إلى ما لا يعلمون"، وإذا كان المدعي هو العالم مثل: أن يدعي على ورثة الميت حقًّا عليه يتعلق بتركته فهنا لهم رد اليمين عليه، فإذا لم يحلف لم يأخذ، وأما إذا كان المدعي يدعي العلم والمنكر يدعي العلم فهنا يتوجه القولان (2) .
وكل ناكل لا يقضي عليه بالنكول كاللعان ونحوه فهل يخلى سبيله أو يحبس حتى يقر أو يحلف على وجهين: أحدهما: يخلى سبيله، والوجه الثاني: يحبس حتى يقر أو يحلف، قال الشيخ تقي الدين رحمه الله: إذا قلنا يحبس فينبغي جواز ضربه كما يضرب الممتنع من اختيار إحدى نسائه إذا أسلم والممتنع من قضاء الدين كما يضرب المقر بالمجهول حتى يفسر (3) .
والدعوى في التهمة كسرقة يعاقب المدعي عليه الفاجر، وأنه لا يجوز إطلاقه ويحبس المستور.. وقال في الأحكام السلطانية:
يحبسه وال. قال: وظاهر كلام الإمام أحمد: وقاض أيضًا، وأنه يشهد له قوله تعالى:{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ} إلى قوله: {الْكَاذِبِينَ} حملنا على
(1) فروع (6/ 467) ، ف (2/421) وتقدمت.
(2)
مختصر الفتاوى (607) ، ف (2/ 422) .
(3)
إنصاف (12/ 113) ، ف (2/ 422) .
الحبس لقوة التهمة، وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله الأول قول أكثر العلماء، واختار تعزير مدع بسرقة ونحوها على من يعلم براءته واختار بأن خبر من له رائي جني بأن فلانا سرق كذا كخبر إنسي مجهول فيفيد تهمة كما تقدم (1) .
قال الإمام أحمد في رواية مهنا: في الرجل يقيم الشهود أيستقيم للحاكم أن يقول: احلف؟ فقال: قد فعل ذلك علي بن أبي طالب، قيل: ويقيم ذلك؟ قال: قد فعل ذلك علي بن أبي طالب.
وقال في رواية إبراهيم بن الحارث في رجل جاء بشهود على حق فقال المدعى عليه: استحلفه لم يلزم المدعي اليمين.
فحمل القاضي الرواية الأولى على ما إذا ادعى على صبي أو مجنون أو غائب، والثانية على ما إذا ما ادعى على غيره.
وحمل أبو العباس الرواية الأولى على أن للحاكم أن يفعل ذلك إذا أراد مصلحة لظهور ريبة في الشهود؛ لا أنه يجب مطلقا، والثانية على أنه لا يجب مطلقًا، فلا منافاة بين الروايتين كما قلنا في تفريق الشهود بين
"أين"، و"حتى"(2) و"كيف"؟ فإن الحاكم يفعل ذلك عند الريبة ولا يجب فعله في كل شهادة وكذلك تغليظ اليمين للحاكم أن يفعله عند الحاجة (3) .
قصة أبي قتادة وخزيمة تقتضي الحكم بالشاهد في الأموال.
وقال القاضي في التعليق: الحكم بالشاهد الواحد غير متبع، كما قاله المخالف في الهلال في الغيم وفي القابلة على أنا لا نعرف الرواية بمنع الجواز.
(1) إنصاف (11/ 260) وفروع (6/480) ، ف (2/422) .
(2)
كذا بالأصل ولعله ومتى.
(3)
اختيارات (343، 344) ، ف (2/ 422) .
قال أبو العباس: وقد يقال: اليمين مع الشاهد الواحد حق للمستحلف، وللإمام فله أن يسقطها وهذا أحسن (1) .
ولو قيل: إنه يحكم بشهادة امرأة واحدة مع يمين الطالب في الأموال لكان متوجها؛ لأنهما أقيما مقام الرجل في التحمل.
وتثبت الوكالة ولو في غير المال بشاهد ويمين وهو رواية عن أحمد
والإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة بدليل الأمة السوداء في الرضاع، فإن عقبة بن الحارث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "أن المرأة أخبرته أنها أرضعتهما" فنهاه عنها من غير سماع من المرأة، وقد احتج به الأصحاب في قبول شهادة المرأة الواحدة في الرضاع، فلولا أن الإقرار بالشهادة بمنزلة الشهادة ما صحت الحجة، يؤيده: أن الإقرار بحكم الحاكم بالعقد الفاسد يسوغ للحاكم الثاني أن ينفذه مع مخالفته لمذهبه (2) .
وقال ابن القيم رحمه الله في شهادة الرهن بقدر الدين: إذا اختلف الراهن والمرتهن في قدره فالقول قول المرتهن مع يمينه ما لم يدع أكثر من قيمة الرهن عند مالك وأهل المدينة، وخالفه الأكثرون ومذهبه أرجح، واختاره شيخنا رحمه الله (3) .
قال الأصحاب: ومن ادعى أنه اشترى أو أتهب من زيد عبده، وادعى آخر كذلك، أو ادعى العبد العتق، وأقاما بينتين بذلك صححنا أسبق التصرفين وإن علم التأريخ، وإلا تعارضتا فيتساقطان أو يقتسماه، أو يقرع على الخلاف، وعن أحمد: تقدم بينة العتق.
(1) اختيارات (363) ، ف (2/ 422) .
(2)
اختيارات (363) ، ف (2/ 422) .
(3)
الطرق الحكمية (213) ، ف (2/ 422) .
قال أبو العباس: الأصوب أن البينتين لم يتعارضا فإنه من الممكن أن يقع العقدان، لكن يكون بمنزلة ما لو زوج الوليان المرأة وجهل السابق، فإما أن يقرع بينهما أو يبطل العقدان بحكم أو بغير حكم.
ولو قامت بينة بأن الولي أجر حصة مولية بأجرة مثلها وبينة بنصفها أخذ بأعلى البينتين قاله طائفة من العلماء.
قال في المحرر: ولو شهد شاهدان أنه أخذ من صبي ألفا، وشاهدان على رجل آخر أنه أخذ من هذا الصبي ألفا لزم الولي أن يطالبهما بالألفين، إلا أن تشهد البينتان على ألف بعينها فيطلب الولي ألفا من أيهما شاء.
قال أبو العباس: الواجب أن يقرع هنا إذا لم يكن فعل كل منهما مضمنا، نقل مهنا عن أحمد في عبد شهد له رجلان بأن مولاه باعه نفسه بألف درهم وشهد لمولاه رجل آخر أنه باعه بألفين، يعتق العبد، ويحلف لمولاه أنه لم يبعه إلا بألف.
قال القاضي: فقد نص على الشاهد واليمين في قدر العوض الذي وقع العتق عليه.
قال أبو العباس: بل اختلف الشاهدان، وليس هذا مما يتكرر فلم يجعل للسيد أن يحلف مع شاهده الأكبر لاختلافهما كما لا يحلف مع شاهده بالقيمة الكثيرة (1) .
لو ادعى الزوجية اثنان وأقرت لهما وأقاما بينتين قدم أسبقهما فإن جهل عمل بقول الولي، وقال في الرعاية، يعمل بقول الولي المجبر، وقال في المغني: يسقطان ويحال بينهما ولم يذكر الولي.
(1) اختيارات (353، 354) ، ف (2/ 422) .
وقال الشيخ تقي الدين: مقتضى كلام القاضي أنها إذا كانت بيد أحدهما: مسألة الداخل والخارج (1) .
وإن شهد أن هذا ابنه لا وارث له غيره وبينة أن هذا ابنه لا وارث له غيره قسم المال بينهما لأنه لا تنافي ذكره في عيون المسائل والمغني، قال الشيخ في فتاويه، إنما احتاج إلى إثبات لا وارث سواه، لأنه يعلم ظاهرا، فإن بحكم العادة يعلمه جاره ومن يعرف باطن أمره؛ بخلاف دينه على الميت لا يحتاج إلى إثبات «لا دين عليه سواه» لخفاء الدين؛ ولأن جهات الإرث يمكن الاطلاع على يقين انتقالها (2) .
وإذا مات رجل وادعى آخر أنه وارثه قال في المحرر: حكم له بتركته وإن كان الشاهدان من أهل الخبرة الباطنة وإلا ففي الاستكشاف معها وجهان: انتهى، وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: لا بد أن تقيد المسألة بأن لا يكون الميت ابن سبيل ولا غريبا (3) .
وإن تنازع الزوجان أورثتهما أو أحدهما وورثة الآخر ولو أن أحدهم مملوك نقله مهنا في قماش البيت.. وكذا صانعان في آلة دكانهما فآلة كل صنعة لصانعها.
وقال القاضي في المسألتين: إذا كان بيدهما المشاهدة فبينهما وإن كان بيد أحدهما المشاهدة فله، ويتوجه طرده فيما تقدم.
قال شيخنا: وكلام القاضي في التعليق يقتضي أن المدعي متى كان بيديهما وإن لم يكونا بدكان كالزوجين.
(1) الإنصاف (12/ 125) ، ف (2/ 422) .
(2)
فروع (6/ 557) ، ف (2/ 423) .
(3)
إنصاف (12/ 19، 20) ، ف (2/ 424) .
فصل
وإن كانت بيد ثالث فادعاها لنفسه حلف لكل واحد يمينًا، فإن نكل أخذها منه وبدلها واقترعا عليها، وقيل: يقتسمانها كَناكِلٍ مقر لهما. وقيل: من قرع منهما وحلف فله.
وقال شيخنا: قد يقال: تجزئ يمين واحد (1) .
(1) فروع (4/ 519) ، ف (2/ 424) .