المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مسند أبي بكر الصديق، رضي الله عنه: - المنتخب من مسند عبد بن حميد ت مصطفى العدوي - جـ ١

[عبد بن حميد]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الأول

- ‌المقدمات

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌ترجمة المصنف "عبد بن حميد

- ‌توثيق نسبة الكتاب إلى مؤلفه:

- ‌سبب تسمية الكتاب بـ"المنتخب

- ‌تراجم سند نسخة "المنتخب من مسند عبد حميد

- ‌وصف النسخ الخطية المعتمدة في التحقيق:

- ‌منهج التحقيق:

- ‌نماذج من النسخ الخطية التي اعتمدنا عليها في تحقيق الكتاب:

- ‌السماعات:

- ‌مقدمة النص المحقق

- ‌ مُسْنَدُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، رضي الله عنه:

- ‌ مِنْ مُسْنَدِ أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، رضي الله عنه:

- ‌مُسْنَدُ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بن عثمان ابن عَمْرِو بْنِ كَعْبٍ أَبُو مُحَمَّدٍ المدني رضي الله عنه

- ‌ مُسْنَدُ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ أَبِي الدَّرْدَاءِ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، رضي الله عنه:

- ‌حديث زيد بن حالد الجهني رضي الله عنه

- ‌ حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، رضي الله عنه:

- ‌ مُسْنَدُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ الْأَنْصَارِيِّ، رضي الله عنه:

- ‌مسند عمرو بن عوف المازني رضي الله عنه

- ‌ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ الْأَطْوَلِ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَبَّابٍ السُّلَمِيِّ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، رضي الله عنه:

- ‌مسند عبد الرحمن بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه

- ‌ حَدِيثُ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ العامري، رضي الله عنه:

- ‌ حَدِيثُ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ، رضي الله عنه:

- ‌حديث بلال "ابن رباح" المؤذن رضي الله عنه

- ‌ حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ الْأُمَوِيِّ، رضي الله عنه:

- ‌ الْأَغَرُّ:

- ‌ سَالِمُ بْنُ عُبَيْدٍ:

- ‌ أَبُو بُرْدَةَ:

- ‌ مُحَمَّدُ بْنُ جَحْشٍ:

- ‌ كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ:

- ‌ مُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ، أَوْ كَعْبُ بْنُ مُرَّةَ:

- ‌ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:

- ‌ أَبُو الْيَسَرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو الْأَنْصَارِيُّ:

- ‌ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ:

- ‌ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ:

- ‌ جَعْدَةُ:

- ‌ عَمْرُو بْنُ كَعْبٍ:

- ‌ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ:

- ‌ ابْنُ الْأَكْوَعِ:

- ‌ سَلَمَةُ بْنُ نُعَيْمٍ:

- ‌ المغيرة بْنُ شُعْبَةَ، رضي الله عنه:

- ‌ رَجُلٌ مِنْ بَاهِلَةَ:

- ‌ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، رضي الله عنه:

- ‌ يَعْلَى بْنُ السِّيَابَةِ:

- ‌ يَعْلَى بْنُ مُرَّةَ:

- ‌ شُرَحْبِيلُ بْنُ أَوْسٍ، رضي الله عنه:

- ‌ مُعَاوِيَةُ بْنُ حَيْدَةَ الْقُشَيْرِيُّ، جَدُّ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ:

- ‌ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ:

- ‌ رَافِعٌ:

- ‌ بَشِيرٌ:

- ‌ بشر بن عاصم:

- ‌ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ:

- ‌ صَخْرٌ الْغَامِدِيُّ:

- ‌ حَرْمَلَةُ الْعَنْبَرِيُّ:

- ‌ يَزِيدُ بْنُ أَسَدٍ:

- ‌ يَزِيدُ بْنُ نَعَامَةَ الضَّبِّيُّ:

- ‌ يَزِيدُ بْنُ سَلَمَةَ:

- ‌ يَزِيدُ بْنُ السَّائِبِ:

- ‌ أَبُو يَزِيدَ أَوْ "أَبُو السَّائِبِ" جَدُّ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ:

- ‌ يَزِيدُ بْنُ عَامِرٍ السُّوَائِيُّ:

- ‌ يَزِيدُ بْنُ شَجَرَةَ:

- ‌ أَبُو زُهَيْرٍ الثَّقَفِيُّ:

- ‌ الْحَارِثُ بْنُ وَقْشٍ، أَوْ: وُقَيْشٍ:

- ‌ الْحَارِثُ:

- ‌ الْحَارِثُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيُّ:

- ‌ حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ:

- ‌ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ:

- ‌ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ:

- ‌ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ:

- ‌ سهيل ابن الْبَيْضَاءِ:

- ‌ أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ:

- ‌ أَبُو الْعُشَرَاءِ الدَّارِمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ:

- ‌أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

الفصل: ‌ مسند أبي بكر الصديق، رضي الله عنه:

1-

‌ مُسْنَدُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، رضي الله عنه:

1-

قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: إِنَّكُمْ تقرءون هذه الآية: {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ؛ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ".

1 إسناده صحيح، وقد أُعل بالوقوف:

وقد أخرجه الإمام أحمد "1/ 2 و5، 7، 9"، وأبو داود "حديث 4338"، والترمذي "مع التحفة 6/ 388، 8/ 442"، وابن ماجه "4005"، وأبو يعلى في "مسنده""128 و130 و131 و132"، وابن أبي حاتم في "التفسير""9/ 69"، والطبري موقوفا ومرفوعا "12871، 12872، 12873"، وغيرهم جم غفير.

أما وجه إعلاله:

فإن جماعة من الرواة الأثبات رووه عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عن أبي بكر

فذكر الحديث، وفيه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ النَّاسَ إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابِهِ".

وثم رواه آخرون رووه عن إسماعيل بن قيس عن أبي بكر من قوله، لم يذكر النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.

وهذه بعض أقوال العلماء في ذلك، فهذه بعضها:

قال الترمذي، رحمه الله: هكذا روى غير واحد عن إسماعيل نحو حديث يزيد، ورفعه بعضهم عن إسماعيل، ووقفه بعضهم.

وقال أبو زرعة "كما نقل عنه ابن أبي حاتم في "العلل"" بعد أن ذكر بعض وجوه الاختلاف فيه: وأحسب إسماعيل بن أبي خالد كان يرفعه مرة، ويوقفه مرة.

وقال الدارقطني -رحمه الله تعالى- "العلل 1/ 250": هو حديث رواه إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قيس، فرواه عنه جماعة من الثقات فاختلفوا عليه فيه، فمنهم من أسنده إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ومنهم من أوقفه على أبي بكر.

ثم ذكر عددا كبيرا جدا من الرواة الذين رووه عن إسماعيل عن قيس عن أبي بكر مرفوعا، =

ص: 42

..............................................................................

= وجماعة من الذين رووه موقوفا.

ثم قال أيضا: ورواه بيان وطارق بن عبد الرحمن وذر بن عبد الله الهمداني والحكم بن عتيبة وعبد الملك بن عمير، وعبد الملك بن ميسرة، فرووه عن قيس عن أبي بكر موقوفا.

قال: وجميع رواة هذا الحديث ثقات، ويشبه أن يكون قيس بن أبي حازم كان ينشط في الرواية مرة فيسند، ومرة يجبن عنه فيقفه على أبي بكر.

وأشار الحافظ ابن كثير رحمه الله أيضا إلى الخلاف في وقفه ورفعه، وقال: وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره.

قلت: فيمكنني أن ألخص صورة الخلاف على النحو التالي:

هنا جزء يسحب إسكانر****

فحصل على إسماعيل اختلاف، فبالنسبة لرواية إسماعيل يمكن أن يقال: إنه روى على الوجهين، ويصحح المرفوع والموقوف.

ولكن بالنظر إلى الرواة الآخرين فكلهم "على ما ذكره الدارقطني" تابعوا إسماعيل على الوقوف.

فمن ثم، فقد رجح بعض أهل العلم الوقف =

ص: 43

...............................................................................................

= إلا أن الذين رجحوا الرفع ذهبوا إلى أن إسماعيل من أثبت الناس في قيس، وقد رواه إسماعيل على الوجهين على الرفع والوقف، والذين رووه عن إسماعيل على الرفع عدد هائل، فلا معنى لرد روايته.

فهذه وجهة من رجحوا الرفع.

وعلى كل؛ ففي هذا الحديث وجهان للاجتهاد، فمن رجح وقفه فله وجه، ومن رجح رفعه فله وجه، والله تعالى أعلم.

هذا، ومما يشهد للحديث من ناحية المعنى قوله تعالى:{وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} .

بل، وقد حلت اللعنة على بني إسرائيل لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال تعالى:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79] .

ومعنى الآية -والعلم عند الله تعالى- أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به -ومما كلفوا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- فلا عليكم من ضلال غيركم. وقد قال تعالى: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38] ، وقد قال سبحانه لنبيه، صلى الله عليه وسلم:{فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} .

وليراجع البحث القيم الذي ذكره الشيخ محمد الأمين في "أضواء البيان""ج2 ص151" وبما بعدها عند تفسير هذه الآية من سورة المائدة، ويراجع أيضا "ج28" من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمه الله.

قوله: "إذا رأوا الظالم" في بعض الروايات: "المنكر"، وهما متلازمان.

قوله: "فلم يغيروه" أي: وهم قادرون، لقول الله تعالى:{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} . وقد جاء في معنى الحديث قوله تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} .

ومن حديث النعمان بن بشير عند البخاري والترمذي، ففي البخاري في كتاب الشركة، باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه؟ "فتح" "ج5 ص132": حدثنا أبو نعيم، حدثنا زكريا، قال: سمعت عامرا يقول: قال النعمان بن بشير عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا".

ص: 44

2-

أَخْبَرَنِي حَبَّانُ بْنُ هِلَالٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ حَدَّثَهُ قَالَ: نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ وَنَحْنُ فِي الْغَارِ وهم على رءوسنا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ! فَقَالَ:"يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما؟! ".

2 صحيح:

أخرجه البخاري "حديث 3653"، "4633 و3922"، ومسلم "ص91854"، والترمذي في "التفسير"، "تفسير سورة براءة"، وقال: حديث حسن صحيح غريب، إنما يروى من حديث همام، وقد ورى هذا الحديث حبان بن هلال وغير واحد عن همام نحو هذا.

قلت: انظر التنبيه المتقدم.

وأخرجه أحمد "1/ 4"، وابن جرير في "تفسيره" آية "40" من سورة براءة "ج9 ص136".

وعزاه السيوطي في "الدر المنثور""ج3 ص242" بالإضافة إلى من ذكرنا، إلى ابن سعد وابن أبي شيبة وأبي عوانة وابن حبان وابن المنذر وابن مردويه.

وعزاه أيضا السيوطي "ج3 ص241" إلى ابن شاهين وابن مردويه وابن عساكر من حديث حبشي بن جنادة نحوه.

حبان بن هلال الباهلي، ثقة ثبت من رجال الجماعة، قال فيه أحمد "كما في التهذيب": كان إليه المنتهى في التثبت بالبصرة.

همام بن يحيى بن دينار، ثقة ربما وهم، من السابعة من رجال الجماعة.

تنبيه: قال الحافظ في "فتح الباري""ج7 ص11" من كتاب فضائل الصحابة وبعد شرحه للحديث: تنبيه: اشتهر أن حديث الباب تفرد به همام عن ثابت، وممن صرح بذلك الترمذي والبزار. وقد أخرجه ابن شاهين في "الأفراد" من طريق جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ ثَابِتٍ بمتابعة همام، وقد قدمت له شاهدًا من حديث حبشي بن جنادة، ووجدت له آخر عن ابن عباس أخرجه الحاكم في "الإكليل" ا. هـ.

ثابت البناني: وهو ابن أسلم البناني، ثقة عابد، من الرابعة، من رجال الجماعة، وقال أبو حاتم "كما نقله عنه في "التهذيب"": أثبت أصحاب أنس: الزهري، ثم ثابت، ثم قتادة.

أنس بن مالك بن النضر الأنصاري الخزرجي، خادم رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خدمه عشر سنين، صحابي مشهور، مات سنة اثنتين، وقيل: ثلاث وتسعين، وقد جاوز المائة، رضي الله عنه. =

ص: 45

.................................................................................................................................

= والحديث أخرجه البخاري في فضائل الصحابة، باب: مناقب المهاجرين وفضلهم، حديث "3653"، وفي التفسير تفسير سورة براءة، باب "9":{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} "663"، وفي مناقب الأنصار، باب: هجرة النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة "3922"، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم "ج4 ص1854"، والترمذي في التفسير، تفسير سورة براءة وقال: حديث حسن صحيح غريب، إنما يروى من حديث همام، وقد روى هذا الحديث حبان بن هلال، وغير واحد عن همام نحو هذا.

قلت: انظر التنبيه المتقدم.

وأخرجه أحمد "1/ 4"، وابن جرير في "تفسيره" آية "40" من سورة براءة "ج9 ص136".

وعزاه السيوطي في "الدر المنثور""ج3 ص242" بالإضافة إلى من ذكرنا، إلى ابن سعد، وابن أبي شيبة، وأبي عوانة، وابن حبان، وابن المنذر، وابن مردويه.

وعزه أيضا السيوطي "ج3 ص241" إلى ابن شاهين، وابن مردويه، وابن عساكر، من حديث حبشي بن جنادة نحوه.

قوله: "الله ثالثهما": قال الحافظ في "الفتح""ج7 ص259": معنى قوله: "الله ثالثهما" أي: معاونهما وناصرهما، وإلا فهو مع كل اثنين بعلمه، كما قال:{مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ} الآية.

وقال النووي في "شرح مسلم""15/ 149" معناه: ثالثهما بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد، وهو داخل في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} .

قلت: وأهل السنة والجماعة على أن "الرحمن استوى على عرشه في السماء".

قال تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] .

وقوله سبحانه: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] .

{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ

} [الحديد: 4] .

وغير ذلك من الآيات.

أما كون الله سبحانه وتعالى في السماء:

قال تعالى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ، أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [تبارك: 16، 17] .

وقال سبحانه: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: 10] .

وقال عز وجل: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: 50] . =

ص: 46

3-

حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ -سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ- عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَسْلَمَ الْكُوفِيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ عز وجل حَرَّمَ عَلَى الْجَنَّةِ جَسَدًا غُذِّي بحرام".

= وهذا المعنى ثابت في عدة آيات.

وفي كثير من الأحاديث كذلك، منها: حديث النزول، وحديث الجارية الذي فيه سؤال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم للجارية:"أين الله؟ " قالت: في السماء. قال: "من أنا؟ " قالت: أنت رسول الله. قال: "أعتقها، فإنها مؤمنة". وهذا الحديث أخرجه الإمام مسلم رحمه الله من حديث معاوية بن الحكم السلمي، حديث "537".

قلت: وفي حديث الباب قوة توكّل النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم على الله.

وفي الباب الحث على التوكل على الله، قال الله تعالى:{وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] .

وقال سبحانه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال: 2] .

وقال عز وجل: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] .

وقال عز وجل: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] .

وقال تعالى: {قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [براءة: 51] .

وفي الحديث أيضا منقبة لأبي بكر رضي الله عنه وهي: بذل نفسه ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة الله ورسوله، وملازمة النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ومعاداة الناس فيه

قاله النووي.

قلت: والمنقبة الكبرى: قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ، اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟! ".

3 ضعيف الإسناد جدا:

ففي سنده عبد الواحد بن زيد القاصر، أبو عبيدة البصري، ضعيف جدا، وترجمته في "تعجيل المنفعة"، و"الجرح والتعديل""3/ 20"، و"الميزان".

لفتة: نلفت النظر هنا إلى طرف من استدلالات المرجئة من جهة، واستدلالات المعتزلة والخوارج من جهة أخرى. =

ص: 47

.................................................................................................

= استدلت المرجئة ومن ذهب مذهبهم بأدلة، نذكر طرفا منها:

1-

حديث عبادة بن الصامت في "صحيح مسلم""ج1 ص228" وفيه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله، حرمه الله على النار".

2-

حديث عثمان أيضا في "صحيح مسلم""ج1 ص221" وفيه: "مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، دَخَلَ الجنة".

3-

حديث محمود بن الربيع في قصة كعب بن مالك في "البخاري"، باب: المساجد التي في البيوت "حديث 425" وفيه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"فإن الله حرم على النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله".

4-

حديث: "من صلى البردين، دخل الجنة"، متفق عليه من حديث أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عن أبيه، البخاري في كتاب الصلاة، باب: فضل صلاة الفجر، ومسلم في كتاب المساجد "حديث 635".

5-

حديث أبي عبس في "صحيح البخاري" في كتاب الصلاة، باب "18" المشي إلى الجمعة "فتح""2/ 390"، وفيه: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: "من اغبرّت قدماه في سبيل الله، حرمه الله على النار".

6-

"لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبدا" أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة "ص1505".

وغير ذلك من الأحاديث التي على هذا النمط، فأخذها أقوام على ظاهرها وتجاهلوا نصوص الشريعة الأخرى فضلوا وأضلوا؛ وذلك لأننا أمرنا بالعمل بالشريعة كلها لقول الله تعالى:{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} .

فلا بد لنا من وقفة مع باقي نصوص الشريعة.

قال الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} ، إلى أن قال سبحانه:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا} [النساء: 142-145] .

وكلنا يعلم أن المنافقين كانوا يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، بل وكانوا يصلون -وإن كانوا يقومون إلى الصلاة وهم كسالى- كما قال تعالى:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى} .

وفي حديث أبي هريرة في "صحيح مسلم""ص1997" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون من المفلس؟ " قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: "إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم =

ص: 48

............................................................................................

= هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطُرحت عليه، ثم طُرح في النار".

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ، وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال] .

وقال سبحانه: {وَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون] .

فهذه نصوص تحتاج إلى وقفة للجمع بينها وبين ما تقدم، وكذلك غيرها من الآيات والأحاديث.

أما الخوارج والمعتزلة: فذكروا أحاديث عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم واحتجوا بها، وادعوا أن مرتكب الكبيرة إذا مات قبل التوبة منها يخلد في النار، ونذكر -إن شاء الله- طرفا من أدلتهم:

1-

حديث أبي بكرة في "صحيح مسلم" مرفوعا: "من ادعى إلى غَيْرِ أَبِيهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ، فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ""ص80"، وأخرجه البخاري من حديث سعد مرفوعا في الفرائض "فتح""ج12 ص54".

2-

"من قتل نفسا معاهدة بغير حقها، حرم الله عليه الجنة" أخرجه البخاري من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا في كتاب الديات من "صحيحه""فتح""ج12 ص259".

3-

ما أخرجه مسلم في "صحيحه""ص93" من حديث ابن مسعود، كتاب الإيمان، باب: تحريم الكبر، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"لا يدخل النار أحد في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان، ولا يدخل الجنة أحد في قَلْبِهِ مِثْقَالَ حَبَّةِ خَرْدَلٍ مِنْ كبرياء".

4-

حديث حذيفة المتفق عليه في [البخاري "فتح" "ج10 ص472" كتاب الأدب، ومسلم "ص101"] مرفوعا وفيه: "لا يدخل الجنة قَتَّات"، وأحمد "5/ 382، 389، 392".

5-

حديث: "لا يدخل الجنة قاطع" متفق عليه، من حديث جبير بن مطعم البخاري "5984"، ومسلم وقال في آخره:"قال ابن أبي عمر: قال سفيان: يعني: قاطع رحم". "حديث 2556".

6-

حديث: "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه" أخرجه مسلم "ص68" من حديث أبي هريرة، وغير ذلك من الأحاديث التي على شاكلتها.

فهذه تحتاج إلى وقفة للجمع بينها وبين ما تقدم وبين قول الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} .

وحديث أنس في "صحيح البخاري""حديث 7410"، وفيه: فَقَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم: "يخرج مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إله إلا الله، وكان فِي قِلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يزن شعيرة، ثم يخرج مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إله =

ص: 49

.................................................................................................

= إلا الله، وكان فِي قِلْبِهِ مِنَ الْخَيْرِ مَا يزن برة، ثم يخرج مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إله إلا الله، وكان في قلبه ما يزن من الخير ذرة" "فتح" "ج13/ 392".

وقبل أن نشرع في الجمع بين هذه الأدلة، نقرر قواعد بأدلتها:

القاعدة الأولى: وهي أن الجنة درجات والنار كذلك دركات، وتقريرا لهذه القاعدة نسوق لها ما ييسره الله تبارك وتعالى من أدلة، وإن أخطأنا فمن أنفسنا ومن الشيطان، وإن أصبنا فمن الله عز وجل:

1-

قال الله تعالى: {وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى، جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى} [طه: 75، 76] .

2-

في حديث أبي هريرة في "صحيح البخاري" حديث "2790" قَالَ النَّبِيُّ، صلى الله عليه وسلم:"من آمن بالله وبرسوله وأقام الصلاة وصام رمضان، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله أو جلس في أرضه التي ولد فيها". فقالوا: يا رسول الله، أفلا نبشر الناس؟ قال:"إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة -أراه قال- وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".

3-

قال الله سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} [الواقعة] .

وقال عز وجل في آخر السورة: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ} [الواقعة] .

وأما الأدلة على أن النار دركات:

1-

قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء] .

2-

وقوله تعالى: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر] .

3-

وقوله تعالى، حكاية عن أصحاب المائدة:{فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة] .

4-

أخرج مسلم في "صحيحه""ص195" من حديث العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هل نفعت أبا طالب بشيء؛ فإنه كان يحوطك ويغضب لك؟ قال:"نعم، هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار".

وغير ذلك من الأحاديث والآيات.

القاعدة الثانية: وهي أن هناك من يدخل الجنة قبل غيره، الأدلة على ذلك: =

ص: 50

.................................................................................................

= 1- قال تعالى: {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ

} إلى أن قال سبحانه: {أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الأعراف] .

2-

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور] .

3-

قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: "أول زمرة تدخل الجنة عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، والذي على إثرهم كأشد كوكب إضاءة

" أخرجه البخاري، وغيره من حديث أبي هريرة.

4-

حديث أبي هريرة في "صحيح البخاري" في كتاب التوحيد، حديث "7437" باب: قول الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} ، وهو حديث طويل جاء فيه: "

ويبقى رجل مقبل بوجهه على النار، وهو آخر أهل النار دخولا لها

" "فتح" "13/ 420".

5-

حديث أبي هريرة في "مسند أحمد" وغيره "2/ 343، 296، 451". وانظر أيضا الترمذي في "الزهد""27"، "2/ 513، 519، 5/ 366"، وابن ماجه في الزهد "6"، وفيه: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أغنيائهم بنصف يوم، وهو خمسمائة عام" وإسناده حسن.

مما تقدم، يتبين لنا أن قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من فعل كذا وكذا

"، وقوله، صلى الله عليه وسلم: "لَا يدخل النار من فعل كذا

"، إذا كان المقول فيه من أهل التوحيد، قد يحمل على أحد الوجهين:

أولهما: أنه لا يدخل مع الداخلين الأولين، بل يتخلف حتى يأخذ حظه من العذاب -إلا إذا عفا الله عنه- ثم يدخل الجنة.

ثانيهما: أنه قد لا يدخل نوعا من الجنان التي أعدت لمن ترك هذا الفعل، وقد جاء ما يشهد لذلك في حديث:"مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا حرمها في الآخرة".

وكذلك الحال بالنسبة لجهنم -أعاذنا الله منها بفضله ورحمته- فقوله صلى الله عليه وسلم: "حرم على النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إلا الله" قد يحمل على نار مخصوصة، وهي نار المشركين.

هذا؛ والعلم عند الله سبحانه وتعالى ونسأل الله العفو والمغفرة، وقد ذهب بعض أهل العلم عند إمضاء مثل هذه الأحاديث على ظاهرها، حتى تكون أبلغ في الذكر، والله أعلم.

ص: 51

4-

حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبةَ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه قَالَ: ثَنَا رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم "إِنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ مِنْ أَرْضٍ بِالْمَشْرِقِ يُقَالُ لَهَا: خُرَاسَانُ، يَتْبَعُهُ أَقْوَامٌ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ".

4 رجاله موثقون:

إلا أن الإسناد يعتريه ما يلي:

أولا: سعيد بن أبي عروبة، وإن كان ثقة حافظا، إلا أنه كان قد اختلط، ثم هو مدلس، وقد عنعن.

ثانيا: المغيرة بن سبيع، وإن كان قد وثقه العجلي وابن حبان، إلا أن العجلي وابن حبان من المعروفين بالتساهل في توثيق المجاهيل.

ويمكن أن يجاب على ما سبق بالآتي ذكره:

أولا: اختلاط سعيد بن أبي عروبة لا يضر ههنا؛ لأن الراوي عنه روح بن عباة، وروح قد روى عنه قبل الاختلاط، ففي "تهذيب التهذيب":"قال الآجري: سماع روح منه قبل الهزيمة".

أما بالنسبة لتدليس سعيد وعنعنته هنا، فقد ذكر بعض أهل العلم متابعة لسعيد، فقالوا: تابعه عبد الله بن شوذب، وممن ذكر هذا المتابع: الترمذي رحمه الله والحاكم في "المستدرك".

فقال الحاكم رحمه الله بعد إخراجه الحديث: وقد رواه عبد الله بن شوذب، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ سُبَيْعٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حريث قال: مرض أبو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه ثم كشف عنه، فصلى بالناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قال: أنا لكم ناصح، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول:"يخرج الدجال من قبل المشرق، من أرض يقال لها: خراسان، معه قوم وجوههم كالمجان".

قلت: إلا أن هذا الجواب عليه بعض التعقب، وسيأتي قريبا.

ثانيا: بالنسبة للمغيرة بن سبيع، فإنه من طبقة التابعين، وكثيرا من العلماء يتجوزون بعض الشيء في توثيق التابعين، ويقبل توثيق العجلي وابن حبان للتابعين؛ وذلك لأن الكذب لم يكن قد تفشى في رواة التابعين تفشيه فيمن بعدهم، ثم هم خير قرن بعد الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا إذا لم يكن هذا التابعي قد أتى بشيء مستنكر، وأيضا ما لم يتكلم فيه بجرح، ومن ثم فقد قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في المغيرة:"ثقة"، إلا أن من سار على القواعد التقليدية في الحكم على الرواة سيحكم على المغيرة بالجهالة؛ لكونه لم يوثق من معتبر؛ فالعجلي وابن حبان من المتساهلين. =

ص: 52

.................................................................................................

= أما أبو التياح فهو يزيد بن حميد الضبعي، وهو ثقة ثبت، والحديث أخرجه الإمام أحمد في "المسند""4/ 4، 7"، والترمذي "مع التحفة 6/ 495"، وقال: وقد رواه عبد الله بن شوذب عن أبي التياح، ولا يعرف إلا من حديث أبي التياح.

وأخرجه أيضا ابن ماجه "حديث 4072"، والخطيب "10/ 84"، والحاكم في "المستدرك""4/ 527"،وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

وقال الذهبي: صحيح رواه ابن أبي عروبة، وابن شوذب عن أبي التياح.

قلت "مصطفى": ولكن ما زالت هناك علة أيضا، فقد قال الدارقطني رحمه الله "العلل 1/ 276": ويقال: إن سعيد بن أبي عروبة إنما سمعه من عبد الله بن شوذب عن أبي التياح، ودلسه عنه، وأسقط ذكره من الإسناد.

وقال البزار عقب إخراجه "حديث 46": وسعيد بن أبي عروبة فلم يسمعه من أبي التياح، ويرون إنما سمعه من ابن شوذب أو بلغه عنه فحدث به عن أبي التياح، وكان ابن أبي عروبة قد حدث عن جماعة يرسل عنهم لم يسمع منهم، ولم يقل: حدثنا، ولا سمعت من واحد منهم، مثل: منصور بن المعتمر، وعاصم بن بهدلة، وغيرهما ممن روى عنهم ولم يسمع منهم، فإذا قال:"أنا، وسمعت" كان مأمونا على ما قال.

أما بالنسبة لمتن الحديث وبعض ما يتعلق به، فقد وردت جملة أحاديث رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في ذكر صفة الدجال، ومن أين يخرج ومن يتبعه، وماذا معه، وفي أي زمان يخرج، ومن يقتله

أشار إليها الحافظ ابن حجر في "فتح الباري""13 ص91".

أما بالنسبة لخروج الدجال، فقد أخرج مسلم "ص1005" من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يأتي المسيح من قبل المشرق همته المدينة

".

وأخرج مسلم أيضا "ص226" من حديث أَنَسِ بْنِ مَالْكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:"يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا، عليهم الطيالسة".

قال الحافظ في "الفتح""13/ 91": وأما من أين خرج، فمن قبل المشرق جزما

قوله: "خراسان"، في "معجم البلدان" "2/ 350": خراسان: بلاد واسعة أول حدودها مما يلي العراق أزادوار قصبة جوين وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان، وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل على أمهات من البلاد، منها: نيسابور وهراة ومرو

إلخ ما ذكره.

قوله: "المجان المطرقة": قال المباركفوري في "شرح التحفة": "المجان -بفتح الميم وتشديد النون- جمع مجن -بكسر الميم- وهو الترس".

المطرقة -بضم الميم وسكون الطاء- وقال السيوطي: روي بتشديد الراء وتخفيفها، فهي مفعولة من =

ص: 53

5-

أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، ثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. فَقَالَ:"قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرحيم".

= إطراقة أو طرقه، أي: جعل الطرق على وجه الترس، والطراق -بكسر الطاء- الجلد الذي يقطع على مقدار الترس فيلصق على ظهره، والمعنى أن وجوههم عريضة ووجناتهم مرتفعة كالمجنة، وهذا الوصف إنما يوجد في طائفة الترك والأزبك بما وراء النهر.

قلت: ولمزيد، انظر كتابي "الصحيح المسند من أحاديث الفتن والملاحم وأشراط الساعة".

وذكر بلدة خروج الدجال، وأنها خراسان ما زال يحتاج إلى مزيد من التحرير، أما خروج الدجال من قبل المشرق فذلك ثابت من عدة طرق عن النبي.

5 صحيح:

الحسن بن موسى الأشيب، أبو علي البغدادي، قاضي الموصل، ثقة، من التاسعة، من رجال الجماعة.

الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمي، أبو الحارث المصري، ثقة، ثبت، فقيه، إمام، مشهور، من السابعة، من رجال الجماعة.

يزيد بن أبي حبيب، ثقة، فقيه، مصري، وكان يرسل، من الخامسة، من رجال الجماعة.

أبو الخير مرثد بن عبد الله اليزني، ثقة، فقيه، من الثالثة، من رجال الجماعة.

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العاص السهمي بن وائل بن هاشم بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سهم السهمي، أبو محمد، وقيل: أبو عبد الرحمن، أحد السابقين المكثرين من الصحابة، وأحد العبادلة الفقهاء، مات في ذي الحجة ليالي الحرة على الأصح، بالطائف على الراجح.

وأخرجه البخاري "حديث 834، 6326، 8387، 8388"، ومسلم "4/ 2078"، وأحمد "1/ 3، 4"، والترمذي "مع التحفة 9/ 509"، والنسائي "3/ 45"، وابن ماجه "3835".

وقوله: "اللهم إني ظلمت نفسي":

قال الحافظ في "الفتح": فيه أن الإنسان لا يعرى عن تقصير، ولو كان صديقا.

قلت "مصطفى": بل، وقد قال الله تبارك وتعالى في شأن آدم وزوجته:{قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف] . =

ص: 54

6-

حَدَّثَنَا يَعْلَى، ثَنَا الْكَلْبِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: احْتَجْنَا فَأَخَذْتُ خَلْخَالَيِ الْمَرْأَةِ، فَخَرَجْتُ بِهِمَا فِي السَّنَةِ الَّتِي استُخلف فِيهَا أَبُو بَكْرٍ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: ما هذا؟ فقلت: خلخالا المرأة؛ احتاج [أهلي] 1 إِلَى نَفَقَةٍ، قَالَ: فَإِنَّ مَعِيَ وَرِقا أُرِيدُ بِهَا فِضَّةً. قَالَ: فَدَعَا بِالْمِيزَانِ، فَوَضَعَ الْخَلْخَالَيْنِ فِي كِفَّةٍ وَوَضَعَ الْوَرِقَ فِي الْكِفَّةِ الْأُخْرَى، فَشَفَّ الْخَلْخَالَانِ نَحْوًا مِنْ دانق [فقرضه] 2 فَقُلْتُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ، هو لك

= وقال سبحانه حاكيا عن نوح، عليه السلام:{وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود] .

وقال سبحانه حاكيا عن موسى، عليه السلام:{قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص] .

وقال سبحانه لنبينا، صلى الله عليه وسلم:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر] .

تنبيه: ساق البخاري هذا الحديث تحت باب: الدعاء قبل السلام، وصنيعه هذا يوحي أن هذا قبل التسليم وبعد الانتهاء من التشهد. وتعقب ابن دقيق العبد هذا الصنيع فقال كما نقل ذلك عنه الحافظ في "الفتح" والمباركفوري في "شرح الترمذي": هذا يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين محله، ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين: السجود أو التشهد؛ لأنهما أمر فيهما بالدعاء، ونقل الحافظ في "الفتح" كلام النووي: وهو كاستدلال البخاري صحيح؛ لأن قوله: "في صلاتي" يعم جميعها، ومن مظانه هذا الموطن.

ثم تعقب الحافظ كلام ابن دقيق العيد، والنووي بتعقبات لا وجه لها.

قوله: "كثيرا": قال الحافظ في "الفتح""ج13 ص375":

تنبيه: المشهور في الروايات: "ظلما كثيرا" بالمثلثة، ووقع هنا للقابسي بالموحدة.

وقوله: "وَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أنت" في بعض الروايات: "ولا يغفر الذنوب إلا أنت".

6 إسناده ضعيف جدا: =

_________

1 من "س" وفي المطبوع: الحي، وقد ضرب عليهما في النسخة "س"، وفي "مسند أبي يعلى""1/ 55" برقم "55"، و"مجمع الزوائد" "4/ 115": أهلنا.

2 من "س": ففرطه، وفي نسخة السامرائي: فقرطه. وفي "الإتحاف" للبوصيري "3/ 313، 314" برقم "2808/ 1" و"المطالب العالية""2/ 86، 87" برقم "1384" كما أثبتناه.

ص: 55

حَلَالٌ. فَقَالَ: يَا أَبَا رَافِعٍ، إِنَّكَ إِنْ أَحْلَلْتَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ عز وجل لَا يُحِلُّهُ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنٌ بِوَزْنٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنٌ بِوَزْنٍ، الزَّائِدُ وَالْمَزِيدُ فِي النَّارِ".

7-

حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، ثَنَا مُوسَى بْنُ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي مَوْلَى ابْنِ سِبَاعٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يُحَدِّثُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} [النساء: 123] فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلَا أُقْرِئُكَ آيَةً أُنْزِلَتْ عَلَيَّ؟ " قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَأَقْرَأَنِيهَا، قَالَ: فَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنِّي وَجَدْتُ انْفِصَامًا فِي ظَهْرِي حَتَّى تَمَطَّأْتُ لَهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صلى الله عليه وسلم:"مَا شَأْنُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ " فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، وَأَيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا، وَإِنَّا لَمَجْزِيُّونَ بِمَا عَمِلْنَا؟! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ، وَأَصْحَابُكَ الْمُؤْمِنُونَ فَتُجْزَونَ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ عز وجل وَلَيْسَتْ لَكُمْ ذُنُوبٌ، وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَيُجْمَعُ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى يُجزَوا به يوم القيامة".

= ففيه الكلبي، وهو محمد بن السائب بن بشر الكلبي، أبو النضر الكوفي، النسابة المفسر، متهم بالكذب، ورمي بالرفض أيضا.

وفي الإسناد كذلك: سلمة بن السائب، وهو مجهول.

أما قوله، عليه الصلاة والسلام:"الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنٌ بِوَزْنٍ، وَالْفِضَّةُ بالفضة وزن بوزن" فهذا صحيح من طرق أخر:

فقد أخرج البخاري "حديث 2176" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "الذَّهَبُ بالذهب مثلا بمثل، والورق بالورق مثلا بمثل".

وأخرج البخاري معناه أيضا من حديث أبي بكرة رضي الله عنه مرفوعا "حديث 2175"، وانظر "علل" الدارقطني "1/ 241".

7 إسناده ضعيف:

فيه موسى بن عبيدة الربذي، وهو ضعيف.

ص: 56