الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[خطبة المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحابته وسلم الحمد لله الذي أيد الإسلام بمبعث سيد الأنام، وجعل مدده شاملا لكل خليفة وإمام، فهم ظل الله فى أرضه يأوى اليه كل ملهوف، والزعماء القائمون بنهى كلّ منكر وأمر كل معروف؛ قلّبهم فى أطوارها دولا، وخالف بينهم اعتقادا وقولا وعملا؛ وجعل قصصهم عبرة لأولى الألباب، وتذكرة فى كل خبر وكتاب؛ فمن عدل منهم كان أوّل السبعة «1» ، ومن ظلم كان فى أخباره شنعة؛ أحمده حمدا كثيرا على أن عرّفنا من صلح منهم ومن فسد، ومن هو فى الوغى مدد، وبين الأنام عدد؛ ونشكره على أن أخّرنا عن كل الأمم، وهذا لعمرى من أعظم الإحسان وأسبغ النعم؛ لنعاين ممن «2» تقدّم آثارهم، ونشاهد منازلهم وديارهم، ونسمع كما وقعت وجرت أخبارهم؛ أعظم بها من منّة جليلة، وكرامة وفضيلة؛ إذ أخبرنا عنهم ما لم يخبروه عنا، ورأينا منهم ما لم يروه منا؛ فلنقابل هذه المنة بالإنصاف، فى كل مترجم ومن اليه انضاف؛ فنخبر بذلك من تأخر عصره من الأقوام، بأفواه المحابر وألسن الأقلام؛
ليقتدى كل ملك يأتى بعدهم بجميل الخصال، ويتجنب ما صدر منهم من اقتراح «1» المظالم وقبيح الفعال؛ ولم أقل كمقالة الغير إننى مستدعى الى ذلك من أمير أو سلطان، ولا مطّلب به من الأصدقاء والإخوان؛ بل ألّفته لنفسى، وأينعته بباسقات غرسى؛ ليكون لى فى الوحدة جليسا، وبين الجلساء مسامرا وأنيسا؛ ولا أنزّهه من خلل وإن حوى أحسن الخلال، ولا من زلل وإن طاب مورده الزلال؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ شهادة لا ينقص قدر إيمانها بعد تأكده، ولا يخفض مجد إتقانها بعد تشيّده؛ وأشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله الذي كان لقول الحق أهلا، ومن جعل بتشريعه طرق الفلاح لسالك سننه سهلا؛ صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذرّيته وأتباعه.
أما بعد فلما كان لمصر ميزة على كل بلد بخدمة الحرمين الشريفين، أحببت أن أجعل تاريخا لملوكها مستوعبا من غير مين؛ فحملنى ذلك على تأليف هذا الكتاب وإنشائه، وقمت بتصنيفه وأعبائه؛ واستفتحته بفتح مصر وما وقع لهم فى المسالك، ومن حضرها من الصحابة ومن كان المتولّى لذلك؛ وعلى أىّ وجه فتحت: صلح أم عنوة من أصحابها، وأجمع فى ذلك أقوال من اختلف من المؤرّخين وأهل الأخبار وأربابها؛ وذلك بعد اتصال سندى الى من لى عنه منهم رواية، ليجمع الواقف عليه بين صحة النقل والدراية؛ وأطلق عنان القلم فيما جاء فى فضلها وذكرها من الكتاب العزيز، وما ورد فى حقها من الأحاديث وما اختصت به من المحاسن فصار لها على غيرها بذلك التمييز؛ ثم أذكر من وليها من يوم فتحت وما وقع فى دولته من العجب، واحدا بعد واحد لا أقدّم أحدا منهم على أحد باسم ولا كنية ولا لقب؛ ثم أذكر أيضا فى كل ترجمة ما أحدث صاحبها فى أيام ولايته من الأمور، وما جدّده من
القواعد والوظائف والولايات فى مدى الدهور؛ ولا أقتصر على ذلك بل أستطرد الى ذكر ما بنى فيها من المبانى الزاهرة، كالميادين والجوامع ومقياس النيل وعمارة القاهرة؛ أوّلا بأوّل أذكره فى يوم مبناه وفى زمان سلطانه، مستوعبا لهذا المعنى ضابطا لشانه؛ على أننى أذكر من توفى من الأعيان فى دولة كل خليفة وسلطان باقتصار، بعد فراغ ترجمة المقصود من الملوك مع ذكر بعض الحوادث فى مدّة ولاية المذكور فى أيما قطر من الأقطار؛ وأبدأ فيه بعد التعريف بأحوال مصر بولاية عمرو ابن العاص فى المملكة الإسلامية، ثم ملك بعد ملك كل واحد على حدته وما وقع فى أيامه الى الدولة الأشرفية الإينالية؛ وسميته:
«النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة»
والله الموفّق والمنّان وبالله المستعان.