الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ذكر من ملك مصر قبل الإسلام]
فأما من ملك مصر بعد من نقدّم ذكره من أولادهم وغيرهم فقال المسعودي:
وكان بيصر بن حام بن نوح قد كبرت سنه فأوصى إلى الأكبر من ولده وهو مصر وأجمع الناس على أنه ملك من حد رفح من أرض فلسطين من بلاد الشأم، وقيل: من العريش، وقيل: من الموضع المعروف بالشجرة وهو آخر أرض مصر، والفرق «1» بينها وبين الشأم، وهو الموضع المشهور بين العريش ورفح إلى بلاد أسوان من بلاد الصعيد طولاً، ومن آيلة وهي تخوم الحجاز إلى برقة عرضاً. وكان لمصر أولاد أربعة وهم:
قبط «2» ، وأشمون، وأتريب، وصا. وقد تقدم ذكر ذلك، غير أننا نذكره في سياق كلام المسعودي أيضاً، إذ لا يتم المراد إلا بذكره، ليتناسق الأسلوب.
قال: وقسم مصر بين ولده الأربعة الأرض أرباعاً، وعهد إلى الأكبر من ولده وهو قبط، وأقباط مصر يضافون في النسب إلى أبيهم قبط بن مصر، وأضيفت المواضع إلى سكانها وعرفت بأسمائهم، واختلطت الأنساب وكثر ولد قبط وهم الأقباط، فغلبوا على سائر الأرض، ودخل غيرهم في أنسابهم. ولما هلك قبط بن مصر ملك بعده أشمون بن مصر؛ ثم ملك بعده صا بن مصر؛ ثم ملك بعده أتريب بن مصر؛ ثم ملك بعده ماليق بن دارس؛ ثم ملك بعده حرايا بن ماليق؛ ثم ملك بعده كلكي بن حرايا، وأقام في الملك نحواً من مائة سنة؛ ثم ملك بعده أخ له يقال له:
ماليا بن حرايا؛ ثم ملك بعده لوطس بن ماليا نحواً من سبعين سنة؛ ثم ملكت بعده ابنة له يقال لها: حوريا بنت لوطس بن ماليا نحواً من ثلاثين سنة؛ ثم ملكت بعدها امرأة أخرى يقال لها: ماموم. ثم كثر ولد بيصر بن حام بن نوح بأرض مصر
وتشعبوا وملكوا النساء، فطمعت فيهم ملوك الأرض، فسار إليهم من الشأم ملك من العماليق يقال له: الوليد بن درمع «1» ، فكانت له بها حروب حتى غلب على الملك وانقادوا إليه واستقام له الأمر حتى هلك؛ ثم ملك بعده الريان بن الوليد العملاقي، وهو فرعون يوسف عليه السلام؛ ثم ملك بعده دارم بن الريان العملاقي؛ ثم ملك بعده كامس بن معدان العملاقي؛ ثم ملك بعده الوليد بن مصعب، وهو فرعون موسى عليه السلام، وقد اختلف فيه، فمن الناس من يقول: إنه من العماليق، ومنهم من رأى أنه من لخم من بلاد الشأم، ومنهم من رأى أنه من الأقباط من ولد مصر بن بيصر، وكان يعرف بظلما؛ وهلك فرعون غرقاً حين خرج في طلب بني إسرائيل، ولما غرق فرعون ومن كان معه من الجنود خشي من بقي بأرض مصر من الذراري والنساء والصبيان والعبيد أن يغزوهم ملوك الشأم والمغرب، فملكوا عليهم امرأة ذات رأي وحزم يقال لها: دلوكة، فبنت على ديار مصر حائطاً يحيط بجميع أرضها والبلاد، وجعلت عليه المحارس والأجراس والرجال متصلة أصواتهم بقرب بعضهم من بعض، وأثر هذا الحائط باق إلى هذا اليوم، وهو يعرف بحائط العجوز؛ وقيل:
إنما بنته خوفاً على ولدها، فإنه كان كثير الصيد فخافت عليه سباع البر والبحر واغتيال من جاوز أرضهم من الملوك، فحوطت الحائط من التماسيح وغيرها، وقد قيل في ذلك غير هذا أيضاً. فملكتهم دلوكة المذكورة ثلاثين سنة واتخذت بمصر البرابي والصور، وأحكمت آلات السحر، وجعلت في البرابي صور من يرد من كل ناحية ودوابهم إبلاً كانت أم خيلاً، وصورت فيها أيضاً من يرد في البحر من المراكب من بحر المغرب والشأم، وجمعت في هذه البرابي العظيمة المشيدة البنيان أسرار الطبيعة وخواص الأحجار والنبات والحيوان، وجعلت ذلك في أوقات حركات فلكية واتصالها بالمؤثرات العلوية، فكانوا إذا ورد إليهم جيش من نحو
الحجاز واليمن عورت تلك الصور التي في البرابي من الإبل وغيرها، فيتعور ما في ذلك الجيش وينقطع عنهم ناسه وحيوانه، وإذا كان الجيش من نحو الشأم فعلت تلك الصور أيضاً ما فعلت كما وصفنا، وكذلك من أتاهم في المراكب؛ فهابتهم الأمم والملوك ومنعوا ناحيتهم من عدوهم، فاتصل ملكهم بتدبير هذه العجوز إلى عدة أقطار، ثم عرفت بمجيء الطوفان ثانية، فخافت على هذه الصور والعلوم أن تذهب فبنت عدة برابٍ، وجعلت فيها علومها من الصور والتماثيل والكتابة، وجعلت بنيانها نوعين:
طيناً وحجراً، وفرزت ما يبنى بالطين مما يبنى بالحجر، وقالت: إن كان هذا الطوفان ناراً استحجر ما بنينا بالطين وبقيت هذه العلوم، وإن كان الطوفان الوارد ماءً ذهب ما بنينا بالطين وبقي ما بنينا بالحجارة، وإن كان الطوفان سيفاً بقي كلا النوعين.
ولما ماتت دلوكة العجوز المذكورة ملك مصر بعدها دركوس بن بلطيوس؛ ثم ملك بعده بورس بن دركوس؛ ثم ملك بعده لعس بن نورس نحوا من خمسين سنة؛ ثم ملك بعده دنيا «1» بن نورس نحوا من عشرين سنة؛ ثم ملك بعده نلوطس عشر سنين؛ ثم ملك بعده مما كيل بن بلوطس، ثم ملك بعده يلونة بن مماكيل وكانت له حروب ومسير في الأرض، وهو فرعون الأعرج الذي غزا بني إسرائيل وخرب بيت المقدس؛ ثم ملك بعده مرينوس وكانت له أيضاً حروب بالمغرب، ثم ملك بعده نقاس بن مرينوس ثمانين سنة، ثم ملك بعده قويس بن نقاس عشر سنين؛ ثم ملك بعده كاميل، وكانت له أيضاً حروب مع ملوك المغرب وغزاه البخت نصّر مرزبان المغرب من قبل ملك فارس، فخرب أرضه وقتل رجاله وسار البخت نصر إلى نحو المغرب. ولما زال أمر البخت نصر ومن كان معه من جنود فارس ملكت الروم مصر وغلبت عليها، فتنصر أهلها، فلم يزالوا على ذلك
إلى أن ملك كسرى أنو شروان، فغلبت جيوشه على الشأم وسارت نحو مصر فملكوها، وغلبوا على أهلها نحواً من عشرين سنة، فكانت بين الروم وفارس حروب كثيرة، وكان أهل مصر يؤدون خراجين عن بلادهم: خراجاً لفارس، وخراجاً للروم؛ ثم انجلت فارس عن مصر والشأم [لأمر «1» حدث في دار مملكتهم فغلبت الروم على مصر والشأم] وأشهروا النصرانية فشمل ذلك من في الشأم ومصر إلى أن أتى الله بالإسلام، وكان من أمر المقوقس صاحب مصر مع النبي صلى الله عليه وسلم من الهدايا ما كان إلى أن افتتحها عمرو بن العاص بمن كان معه من الصحابة في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حسبما ذكرناه في أول ذلك الكتاب.
وكان المقوقس ملك مصر وصاحب القبط نزيل الإسكندرية في بعض فصول السنة، وفي بعضها مدينة منف، وفي بعضها قصر الشمع، وقصر الشمع في وسط مدينة الفسطاط. والمقصود من ذكر ذلك أن الذين ملكوا مصر باتفاق كثير من أهل التاريخ على اختلاف بينهم، من الفراعنة وغيرهم: اثنان وثلاثون فرعوناً؛ ومن ملوك بابل ممن ملك مصر: خمسة؛ ومن العماليق وهم الذين قدموا إليها من الشأم: أربعة؛ ومن الروم: سبعة؛ ومن اليونانيين: عشرة؛ وذلك قبل ظهور المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وملكها أناس من ملوك الفرس من الأكاسرة، فكانت مدة من ملك مصر من بني نوح والفراعنة والعماليق والروم واليونانيين ألف سنة وثلثمائة سنة.
قلت: وهذا الذي ذكرناه على سبيل الاستطراد، وشرط كنابنا هذا ألا نذكر فيه إلا من ملك مصر في الإسلام، ومن ذكرناه من هؤلاء زيادة ليست بمنكرة لتحصيل الفائدة.