المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ولاية الوليد بن رفاعة على مصر - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة المؤلف]

- ‌ذكر فتح مصر لابن عبد الحكم وغيره

- ‌ذكر ما ورد في فضل مصر من الآيات الشريفة والأحاديث النبوية

- ‌ذكر ما ورد في نيل مصر

- ‌ذكر ما قيل في سبب تسمية مصر بمصر

- ‌[ذكر من ملك مصر قبل الإسلام]

- ‌ذكر ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية أبن أبي سرح على مصر

- ‌ذكر استيلاء محمد بن [أبي] حذيفة على مصر

- ‌ذكر ولاية قيس بن سعد بن عبادة على مصر

- ‌ذكر ولاية الأشتر النخعي على مصر

- ‌ذكر ولاية محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه على مصر

- ‌ذكر ولاية عمرو بن العاص ثانياً على مصر

- ‌ذكر ولاية عتبة بن أبي سفيان على مصر

- ‌ذكر ولاية عقبة بن عامر على مصر

- ‌ذكر ولاية مسلمة بن مخلد على مصر

- ‌ذكر ولاية سعيد بن يزيد على مصر

- ‌ذكر خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي ثالث خلفاء بني أمية ووفاته

- ‌ذكر ولاية عبد الرحمن بن جحدم على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الله بن عبد الملك على مصر

- ‌ذكر ولاية قرة بن شريك على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن رفاعة الأولى على مصر

- ‌ذكر وفاة موسى بن نصير المذكور

- ‌ذكر ولاية أيوب بن شرحبيل على مصر

- ‌ذكر ولاية بشر بن صفوان على مصر

- ‌ذكر ولاية حنظلة بن صفوان الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية محمد بن عبد الملك على مصر

- ‌ذكر ولاية الحر بن يوسف على مصر

- ‌ذكر ولاية حفص بن الوليد الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن رفاعة الثانية على مصر

- ‌ذكر ولاية الوليد بن رفاعة على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الرحمن بن خالد على مصر

- ‌ذكر ولاية حنظلة بن صفوان الثانية على مصر

- ‌ذكر ولاية حفص بن الوليد ثانياً على مصر

- ‌ذكر ولاية حسان بن عتاهية على مصر

- ‌ذكر ولاية حفص بن الوليد الثالثة على مصر

- ‌ذكر ولاية حوثرة بن سهيل على مصر

- ‌ذكر ولاية المغيرة بن عبيد الله على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن مروان على مصر

- ‌ذكر بيعة السفاح بالخلافة

- ‌ذكر ولاية صالح بن علي العباسي الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية أبي عون الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية صالح بن علي العباسي ثانياً على مصر

- ‌ذكر ولاية أبي عون الثانية على مصر

- ‌ذكر ولاية موسى بن كعب على مصر

- ‌ذكر ولاية محمد بن الأشعث على مصر

- ‌ذكر ولاية حميد بن قحطبة على مصر

الفصل: ‌ذكر ولاية الوليد بن رفاعة على مصر

والخراج عليه عبيد الله بن الحبحاب على عادته، فقدم عبد الملك المذكور من الشأم إلى مصر عليلاً في أول المحرم، وقيل: اثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم سنة تسع ومائة [والأول أصح]«1» وكان أخوه الوليد بن رفاعة يخلفه على الصلاة بمصر من أول المحرم السنة المذكورة (أعني من أول يوم ولايته) ، فلما دخل عبد الملك إلى مصر لم يطق الصلاة بالناس لشدة «2» مرضه، فاستمر أخوه الوليد بن رفاعة يصلي بالناس وعبد الملك ملازم الفراش إلى أن توفي نصف المحرم من السنة المذكورة، فكانت ولايته هذه الثانية على مصر خمس عشرة ليلة على أنه دخل مصر في أول المحرم؛ وتولى مصر بعده أخوه الوليد بن رفاعة.

‌ذكر ولاية الوليد بن رفاعة على مصر

هو الوليد بن رفاعة بن خالد بن ثابت [بن ظاعن «3» ] الفهمي المصري أمير مصر، وليها باستخلاف أخيه عبد الملك إليه فأقره الخليفة هشام بن عبد الملك على إمرة مصر وعلى الصلاة. وجعل الوليد هذا على شرطة مصر عبد الله بن [أبي «4» ] سمير الفهمي ثم عزله وولى خالد بن عبد الرحمن الفهمي؛ واستمر على إمرة مصر وطالت أيامه ووقع له بها أمور ووقعت في أيامه حوادث. وفي أيامه نقلت قيس إلى مصر ولم يكن بها أحد منهم قبل ذلك. وفي أيامه أيضاً خرج وهيب اليحصبي من مصر في سنة سبع عشرة ومائة من أجل أن الوليد هذا أذن للنصارى في عمارة كنيسة يوحنا «5» بالحمراء، فلم يكن بعد أيام قليلة إلا ومرض الوليد ولزم الفراش حتى مات في يوم الثلاثاء في مستهل جمادى الآخرة سنة سبع عشرة ومائة، واستخلف عبد الرحمن بن خالد على الصلاة

ص: 265

بمصر، وكانت إمرته على مصر تسع سنين وخمسة أشهر، وولي مصر بعده عبد الرحمن ابن خالد المذكور. ولم تطل مدة الوليد هذا على مصر إلا لخروج عبيد الله بن الحبحاب المتولي على خراج مصر منها، وقد تقدم عزل جماعة كبيرة من العمال بمصر بسبب عبيد الله المذكور، فدبر عليه الوليد هذا حتى أخرجه هشام من مصر واستعمله على إفريقية، فسار إليها عبيد الله بن الحبحاب واشتغل بها عن خراج مصر، فإنه في أول خروجه سير جيشاً إلى صقلية، «1» فلقيهم مراكب الروم فاقتتلوا قتالاً شديداً وانهزم الروم، وكانوا قد أسروا جماعةً من المسلمين فيهم عبد الله بن زياد فبقي أسيراً إلى سنة إحدى وعشرين ومائة، ثم استعمل عبيد الله بن الحبحاب عقبة بن الحجاج العبسي على الأندلس فسار إليها وملكها، ثم سير عبيد الله جيشاً إلى السوس «2» وأرض السودان فغنموا وظفروا وعادوا. ولما خرج عبيد الله بن الحبحاب من مصر جمع له الخليفة خراج مصر وصلاتها وعظم أمره ومهد البلاد وساس الناس ومالت إليه الرعية، ثم عزل عن الخراج أيضاً واستقل بصلاة مصر على عادته أولاً إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره.

*** السنة التي حكم في محرمها عبد الملك بن رفاعة على مصر ثم في باقيها الوليد بن رفاعة وهي سنة تسع ومائة- فيها غزا أسد بن عبد الله القسري الترك فهزم خاقان وافتتح قزوين «3» . وفيها غزا معاوية ابن الخليفة أمير المؤمنين هشام بن

ص: 266

عبد الملك الروم وفتح حصناً يقال له: الطينة «1» . وفيها توفي لاحق بن حميد بن سعيد السدوسي البصري في قول الفلاس وهو أبو مجلز المقدم ذكره، وهو من الطبقة الثانية، وكان بمرو لما قتل قتيبة بن مسلم، فولاه أهل مرو أمرهم حتى قدم وكيع ابن أبي سود «2» ، وكان لاحق هذا يركب مع قتيبة في موكبه فيسبح الله اثنتي عشرة ألف تسبيحة يعدها على أصابعه لا يعلم به أحد. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام وهو عامل مكة والمدينة والطائف، وخطب الناس وقال: سلونى فإنكم لا تسألون أحداً أعلم مني؛ فسأله رجل من أهل العراق [عن]«3» الأضحيّة [أ]«4» واجبة هي؟ فما درى ولا أجاب ونزل ولم يتكلم.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وخمسة عشر إصبعاً مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وخمسة أصابع.

*** السنة الثانية من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة عشر ومائة- فيها غزا مسلمة بن عبد الملك بلاد الخزر، وتسمى هذه الغزوة غزوة الطين، والتقى مسلمة مع ملك الخزر واقتتلوا أياماً وكانت ملحمة عظيمة هزم الله فيها الكفار في سابع جمادى الآخرة. وفيها افتتح معاوية ابن الخليفة هشام بن عبد الملك حصنين كبيرين من أرض الروم. وفيها توفي الحسن بن أبي الحسن يسار أبو سعيد المعروف بالحسن البصري، كنيته أبو سعيد مولى زيد بن ثابت، ويقال: مولى حميد بن قحطبة.

وكان الحسن إمام أهل البصرة، وهو من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة؛ قال

ص: 267

الذهبي: بل كان إمام أهل العصر، ولد بالمدينة سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر، وكانت أمه مولاةً لأم سلمة أم المؤمنين، فكانت تذهب أمه لأم سلمة في الحاجة فتشاغله أم سلمة بثديها فربما در عليه. قال: وقد سمع من عثمان وهو يخطب وشهد يوم الدار «1» ، ورأى طلحة وعلياً، وروى عن عمران بن حصين والمغيرة بن شعبة وعبد الرحمن بن سمرة وأبي بكرة والنعمان بن بشير وخلق كثير من الصحابة وغيرهم؛ ومناقب الحسن كثيرة ومحاسنه غزيرة وعلومه مشهورة. وفيها توفي محمد بن سيرين أبو بكر الأنصاري البصري الإمام الرباني، من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، مولى أنس بن مالك، وهو صاحب التعبير، وكان أبوه سيرين من سبي جرجرايا «2» فكاتب أنساً على مال جزيل فوفاه له؛ ومولده لسنتين بقيتا من خلافة عمر رضي الله عنه. وفيها جمع خالد القسري الصلاة والأحداث والشرطة والقضاء بالبصرة لبلال ابن أبي بردة وعزل ثمامة عن القضاء. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام. وفيها توفي الفرزدق مقدم شعراء عصره، وكنيته أبو فراس، واسمه همّام بن غالب بن صعصعة ابن ناجية التميمي البصري، روى عن علي بن أبي طالب وغيره، وكان يرسل «3» ، وروى عن أبي هريرة وعن جماعة، وكان يقال: الفرزدق أشعر الناس عامة وجرير أشعر الناس خاصة.

قال محمد بن سلام: أتى الفرزدق إلى الحسن البصري فقال: إني قد هجوت إبليس فاسمع، قال: لا حاجة لنا بما تقول، قال: لتسمعن أو لأخرجن فلأقولن للناس إن الحسن ينهى عن هجاء إبليس، قال: فاسكت فإنك عن لسانه تنطق.

وللفرزدق هذا مع زوجته النّوار حكايات ظريفة. ومن شعره:

ص: 268

إن المهالبة الكرام تحملوا

دفع المكاره عن ذوي المكروه

زانوا قديمهم بحسن حديثهم

وكريم أخلاق بحسن وجوه

وفيها توفى جرير [بن] الخطفي، وهو جرير بن عطية بن حذيفة «1» بن بدر بن سلمة أبو حزرة التميمي البصري الشاعر المشهور، هو من الطبقة الأولى من شعراء الإسلام، مدح يزيد بن معاوية ومن بعده من الأمويين.

قال محمد بن سلام: ذاكرت مروان بن أبي حفصة فقال:

ذهب الفرزدق بالفخار وإنما

حلو القريض ومره لجرير

وعن هشام بن الكلبي عن أبيه: أن أعرابياً مدح عبد الملك بن مروان فأحسن فقال له عبد الملك: [هل] تعرف أهجى بيتٍ في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير:

فغض الطرف إنك من نمير

فلا كعباً بلغت ولا كلابا

قال: أصبت، فهل تعرف أرق بيت قيل في الإسلام؟ قال: نعم، قول جرير:

إن العيون التي في طرفها مرض

قتلننا ثم لم يحيين قتلانا

يصرعن ذا اللب حتى لا حراك به

وهن أضعف خلق الله إنسانا

قال: أحسنت؛ فهل تعرف جريراً؟ قال: لا والله؟ وإني إلى رؤيته لمشتاق، قال: فهذا جرير وهذا الأخطل وهذا الفرزدق، فأنشأ الأعرابي يقول:

فحيا الإله أبا حزرةٍ

وأرغم أنفك يا أخطل

وجد الفرزدق أتعس به

ودقّ خياشيمه الجندل

فأنشأ الفرزدق يقول:

بل أرغم الله أنفا أنت حامله

ياذا الخنا ومقال الزور والخطل

ص: 269

ما أنت بالحكم الترضى حكومته

ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل

فغضب جرير وقال أبياتاً، ثم وثب وقبل رأس الأعرابي وقال: يا أمير المؤمنين جائزتي له، وكانت كل سنة خمسة عشر ألفاً، فقال له عبد الملك: وله مثلها مني.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وستة عشر إصبعاً.

*** السنة الثالثة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة إحدى عشرة ومائة- فيها عزل الخليفة هشام بن عبد الملك أشرس بن عبد الله السّلمىّ عن خراسان وولاها الجنيد بن عبد «1» الرحمن المرّىّ، وسبب عزل أشرس لما فعله بالمدينة وكيف انتقضت عليه السّغد، وتخلف أهل بخارا واستجاشوا عليه بخاقان ملك الترك، وفتح على المسلمين باباً واسعاً ذهبت فيه الأموال وضعفت العساكر من سوء تدبيره.

وفيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام الصائفة ووغل في بلاد الروم، وغزا أيضاً أخوه سعيد بن هشام فوصل إلى قيسارية. وفيها ولى هشام الجراح بن عبد الله الحكمي على أرمينية. وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام. وفيها توفي يزيد بن عبد الله بن الشّخّير أبو العلاء من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، وكان من كلامه يقول: لأن أعافى فأشكر، أحبّ إلىّ من أن أبتلى فأصبر. وفيها غزا في البحر عبد الله بن أبي مريم. وفيها سارت الترك إلى أذربيجان فلقيهم الحارث بن عمرو فهزمهم بعد قتال كثير واستباح عسكرهم. وفيها عزل عبيدة بن عبد الرحمن عامل إفريقيّة عثمان ابن أبي نسعة عن الأندلس واستعمل عليها الهيثم بن عبد الله «2» الكناني.

ص: 270

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع سواء، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وستة عشر إصبعاً.

*** السنة الرابعة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة اثنتا عشرة ومائة- فيها زحف الجراح بن عبد الله الحكمي بالمسلمين من برذعة «1» إلى ابن خاقان ليدفعه عن أردبيل «2» ، فالتقى الجمعان وعظم القتال واشتد البلاء وانكسر المسلمون وقتل منهم خلق، منهم أمير الجيش الجراح بن عبد الله الحكمي المذكور، وكان أحد الأبطال، وغلبت الخزر على أذربيجان وحصل وهن عظيم على الإسلام. وفيها توفي رجاء بن حيوة أبو المقدام الكندي الأزدي، كان ثقةً فاضلاً كثير الحديث وكان سيد أهل زمانه؛ قال ابن عون: ثلاثة لم أر مثلهم كأنهم التقوا فتواصوا: ابن سيرين بالعراق، والقاسم بن محمد بالحجاز، ورجاء بن حيوة بالشأم. وكان رجاء عظيما عند بنى أميّة لا سيما عند عمر بن عبد العزيز، كان إذا قدمت لعمر بن عبد العزيز حلل يعزل منها حلة ويقول: هذه لخليلي رجاء بن حيوة. وفيها توفي شهر بن حوشب أبو عبد الله الأشعري وقيل أبو الجعد «3» ، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشأم، قرأ القرآن على عبد الله بن عباس سبع مرات. وفيها توفي طلحة بن مصرف بن عمرو أبو عبد الله وقيل أبو محمد، الكوفي الهمداني، من الطبقة الثالثة من تابعي أهل الكوفة، كان قارئ أهل الكوفة يقرءون عليه، فلما كثروا عليه كأنه كره ذلك، فمشى إلى الأعمش وقرأ عليه، فمال الناس إلى الأعمش وتركوه. وفيها غزا معاوية بن هشام الصائفة

ص: 271

فافتتح مدينة خرشنة «1» . وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام المخزومي، وقيل: سليمان بن هشام بن عبد الملك، أعني ابن الخليفة.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة سنة عشر ذراعاً وأربعة عشر إصبعاً.

*** السنة الخامسة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهى سنة ثلاث عشرة ومائة- فيها غزا الجنيد المري ناحية طخارستان، فجاشت الترك بسمرقند فالتقاهم الجنيد بقرب سمرقند فاقتتلوا قتالاً شديداً، فكتب الجنيد من البحر إلى سورة الدّارمىّ، بنجدة على سمرقند، فخرج سورة في جنده، فلقيته الترك على غرة فقتلته، فعاد الجنيد أيضاً لقتال الترك بعد قتل سورة ثانياً وقاتلهم حتى هزمهم ودخل سمرقند.

وفيها توفي مكحول الشامي أبو عبد الله، من الطبقة الثانية «2» من تابعي أهل الشأم، قال: كنت مولى لعمرو بن سعيد بن العاص فوهبني لرجل من هذيل، فأنعم علي بها، فما خرجت من مصر حتى ظننت أنه ليس بها علم إلا سمعته، ثم أتيت المدينة، وقال كما قال أوّلا، ثم أتيت الشعبي ولم أر مثله. وفيها حج بالناس الخليفة هشام بن عبد الملك. وفيها دخل جماعة من دعاة بني العباس إلى خراسان فأخذهم الجنيد ومثل بهم وقتلهم. وفيها توفي أبو محمد «3» البطال وقيل: أبو يحيى «4» ، واسمه عبد الله، أحد الموصوفين بالشجاعة والإقدام، ومن سارت بذكره الركبان، كان أحد أمراء

ص: 272

بني أمية، وكان على طلائع مسلمة بن عبد الملك بن مروان في غزواته، وكان ينزل بأنطاكية، شهد عدة حروب وأوطأ الروم خوفاً وذلاً.

قلت: والعامة تكذب على أبي محمد هذا بأقوال كثيرة، ويسمونه البطال، في سير كثيرة لا صحة لها. وفيها حج بالناس سليمان بن [هشام «1» بن] عبد الملك وقيل إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي. وفيها توفي حرام بن سعد بن محيصة أبو سعيد، وعمره سبعون سنة.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع سواء، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً سواء.

*** السنة السادسة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة أربع عشرة ومائة- فيها عزل الخليفة هشام أخاه مسلمة بن عبد الملك عن إمرة أذربيجان والجزيرة بابن عمه مروان بن محمد المعروف بالحمار آخر خلفاء بني أمية الأتي ذكره، فسار مروان بن محمد المذكور بجيشه حتى جاوز الروم فقتل وسبى من الترك. وفيها غزا الجنيد بلاد الصّغانيان «2» من الترك فرجع ولم يلق كيداً. وفيها ولي إمرة المغرب عبيد الله بن الحبحاب السكوني «3» صاحب خراج مصر، فتوجه إليها وبقي عليها تسع سنين.

وفيها توفي عطاء بن أبي رباح المكي أبو محمد بن أسلم «4» مولى قريش أحد أعلام التابعين، ولد في خلافة عثمان، وسمع من كبار الصحابة. وفيها توفي محمد الباقر، وكنيته أبو جعفر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي العلوي

ص: 273

سيد بني هاشم في زمانه، روى عن ابن عباس وغيره، وهو أحد [الأئمة «1» ] الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة عصمتهم، مولده في سنة ست وخمسين. ولمحمد هذا إخوة أربعة «2» ، وهم: زيد الذي صلب، وعمر، وحسين «3» ، وعبد الله، الجميع بنو زين العابدين، رضي الله عنهم. وفيها عزل الخليفة هشام بن عبد الملك إبراهيم بن هشام عن إمرة المدينة وولاها خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص؛ وإبراهيم المعزول هو خال الخليفة هشام بن عبد الملك. وفيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام ابن عبد الملك الصائفة اليسرى فأصاب شيئاً كثيراً، وأن عبد الله البطال التقى هو وقسطنطين في جمع فهزمهم البطال وأسر قسطنطين. وفيها غزا سليمان ابن الخليفة هشام الصائفةٍ اليمنى فبلغ قيساريّة. وفي هذه «4» السنة عزل هشام إبراهيم بن هشام بن إسماعيل المخزومي عن إمرة المدينة واستعمل عليها خالد بن عبد الملك بن الحارث ابن الحكم في ربيع الأول، وكانت إمرة إبراهيم على المدينة ثمان سنين، وعزل إبراهيم أيضاً عن مكة وعن الطائف، واستعمل عليها محمد بن هشام المخزومىّ. وفيها وقع الطاعون بواسط.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً.

*** السنة السابعة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة خمس عشرة ومائة- فيها خرج الحارث بن سريج «5» عن طاعة الخليفة وتغلب على مرو وجوزجان «6» ،

ص: 274

فسار إليه أسد بن عبد الله القسري، فالتقوا فآنهزم الحارث، وأسر أسد عدة من أصحاب الحارث وبدع فيهم. وفيها وقع بخراسان قحط شديد ومجاعة عظيمة. وفيها توفي عمرو بن مروان بن الحكم الأمير أبو حفص، وأمه زينب بنت عمر بن أبي سلمة المخزومىّ؛ كان عمرو من خيار بني أمية، ولم يكن بمصر في أيام بني أمية أفضل منه. وفيها غزا معاوية ابن الخليفة هشام أرض الروم وافتتح حصوناً. وفيها وقع الطاعون بالشأم. وفيها حج بالناس محمد بن هشام المخزومىّ، وكان الأمير بخراسان الجنيد.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً.

*** السنة الثامنة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة ست عشرة ومائة- فيها بعث عبيد الله بن الحبحاب أمير إفريقية ببلاد المغرب جيشاً إلى بلاد السودان فغنموا وسبوا. وفيها غزا المسلمون في البحر مما يلي صقلية فأصيبوا. وفيها تزوج الجنيد فاضلة بنت المهلب بن أبي صفرة، وبلغ [ذلك] الخليفة هشاماً فغضب وعزل الجنيد عن خراسان وولاها عاصم بن عبد الله بن يزيد الهلالي، وقال له: إن أدركته حياً فأزهق نفسه، فقدم عاصم خراسان وقد مات الجنيد، وكان بالجنيد مرض البطن. وفيها توفيت حفصة بنت سيرين أخت محمد بن سيرين؛ وكانت زاهدةً عابدة، قرأت القرآن وهي بنت اثنتي عشرة سنة وماتت وهي بنت تسعين سنة. وفيها توفي نافع مولى عبد الله بن عمر بن الخطاب، وهو من الطبقة الثالثة من التابعين، وكان عبد الله بن جعفر أعطى ابن عمر فيه اثني عشر ألف درهم فأبى وأعتقه، وكان نافع عند عبد الله بن عمر كبعض ولده، وكان نافع ثقة كثير الحديث. وفيها غزا

ص: 275

معاوية بن هشام بن عبد الملك أرض الروم الصائفة. وفيها كان الطاعون بالعراق وكان أشده بمدينة واسط وسواحلها.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعاً ونصف إصبع.

*** السنة التاسعة من ولاية الوليد بن رفاعة على مصر وهي سنة سبع عشرة ومائة- فيها جاشت الترك بخراسان، ومعهم الحارث بن سريج الخارجي، وعليهم الخاقان الكبير، فعاثوا وأفسدوا ووصلوا إلى بلد مرو الروذ، فسار إليهم أسد القسرىّ فالتقاهم وقاتلهم حتى هزمهم، وكانت وقعة هائلة قتل فيها من الترك خلائق. وفيها افتتح مروان بن محمد المعروف بالحمار متولي أذربيجان ثلاثة حصون، وأسر تومانشاه «1» وبعث به إلى الخليفة هشام بن عبد الملك، فمن عليه وأعاده إلى مملكته.

وفيها غزا عبيد الله بن الحبحاب أمير إفريقية عدة بلاد من المغرب فغنم وسلم.

وفيها توفيت سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب، واسمها آمنة، وأمّها الرّباب بنت امرئ القيس بن عدي، وكانت من أجمل نساء عصرها. وفيها توفي عبد الرحمن بن هرمز الأعرج مولى محمد بن ربيعة، وكنيته أبو داود، من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة. وذكر الذهبي في هذه السنة وفاة جماعة أخر، قال:

وتوفي سعيد بن يسار، وقد ذكره عبد الله بن أبي زكريا الخزاعىّ، وتوفى شريح ابن صفوان بمصر، وعبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، وعائشة بنت سعد، وعمر ابن الحكم بن ثوبان، وفاطمة بنت علي بن أبي طالب، وقتادة بن دعامة المفسر

ص: 276