المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ولاية مسلمة بن مخلد على مصر - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[خطبة المؤلف]

- ‌ذكر فتح مصر لابن عبد الحكم وغيره

- ‌ذكر ما ورد في فضل مصر من الآيات الشريفة والأحاديث النبوية

- ‌ذكر ما ورد في نيل مصر

- ‌ذكر ما قيل في سبب تسمية مصر بمصر

- ‌[ذكر من ملك مصر قبل الإسلام]

- ‌ذكر ولاية عمرو بن العاص الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية أبن أبي سرح على مصر

- ‌ذكر استيلاء محمد بن [أبي] حذيفة على مصر

- ‌ذكر ولاية قيس بن سعد بن عبادة على مصر

- ‌ذكر ولاية الأشتر النخعي على مصر

- ‌ذكر ولاية محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه على مصر

- ‌ذكر ولاية عمرو بن العاص ثانياً على مصر

- ‌ذكر ولاية عتبة بن أبي سفيان على مصر

- ‌ذكر ولاية عقبة بن عامر على مصر

- ‌ذكر ولاية مسلمة بن مخلد على مصر

- ‌ذكر ولاية سعيد بن يزيد على مصر

- ‌ذكر خلافة معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان الأموي ثالث خلفاء بني أمية ووفاته

- ‌ذكر ولاية عبد الرحمن بن جحدم على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد العزيز بن مروان على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الله بن عبد الملك على مصر

- ‌ذكر ولاية قرة بن شريك على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن رفاعة الأولى على مصر

- ‌ذكر وفاة موسى بن نصير المذكور

- ‌ذكر ولاية أيوب بن شرحبيل على مصر

- ‌ذكر ولاية بشر بن صفوان على مصر

- ‌ذكر ولاية حنظلة بن صفوان الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية محمد بن عبد الملك على مصر

- ‌ذكر ولاية الحر بن يوسف على مصر

- ‌ذكر ولاية حفص بن الوليد الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن رفاعة الثانية على مصر

- ‌ذكر ولاية الوليد بن رفاعة على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الرحمن بن خالد على مصر

- ‌ذكر ولاية حنظلة بن صفوان الثانية على مصر

- ‌ذكر ولاية حفص بن الوليد ثانياً على مصر

- ‌ذكر ولاية حسان بن عتاهية على مصر

- ‌ذكر ولاية حفص بن الوليد الثالثة على مصر

- ‌ذكر ولاية حوثرة بن سهيل على مصر

- ‌ذكر ولاية المغيرة بن عبيد الله على مصر

- ‌ذكر ولاية عبد الملك بن مروان على مصر

- ‌ذكر بيعة السفاح بالخلافة

- ‌ذكر ولاية صالح بن علي العباسي الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية أبي عون الأولى على مصر

- ‌ذكر ولاية صالح بن علي العباسي ثانياً على مصر

- ‌ذكر ولاية أبي عون الثانية على مصر

- ‌ذكر ولاية موسى بن كعب على مصر

- ‌ذكر ولاية محمد بن الأشعث على مصر

- ‌ذكر ولاية حميد بن قحطبة على مصر

الفصل: ‌ذكر ولاية مسلمة بن مخلد على مصر

وقيل إنه مات في سنة تسع وأربعين. وفيها توفي هرم بن حيان العبدي «1» البصري ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى من الفقهاء المحدثين والزهاد من أهل البصرة، وهو أحد الزهاد الثمانية.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وسبعة «2» أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وتسعة أصابع. وفي الدرر: ثمانية عشر ذراعاً وتسعة أصابع.

*** السنة الثالثة من ولاية عقبة بن عامر الجهني على مصر وهي سنة سبع وأربعين- فيها عزل عقبة المذكور عن مصر. وفيها سار رويفع بن ثابت الأنصاري من طرابلس الغرب ودخل إفريقية ثم عاد من سنته. وفيها غزا عبد الله بن سوار العبدي القيقان أيضاً، فجمع له الترك والتقوا معه فاستشهد عبد الله وسائر من كان معه من الجيوش. وفيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم. وفيها أقام الموسم عنبسة ابن أبي سفيان. وفيها توفي قيس بن عاصم بن سنان؛ ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة في الصحابة ممن أسلم من العرب ورجع إلى بلاد قومه، وكنيته أبو علي وقيل أبو قبيصة.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة عشر إصبعاً.

وفي درر التيجان: وثلاثة وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وسبعة أصابع.

‌ذكر ولاية مسلمة بن مخلد على مصر

هو مسلمة بن مخلّد بن صامت بن نياز بن لوذان بن عبد ودّ بن زيد بن ثعلبة ابن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج بن حارثة، أبو معن «3» وقيل أبو سعيد،

ص: 132

الصحابي الأنصاري (ومسلمة بفتح الميم وسكون السين المهملة، ومخلد بضم الميم وتشديد اللام) . ولاه معاوية بن أبي سفيان مصر بعد عزل عقبة بن عامر الجهني في سنة سبع وأربعين حسبما تقدم ذكره في أخر ترجمة عقبة، وجمع له معاوية الصلاة والخراج وبلاد المغرب. فلما ولي مسلمة مصر انتظمت غزواته في البر والبحر: منها غزوة القسطنطينية الآتي ذكرها، ولم يحضرها غير أنه حسن لمعاوية غزوها. وفي أيام ولايته على مصر نزلت الروم البرلس «1» في سنة ثلاث وخمسين فاستشهد في الوقعة وردان مولى عمرو بن العاص في جمع من المسلمين. وفي إمرته لمصر أيضاً هدم ما كان عمرو بن العاص بناه من المسجد بمصر وبناه هو وأمر ببناء منار المسجد، وهو أول من أحدث المنار بالمساجد والجوامع. وخرج مسلمة إلى الإسكندرية في سنة ستين واستخلف على مصر عابس بن سعيد، فجاءه الخبر بموت معاوية بن أبي سفيان في شهر رجب منها واستخلاف يزيد بن معاوية بعد أبيه، وكتب إليه يزيد بن معاوية وأقره على عمل مصر، وكتب إليه أيضاً بأخذ البيعة له؛ فندب مسلمة عابساً وكتب إليه من الإسكندرية بذلك؛ فطلب عابس أهل مصر وبايع ليزيد فبايعه الجند والناس إلا عبد الله بن عمرو بن العاص، فدعا عابس بالنار ليحرق عليه بابه، فحينئذ بايع عبد الله بن عمرو ليزيد على كره منه. ثم قدم مسلمة من الإسكندرية فجمع لعابس مع الشرطة القضاء في أوّل سنة إحدى وستين. اهـ.

وقال الذهبي: مسلمة بن مخلد الأنصاري له صحبة ورواية، وحدّث عنه شيبان ابن أمية وعلي بن رباح ومجاهد وعبد الرحمن بن شماسة وغيرهم، قال: ولدت حين

ص: 133

قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، وقد ولي ديار مصر لمعاوية. انتهى كلام الذهبي.

وقال ابن عبد «1» الحكم: مسلمة بن مخلد الأنصاري لهم عنه حديث واحد ليس [لهم «2» ] عنه غيره، وهو حديث موسى بن علي عن أبيه أنه سمعه يقول وهو على المنبر:

توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين. لم يرو عنه غير أهل مصر، وأهل «3» البصرة لهم عنه حديث واحد، وهو حديث أبي هلال الراسبي قال حدثنا جبلة ابن عطية عن مسلمة بن مخلد: أنه رأى معاوية يأكل، فقال لعمرو بن العاص:

إن ابن عمك لمخضد، ثم قال: أما إني أقول هذا وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم علمه الكتاب ومكن له في البلاد ووقه العذاب» . وربما أدخل بعض المحدثين بين جبلة بن عطية وبين مسلمة رجلاً.

وقد ولي مسلمة بن مخلد مصر، وهو أول من جمع له مصر والمغرب، وتوفي سنة اثنتين وستين، وكان يكنى أبا سعيد. انتهى كلام ابن عبد الحكم. وكان مسلمة كثير العبادة.

قلت: وأما غزوة القسطنطينية التي وعدنا بذكرها فإنها كانت في سنة تسع وأربعين؛ وكان مسلمة هذا حرض معاوية عليها، فأرسل إليها معاوية جيشاً كثيفاً وأمر عليهم سفيان بن عوف وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم، فتثاقل يزيد واعتذر، فأمسك عنه أبوه، فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد؛ فأنشد يزيد يقول:

ص: 134

ما إن أبالي بما لاقت جموعهم

بالغذقذونة «1» من حمى ومن موم

إذا اتكأت على الأنماط مرتفقاً

بدير مران عندي أم كلثوم

- وأم كلثوم امرأته وهي ابنة عبد الله بن عامر- فبلغ معاوية شعره فأقسم عليه ليلحقن بسفيان بأرض الروم ليصيبه ما أصاب الناس، فسار ومعه جمع كبير. وكان في هذا الجيش ابن عباس وابن عمرو ابن عمرو «2» وابن الزبير وأبو أيوب الأنصاري وغيرهم، فأوغلوا في بلاد الروم [حتى بلغوا القسطنطينية «3» ] ، فاقتتل المسلمون والروم واشتد الحرب بينهم، فلم يزل عبد العزيز يتعرض للشهادة فلم يقتل، ثم حمل بعد ذلك عليهم وانغمس بينهم. فشجره الروم برماحهم حتى قتلوه، فبلغ معاوية قتله فقال لأبيه: هلك والله فتى العرب! فقال أبوه لمعاوية: ابني أم ابنك؟ فقال:

ابنك، فآجرك الله؛ فقال:

فإن يكن الموت أودى به

وأصبح مخ الكلابي زيرا

فكل فتى شارب كأسه

فإما صغيراً وإما كبيرا

قال مجاهد: صليت خلف مسلمة بن مخلد، فقرأ سورة البقرة فما ترك ألفاً ولا واواً.

وقال ابن سعد في كتاب الطبقات الكبرى من تصنيفه: حدثنا معن بن عيسى حدثنا موسى بن علي بن رباح عن أبيه عن مسلمة بن مخلد قال: أسلمت وأنا ابن أربع سنين، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن أربعة عشرة سنة.

ص: 135

وقال محمد بن عمرو: «1» يروي مسلمة بن مخلّد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم قال: وتحول إلى مصر ونزلها، وكان مع أهل خربتا، وكانوا «2» أشدّ أهل المغرب [وأعده]«3» ، وكان له بها ذكر ونباهة؛ ثم صار إلى المدينة فمات بها فى خلافة معاوية. اهـ.

قلت: وهذا القول يخالف فيه الجمهور. والذي قاله المؤرخون: إنه استمر على عمله حتى توفي لخمس بقين من شهر رجب سنة اثنتين وستين. وكانت ولايته على مصر خمس عشرة سنة وأربعة أشهر. وتولى مصر من بعده سعيد بن يزيد.

وقال الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن يونس على ما أخبرنا: شهد مسلمة فتح مصر واختط بها، وولي الجند لمعاوية بن أبي سفيان ولابنه يزيد بن معاوية؛ وروى عنه من أهل مصر علي بن رباح وهشام بن أبي رقيّة وأبو قبيل وهلال ابن عبد الرحمن ومحمد بن كعب وغيرهم، توفي بالإسكندرية سنة اثنتين وستين في ذي القعدة.

حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا وكيع حدثنا موسى ابن علي عن أبيه قال: سمعت مسلمة بن مخلّد يقول: ولدت حين قدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، وتوفي وأنا ابن عشر سنين. قال ابن يونس: هذا الحديث غريب، وقد رواه معن بن عيسى وعبد الرحمن بن مهدي وغيرهما عن موسى ابن علي. انتهى كلام ابن يونس.

هذا ما وقع لنا من أخبار مسلمة بن مخلد المذكور، ويأتي ذكره أيضاً في سني ولايته على مصر كما هي عادتنا في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

ص: 136

*** السنة الأولى من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ثمان وأربعين- فيها كتب معاوية بن أبي سفيان الخليفة إلى زياد لما بلغه قتل عبد الله بن سوار:

أنظر لي رجلاً يصلح لثغر الهند أوجهه إليه؛ فوجه إليه زياد سنان بن سلمة «1» الهذلي، فولاه معاوية الهند. وفيها عزل معاوية مروان بن الحكم عن إمرة المدينة بسعيد بن العاص الأموي. وفيها قتل بالهند عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي. وفيها توفي الحارث بن قيس الجعفي الفقيه صاحب عبد الله بن مسعود، وقيل: إنه مات في غير هذه السنة. وفيها كان مشتى عبد الرحمن القيني «2» بإنطاكية.

وفيها كانت صائفة عبد الله بن قيس الفزاري. وفيها كانت غزوة مالك بن هبيرة السكوني في البحر. وفيها استعمل زياد غالب بن فضالة الليثي على خراسان، وكانت له صحبة. وفيها حج بالناس مروان بن الحكم، وهو يتوقع العزل لموجدةٍ كانت من معاوية عليه، وارتجع معاوية منه فدك وكان وهبها له.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وإصبعان.

*** السنة الثانية من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة تسع وأربعين- فيها شتى مالك بن هبيرة بأرض الروم، وقيل ما شتى بها إلا فضالة بن عبيد الأنصاري.

وفيها حج بالناس سعيد بن العاص؛ وفيها قتل زياد بالبصرة الخطيم الباهلىّ الخارجىّ.

ص: 137

وفيها خرج على المغيرة بن شعبة وهو والي الكوفة شبيب بن بجرة الأشجعي، وهو غير شبيب الذي خرج على الحجاج بن يوسف، فوجه إليه المغيرة كثير بن شهاب الحارثي فقتله بأذربيجان. وكان شبيب ممن شهد النهروان. وفيها كانت غزوة فضالة بن عبيد جربة «1» وشتى بها، وفتحت على يده وأصاب فيها سبايا كثيرة. وفيها كانت صائفة عبد الله بن كرز البجلي. وفيها كانت غزوة يزيد بن شجرة الرهاوي بالبحر فشتى بأهل الشام. وفيها كانت غزوة عقبة بن نافع في البحر فشتى بأهل مصر. وفيها عزل مروان عن المدينة بسعيد بن العاص في شهر ربيع الأول، فكانت ولاية مروان ثماني سنين وشهرين، وكان على قضاء المدينة عبد الله بن الحارث بن نوفل فعزله سعيد حين ولي واستقضى أبا سلمة بن عبد الرحمن. وفيها توفي الحسن بن علي، والأصح أنه في الآتية، كما سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وستة أصابع.

*** السنة الثالثة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة خمسين من الهجرة- فيها وجّه زياد الربيع الحارثي إلى خراسان فغزا بلخ وكانت قد انتقضت بعد رواح الأحنف بن قيس عنها فصالحوا الربيع هذا ورحل عنها وغزا قوهستان فافتتحها عنوة. وفيها أراد معاوية نقل منبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم من المدينة وأن يحمل إلى الشام، وقال: لا يترك هو وعصا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهم قتلة عثمان، فطلب العصا وهي عند سعد القرظ، وحرك المنبر فكسفت

ص: 138

الشمس حتى رئيت النجوم باديةً «1» ، فأعظم الناس ذلك فتركه. وقيل: بل أتاه جابر وأبو هريرة فقالا له: يا أمير المؤمنين، لا يصلح أن يخرج منبر النبي صلى الله عليه وسلم من موضع وضعه وتنقل عصاه إلى الشام، فانقل المسجد؛ فتركه معاوية وزاد فيه ست درجات واعتذر مما صنع. وفيها افتتح معاوية بن حديج (بضم الحاء المهملة مصغراً) فتحاً كبيراً بالمغرب، وكان قد جاءه عبد الملك بن مروان في مدد أهل المدينة. وهذه أول غزوة لعبد الملك بن مروان. وفيها ولى معاوية زياداً البصرة والكوفة معاً بعد موت المغيرة بن شعبة، فعزل زياد الربيع عن سجستان وولاها لعبيد الله بن أبي بكرة. وفيها غزا يزيد بن معاوية القسطنطينية وكان معه فيها وجوه الناس، وممن كان معه أبو أيوب الأنصاري وقد ذكرناها (أعني هذه الغزوة فى أصل الترجمة) . وفيها توفى السيد حسن بن علىّ ابن أبي طالب رضي الله عنه، وكنيته أبو محمد الهاشمي، القرشي السيد ابن السيد ابن السيدة فاطمة الزّهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولد في شعبان سنة ثلاث من الهجرة، وقيل في نصف شهر رمضان منها، قاله الواقدىّ. وكان ريحانة النّبيّ صلى الله عليه وسلم وشبيهاً به. ولي الخلافة بعد موت أبيه علي بن أبي طالب في شهر رمضان سنة أربعين؛ واجتمع عليه المسلمون وأحبوه حباً شديداً وألزموه حرب معاوية، فسار على كرهٍ منه، فلما كان في بعض الطريق اختلف عليه بعض أصحابه فضاق صدره، ثم أرسل إلى معاوية يسأله الصلح ويسلم له الأمر، فوقع ذلك وشق على أصحابه وكادت نفوسهم تذهب، ودخل عليه سفيان أحد أصحابه وقال له: السلام عليك

ص: 139

يا مذل المؤمنين؛ فقال الحسن: لا تقل ذلك، إني كرهت أن أقتلكم في طلب الملك.

قال الحافظ الذهبي قال أبو بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقول: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» أخرجه البخاري.

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» صححه الترمذي.

قلت: ومناقب الحسن كثيرة يضيق هذا المحل عن ذكرها، وكانت وفاته بالمدينة في شهر ربيع الأول ودفن بالبقيع رضي الله عنه. وفيها توفيت أم المؤمنين صفية بنت حيىّ بن أخطب بن سعية «1» من سبط لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، ثم من ولد هارون أخي موسى عليهما السلام؛ سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر، وجعل عتقها صداقها وتزوجها، وماتت في هذه السنة وقيل في سنة ست وثلاثين، والأول أشهر. وفيها كانت بناية مدينة القيروان بالمغرب.

وفيها كان الطاعون العظيم بالكوفة وأميرها المغيرة بن شعبة، ومات فيه بعد أن فر منه. وهذا الطاعون رابع طاعون مشهور وقع في الإسلام؛ فإن الأول كان بالمدائن فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ والثاني طاعون عمواس «2» في زمان عمر رضي الله عنه؛ والثالث بالكوفة وأميرها أبو موسى الأشعري؛ ثم هذا الطاعون أيضاً بالكوفة.

وفيها توفي المغيرة بن شعبة بن أبي عامر بن مسعود، أبو عيسى ويقال أبو محمد،

ص: 140

صحابي مشهور، وكان من دهاة العرب، يقال له: مغيرة الرأي، وكان كثير الزواج.

قال المغيرة: تزوجت بسبعين امرأة. وقال مالك: كان المغيرة نكاحاً للنساء، ويقول: صاحب المرأة إن مرضت مرض وإن حاضت حاض؛ وصاحب المرأتين بين نارين تشعلان. وقال ابن المبارك: كان تحت المغيرة أربع نسوة فصفهن بين يديه وقال: أنتن حسان الأخلاق، طويلات الأعناق، ولكني رجل مطلاق، فأنتنّ الطلاق.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وأربعة أصابع.

*** السنة الرابعة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة إحدى وخمسين من الهجرة- فيها حج بالناس معاوية وأخذهم ببيعة ابنه يزيد. وفيها كانت مقتلة حجر بن عدي وعمرو بن الحمق وأصحابهما. قال ابن الأثير في تاريخه الكامل قال الحسن «1» : أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلّا واحدة لكانت موبقة:

انتزاؤه «2» على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشهورة وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة، واستخلافه ابنه بعده سكيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زيادا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«الولد للفراش وللعاهر الحجر» ، وقتله حجراً وأصحاب حجر، فيا ويلاه من حجر! ويا ويلاه من أصحاب حجر!! وفيها توفي سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى أبو الأعور القرشي العدوي الصحابي؛

ص: 141

أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، كان أميراً على ريع «1» المهاجرين، وولي دمشق نيابة عن أبي عبيدة بن الجراح وشهد فتحها، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها بعد بدر. وقال الواقدي: توفي سنة إحدى وخمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، وقبره بالمدينة ونزل في قبره سعد وابن عمر، وكان رجلاً آدم طويلاً أشعر. وفيها توفي أبو أيوب الأنصاري خالد بن زيد بن كليب بن ثعلبة بن عبد [بن «2» ] عوف بن غنم بن مالك بن النجار، الخزرجىّ النجّارىّ المدني الصحابي، شهد بدراً والعقبة، وعليه نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة فبقي في داره شهراً حتى بنيت حجرته ومسجده، وكان من نجباء الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة سبع من الهجرة، وروى عنها مولياها عطاء وسليمان ابنا يسار وابن أختها يزيد بن الأصم وابن أختها عبد الله بن عباس وابن أختها عبد الله ابن شداد بن الهاد وجماعة أخر؛ وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم عند أبى رهم ابن عبد العزّى العامرىّ فتأيّمت منه، فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت أمرها إلى العباس فزوجها منه، وبنى بها بسرف بطريق مكة لما رجع من عمرة القضاء، وهي أخت لبابة الكبرى زوجة العباس ولبابة الصغرى آم خالد بن الوليد، وأخت أسماء بنت عميس لأمها، وأخت زينب بنت خزيمة أيضاً لأمها.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وخمسة أصابع، مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعاً وثلاثة وعشرون إصبعاً. وفي درر التيجان: وستة وعشرون إصبعا.

ص: 142

*** السنة الخامسة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة اثنتين وخمسين- فيها شتى بسر بن أبي أرطاة بأرض الروم (وهو بضم الموحدة وسكون السين المهملة) .

وفيها حج بالناس سعيد بن العاص. وفيها توفي أبو أيوب الأنصاري، واسمه خالد بن زيد فى قول بن الأثير، كان من نجباء الصحابة، شهد العقبة وبدراً وأحداً وقد تقدم ذكره ووفاته في سنة تسع وأربعين. وفيها توفي كعب بن عجرة ولد خمس وسبعون سنة.

وفيها صالح عبيد الله بن أبى بكرة الثقفىّ رتبيل «1» وبلاده على ألف ألف درهم.

وفيها ولد يزيد بن أبي حبيب فقيه أهل مصر. وفيها توفي عمران بن الحصين بن عبيد ابن خلف، أبو نجيد (بضم النون مصغراً) ، الخزاعي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولي قضاء البصرة، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعثه إليهم ليفقههم. وفيها توفي معاوية بن حديج التجيبي الكندي، وقد تقدم من أخباره نبذ كثيرة فيما تقدم.

وهو من كبار العثمانية وممن كان بخربتا وحارب جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقتل محمد بن أبي بكر الصديق وكان من أنياب العرب وكبارها. وفيها خرج زياد بن خراش العجلىّ فى ثلثمائة فارس فأتى أرض مسكن من السواد، فسير إليه زياد خيلاً عليها سعد بن حذيفة أو غيره. فقتلوهم وقد صاروا إلى ماه. وخرج أيضاً على زياد رجل من طيّئ يقال له معاذ، فأتى نهر عبد الرحمن بن أم الحكم في ثلاثين رجلاً، فبعث اليه زياد من قتله وقتل أصحابه، وقيل بل حل لواءه واستأمن؛ ويقال لهم أصحاب نهر عبد الرحمن.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وثلاثة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وعشرون إصبعاً.

ص: 143

*** السنة السادسة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ثلاث وخمسين- فيها أستعمل معاوية على الكوفة الضحاك بن قيس الفهرىّ بعد موت زياد بن أبيه، واستعمل على البصرة سمرة بن جندب، وعزل عبيد الله ابن أبي بكرة عن سجستان وولاها لعباد بن زياد بن أبيه، فغزا عباد المذكور قندهار حتى بلغ بيت الذهب، فجمع له الهند جمعاً هائلاً، فقاتلهم عباد حتى هزمهم، ولم يزل على إمرة سجستان حتى توفي معاوية بن أبي سفيان. وفيها توفّى عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق في نومة نامها، واسم أبي بكر عبد الله بن أبي قحافة عثمان التيمي القرشي الصحابي، مات بمكة وكان شجاعاً رامياً، أسلم قبل الفتح. وفيها توفي عمرو بن حزم الخزرجي الصحابي، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على نجران، وكان من نجباء «1» الصحابة. وفيها شتى عبد الرحمن بن أم الحكم بأرض الروم. وفيها أقام الموسم سعيد بن العاص. وفيها أمر معاوية على خراسان عبيد الله بن زياد.

وفيها قتل عابد بن ثعلبة البلوي أحد الصحابة، قتله الروم بالبرلس. وفيها فتحت رودس (جزيرة في البحر) فتحها جنادة بن أبي أمية الأزدي ونزلها المسلمون وهم على حذر من الروم، وكانوا أشد شيء على الروم يعترضونهم في البحر ويأخذون سفنهم، وكان معاوية يدر لهم العطاء، وكان العدو قد خافهم، فلما مات معاوية أقفلهم ابنه يزيد. وفيها توفّى زياد بن أبيه، كان ولي الكوفة والبصرة والعراق لمعاوية، وكان من دهاته»

؛ وقال مسكين الدارمىّ يرثيه بقوله:

رأيت زيادة الإسلام ولت

جهاراً حين ودعنا زياد

ص: 144

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وسبعة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وأربعة أصابع.

*** السنة السابعة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة أربع وخمسين- فيها عزل معاوية سعيد بن العاص عن إمرة المدينة وولاها لمروان بن الحكم ثانية.

وفيها غزا عبيد الله بن زياد وقطع النهر وعدى إلى بخارا على الإبل، فكان أوّل عربىّ قطع النهر، وافتتح بها البلاد. وفيها وجه الضحاك بن قيس من الكوفة ابن هبيرة الشيباني إلى غزو طبرستان، فصالحه أهلها على خمسمائة ألف درهم. وفيها عزل معاوية سمرة ابن جندب عن البصرة وولاها لعبد الله بن عمرو بن غيلان الثقفي. وفيها حج بالناس مروان بن الحكم أمير المدينة، وقال ابن الأثير «1» : سعيد بن العاص، وكان عامل المدينة. وفيها توفي أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبىّ، حبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبه ومولاه، كنيته أبو زيد، وقيل أبو محمد، وقيل أبو حارثة. ففي الصحيح عن أسامة قال: كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يأخذني والحسين ويقول: «اللهم إني أحبهما فأحبهما» . وأمة أم أيمن بركة حاضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاته، وكان أسود كالليل وأبوه أبيض أشقر، قاله إبراهيم بن سعد. وفيها توفي ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي جبير «2» بن مطعم بن عدي بن نوفل النوفلي الصحابي، أسلم بعد بدر وحضر عدّة مشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام

ص: 145

النجّارىّ الصحابىّ شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤيد بروح القدس وعاش هو وأبوه وجده وجد أبيه كل واحد مائة وعشرين سنة. وفيها توفي سعيد بن يربوع المخزومي الصحابي عن مائة وعشرين سنة أيضاً، أسلم في الفتح. وفيها توفّى عبد الله ابن أنيس الجهني الصحابي حليف الأنصار شهد العقبة. وفيها توفّى حكيم بن حزام ابن خويلد بن أسد أبو خالد الأسدي الصحابي ابن أخى خديجة زوجة النّبيّ صلى الله عليه وسلم، أسلم في الفتح وكان سيداً شريفاً، ولد في جوف الكعبة وأعتق في الجاهلية والإسلام مائتي رقبة وجاوز مائة السنة من العمر. وفيها توفي أبو قتادة الأنصاري السلمي فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسمه الحارث بن ربعي. وكان من نجباء الصحابة رضي الله عنهم. وفيها توفي مخرمة بن نوفل الزهري الصحابي عن مائة وخمس عشرة سنة، وكان من المؤلفة قلوبهم، والمسور هو ابنه. وفيها مات فيروز «1» الديلمي وكانت له صحبة وكان مع معاوية وأستعمله على صنعاء. وفيها مات فضالة ابن عبيد الأنصاري بدمشق وكان قاضيها، وقيل في موته غير ذلك، شهد أحداً وما بعدها. وخرجت «2» هذه السنة وعلى الكوفة عبد الله بن خالد بن أسيد، وعلى البصرة سمرة، وعلى خراسان خليد بن يربوع الحنفي (وأسيد بفتح الهمزة وكسر السين المهملة وسكون الياء المعجمة باثنتين من تحت) .

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وثلاثة عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وثمانية أصابع.

ص: 146

*** السنة الثامنة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة خمس وخمسين- فيها عزل معاوية عن البصرة عبد الله الثقفي وولاها لعبيد الله بن زياد. وفيها حج بالناس مروان بن الحكم أمير المدينة. وفيها عزل معاوية عبد الله بن خالد عن الكوفة وولّاها الضحّاك بن قيس. وفيها توقى أبو اليسر (بفتح الياء المثناة من تحت والسين) السّلمىّ (بفتحتين أيضا) اسمه كعب بن عمرو، وهو من أعيان الصحابة الأنصار، وهو الذي أسر العباس يوم بدر وشهد العقبة مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وله عشرون سنة. وفيها توفي سعد بن أبي وقاص وأسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف ابن زهرة بن كلاب بن مرة، كنيته أبو إسحاق الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد السابقين الأوّلين، كان يقال له: فارس الإسلام، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكأن مقدم الجيوش في فتح العراق، وكان مجاب الدعوة كثير المناقب وشهد بدراً. وروى عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيها سعد بن أبي وقاص إلى رابغ وهي من جانب الجحفة، فانكفأ المشركون على المسلمين فحماهم سعد يومئذ بسهامه، وهو أول قتال كان فى الإسلام؛ فقال سعد:

ألا هل «1» آتى رسول الله أني

حميت صحابتي بصدور نبلي

فما يعتد رامٍ في عدو

بسهمٍ يا رسول الله قبلي

وفيها توفي الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، وهو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يختفي في داره بمكة، وكان عمره ثمانين سنة وزيادة، وقيل مات يوم مات أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

ص: 147

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وستة أصابع.

*** السنة التاسعة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ست وخمسين- فيها عزل معاوية عبيد الله بن زياد عن خراسان وولى عليها سعيد بن عثمان بن عفان، فغزا سعيد سمرقند ومعه المهلب بن أبي صفرة الأزدي وطلحة الطلحات وأوس بن ثعلبة، وخرج إليه الصّغد «1» فقاتلوه فألجأهم إلى مدينتهم، فصالحوه وأعطوه رهائن. وفيها شتى المسلمون بأرض الروم. وفيها توفيت أم المؤمنين جويرية المصطلقية، وقيل: إنها ماتت في سنة خمسين، وهي جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقي، سباها النبي صلى الله عليه وسلم يوم المريسيع في السنة الخامسة، وكان اسمها برة فغير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها وتزوجها وجعل صداقها عتق جماعة من قومها، ثم قدم أبوها الحارث بن أبي ضرار على النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن جويرية قالت: تزوجني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا بنت عشرين سنة، وكانت قبل النبى صلى الله عليه وسلم عند ابن عمّهاصفوان ذى «2» الشفر. وفيها غزا يزيد بن شجرة في البحر، وفي البر عياض بن الحارث. وفيها اعتمر معاوية في رجب.

وحج بالناس الوليد بن عتبة بن أبي سفيان. وفيها كانت البيعة ليزيد بن معاوية بولاية العهد. وفيها توفي عبد الله بن قرط الأزدي الصحابي أمير حمص.

ص: 148

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وسبعة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وإصبعان.

*** السنة العاشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة سبع وخمسين- فيها وجه معاوية حسان بن النعمان الغساني إلى إفريقية، فصالحوه «1» من يليه من البربر وضرب عليهم الخراج وبقي عليها حتى توفي معاوية وتخلف ابنه يزيد. وفيها عزل معاوية الضحاك عن الكوفة وولاها عبد الرحمن بن أم الحكم. وفيها عزل معاوية مروان بن الحكم عن المدينة وأمر عليها الوليد بن عتبة بن أبي سفيان.

وفيها عزل معاوية سعيد بن عثمان عن خراسان وأعاد عليها عبيد الله بن زياد.

وفيها شتى عبد الله بن قيس بأرض الروم. وفيها توفي السائب بن أبي وداعة السهمي الصحابي وكان أسر يوم بدر وأسلم بعد ذلك. وفيها توفى عثمان بن طلحة ابن شيبة العبدري، وقيل في سنة تسع وخمسين وهو جد بني شيبة حجبة الكعبة، وأسلم يوم الفتح، وقيل يوم حنين. وفيها غزا مالك بن عبد الله الخثعمي أرض الروم وعمرو بن يزيد «2» الجهني في البحر، وقيل جنادة بن أبي أمية.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع واثنا عشر إصبعا، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعا وخمسة عشر إصبعاً.

ص: 149

*** السنة الحادية عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ثمان وخمسين- فيها غزا عقبة بن نافع من قبل مسلمة بن مخلد القيروان واختط عقبة مدينة القيروان وابتناها. وفيها توفيت أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما فقيهة نساء هذه الأمة، وكنيتها أم عبد الله التيمية، دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم في شوال بعد بدر ولها من العمر تسع سنين، وهي أحب نساء النبي صلى الله عليه وسلم «1» إليه بعد خديجة، روى عنها جماعة كثيرة من الصحابة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام» ، وقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً: «يا عائشة هذا جبريل يقرئك السلام» فقالت: عليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى. وعن عائشة: أن جبريل جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة. رواه الترمذي وحسنه.

قلت: وفضل ومناقب عائشة كثيرة وكانت وفاتها في شهر رمضان، وقال الواقدي: في ليلة سابع عشر رمضان ودفنت بالبقيع ليلا، فلم ترليلة أكثر ناساً منها، وصلى عليها أبو هريرة، وماتت ولها ست وستون سنة رضي الله عنها. وفيها عزل معاوية الضحاك بن قيس عن الكوفة وأستعمل عوضه عبد الرحمن بن عبد الله الثقفي وهو ابن أم الحكم وهو ابن أخت معاوية، وفي عمله في هذه السنة خرجت الخوارج الذين كان المغيرة بن شعبة حبسهم، فجمعهم حيان بن ظبيان السلمي ومعاذ بن جوين

ص: 150

الطائي فخطباهم وحثاهم على الجهاد، فبايعوا حيان بن ظبيان وخرجوا [إلى بانقيا «1» ] فسار الجيش إليهم من الكوفة فقتلوهم جميعاً؛ ثم إن عبد الرحمن بن أم الحكم طرده أهل الكوفة لسوء سيرته فلحق بخاله معاوية فولاه مصر فاستقبله معاوية بن حديج على مرحلتين من مصر فقال: ارجع إلى خالك فلا «2» تسرفينا سيرتك في إخواننا أهل الكوفة، فرجع إلى معاوية؛ ثم توجه ابن حديج إلى معاوية في السنة يعاتبه كما نذكره إن شاء الله تعالى بعد وفاة أبي هريرة. وفيها توفي أبو هريرة وقيل في التي بعدها، والأكثر على أن وفاته في هذه السنة. وفي اسم أبي هريرة واسم أبيه أقوال كثيرة.

قال أبو عبد الله الذهبي: أشهرها عبد الرحمن بن صخر، وكان اسمه قبل الإسلام عبد شمس. وقال: كناني أبي بأبي هريرة لأني كنت أرعى غنماً فوجدت أولاد هرة وحشية فأخذتها «3» ، فقال: أنت أبو هريرة. وهو من المكثرين من الصحابة، وهو دوسي، ودوس: قبيلة من الأزد، ومات وله ثمان وسبعون سنة. وفيها وفد معاوية ابن حديج على معاوية بن أبي سفيان الخليفة، وكان إذا قدم معاوية على معاوية زينت له الطرق [بقباب «4» الريحان] تعظيماً لشأنه، فدخل على معاوية وعنده أخته أم الحكم، فقالت: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: بخٍ بخٍ! هذا معاوية بن حديج؛ فقالت: لا مرحبا «سماعك بالمعيدي خير من أن تراه» ؛ فسمعها معاوية ابن حديج فقال: على رسلك يا أم الحكم، والله لقد تزوجت فما أكرمت، وولدت

ص: 151

فما أنجبت «1» ، أردت أن يلي ابنك الفاسق علينا فيسير فينا كما سار في أهل الكوفة! ما كان الله ليريه ذلك، ولو فعله لضربناه ضربا يطأطئ منه ولو كره هذا القاعد (يعني خاله معاوية) ؛ فالتفت إليها معاوية وقال لها: كفي، فكفت عن الكلام.

وفيها توفي عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب، أحد الأجواد وله صحبة ورواية.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ذراعان وأربعة عشر إصبعاً. وفي درر التيجان: وأربعة وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وأحد عشر إصبعاً.

*** السنة الثانية عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة تسع وخمسين- فيها شتى عمرو بن مرة بأرض الروم في البر. وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة، وقيل عثمان بن محمد بن أبي سفيان. وفيها غزا أبو المهاجر دينار فنزل على قرطاجنة وخرج إليه أهلها فالتقوا وكثر القتل بين الفريقين حتى حجز الليل بينهم، وانحاز المسلمون من ليلتهم فنزلوا جبلاً في قيلة بولس، ثم عاودوهم وصالحوهم على أن يخلوا لهم الجزيرة، ثم افتتح أبو المهاجر المذكور ميلة «2» ، وكانت إقامته بها في هذا الغزو نحواً من سنتين. وفيها توفي عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس القرشي العبشمي أبو عبد الرحمن. قال الذهبي:

رأى النبي صلى الله عليه وسلم، وله حديث، وهو:«من قتل دون ماله فهو شهيد» ، وروى عنه حنظلة بن قيس. وأسلم والده يوم الفتح. وفيها توفي مرة بن كعب البهزي السلمي «3» له صحبة. وفيها توفي سعيد بن العاص بن أبى أحيحة بن سعيد

ص: 152

ابن العاص بن أمية، أمير الكوفة لعثمان، وكان فصيحاً سخياً، ولد بعيد الهجرة، وهلك أبوه يوم بدر. وفيها توفي شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري حاجب الكعبة ابن أخت مصعب بن عمير، شهد خيبر كافراً ونيته اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم يومئذ. وفيها توفي أبو محذورة، واسمه الياس وقيل سمرة ابن معير الجمحي، مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم وكان من أندى الناس صوتاً.

وخرجت هذه السنة والوالي على الكوفة النعمان بن بشير، وعلى البصرة عبيد الله بن زياد، وعلى المدينة الوليد بن عتبة، وعلى خراسان عبد الرحمن «1» بن زياد، وعلى سجستان عباد بن زياد، وعلى كرمان شريك بن الأعور.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وسبعة عشر إصبعاً.

وفي كتاب درر التيجان: وسبعة وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وأحد عشر إصبعاً.

*** السنة الثالثة عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة ستين- فيها توفي الخليفة أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، واسم أبى سفيان صخر بن حرب ابن أمية بن عبد شمس أبو عبد الرحمن القرشي الأموي، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة، وأسلم معاوية قبل أبيه في عمرة القضاء، وبقي يخاف من الخروج إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أبيه، ولي إمرة الشام لعمر ثم لعثمان، ثم نازع علياً الخلافة حتى وليها من بعده في سنة أربعين من الهجرة بعد موت علي بن أبي طالب وبعد أن سلم إليه الحسن بن علي الأمر، بعد أمور وقعت مع علي وابنه الحسن رضي الله

ص: 153

عنهما. قال الذهبي: وأظهر إسلامه يوم الفتح، وكان رجلاً طويلاً أبيض جميلاً مهيلاً «1» إذا ضحك انقلبت شفته العليا، وكان يخضب بالصفرة اهـ.

قلت: وهو كاتب النبي صلى الله عليه وسلم وأخو زوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان المقدم ذكرها. وكانت وفاة معاوية في شهر رجب وله سبع وسبعون سنة، وتولى ابنه يزيد الخلافة من بعده. وفيها كانت غزوة مالك بن عبد الله سورية.

وفيها أيضاً كان دخول جنادة رودس وهدم بيوتها في قول بعضهم. وفيها توفي أبو عبد الرحمن بلال بن الحارث المزني الذي أقطعه النبي صلى الله عليه وسلم معادن القبلية «2» ، عاش ثمانين سنة. وفيها توفي أبو حميد الساعدي المدني الصحابي أحد من نزل البصرة من الصحابة، وهو الذي وصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيها توفي سمرة بن جندب الصحابي الفزاري. وفيها حج بالناس عمرو بن سعيد الأشدق، وكان العامل على مكة والمدينة. وفيها توفيت الكلابية التي استعاذت من النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها ففارقها، وكان قد أصابها جنون.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ستة أذرع وعشرون إصبعاً، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وثلاثة أصابع

*** السنة الرابعة عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة إحدى وستين- فيها كانت مقتلة السيد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ريحانة النبي صلى الله عليه وسلم وابن بنته فاطمة بكربلاء في يوم عاشوراء، وقصته

ص: 154

طويلة يجرح ذكرها القلوب، غير أننا نختصر منها ما نعرف به وفاته وكيفية خروجه حتى ظفر به.

وهو أنه لما ولي يزيد بن معاوية الخلافة بعد موت أبيه بايع الناس السيد الحسين بالخلافة وخرج في جموعه بعد أن خلع الفاسق يزيد المذكور من الخلافة، فانتدب لقتاله بأمر يزيد ابن مرجانة (أعني عبيد الله بن زياد) وقاتله حتى ظفر به وقتله بعد أمور وحروب. وكان قاتل الحسين رضي الله عنه الشمر «1» اللعين الطريد من رحمة الله، قتله بكربلاء. وقتل مع الحسين من إخوته لأبيه جعفر وعتيق ومحمد والعباس الأكبر بنو علي، وابن الحسين الأكبر علي، وهو غير علي زين العابدين، وابنه عبد الله، وابن أخيه القاسم بن الحسن، ومحمد بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وأخوه عون، وقتل معه أيضاً عبد الله وعبد الرحمن ابنا مسلم بن عقيل رضي الله عنهم أجمعين.

ولما جيء برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد جعل ينكت بقضيب على ثناياه وقال: إن كان لحسن الثغر! فقال له أنس «2» : لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل موضع قضيبك من فيه. ثم بعث بالرأس إلى يزيد بن معاوية، فلما حضروا برأس الحسين عند يزيد أنشد.

نفلّق هاماً من أناس أعزةٍ

علينا وهم كانوا أعق وأظلما

وفيها توفي عثمان بن زياد بن أبيه أخو عبيد الله بن زياد المذكور، مات شاباً وسنه ثلاث وثلاثون سنة. وفيها توفيت أم المؤمنين أم سلمة، واسمها هند بنت

ص: 155

أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم المخزومية، زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت عم أبي جهل وبنت عم خالد بن الوليد، بنى بها النبي صلى الله عليه وسلم في سنة ثلاث من الهجرة، وكانت قبله عند الرجل الصالح أبي سلمة بن عبد الأسد وهو أخو النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت من أجمل النساء، وطال عمرها وعاشت تسعين سنة وأكثر، وهي آخر أمهات المؤمنين وفاة، وقد حزنت على الحسين وبكت عليه كثيرا. وفيها توفى حمزة بن عمرو الأسلمىّ المدني الذي له صحبة. وفيها حج بالناس الوليد بن عتبة. وفيها توفي جابر بن عتيك الأنصاري، وقيل جبر، «1» وله إحدى وتسعون سنة وشهد بدراً. وفيها توفي علقمة بن قيس النخعىّ صاحب عبد الله ابن مسعود على خلف في وفاته. وفيها توفي خالد بن عرفطة العذري الصحابي له صحبة ورواية، روى عنه عبد الله بن يسار وأبو إسحاق، وكان ولي الكوفة لزياد ابن أبيه.

أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم سبعة أذرع وستة أصابع، مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعاً وأربعة أصابع. وفي درر التيجان: وثمانية أصابع.

*** السنة الخامسة عشرة من ولاية مسلمة بن مخلد على مصر وهي سنة اثنتين وستين- وهي التي مات فيها مسلمة بن مخلد صاحب الترجمة. وفيها توفي أبو مسلم الخولاني اليماني «2» الزاهد سيد التابعين بالشأم، واسمه عبد الله بن ثوب، وقيل ابن عبيد، وقيل ابن مشكم «3» ، وقيل اسمه يعقوب بن عوف؛ قدم المدينة من

ص: 156