الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أمر اليل في هذه السنة- الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة أصابع، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وثلاثة أصابع.
ذكر ولاية عمرو بن العاص ثانياً على مصر
قد تقدم الكلام في أول ولايته على نسبه وصحبته للنبىّ صلى الله عليه وسلم ثم أخذه مصر ثانياً في ترجمة محمد بن أبي بكر الصديق وكيفية قتاله وكيف ملك مصر منه. وولاية عمرو بن العاص هذا في هذه المرة من قبل معاوية بن أبى سفيان، وكان دخوله إلى مصر في شهر ربيع الأول من سنة ثمان وثلاثين، وجمع إليه معاوية الصلاة والخراج في ولايته هذه. وسبب انتماء عمرو إلى معاوية أن عمراً كان لما عزله عثمان بن عفان عن مصر بعبد الله بن سعد بن أبي سرح المقدم ذكره توجه عمرو وأقام بمكة منكفاً عن الناس حتى كانت وقعة الجمل.
قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي قال جويرية بن أسماء حدثني عبد الوهاب ابن يحيى بن عبد الله بن الزبير حدثنا أشياخنا أن الفتنة وقعت وما رجل من قريش له نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاص، وما زال مقيماً بمكة ليس في شيء مما فيه الناس حتى كانت وقعة الجمل، فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال: إني قد رأيت رأياً ولستما باللذين ترداني عن رأيي ولكن أشيرا علي، إني رأيت العرب صاروا عنزين يضطربان، وأنا طارح نفسي بين جزاري مكة ولست أرضى بهذه المنزلة، فإلى أي الفريقين أعمد؟ قال له ابنه عبد الله: إن كنت لا بد فاعلاً فإلى علي؛ قال: إني إن أتيت علياً قال: إنما أنت رجل من المسلمين، وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ويشركني في أمره، فأتى معاوية
وعن عروة وغيره قال: دعا عمرو ابنيه، فأشار عليه عبد الله أن يلزم بيته لأنه أسلم له؛ فقال محمد: أنت شريف من أشراف العرب وناب من أنيابها، لا أرى
أن تتخلف؛ فقال عمرو لابنه عبد الله: أما أنت فأشرت علي بما هو خير لي في آخرتي؛ وأما أنت يا محمد فأشرت علىّ بما هو أنبه لذكرى، ارتحلا؛ فارتحلوا إلى الشام غدوة وعشية حتى أتوا الشام. فقال: يأهل الشام، إنكم على خير وإلى خير، تطلبون بدم عثمان، خليفة قتل مظلوماً؛ فمن عاش منكم فإلى خير، ومن مات فإلى خير. فما زال مع معاوية حتى وقع من أمره ما حكيناه في أول ترجمته وغيرها.
ودخل مصر ووليها بعد محمد بن أبي بكر الصديق ومهد أمورها، ثم خرج منها وافداً على معاوية بالشام واستخلف على مصر ولده عبد الله بن عمرو، وقيل خارجة بن حذافة، وحضر أمر الحكمين، ثم رجع إلى مصر على ولايته، ودام بها إلى أن كانت قصة الخوارج الذين خرجوا لقتل علي ومعاوية وعمرو هذا، فخرج عبد الرحمن بن ملجم لقتل علي رضي الله عنه، وقيس إلى معاوية، ويزيد إلى عمرو بن العاص، وسار الثلاثة كل واحد إلى جهة من هو متوجه لقتله، وتواعد الجميع أن يثب كل واحد على صاحبه في سابع عشر شهر رمضان؛ فأما عبد الرحمن فإنه وثب على علىّ ابن أبي طالب رضي الله عنه وقتله حسبما نذكره فى ترجمته؛ و [أما]«1» قيس فوثب على معاوية وضربه فلم تؤثر فيه الضربة غير أنه جرح؛ وأما يزيد فإنه توجه إلى عمرو هذا فعرضت لعمرو علة تلك الليلة منعته من الصلاة فصلى خارجة بالناس، فوثب عليه يزيد يظنه عمراً وقتله، وأخذ يزيد وأدخل على عمرو فقال يزيد: أما والله ما أردت غيرك؛ فقال عمرو: ولكن الله أراد خارجة؛ فصار مثلاً: «أردت عمراً وأراد الله خارجة» . وأقام عمرو بعد ذلك مدة سنين حتى مات بها فيما نذكره إن شاء الله تعالى في آخر هذه الترجمة.
قيل: إنه لما حضر عمرو بن العاص الوفاة بكى؛ فقال له ابنه: أتبكي جزعاً من الموت؟ فقال: لا والله؛ وجعل ابنه يذكّره بصحبته رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتوحه الشام؛ قال عمرو: تركت أفضل من ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله، إني كنت على ثلاثة أطباق ليس منها طبقة إلا عرفت نفسي فيها: كنت أول شيء كافراً وكنت أشدّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلومتّ حينئذ لوجبت لي النار؛ فلما بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت أشد الناس منه حياءً ما ملأت عيني منه، فلو مت حينئذ لقال الناس: هنيئاً لعمرو أسلم على خير ومات على خير أحواله، ثم تلبست بعد ذلك بأشياء فلا أدري أعلي أم لي، فإذا أنا مت فلا يبكى علي ولا تتبعوني ناراً، وشدوا علي إزاري فإني مخاصم، فإذا أوليتموني فاقعدوا عندي قدر نحر جزور وتقطيعها أستأنس بكم حتى أعلم ما أراجع به رسل ربي. قال الذهبي: أخرجه أبو عوانة في مسنده. وفي رواية: أنه بعدها حول وجهه إلى الجدار وهو يقول: اللهم أمرتنا فعصينا، ونهيتنا فما انتهينا، ولا يسعنا إلا عفوك. وفي رواية: أنه وضع يده على موضع الغل من عنقه ورفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم لا قوي فأنتصر، ولا بريء فأعتذر، ولا مستكبر بل مستغفر، لا إله إلا أنت؛ فلم يزل يرددها حتى مات رضي الله عنه.
وقال الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو أن أباه قال:
اللهم أمرت بأمور ونهيت عن أمور، فتركنا كثيراً مما أمرت ووقعنا في كثير مما نهيت، اللهم لا إله إلا أنت؛ ثم أخذ بإبهامه فلم يزل يهلل حتى توفي.
قال الذهبي، وأيده الطحاوي، حدثنا المزني سمعت الشافعي رضي الله عنه يقول:
دخل ابن عباس على عمرو بن العاص وهو مريض فقال: كيف أصبحت؟ قال:
أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلاً، وأفسدت من ديني كثيراً، فلو كان ما أصلحت هو ما أفسدت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب لهربت، فعظني بموعظة أنتفع بها يا بن أخي؛ فقال: هيهات يا أبا عبد الله! فقال: اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك فخذ مني حتى ترضى.
وكانت وفاة عمرو المذكور في ليلة عيد الفطر سنة ثلاث وأربعين فصلى عليه ابنه ودفنه ثم صلى بالناس صلاة العيد. قاله أبو فراس مولى عبد الله بن عمرو. وقال الليث بن سعد والهيثم بن عدي والواقدي وابن بكير: وسنه نحو مائة سنة. وقال أحمد العجلي وغيره: تسع وتسعون سنة. وقال ابن نمير: توفي سنة اثنتين وأربعين.
قلت: والأول هو المتواتر. وكان عمرو رضي الله عنه من أدهى العرب وأحسنهم رأياً وتدبيراً. قيل: إنه اجتمع مع معاوية بن أبي سفيان مرة فقال له معاوية:
من الناس؟ فقال: أنا وأنت والمغيرة بن شعبة وزياد؛ قال معاوية: كيف ذلك؟ قال عمرو: أما أنت فللتأني؛ وأما أنا فللبديهة؛ وأما المغيرة فللمعضلات؛ وأما زياد فللصغير والكبير؛ قال معاوية: أما ذانك فقد غابا فهات بديهتك يا عمرو؛ قال: وتريد ذلك؟ قال نعم؛ قال: فأخرج من عندك، فأخرجهم معاوية؛ فقال عمرو: يا أمير المؤمنين أسارك، فأدنى معاوية رأسه منه؛ فقال عمرو: هذا من ذاك، من معنا في البيت حتى أسارك! ولما مات عمرو ولي مصر عتبة بن أبي سفيان من قبل أخيه معاوية
*** السنة الأولى من ولاية عمرو بن العاص الثانية على مصر وهي سنة ثمان وثلاثين من الهجرة- فيها توجه عبد الله بن الحضرمي من قبل معاوية إلى البصرة ليأخذها، وكان بها زياد بن أبيه ووقع بينهما أمور. وفيها سارت الخوارج لقتال علىّ
رضي الله عنه، وكان كبيرهم عبد الله بن وهب، فهزمهم علي وقتل أكثرهم وقتل ابن وهب المذكور، وقتل من أصحاب علي رضي الله عنه اثنا عشر رجلاً، وكانت الوقعة في شعبان من هذه السنة. وفيها توفي صهيب بن سنان بن مالك الرومي، سبته الروم فجلب إلى مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان التيمي، وقيل: بل هرب من الروم فقدم مكة وحالف ابن جدعان، وكان صهيب من السابقين الأولين شهد بدراً والمشاهد كلها، روى عنه أولاده حبيب «1» وزياد وحمزة؛ وسعيد بن المسيب وعبد الرحمن بن أبي ليلى وكعب الأحبار، وكنيته أبو يحيى، توفي بالمدينة في شوال. ونشأ صهيب بالروم فبقيت «2» فيه عجمة. وفيها توفي سهل بن حنيف «3» بن واهب الأنصاري كان من أهل مسجد قباء، وكنيته أبو سهل وقيل أبو عبد الله، وهو من الطبقة الأولى من الأنصار آخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين علي بن أبي طالب، وهو ممن شهد بدراً وأحداً والخندق. وفيها توفيت أسماء بنت عميس بن معد بن تميم «4» بن الحارث بن كعب بن مالك، أسلمت قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم بمكة وبايعت وهاجرت إلى الحبشة مع زوجها جعفر بن أبى طالب، وولد هناك عبد الله بن جعفر، ثم تزوجها بعد جعفر أبو بكر الصديق، فاستولدها محمداً أمير مصر المقدم ذكره، ثم تزوجها بعد أبي بكر علي بن أبي طالب، فولدت منه يحيى وعوفا.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع وخمسة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وتسعة أصابع. وفي كتاب درر التيجان: تسعة عشر إصبعاً.
*** السنة الثانية من ولاية عمرو الثانية على مصر وهي سنة تسع وثلاثين- فيها أيضاً كانت وقعة الخوارج مع علي بن أبي طالب بحروراء وبالنّخيلة، قاتلهم علىّ فكسرهم وقتل رءوسهم، وسجد لله شكراً لما أتي بمخدج «1» اليد مقتولا، وكان رءوس الخوارج زيد بن حفص «2» الطائي وشريح بن «3» أوفى العبسي وكانا على المجنبتين، وكان رأسهم عبد الله بن وهب الراسبي، وقد تقدم ذكرها في السنة الماضية، والأصح أنها في هذه السنه؛ وكان على رجالتهم حرقوص بن زهير. وفيها بعث معاوية يزيد ابن شجرة الرّهاىّ ليقيم الحج، فنازعه قثم بن عباس ومانعه، وكان من جهة علي، فتوسط بينهما أبو سعيد الخدري وغيره، فاصطلحا على أن يقيم الموسم شيبة «4» بن عثمان العبدري حاجب الكعبة. وفيها أيضاً بعث معاوية ابن عوف في ستة آلاف فارس وأمره أن يأتي هيت والأنبار والمدائن، وكان بهيت أشرس بن حسان البلوي «5» من جهة علي وقد تفرق عنه أصحابه ولم يبق معه سوى ثلاثين رجلاً، فخرج إليهم وقاتلهم وقتل ابن أشرس وأصحابه. وفيها أرسل معاوية الضحاك بن قيس في ثلاثة آلاف وأمره بالغارة على من هو في طاعة علي من الأعراب. وفيها توفي سعد بن عابد ويعرف بسعد القرظ مولى عمار بن ياسر (والقرظ: ورق السّلم كان يجلبه وييعه للدباغ فسمي به) وكان سعد يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء ثم أذن على عهد أبي بكر وعمر، وهو من الصحابة وله رواية.
أمر النيل فى هذه السنة- الماء الفديم خمسة أذرع وإصبعان، مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعاً وخمسة أصابع.
*** السنة الثالثة من ولاية عمرو بن العاص الثانية على مصر وهي سنة أربعين- فيها بعث معاوية بسر بن أبي أرطاة في ثلاثة آلاف من المقاتلة إلى الحجاز، فقدم المدينة وعامل علي متوليها وهو أبو أيوب الأنصاري فنفر منها أبو أيوب. وفيها قتل أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب، واسم أبي طالب عبد مناف بن عبد المطلب، واسم عبد المطلب شيبة الجمد بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف الهاشمية، وهي بنت عم أبي طالب كانت من المهاجرات، توفيت في حياة النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهو أحد السابقين الأولين وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة؛ وأما ما ورد في حقه من الأحاديث وما وقع له في الغزوات فيضيق هذا المحل عن ذكر شيء منها، وفي شهرته رضي الله عنه ما يغني عن الإطناب في ذكره؛ قتله عبد الرحمن بن ملجم، جلس له مقابل السدة «1» التي يخرج منها علي إلى الصلاة، فلما أن خرج علي إلى صلاة الصبح شد عليه عبد الرحمن المذكور فضربه بسكين كانت معه أو بسيف في جبهته وفي رأسه فحمل من وقته وقبض على عبد الرحمن المذكور، فقال علي: أطعموه واسقوه فإن عشت فأنا ولي دمي، إن شئت قتلت وإن شئت عفوت؛ وإن مت فاقتلوه قتلتي ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وكان عبد الرحمن قد سم سيفه، فتم علي رضي الله عنه جريحاً يوم الجمعة والسبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقين من شهر رمضان من السنة، وتولى الخلافة من بعده ابنه الحسن بن علي رضي الله عنهما، وكانت خلافة علي رضي الله عنه أربع سنين وتسعة أشهر. ولما دفن علي أحضر عبد الرحمن بن ملجم
فاجتمع الناس وجاءوا بالنفط والبواري، فقال محمد بن الحنفية والحسن والحسين ولدا علي وعبد الله بن جعفر ابن أخيه: دعونا نشتف منه، فقطع عبد الله يديه ورجليه فلم يجزع ولم يتكلم وكحل عينيه، وجعل يقول: إنك لتكحل عيني عمك هذا «1» ، وعيناه تسيلان على خديه، ثم أمر به فعولج على قطع لسانه، فجزع، فقيل له في ذلك؛ فقال:
ما لذاك أجزع ولكن أكره أن أبقى في الدنيا لا أذكر الله! فقطعوا لسانه، ثم أخرجوه في قوصرة «2» ؛ وكان- قبحه الله ولعنه- أسمر حسن الوجه أفلج في جبهته أثر السجود. وقال جعفر بن محمد عن أبيه قال: صلى الحسن على علي رضي الله عنه ودفن بالكوفة عند قصر الإمارة وعمي قبره لئلا تنبشه الخوارج. وقال شريك وغيره: نقله الحسن إلى المدينة. وذكر المبرد عن محمد بن حبيب، قال: أول من حول من قبر إلى قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وفيها توفي لبيد بن ربيعة بن كلاب بن مالك بن جعفر بن كلاب الصحابي العامري الشاعر المشهور، كنيته أبو عقيل، ذكره ابن سعد في الطبقة الرابعة من القبائل الذين أسلموا بعد الفتح، ووفد على النّبيّ صلى الله عليه وسلم سنة تسع من الهجرة وأسلم. وفيها توفي تميم بن أوس ابن خارجة أبو رقية اللخمي الداري الصحابي المشهور، واختلف فى نسبه الى الدار ابن هانئ أحد بني لخم. أسلم تميم سنة تسع، رضي الله عنه.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثمانية أذرع وستة عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وسبعة عشر إصبعاً؛ وفي كتاب درر التيجان: وستة أصابع.
*** السنة الرابعة من ولاية عمرو بن العاص الثانية على مصر وهي سنة إحدى وأربعين، وتسمى هذه السنة عام الجماعة لاجتماع الأمة فيه على خليفة واحد وهو معاوية بن أبي سفيان- فيها (أعني في سنة إحدى وأربعين) بايع الحسن بن علي رضي الله عنه بالخلافة معاوية وخلع نفسه. وسببه: أنه لما ولي الخلافة بعد وفاة والده علي رضي الله عنه أحبه الناس حباً شديداً زائداً واجتمعوا على طاعته، واستمر في الخلافة أشهراً، فلما رأى الأمر مآله للقتال مع معاوية وألح عليه أهل العراق حتى خرج في جموعه إلى نحو الشام وخرج معاوية أيضاً بجيوشه في طلب الحسن رضى الله عنه، ثم أرسل معاوية إلى الحسن يطلب الصلح. قال خليفة: فاجتمعا بمسكن؛ وهي بأرض السواد من ناحية الأنبار، فاصطلحا في ربيع الآخر وسلم الحسن الأمر إلى معاوية، لا من جزع بل شفقة على المسلمين، فإن الذي كان اجتمع للحسن من العساكر أكثر مما كان اجتمع لأبيه ولكن ترك ذلك خوفاً من سفك الدماء.
ولما وقع ذلك دخل على الحسن سفيان أحد أصحابه وقال: السلام عليك يا مذل المؤمنين؛ فقال الحسن: لا تقل ذلك، إني كرهت أن أقتلكم في طلب الملك. قال الحافظ الذهبي قال أبو بكرة: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن ابن علي إلى جنبه وهو يقول: «إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» . أخرجه البخاري. وفيها توفي صفوان بن أمية بن خلف الجمحي، شهد حنيناً مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم أسلم بعدها، وأعار النّبيّ صلى الله عليه وسلم سلاحاً كثيراً. وفيها توفيت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنه.