الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ولاية حنظلة بن صفوان الأولى على مصر
ولي حنظلة إمرة مصر باستخلاف أخيه بشر بن صفوان له لما ولاه الخليفة يزيد بن عبد الملك إمرة إفريقية وكتب ليزيد بذلك، فأقره يزيد على إمرة مصر وذلك في شوال سنة اثنتين ومائة. وحنظلة هذا من بنى كلب، ولمّا ولى مصر مهد أمورها ودام بها إلى سنة ثلاث ومائة [ثم] خرج إلى الإسكندرية واستخلف على مصر عقبة بن مسلم التجيبي؛ ثم ورد عليه كتاب الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان بكسر الأصنام والتماثيل، فكسرت كلها ومحيت التماثيل من ديار مصر وغيرها في أيامه.
قال الحافظ أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس: حنظلة بن صفوان الكلبي أمير مصر لهشام بن عبد الملك، روى عنه أبو قبيل آخر ما عندنا «1» من أخباره.
وقدومه من الغرب سنة سبع وعشرين ومائة، وكان أخرجه عبد الرحمن بن حبيب الفهرىّ.
قلت: وقوله «أمير مصر» لهشام يعني في ولايته الثانية على مصر. اهـ.
قال: وكان حنظلة حسن السيرة في سلطانه «2» . حدثني مسلمة «3» بن عمرو بن حفص المرادي وأبو قرة محمد بن حميد الرعيني حدثني النضر بن عبد الجبار أخبرنا ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل، قال: أرسل إلي حنظلة بن صفوان فأتيته في حديث طويل. هذا ما ذكره ابن يونس في ترجمة حنظلة بتمامه وكماله.
قلت: واستمر حنظلة على عمله بمصر حتى توفي يزيد بن عبد الملك واستقر أخوه هشام بن عبد الملك فى الخلافة، [ثم «4» ] صرف حنظلة هذا بأخيه محمد بن عبد الملك
ابن مروان، وذلك في شوال سنة خمس ومائة؛ فكانت مدته على مصر ثلاث سنين.
وتأتي بقية ترجمته في ولايته الثانية على مصر إن شاء الله تعالى.
وسبب عزل حنظلة عن مصر أمور، منها: أن هشاماً عزله وأراد أن يولي عقفان على مصر عوضه ثم ثنى عزمه عن ذلك وولى عقفان الصدقة وولى أخاه محمداً مصر. وعقفان المذكور حروري [اسمه عقفان «1» ] ، خرج في أيام يزيد بن عبد الملك في ثلاثين «2» رجلاً، فأراد يزيد أن يرسل إليه جنداً يقاتلونه، فقيل له: إن قتل عقفان بهذه البلاد اتخذها الخوارج دار هجرة، والرأي أن تبعث لكل رجل من أصحابه رجلاً من قومه يكلمه فيرده؛ ففعل يزيد ذلك؛ فقال لهم أهلوهم: إنا نخاف أن نؤخذ بكم؛ وأومنوا فرجعوا وبقي عقفان وحده، فبعث إليه يزيد أخاه فاستعطفه ورده. فلما ولي هشام الخلافة. ولاه أمر العصاة بعد أن أراد أن يوليه إمرة مصر، ولما ولي عقفان أمر العصاة وعظم أمره قدم ابنه من خراسان عاصياً، فشده وثاقاً وبعث به إلى الخليفة هشام، فأطلقه هشام لأبيه، وقال: لو خاننا عقفان لكتم أمر ابنه عنا، فاستعمله على الصدقة، فبقي عقفان على الصدقة إلى أن مات هشام وولي الخلافة مروان الجعدي الحمار.
*** السنة الأولى من ولاية حنظلة بن صفوان الكلبي على مصر وهي سنة ثلاث ومائة- فيها قتل أمير الأندلس السمح بن مالك الخولاني، قتله الروم يوم التروية. وفيها أغارث الترك «3» على اللان «4» . وفيها غزا العباس بن الوليد الروم
ففتح مدينة يقال لها رسلة «1» . وفيها جمعت مكة والمدينة لعبد الرحمن بن الضحاك.
وفيها ولّى عبد الواحد بن عبد الله النضرىّ «2» الطائف بعد عزل عبد العزيز بن عبد الله ابن خالد عنه وعن مكة. وفيها حج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك، وكان أمير العراق في هذه السنة عمر بن هبيرة، وعلى خراسان الحرشي. وفيها توفي يحيى بن وثاب الأسدىّ مولاهم قارئ الكوفة أحد القراء، أخذ القراءة عرضاً عن علقمة والأسود وعبيد ومسروق وغيرهم. قال الأعمش: كان يحيى بن وثاب لا يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم في عرض ولا في غيره. وفيها توفي أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي، من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، وكان فقيهاً عالماً يفتي أهل البصرة في غيبة الحسن البصري وفي حضوره. وفيها توفي خالد بن معدان بن أبي كريب «3» ، أبو عبد الله الكلاعي، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشأم كان عابداً ورعاً، وكان يكره الشهرة.
وفيها توفي سليمان «4» بن يسار مولى ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه كان مكاتباً لها فأدى وعتق، ووهبت ميمونة ولاءه لابن عباس، وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وكنيته أبو أيوب، وقيل أبو محمد، وهو أحد الفقهاء السبعة، وكانوا يفضلونه على سعيد بن المسيب. وفيها توفي أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، واسمه عامر بن عبد الله بن قيس، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة، وولي قضاء الكوفة بعد شريح، وكان سعيد بن جبير قتيل الحجاج كاتبه.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم ثلاثة أذرع وثمانية عشر إصبعاً، مبلغ الزيادة ثمانية عشر ذراعاً وستة أصابع.
السنة الثانية من ولاية حنظلة بن صفوان على مصر وهي سنة أربع ومائة- فيها كانت وقعة نهر أران «1» ، فالتقى المسلمون والكفار وكان أمير المسلمين الجراح بن عبد الله الحكمي، وعلى الكفار ابن الخاقان، وكانت الوقعة بقرب باب الأبواب، ونصر الله المسلمين وركبوا أقفية الترك قتلاً وأسراً وسبياً. وفيها عزل الخليفة يزيد ابن عبد الملك عبد الرحمن بن الضحاك عن المدينة ومكّة وولّى عليهما عبد الواحد النّضرىّ «2» . وفيها توفي أبان بن عثمان بن عفان، وأمه أم عمرو بنت جندب بن عمرو، وكنيته أبو سعيد، وهو من الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وكان فقيهاً، وولي إمرة المدينة لعبد الملك بن مروان. وفيها توفي الشعبي واسمه عامر بن شراحيل أبو عمرو الشعبي، شعب همدان، كان علامة أهل الكوفة في زمانه، ولد في خلافة عمر بن الخطاب، وروى عن علي يسيراً وعن المغيرة بن شعبة وعائشة وأبي هريرة وغيرهم. وقال أبو بكر بن عياش عن الحسن قال: ما رأيت أفقه من الشعبي؛ قلت:
ولا شريح؟ قال: تريد أن تكذبني!.
وفيها توفي ربعي بن حراش بن جحش الغطفاني الكوفي، من الطبقة الثانية من تابعي أهل الكوفة، وكان لا يكذب قط؛ وكان له ابنان عاصيان على الحجاج بن
يوسف الثقفىّ، فقيل للحجاج: إن أباهما لا يكذب قط فسله عنهما؛ فأرسل إليه الحجاج قال: أين ابناك؟ فقال: في البيت، قال الحجاج: قد عفونا عنهما بصدقك.
وفيها توفي أبو قلابة الجرمي واسمه عبد الله بن زيد، من الطبقة الثانية من تابعي أهل البصرة، وكان فقيهاً عابداً طلب إلى القضاء فهرب إلى الشأم وأقام به. وفيها حج بالناس عبد الواحد بن عبد الله النّضرىّ عامل الطائف، وكان عامل العراق كله في هذه السنة عمر بن هبيرة مضافاً للمشرق كله، وكان على قضاء الكوفة حسين بن حسن الكندي، وعلى قضاء البصرة أبو قلابة الجرمي.
أمر النيل في هذه السنة- الماء القديم أربعة أذرع سواء، مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعاً وأحد عشر إصبعاً.
*** السنة الثالثة من ولاية حنظلة بن صفوان على مصر وهي سنة خمس ومائة- فيها أيضاً زحف الخاقان ملك الترك وخرج من الباب «1» في جمع عظيم من الترك وقصد أرمينية، فسار إليه الجراح الحكمي فاقتتلوا أياماً ثم كانت الهزيمة على الكفار، وكان ذلك في شهر رمضان. وفيها غزا سعيد بن عبد الملك بن مروان بلاد الروم فقتل وسبى. وفيها غزا الجراح الحكمي اللان حتى جاز ذلك إلى مدائن وحصون وأصاب غنائم كثيرة. وفيها غزا مروان بن محمد الصائفة اليمنى فافتتح قونية من أرض الروم وكماخ «2» . وفيها حج بالناس إبراهيم بن هشام خال هشام بن عبد الملك، فأرسل
إلى عطاء متى أخطب؟ قال: بعد الظهر قبل التروية بيوم، فخطب قبل الظهر وقال: أخبرني رسولي عن عطاء؛ فقال عطاء: ما أمرته إلا بعد الظهر، فاستحيا إبراهيم. وفيها توفي الخليفة يزيد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم أمير المؤمنين، أبو خالد القرشي الأموي الدمشقي. ولي الخلافة بعد ابن عمه عمر بن عبد العزيز بن مروان بعهد من أخيه سليمان معقود في تولية عمر بن عبد العزيز؛ ولهذا قلنا في ترجمة عمر ابن عبد العزيز:«بحيلة من سليمان» ، فإن سليمان كان عهد لعمر بن عبد العزيز بالخلافة فخاف من إخوته ومن الناس، فأخفى ذلك وبايع الناس لما هو مكتتب، فقالوا:
نبايع على أن يكون فيه ولد عبد الملك، فبايعوا فإذا فيه عمر بن عبد العزيز، ثم من بعده ليزيد وهشام، فتمت البيعة؛ وأم يزيد هذا عاتكة بنت يزيد بن معاوية، ومولده سنة إحدى وسبعين أو اثنتين وسبعين. ودام في الخلافة إلى أن مات في الخامس والعشرين من شعبان بسواد الأردن. وكانت خلافته أربع سنين وشهراً، وتولى الخلافة بعده أخوه هشام بن عبد الملك.
وكان سبب موته أنه كان يحب جارية من جواريه يقال لها حبابة، وكانت مغنية، وكان يزيد صاحب لهو وطرب، فلما ولي يزيد الخلافة بعد عمر بن عبد العزيز أقام يسير بسيرة عمر أربعين يوماً وترك اللهو والشرب، فقالت حبابة المذكورة لخصي ليزيد، وهو صاحب أمره،: ويحك! قربني منه حيث يسمع كلامي ولك عشرة آلاف درهم، ففعل، فلما مرّ بها يزيد أنشدت:
بكيت الصبا جهدي فمن شاء لامني
…
ومن شاء آسى في البكاء وأسعدا
وأبياتاً أخر بالألحان، والشعر للأحوص، فلما سمعها يزيد قال: ويحك يا خصي! قل لصاحب الشرطة يصلي بالناس، ودخل إليها وعاد إلى انهماكه ولذاته. فلما كان بعض الليالي شرقت حبابة فماتت، فحزن عليها يزيد حزنا عظما،
وخلاها يزيد ثلاثة أيام لم يدفنها وهو ينظر إليها، ثم دفنها خمسة أيام فلم يطق ذلك، فنبشها وأخرجها من القبر وجعل يقلبها ويبكي؛ فقوي عليه الحزن حتى قتله بعد سبعة عشر يوماً. وفيها توفي كثير عزة، واسمه كثير بن عبد الرحمن بن الأسود، وهو من الطبقة الثانية من شعراء المدينة، وكان شيعياً، قال ابن ماكولا: كان يتقلب في المذاهب.
قلت: ولولا تقلبه في المذاهب ما قربه بنو أمية فإنهم كانوا يكرهون الشيعة.
قلت: وهو أحد العشاق وصاحب عزة. قيل: إن عزة دخلت على أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز وزوجة الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان، فقالت لها أم البنين: ما معنى قول كثيّر:
قضى كل ذي دين فوفى غريمه
…
وعزة ممطول معنى غريمها
ما كان هذا الدين؟ قالت: وعدته بقبلة ثم رجعت عنها، فقالت: أنجزيها وعلي إثمها، فأنجزته، فأعتقت أم البنين أربعين عبداً عند الكعبة، وقالت: اللهم إني أبرأ إليك مما قلته لعزة. وفيها توفي سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وكنيته أبو عمير، وقيل أبو عبد الله، من الطبقة الثانية من تابعي أهل المدينة وأمه أم ولد، وكان من خيار قريش وفقهائهم وزهّادهم. وفيها توفى محمد بن شعيب بن شابور- بالمعجمة- القرشي، وكان جده مولى الوليد بن عبد الملك بن مروان.
ومحمد هذا من الطبقة الخامسة، وقيل السادسة من تابعي أهل الشأم، وكان أحد الأئمة، وذكره يحيى بن معين بالإرجاء «1» . قاله صاحب المرآة. والصحيح أن مولده سنة ست عشرة ومائة، وتوفي سنة مائتين، وقيل: سنة ثمان وتسعين ومائة، وقيل غير ذلك.