الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ما ورد في فضل مصر من الآيات الشريفة والأحاديث النبوية
قال الكندي وغيره من المؤرخين: فمن فضائل مصر أن الله عز وجل ذكرها في كتابه العزيز في أربعة وعشرين موضعاً، منها ما هو بصريح اللفظ، ومنها ما دلت عليه القرائن والتفاسير.
فأما صريح اللفظ فمنه قوله تعالى: اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ
، وقوله تعالى يخبر عن فرعون: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهذِهِ الْأَنْهارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي
، وقوله تعالى: وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُما بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً
ومنه قوله عز وجل مخبراً عن نبيه يوسف عليه السلام: ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ.
وأما ما دلت عليه القرائن فمنه قوله عز وجل: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ
. وقوله عز وجل: وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ
. قال ابن عباس وسعيد بن المسيب ووهب بن منبه وغيرهم: هي مصر «1» . وقوله تعالى:
فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَكُنُوزٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ
وقوله تعالى: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشارِقَ الْأَرْضِ وَمَغارِبَهَا الَّتِي بارَكْنا فِيها
. يعني مصر.
وقوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ
. يعني قوم فرعون، وأن بني إسرائيل
أورثوا مصر. وقوله تعالى: وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ
. وقوله عز وجل مخبراً عن نبيه موسى عليه السلام:
يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ
وقوله عز وجل مخبرا عن فرعون: يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ
. وقوله عز وجل: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا وَدَمَّرْنا ما كانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَما كانُوا يَعْرِشُونَ
. وقوله تعالى مخبراً عن فرعون: أَتَذَرُ مُوسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ
، يعنى أرض مصر. وقوله تعالى مخبرا عن نبيه يوسف عليه السلام: اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ
، وقوله تعالى: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ
وقوله تعالى مخبرا عن بني إسرائيل:
رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالًا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
وقوله تعالى مخبراً عن نبيه موسى عليه السلام: عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ
وقوله تعالى: أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ
. يعني أرض مصر. وقوله تعالى:
وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى
. وقوله عز وجل: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً
. وقوله تعالى مخبرا عن ابن يعقوب عليه السلام:
فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ
. يعني مصر. وقوله تعالى: إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ.
وأما ما ورد في حقها من الأحاديث النبوية فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ستفتح عليكم بعدي مصر فاستوصوا بقبطها خيراً فإن لهم «1» ذمة
ورحماً» قال ابن كثير رحمه الله: والمراد بالرحم أنهم أخوال إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليهما السلام، أمه هاجر القبطية، وهو الذبيح على الصحيح، وهو والد عرب الحجاز الذين منهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأخوال إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمه مارية القبطية من سنى كورة أنصنا «1» ، وقد وضع عنهم معاوية الجزية إكراما لإبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام ابن كثير.
وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا فتح الله عليكم مصر فاتخذوا فيها جنداً كثيفاً فذلك الجند خير أجناد الأرض» فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ولم [ذلك «2» ] يا رسول الله؟ فقال: «لأنهم وأزواجهم في رباط إلى يوم القيامة» وعنه صلى الله عليه وسلم، وذكر مصر:«ما كادهم أحد إلا كفاهم الله مئونته» .
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: أهل مصر أكرم الأعاجم كلها، وأسمحهم يداً، وأفضلهم عنصراً، وأقربهم رحماً بالعرب عامة، وبقريش خاصة.
وقال أيضا: لما خلق الله آدم، مثّل له الدنيا: شرقها وغربها وسهلها وجبلها وأنهارها وبحارها وعامرها وخرابها، ومن يسكنها من الأمم، ومن يملكها من الملوك؛
فلما رأى مصر، رآها أرضاً سهلة ذات نهر جارٍ، مادته من الجنة تنحدر فيه البركة، ورأى جبلاً من جبالها مكسواً نوراً لا يخلو من نظر الرب عز وجل إليه بالرحمة، في سفحه أشجار مثمرة، فروعها في الجنة تسقى بماء الرحمة، فدعا آدم في النيل بالبركة، ودعا في أرض مصر بالرحمة والبر والتقوى، وبارك على نيلها وجبلها سبع مرات؛ قال:«يا أيها الجبل المرحوم، سفحك جنة، وتربتك مسكة، تدفن فيها عرائس الجنة، أرض حافظة مطبقة رحيمة، لا خلتك يا مصر بركة، ولا زال بك حفظة، ولا زال منك ملك «1» وعز، يا أرض مصر، فيك الخبايا والكنوز، ولك البر والثروة، سال نهرك عسلاً، كثر الله رزقك، ودر ضرعك، وزكا نباتك، وعظمت بركتك وخصبت، ولا زال فيك يا مصر خير ما لم تتجبري وتتكبّرى أو تخونى؛ فإذا فعلت ذلك، عداك «2» شر ثم يغور خيرك» .
فكان عليه السلام أول من دعا لها بالرحمة والخصب والرأفة والبركة.
وقال عبد الله بن عباس: دعا نوح عليه السلام لابنه بيصر بن حام- وهو أبو مصر الذي سميت مصر على اسمه- فقال: اللهم إنه قد أجاب دعوتي، فبارك فيه وفي ذريته، وأسكنه الأرض الطيبة المباركة التى هى أمّ البلاد.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: لما قسم نوح عليه السلام الأرض بين ولده، جعل لحامٍ مصر وسواحلها والغرب وشاطئ النيل، فلما قدم بيصر ابن حام وبلغ العريش، قال:«اللهم إن كانت هذه الأرض التي وعدتنا على لسان نبيك نوح وجعلتها لنا منزلاً، فاصرف عنا وباها «3» ، وطيب لنا ثراها، واجمع ماها «4» ، وأنبت كلاها «5» ، وبارك لنا فيها، وتمم لنا وعدك؛ إنك على كل شيء قدير، وإنك
لا تخلف الميعاد» وجعلها بيصر لابنه مصر وسماها به. يأتي ذكر ذلك عند ذكر من ملك مصر قبل الإسلام في هذا المحل إن شاء الله تعالى.
والقبط ولد مصر بن بيصر بن حام بن نوح عليه السلام.
وقال كعب الأحبار: لولا رغبتي في بيت المقدس لما سكنت إلا مصر؛ فقيل له: ولم؟ قال: لأنها معافاة من الفتن، ومن أراد بها سوءاً كبه «1» الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه.
وروى ابن يونس عنه قال: من أراد أن ينظر إلى شبه الجنة فلينظر إلى مصر إذا زخرفت؛ وفي رواية: إذا أزهرت.
وروى ابن يونس بإسناده إلى أبي بصرة الغفاري قال: سلطان مصر سلطان الأرض كلها.
قلت: ولهذا الخبر الصحيح جعلنا في آخر تراجم ملوك مصر حوادث سائر الأقطار كلها.
وقال: في التوراة مكتوب: مصر خزائن الأرض كلها، فمن أراد بها سوءاً قصمه الله.
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: خلقت الدنيا على خمس صور: على صورة الطير برأسه وصدره وجناحيه وذنبه؛ فالرأس مكة والمدينة واليمن،
والصدر الشأم ومصر، بالجناح الأيمن العراق، وخلف العراق أمة يقال لها: واق واق «1» وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله، والجناح الأيسر السند والهند، وخلف الهند أمة يقال لها: باسك، وخلف باسك أمة يقال لها: منسك، وخلف ذلك من الأمم ما لا يعلمه إلا الله، والذّنب من ذات الحمام إلى مغرب الشمس؛ وشر ما في الطير الذنب.
وقال ابن عبد الحكم حدثنا أشهب بن عبد العزيز وعبد الملك بن مسلمة قالا حدّثنا مالك عن ابن شهاب عن كعب بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
«إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيراً فإن لهم ذمة ورحماً» ثم ساق ابن عبد الحكم عدة أحاديث أخر بأسانيد مختلفة في حق مصر ونيلها في هذا المعنى.
وقال أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز قاضي العراق: سألت أحمد بن المدبر عن مصر، فقال: كشفتها فوجدت غامرها أضعاف عامرها، ولو عمرها السلطان لوفت له بخراج الدنيا.
وقال بعض المؤرخين: إنه لما استقر عمرو بن العاص رضي الله عنه على ولاية مصر كتب إليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن صف لي مصر؛ فكتب إليه:
ورد كتاب أمير المؤمنين أطال الله بقاءه يسألني عن مصر: اعلم يا أمير المؤمنين أن مصر قرية غبراء، وشجرة خضراء؛ طولها شهر، وعرضها عشر «2» ؛ يكنفها جبل أغبر، ورمل أعفر؛ يخطّ وسطها نيل مبارك الغدوات، ميمون الروحات؛ تجري فيه الزيادة والنقصان كجري الشمس والقمر؛ له أوان يدرّ حلابه، ويكثر فيه دبابه، تمده عيون الأرض وينابيعها حتى إذا ما اصلخم عجاجه، وتعظمت أمواجه، فاض