الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على الْأسود وسَاق الشَّيْخ شمس الدّين فِي تَرْجَمته قَرِيبا من خمس أوراق وَلم يكن للشَّيْخ أَحْمد رحمه الله عقب إِنَّمَا الْعقب لِأَخِيهِ وَأَوْلَاده يتوارثون المشيخة وَالْولَايَة على تِلْكَ النَّاحِيَة إِلَى الْآن وللشيخ أَحْمد على مَا كَانَ عَلَيْهِ من الْعِبَادَة شعرٌ فَمِنْهُ على مَا قيل
(إِذا جن ليلِي هام قلبِي بذكرهم
…
أنوح كَمَا ناح الْحمام المطوق)
(وفوقي سحابٌ يمطر الْهم والأسى
…
وتحتي بحارٌ للأسى تتدفق)
(سلوا أم عمروٍ كَيفَ بَات أسيرهم
…
تفك الْأُسَارَى دونه وَهُوَ موثق)
(فَلَا هُوَ مقتولٌ فَفِي الْقَتْل راحةٌ
…
وَلَا هُوَ ممنونٌ عَلَيْهِ فيطلق)
توفّي الشَّيْخ رحمه الله يَوْم الْخَمِيس الثَّانِي وَالْعِشْرين من جُمَادَى الأولى سنة ثَمَان وَسبعين وَخمْس مائَة بِأم عُبَيْدَة وَهُوَ فِي عشر السّبْعين
3 -
(القَاضِي الرشيد بن الزبير)
أَحْمد بن عَليّ بن إِبْرَاهِيم بن الزبير الغساني الأسواني الْمصْرِيّ القَاضِي الرشيد أَبُو الْحُسَيْن كَانَ كَاتبا شَاعِرًا فَقِيها نحوياً لغوياً عروضياً منطقياً مؤرخاً مهندساً طَبِيبا موسيقاراً منجماً مفنناً وَهُوَ من بَيت كَبِير بالصعيد مَعْرُوف بِالْمَالِ ولي النّظر بثغر الْإسْكَنْدَريَّة بِغَيْر اخْتِيَاره وَله تواليف الْتحق فِيهَا بالأوائل المجيدين قتل ظلما وعدواناً فِي محرم سنة اثْنَتَيْنِ وَسِتِّينَ وَخمْس مائَة وَقيل سنة ثَلَاث وَمن تصانيفه منية الألمعي وَبَيِّنَة الْمُدَّعِي يشْتَمل على عُلُوم كَثِيرَة كتاب المقامات جنان الْجنان وروضة الأذهان فِيهِ ذكر لشعراء مصر وَمن طَرَأَ عَلَيْهِم الْهَدَايَا والطرف شِفَاء الْغلَّة فِي سمت الْقبْلَة ديوَان شعره ديوَان رسائله
من شعره قَوْله)
(سمحنا لدنيانا بِمَا بخلت بِهِ
…
علينا وَلم نحفل بجل أمورها)
(فيا ليتنا لما حرمنا سرورها
…
وقتنا أَذَى آفاتها وشرورها)
يَا ربع أَيْن ترى الْأَحِبَّة يمموا فَقَالَ القَاضِي الرشيد
(رحلوا فَلَا خلت الْمنَازل مِنْهُم
…
ونأوا فَلَا سلت الجوانح عَنْهُم)
(وسروا وَقد كتموا الْغَدَاة مَسِيرهمْ
…
وضياء نور الشَّمْس مَا لَا يكتم)
(وتبدلوا أَرض العقيق عَن الْحمى
…
رَوَت جفوني أَي أَرض يمموا)
(نزلُوا العذيب وَإِنَّمَا هِيَ مهجتي
…
نزلُوا وَفِي قلب المتيم خيموا)
(مَا ضرهم لَو ودعوا مَا أودعوا
…
نَار الغرام وسلموا من أَسْلمُوا)
(هم فِي الحشا إِن أعرقوا أَو أشأموا
…
أَو أيمنوا أَو أنجدوا أَو أتهموا)
مِنْهَا
(لَا ذَنْب لي فِي الْبعد أعرفهُ سوى
…
أَنِّي حفظت الْعَهْد لما خنتم)
(فأقمت حِين ظعنتم وَعدلت لما
…
جرتم وسهرت لما نمتم)
وَمِنْه قَوْله
(وَلما نزلنَا فِي ظلال بُيُوتهم
…
أمنا ونلنا الخصب فِي زمنٍ مَحل)
(وَلَو لم يزدْ إحسانهم وجميلهم
…
على الْبر من أَهلِي حسبتهم أَهلِي)
قلت فِيهِ زِيَادَة ومبالغة على بَيْتِي الحماسة الْمَشْهُورين وهما
(نزلت على آل الْمُهلب شاتياً
…
بَعيدا عَن الأوطان فِي زمنٍ مَحل)
(فَمَا زَالَ بِي إحسانهم وجميلهم
…
وبرهم حَتَّى حسبتهم أَهلِي)
وَمِنْه قَوْله
(جلت لدي الرزايا بل جلت هممي
…
وَهل يضر جلاء الصارم الذّكر)
(غَيْرِي يُغَيِّرهُ عَن حسن شيمته
…
صرف الزَّمَان وَمَا يَأْتِي من الْغَيْر)
(لَو كَانَت النَّار للياقوت محرقةً
…
لَكَانَ يشْتَبه الْيَاقُوت بِالْحجرِ)
(لَا تغررن بأطماري وَقيمتهَا
…
فَإِنَّمَا هِيَ أصدافٌ على دُرَر)
(وَلَا تظنّ خَفَاء النَّجْم من صغرٍ
…
فالذنب فِي ذَاك محمولٌ على الْبَصَر)
)
وَمِنْه أَيْضا قَوْله
(لَئِن خَابَ ظَنِّي فِي رجائك بَعْدَمَا
…
ظَنَنْت بِأَنِّي قد ظَفرت بمنصف)
(فَإنَّك قد قلدتني كل منةٍ
…
ملكت بهَا شكري لَدَى كلّ موقف)
(لِأَنَّك قد حذرتني كل صاحبٍ
…
وأعلمتني أَن لَيْسَ فِي الأَرْض من يَفِي)
وَكَانَ السَّبَب فِي تقدمه فِي الدولة المصرية أَنه دخل بعد مقتل الظافر إِلَى مصر وَقد جلس الفائز وَعَلِيهِ أطمارٌ رثَّة وطيلسان صوف أَخْضَر فَحَضَرَ المأتم وَقد حضر شعراء الدولة فأنشدوا
مراثيهم على مَرَاتِبهمْ فَقَامَ فِي آخِرهم وَأنْشد قصيدة أَولهَا
(مَا للرياض تميل سكرا
…
هَل سقيت بالمزن خمرًا)
إِلَى أَن وصل إِلَى قَوْله أفكربلاء بالعراق وكربلاء بِمصْر أُخْرَى فذرفت الْعُيُون وعج الْقصر بالكباء والعويل وانثالت عَلَيْهِ العطايا من كل جَانب من الْأُمَرَاء والحظايا وَحمل الْوَزير إِلَى منزله جملَة من المَال وَقَالَ لَوْلَا المأتم لجاءتك الْخلْع
وَكَانَ على جلالته أسود الْجلد جهم الْوَجْه ذَا شفة غَلِيظَة وأنف مَبْسُوط سمح الْخلق كخلقة الزنوج قَصِيرا قَالَ ياقوت فِي مُعْجم الأدباء حَدثنِي الشريف مُحَمَّد بن عبد الْعَزِيز الإدريسي عَن أَبِيه قَالَ كنت أَنا والرشيد والفقيه سُلَيْمَان الديلمي نَجْتَمِع بِالْقَاهِرَةِ فِي منزل فَغَاب عَنَّا الرشيد يَوْمًا وَكَانَ ذَلِك فِي عنفوان شبابه فجاءنا وَقد مضى مُعظم النَّهَار فَقُلْنَا لَهُ مَا أَبْطَأَ بك عَنَّا فَتَبَسَّمَ وَقَالَ لَا تسألوا عَمَّا جرى فَقُلْنَا لَا بُد وألححنا عَلَيْهِ فَقَالَ مَرَرْت الْيَوْم بالموضع الْفُلَانِيّ وَإِذا امْرَأَة شَابة صَبِيحَة الْوَجْه وضيئة المنظر حسانة الْخلق ظريفة الشَّمَائِل فَلَمَّا رأتني نظرت إليّ نظر مطمع لي فِي نَفسهَا فتوهمت أَنِّي وَقعت مِنْهَا بموقع ونسيت نَفسِي وأشارت إِلَيّ بطرفها فتبعتها وَهِي تدخل فِي سكَّة وَتخرج من أُخْرَى حَتَّى دخلت دَارا وأشارت إِلَيّ فَدخلت وَرفعت النقاب عَن وَجه كَالْقَمَرِ فِي لَيْلَة تَمَامه ثمَّ صفقت بِيَدَيْهَا منادية يَا سِتّ الدَّار فَنزلت إِلَيْهَا طفلة كَأَنَّهَا فلقَة قمر فَقَالَت لَهَا إِن رجعت تبولين فِي الْفراش تركت سيدنَا القَاضِي يَأْكُلك ثمَّ الْتفت إِلَيّ وَقَالَت لَا أعدمني الله فضل سيدن القَاضِي أدام الله عزه فَخرجت وَأَنا خزيان خجل لَا أهتدي الطَّرِيق
قلت وَمن هُنَا نقل الصاحب بهاء الدّين زُهَيْر تِلْكَ الحكايات الَّتِي كَانَ يعضها على نَفسه)
وَفِي القَاضِي الرشيد رَحمَه الله تَعَالَى يَقُول مَحْمُود بن قادوس الشَّاعِر يهجو إِن قلت من نَار خلقت وفقت كل النَّاس فهما
(قُلْنَا صدقت فَمَا الَّذِي
…
أطفاك حَتَّى صرت فحما)
وَقَالَ فِيهِ أَيْضا
(يَا شبه لُقْمَان بِلَا حكمةٍ
…
وخاسراً فِي الْعلم لَا راسخا)
(سلخت أشعار الورى كلهَا
…
فصرت تدعى الْأسود السالخا)
وَلما اتَّصل بملوك مصر وَتقدم أنفذوه رَسُولا إِلَى الْيمن ثمَّ قلد قضاءها ولقب بقاضي قُضَاة الْيمن وداعي دعاة الزَّمن ثمَّ سمت نَفسه إِلَى الْخلَافَة فسعى فِيهَا وأجابه قوم إِلَى ذَلِك وسلموا عَلَيْهِ بهَا وَضربت لَهُ السِّكَّة على الْوَجْه الْوَاحِد قل هُوَ الله أحد وعَلى الآخر الإِمَام الأمجد أَبُو
الْحُسَيْن أَحْمد ثمَّ قبض عَلَيْهِ وَنفذ مكبلاً إِلَى قوص فَدَخلَهَا وَهُوَ مغطى الْوَجْه وهم ينادون عَلَيْهِ بَين يَدَيْهِ هَذَا عَدو السُّلْطَان أَحْمد بن الزبير وَكَانَ الْأَمِير بهَا طرخان سليط اللِّسَان وَكَانَت بَينهمَا ذحولٌ قديمَة فحبسه فِي المطبخ وَكَانَ ابْن الزبير قد تولى المطبخ قَدِيما فَقَالَ الشريف الْأَخْفَش يُخَاطب ابْن رزيك
(تولى على الشَّيْء أشكاله
…
فَيُصْبِح هَذَا لهَذَا أَخا)
أَقَامَ على المطبخ ابْن الزبير فولى على المطبخ المطبخا فَقَالَ بعض الْحَاضِرين لطرخان يَنْبَغِي أَن تحسن إِلَيْهِ لِأَن أَخَاهُ الْمُهَذّب قريب من قلب الصَّالح وَمَا يستبعد أَن يستعطفه عَلَيْهِ فَتَقَع فِي خجل فَلم يمض على ذَلِك غير لَيْلَة أَو لَيْلَتَيْنِ حَتَّى ورد كتاب الصَّالح على طرخان يَأْمُرهُ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ فَأحْضرهُ من محبسه مكرماً فجَاء إِلَيْهِ وزاحمه فِي رتبته
وَأما سَبَب مَقْتَله فلميله إِلَى أَسد الدّين شيركوه لما قدم مصر ومكاتبته لَهُ فاتصل ذَلِك بشاور وَزِير العاضد فَطَلَبه فاختفى بالإسكندرية وَاتفقَ التجاء صَلَاح الدّين يُوسُف بن أَيُّوب إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة ومحاصرتها فَخرج ابْن الزبير مُتَقَلِّدًا سَيْفا وَقَاتل بَين يَدَيْهِ وَكَانَ مَعَه مُدَّة مقَامه فتزايد وجد شاور وجد فِي طلبه فظفر بِهِ فَأمر بركوبه على جمل وعَلى رَأسه طرطورٌ ووراءه جلواز ينَال مِنْهُ وَهُوَ ينشد
(إِن كَانَ عنْدك يَا زمَان بقيةٌ
…
مِمَّا تهين بِهِ الْكِرَام فهاتها)
)
ثمَّ يهمهم بِتِلَاوَة الْقُرْآن ثمَّ إِنَّه بعد إشهاره بِمصْر والقاهرة أَمر أَن يصلب شنقاً فَلَمَّا وصل إِلَى مَكَانَهُ شنقه جعل يَقُول لمن تولى ذَلِك عجل عجل فَلَا رَغْبَة لكريم فِي حَيَاة بعد هَذِه الْحَال ثمَّ صلب وَمَا مضى على ذَلِك إِلَّا مديدة حَتَّى قتل شاور وسحب فاتفق أَن حفر لَهُ ليدفن فَوجدَ الرشيد بن الزبير مَدْفُونا فدفنا مَعًا ثمَّ نقل كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى تربة بقرافة مصر والقاهرة
وَلما دخل الْيمن رَسُولا قَالَ بعض شعراء الْيمن يُخَاطب صَاحب مصر وَكَانَ قد لقب علم المهتدين
(بعثت لنا علم المهتدين
…
وَلكنه علمٌ أسود)
يُرِيد أَن أعلامكم بيض والسود إِنَّمَا هِيَ لبني الْعَبَّاس
ورثاه فَخر الْكتاب أَبُو عَليّ حسن بن عَليّ الْجُوَيْنِيّ الْكَاتِب بقصيدة دالية أَولهَا
(حرقي مَا لنارها من خمود
…
كَيفَ تخبو وَالنَّار ذَات الْوقُود)
مِنْهَا لَك يَا ابْن الزبير قلت لأيام سروري ولذتي لَا تعودي
(عبراتي يَا أَحْمد بن عليٍّ
…
صيرت فِي الخدود كالأخدود)