الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو الفضل المؤيّد بن الموفّق الصاحبيّ في كتاب (الحكم البوالغ في شرح الكلم النوابغ):
رسالة الملائكة
ألفها أبو العلاء المَعَريّ على جواب مسائل تصريفية ألقاها إليه بعض الطَلَبة (1) فأجاب عنها بهذا الطريق المشتمل على الفوائد الأنيقة، مع صورتها المستغرَبة الرشيقة:
بسم الله الرحمن الرحيم
ليس مولاي الشيخ أدام الله عِزّه بأول رائد ظَنَّ (2) في الأرض العازبة فوجدها من النَبات قَفْرًا. ولا آخِرِ شائم ظَنَّ الخيرَ بالسحابة فكانت من قطَرٍ صِفْرًا. جاءتني منه فوائد كأنها في الحسن بناتُ مَخْرٍ (3)، متمثلًا ببيت صَخْر (4):
لعمري لقد نَبَّهْتِ مَن كان نائمًا
…
وأسمعتِ من كانت له أُذُنانِ
إن الله يُسْمعُ من يشاء وما أنت بمُسْمِعٍ مَنْ في القبور. أولئكَ يُنادَوْن من مكان بعيد. وكنت في عُنْفُوان (5) الشَبيبة أوَدُّ أنني من أهل العلم فَسجَنَتْنِي عنه سواجنُ (6)، غادرتني مثل الكُرَةِ رَهْنَ المحَاجن (7). فالآنَ مشيتُ رُويدًا، وتركت عمرًا للضارب وزيدًا. وما اُوْثرُ أن يزاد في صحيفتي خطأ في النحو، فيَخْلُدَ آمنَا من المحْو. وإذا صَدَقَ فجْر الِلمَّة فلا عُذْرَ لصاحبها في الكَذِب، ومن لمعذَّب العَطَش بالعَذِبِ (8)؟
(1) الذي يظهر من فحوى الرسالة أنه بعض أكابر الفضلاء.
(2)
لعل صوابه ظعن.
(3)
سحائب بيض يأتين قبل الصيف قال طرفة:
كبنات المخر يمأدن كما
…
أنبت الصيف عساليج الخضر
وكل قطعة منها على حيالهما بنات مخر. وكان الزجاج يقول: إن مخرًا مقلوب من بخر من البخار.
ولو قال قائل أن مخرًا من قوله تعالى {وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ} لكان مصيبًا.
(4)
في خبر معروف راجع الشعر والشعراء ليدن ص 199 والخزانة الكبرى 1: 209.
(5)
وفي أخرى خطية غيسان وكلاهما بمعنى.
(6)
عدتني العوادي. وفي أخرى شجنتني عنه شواجن بذلك المعنى عينه.
(7)
جمع محجن الصوالج.
(8)
الماء الكدر.
وصِدْق الشَعَر في المَفْرِق، يوجب صدق الإنسان الفَرِقِ (1). وكون الحالية بلا خُرُص (2)، أجملُ بها من التخرُّص. وقيام النادبة بالمنَادب (3)، أحسنُ بالرجل من القول الكاذب (4). وهو أدام الله الجمال به يلزمه البحثُ عن غوامض الأشياء لأنه يُعتَمَد بسؤال رائحٍ وغادٍ، وحاضِرٍ يرجو الفائدَة وبادٍ. فلا غَرْوَ أن كشَفَ عن حقائق التصريف، واحتجّ للتنكير والتعريف. وتكلَّم على هَمْزٍ وإدغام، وأزال الشُبَه عن صُدور الطَغام. فأما أنا فحِلسُ البيت، إن لم أكن المَيتَ فشبيهٌ بالميت. لو أعرضتِ الأغربةُ عن النَعيب، إعراضي عن الأدب والأديب. لأصبحت لا تُحِسُّ نعيبًا (5)، ولا يُطيق هَرِمُها زعيبًا. ولمّا وافى شيخُنا أبو فلان بتلك المسائل ألفيتُها في اللذّة كأنها الراح، يَستَفزُّ مَنْ سَمِعَها المِراحُ. وكانت الصهباءَ الجُرجانيّة طَرَقَ بها عميدُ كَفر، بعد ميل الجوزاء وسقوط الغَفْر (6) وكان على يجباها (7) جلب الينا الشمس وإياها. فلما جُليَتِ الهَدِيُّ ذكرتُ ما قال الأسدي:
فقلت اصطبِحْها أو لغيري فأهْدِها
…
فما أنا بعد الشيب، ويبك (8)! والخمر
تجاللتُ (9) عنها في السنين التي مضت
…
فكيف التصابي بعد ما كلَّا العُمر (10)
(1) وكان في الأصل "في الفرق" والفرق كالفروقة الإنسان الخائف كثيرًا.
(2)
خرص كعنق وأصله كقفل الحلقة من الذهب أو الفضة قال ابن جني ليس فعل (بوزن قفل) يمتنع فيه فعل (بوزن عنق) السهيلي 1: 25.
(3)
وفي أخرى بالنادب.
(4)
وفي أخرى من أقوال الكاذب.
(5)
النعيب والزعيب صوت الغراب.
(6)
الكفر القرية. والغفر منزل للقمر ثلاثة أنجم صغار وهي من الميزان. انظر كتاب الأزمنة للمرزوقي 1: 311 و 193. يريد بعد وهن من الليل.
(7)
كذا في الأصل وهو مصحف لا محالة فلعل الأصل والله أعلم "وكأن غلي حمياها جلب إلينا الشمس وإياها". والحميا السورة والحدة والأيا بالكسر مقصورًا والآياء بالفتح ممدودًا والاياة بالفتح والكسر ضوء الشمس.
والعجب أنّ سليم الجندي (ص 4) لم يتعرّض لما قاله العلامة الميمنيّ (م. ي).
(8)
الشعر للأقشير. والأبيات خمسة في طبقات ابن قتيبة (ليدن ص 354) وروايتها "ويبك" وفي نسخة "ويحك" وفي الأصل "وتيك".
(9)
تعظمت وفي التاج والأساس تعففت.
(10)
طال وتأخر.
وما رَغبتي في كوني كبعض الكِرْوان (1) تكلم في خطب جَرَى، والظليم يسمع وَيرَى. فقال الأخفش أو الفَرّا: أطْرق كَرا! إن النعامةَ في القُرى (2). وحَقُّ مثلي أن لا يُسأَل. فإن سُئِلَ تعيَّنَ عليه أن لا يجيب. فإن أجاب ففرضَّ على السامع أن لا يَسْمَعَ منه، فإن خالفَ باستماعه ففريضةٌ أن لا يكتُبَ ما يقول. فإن كتبه فواجبٌ أن لا ينظر فيه. فإن نظر فقد خَبَط خَبط عَشْوَاءَ. وقد بلغتُ سِنَّ الأشياخ. وما حارَ (3) بيدي نفعٌ من هذا الهَذَيانِ. والظَعْنُ إلى الآخرة قريب. افتَراني أُدافع مَلك الموت فأقول:
أصل مَلَكٍ مألكٌ وإنما أُخذ من الأُلوكة وهو الرسالة ثم قُلِبَ ويَدُلّنا على ذلك
…
[1] قولهم في الجمع الملائكة لأن المجموع تَرُدّ الأشياءَ إلى أُصولها، وأُنْشِدُ قول الشاعر (4):
فلستَ لإنسيٍّ ولكنْ لَملأَكٍ
…
تَنزَّلَ من جَوَّ السماء يَصُوبُ
فيُعجبه ما سمع فيُنْظرني ساعة لاشتغاله بما قلتُ. فإذا همَّ بالقبض قلت وزن مَلَكَ على هذا مَعل لأن الميم زائدة. وإذا كان الملك من الألوكة فهو مقلوبٌ من ألك إلى لأك. والقلب في الهمز وهمز العلّة معروف عند أهل المقاييس. فأما جَبذَ
(1) جمع كروان محركًا كشقذان وشقذان.
(2)
مثل أي تأتي فتدوسك بأخفافها. وأطرق أي غض من بصرك. يضرب للذي ليس عنده غناء ويتكلم. قيل يصيدونه بهذه الكلمة فإذا سمعها يلبد في الأرض فيلقى عليه ثوب فيصاد. الفرائد 1: 366 ولقد أفاض في البحث وأوعب وأعجب وأسهب صاحب الخزانة 1: 394 ونقل عن ابن السيد فيما كتبه على الكامل أن الصواب أنه شعر من الرجز:
أطرق كرا أطرق كرا
…
أن النعام في القرى
والكرا الكروان أو مرحَّمه.
(3)
حار رجع وفي الأصل حاز وهو تصحيف.
(4)
قال أبو عبيدة هو رجل من عبد القيس جاهلي يمدح بعض الملوك. وقال السهيلي البيت مجهول قائله وقد نسبه ابن سيدة إلى علقمة وأنكر ذلك عليه اهـ. وأنا رأيت البيت مع ثلاثة أبيات أخرى في بعض النسخ من ديوان علقمة بن عبدة وفيه يصوب كيقول مع ندوب ويذوب ونضوب وما أكثر من يشكله فلستُ بالضم ويصَوَّب كيبشر. وأما أصل ملك ففيه خلاف كثير اقتنع منه على قول واحد. انظر شرح الرضيّ على الشافية. قوله مقلوب من ألك إلى لأك الأولى من مالك إلى ملأك حتى يفيد هذا القلب تسهيل الهمزة قياسًا مطردًا كما قالوا يسل في يسأل. قوله (في أول الصفحة التالية) فكأنهم فروا الخ غير واضح ولا دال على الغرض وقال غيره أنهم لو جمعوا على مآلكة وردوا المفرد عند الجمع إلى أصله لاشتبه بجمع مالكة وانظر السهيلي 2: 122 وأنشد البيت سيبويه أيضًا 2: 379 غير معزو إلى قائل بعينه لكن الأعلم نسبه إلى علقمة كما مر.
وجذب ولَقَمَ (1) الطريق ولمقه فهو عند أهل اللغة قلب والنحويون لا يرونه مقلوبًا بل يرون اللفظين كل واحد منهما أصلًا في بابه. فوزن الملائكة على هذا معافلة لأنها مقلوبة عن مآلكة. يقال ألِكْني إلى فلان قال الشاعر (2):
ألِكني إلى قومي السلامَ رسالة
…
بآيةِ ما كانوا ضعافًا ولا عُزْلا
وقال الأعشى في المأْلُكة:
أبلغْ يزيد بني شيبان مالُكةً
…
أبا ثُبيت (3) أما تنفكَ تأتكل
فكأنهم فرّوا من المألُكة من ابتدائهم ثم بحثوا بعدها بالألف فرأوا أن مجيء الألف أوّلا أخفُ كما فرّوا من شَأَى إلى شاءَ ومن نَأَى إلى ناءَ قال عمر بن أبي ربيعة (4):
بانَ الحُمولُ فما شَأوْنَكَ نَقْرَةً
…
ولقد أراكَ تُشاءُ بالأَظعان
وأنشد أبو عبيدة (5):
أقول وقد ناءت بهم غُرْبةُ النَوَى
…
نَوَّى خَيتَعورٌ لا تَشِطُّ دِيارُكِ
فيقول الملك مَن ابن أبي ربيعة؟ وما أبو عبيدة؟ وما هذه الأباطيل؟ إن كان
(1) من باب نصر: سد فيه.
(2)
هو عمرو بن شأس كما في التاج. والسلام مفعول ثان ورسالة بدل منه وإن شئت حملته إذا نصبت على معنى بلغ عني رسالة. وأورده سيبويه مع قال له: 1: 101 قال الأعلم وصف تغربه عن قومه بني أسد الخ.
(3)
يريد أبا ثابت فصغره على التجريد. وتأتكل في التاج إنما أراد تأتلك حكاه يعقوب في المقلوب اهـ. أقول ولم أجده في كتاب القلب له. وقيل من الايتكال وهو الفساد والسعي جابر وقالوا تأتكل تحتك من الغيظ- وورد أبو ثابت مكبرًا في بيت للأعشى أنشده سيبويه 2: 150:
أبا ثابت فاذهب وعرضك سالم.
(4)
نقبت عن البيت في النسخ الثلاث المطبوعة من ديوانه فخاب رجائي وفي اللسان والتاج إنه للحرث بن خالد المخزومي. في اللسان وشآني الشيء أعجبني شاوا وقيل حزنني ثمّ أنشد البيت. وقيل: شآني: طرّبني. وقيل: شاقني. ابن سيدة: وشاءني الشيء: سبقني، وشاءني حزنني مقلوب من شآني
…
وقال الحرث بن خالد المخزومي فجاء بهما مر الحمول البيت.
تحت الخدور وما لهن بشاشة
…
أصلًا خوارج من ففا نعمان اهـ
وأنا أظن أنه سمع أن البيت للمخزومي فظنه عمر وهو الذي علق بحفظه. ونقرة أدنى شيء - وفي المقتضب لابن جني طبع أوربا ص 5 مشوء محزون ثم أنشد البيت.
(5)
وفي التاج واللسان وأنشد يعقوب: وخيتعور كل ما لا يدوم على حالة.
لك عمل صالح فأنت السعيد وإلَّا فاخْسَأْ وَرَاءَكَ! فأقول فأمْهلني ساعة حتَّى أُخْبِرَك بوزنِ عِزْرائيل وأُقيم الدليل على أن الهمزة فيه زائدة. فيقول الملك هيهاتَ! [2] ليس الأمرُ إليَّ [الأعراف 34]: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} . أم تُراني أُداري (1) مُنْكَرًا ونكيرا؟ فأقولَ كيف جاء اسماكُما عربيَّين [3] منصرفين وأسماء الملائكة كلّها من الأعجميّة مثل إسرافيل وجبرائيل وميكائيل (2). فيقولان هاتِ حُجَّتَكَ! وخَلِّ الزُخْرُفَ عنك. فأقولَ متقرِّبا إليهما كان ينبغي لكما أن تعرفا ما وزن جبرائيل وميكائيل علي اختلاف اللغات إذ كانا أخويكما في عبادة الله عز وجل. فلا يزيدهما ذلك إلَّا غيظًا. ولو علمتُ أنهما يرغَبان في مثل هذه العِلَل لأعددتُ لهما (3) شيئًا كثيرًا من ذلك. ولقلت ما تَرَيان في وزن موسى (4) اسم كليم الله [4] الذي سألتماه عن دينه وحُجّته، فأبان وأوضَح. فإن قالا موسى أعجميّ إلَّا أنَّه يوافق من العربية على وزن مُفْعَل وفُعْلَى، أما مُفْعَل إذا كان من بنات الواو مثل أوْسَيتُ وأوريتُ فإنك تقول موسًى ومورًى. وإن كان من ذوات الهمزِ فإنك تخفِّفِ حتَّى تكون الواو خاليةً من مُفْعَل. تقول آنيتُ العَشاء فهو مُؤنَي وإن خفّفتَ قلتَ مُوْنَي قال الحُطيئةُ (5):
وآنيتُ العشاءَ إلى سُهيل
…
أو الشِعْرَى فطال بيَ الأناءُ (6)
(1) وفي نسخة إذ أرى.
(2)
هذه أسماء من الأعجمية لم تكن العرب تعرفها ووردت في كثير من شعر الجاهلية انظر المعرب 143 و 50 وغيرهما وأما هذه التعنتات التي عاناها أبو علي الفسوي في وزن أمثالها فليس الغرض منها إلَّا التمرين وشحذ الخاطر ليس إلَّا. ومن ظن أن منشأها عدم معرفتهم بغير العربية من اللغات وظن هذه الكلمات عربية فقد باعد ولم يصب الغرض. وهذا التبريزي ذكر (4: 3) اشتقاق موسى كما هنا ثم قال إنه تعريب موسى بالعبرانية وقال أبو العلاء نفسه على ما نقل عنه الجواليقي 135 لم أعلم أن في العرب من سمى موسى زمان الجاهلية وإنما حدث هذا في الإِسلام لما نزل القرآن وسمى المسلمون أبناءهم بأسماء الأنبياء على سبيل التبرك. فإذا سموا بموسى فإنما يعنون الاسم الأعجمي لا موسى الحديد وهو عندهم كعيسى اهـ وهذا نص على ما ذهبنا إليه- فتنبه له ولا تكن مع شعوبية العصر الحاضر في الغض من العرب والتنقص لهم. وموسى معناه بالعبرية المنتشل من الماء.
(3)
في نسخة "لهم".
(4)
راجع لاتمام البحث التبريزي مصر 4: 2 والمعرب للجواليقي 135 والتاج مادة موسى وشروح الشافية مبحث ذي الزيادة. مفعل على قول البصريين وفعلى على قول الكوفيين.
(5)
ديوان الحطيئة صنع السكري 25.
(6)
هذه رواية أبي عمرو بن العلاء. ورواية ابن الأعرابي: بي العشاء. أي أخرت عشائي عندكم إلى آخر الليل. يهجو الزبرقان ورهطه.
وحكى بعضهم (1) همزَ موسى إذا كان اسمًا. وزعم النحويون أن ذلك لمجاورة الواو الضمّةَ. لأن الواو (2) إذا كانت مضمومة ضَمًّا لغير إعراب أو غير ما يشاكِلُ الإعرابَ جاز أن تُحَوَّلَ همزةً كما قالوا أُفَيتْ (3) ووُفيتْ وَحمام وُرْق وأُرْق ووُشِّحَتْ وأُشَحتْ. قال الهذلي (4):
أَبا مَعْقِل إن كنت أشّحتَ حُلّةً
…
أبا معقلٍ فانظرُ لسهمك من تَرْمي
وقال حُميد بن ثَور الهِلاليّ (رض):
وما هاجَ هذا الشوقَ إلَّا حَمامةً
…
دعت ساقَ حُرٍّ تَرحَةً وتَرَنُّمَا
ومن الأُرق حَمّاءُ العِلاطَين باكرت
…
عسيبَ أشاءَ مَطلِعَ الشَّمس أسحمَا (5)
وقد ذكر الفارسي هذا البيت مهموزًا (6):
أَحَبُّ المُؤْقِدِينَ إليَّ مُؤْسَى
…
وحَرْزةُ لو أضاءَ ليَ الوَقودُ
وعلى مجاورة الضمة جاز الهمز في سُوْق (7) جمع ساق في قراءة من قرأ كذلك ويجوز أن يكون جُمع على فُعُل مثل أُسُد فيمن ضمّ السين ثم هُمزت الواو
(1) هو أبو علي الفسوي كما قال الرضيّ (358 لاهور سنة 1315 هـ) أنَّه حكى همز المؤقدين ومؤسى في البيت الآتي وكما صرح أبو العلاء نفسه فيما بعد. وأرى النحاة لهجين بالهمزة فرووا الهمز في قول العجاج:
فخندف هامة هذا العالم.
وروى ابن السكيت في الألفاظ 672 عن امرأة قيل لها ما أذهب أسنانك؟ قالت: أكل الحأر وشرب القأر بالهمز فيهما.
(2)
انظر شروح الشافية مبدأ بحث الإبدال وابن يعيش ص 1359 والقلب لابن السكيت 56 والنوادر للقالي 2: 168 وغيرها.
(3)
في قوله عز من قائل: {وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ} الآية (آل عمران، 25).
(4)
هو معقل بن خويلد. أشعار الهذليين ق 1: 108. وروى شارحها اللغتين جميعًا. وأبو معقل هو عبد الله بن عتيبة. وروايتها فانظر بنبلك.
(5)
البيتان من كلمة له معروفة أورد جلها ابن السبكي في طبقات الشافعية 1: 111. وغيره وساق حر ذكر القماري تزعم العرب أن جميع الحمائم تبكيه وكان في الدهر الأول فهلك ويدعونه تارة الهديل. حماء العلاطين الحماء السوداء. والعلاطان والعلطان الرقمتان اللتان في أعناق القمارى. عسيب ورؤاية اللسان قضيب.
(6)
لجرير انظر ديوانه 1: 58 وروايته لحب الوافدان .... وجعدة لو أضاءهما. وشرح شواهد المغني 325 وموسى ابنه كحرزة الذي كان جرير يكنى به وجعدة ابنته.
(7)
في قوله عز وجل: {بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} (ص، 33).
ودخلها السكونُ بعد أن ذهب فيها حكم الهمز. وإذا قيل إن موسى فُعْلَى. فإن جُعل أصله (1) الهمز وافق فُعْلَى من مَأسَ بين القوم إذا أفسد بينهم. قال الأفوَهُ (2):
إما تَرَىْ رأسيَ أَزْرَى به
…
مأْسُ زمان ذي انتكاس مَؤُوْسْ
ويجوز أن يكون فَعلَى من ماسَ يَمِيسُ فقُلبت الياءُ واوًا للضمّة كما قالوا الكُوْسَى (3) من الكيس. ولو بَنوا فُعلى من قولهم هذا أعيشُ من هذا وأغيظ منه لقالوا العُوشى والغُوظَى. فإذا سمعتُ ذلك منهما قلتُ لله دَرّ كما! لم أكن أحسب أن الملائكة تنطِق بمثل هذا الكلام وتعرف أحكام العربية. فإن غُشيَ عَليَّ من الخيفة ثم أفقتُ وقد أشار إليّ بالإرزَبَّة (4) قلت تثبّتَا رحمكما الله كيف تصغّران الإرزبّة [5] وتجمعانها جمعَ تكسير؟ فإن قالا أُرَيزبَّة وأرازبُّ بالتشديد. قلتُ: هذا وهمٌ إنما ينبغي أن يقال أرَيزِبَةٌ وأرازبُ بالتخفيف. فإن قالا كيف قالوا علانيّ فشددوا كما قال القريعيّ (5):
وذي نجواتٍ طامحِ الطَرْفِ جاوبت
…
حوالي فلوّى من علابيّه مرى (6)
قلت ليس الياء كغيرها من الحروف. فإنَّها وإن لحقها التشديد ففيها عُنصر من اللِين. فإن قالا: أليس قد زعم صاحبكم عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه أن الياء إذا شُددت ذهب منها اللين وأجاز في القوافي ظبأ مع ظي (7)، قلت: وقد زعم (8) ذلك إلَّا أن السماع عن العرب لم يأت فيه نحوُ ما قال إلَّا أن يكون نادرًا قليلًا. فهذا عجبتُ مما قالاه أظهرا لي تهاونًا بما يعلمه بنو آدم. وقالا لو جُمع ما علمه أهل الأرض على
(1) في نسخة إن أصله.
(2)
الأودي من سينيته الشهيرة ولكن لم أر من نقل هذا اليت. والمعنى واضح.
(3)
انظر الكتاب 2: 371 مصر. وحكى ابن خالويه (ليس 46 مصر) طيبى وكيسى أَيضًا.
(4)
مشددًا والمرزبة بالكسر مخففًا عصية من حديد.
(5)
وفي أخرى العريفي وكلاهما نكرة لم تتعرف. وقد ورد في الأدباء 5: 276 اسم شاعر يدعى العريفي العنسي بالنُّون.
(6)
قوله ذي فجوات في أخرى ذي نخوات. وقوله جاوبت في أخرى جادبت. وقوله علابيه في أخرى علانية وهو تحريف. وقوله مرى في أخرى مدى أومد لي. وأكثر هذه الروايات مصحف قد حرت فيه.
(7)
كذا في الأصل. وفي نسخة طيا مع طيّ.
(8)
في نسخة ولقد زعم.
اختلاف اللغات والأزمنة ما بلغ علمَ واحد من الملائكة يَعُدّونه فيهم ليس بعالم.
[6]
فأُسبّح الله وأمجّده وأقول قد صارت لي بكما وسيلة فوسِّعا لي في الجَدَث إن شئتما بالثاء وإن شئتما بالفاء (1) فإن إحداهما تبدل من الأخرى كما قالوا مغاثيرُ ومغافيرُ وأفافيُّ وأثافيُّ وفُوم وثُوم. وكيف تقرآن رحمكما الله هذه الآية [البقرة 61]: {وَثُومِهَا وَعَدَسِهَا} بالثاء كما في مصحف عبد الله بن مسعود أم بالفاء كما في قراءة النَّاس. وما الذي تختاران في تفسير القوم (2) أهو الحنطة كما قال أبو مِحْجَنٍ (3).
قد كنتُ أحسَبني كأغنَى واجد
…
قَدِمَ المدينةَ من زراعة فُوم
أم الثوم الذي له رائحة كريهة وإلى ذلك ذهب الفراء وجاء في الشعر الفصيح قال الفرزدق:
من كل أغبر كالراقود حُجْزَتُهُ
…
إِذا تَعَشَّى عتيقَ التَمْرِ والفُوْم (4)
[7]
فيقولان أو أحدُهما أنك لتهدم الحول (5) وإنما يوسّع لك في ريمك عَمَلك. فأقول لهما ما أفصحكما! لقد كنتُ سمعت من الحياة الدنيا أن الرَيم القبر وسمعتُ قول الشَّاعر:
إذا مُتُّ فاعتادِي القبورَ فسلِّمي .... على الرَيم أُسقيتِ السحابَ الغواديا (6)
(1) البحث موعب في كتاب القلب 34 والنوادر 2: 36. وحكى الفراء المغافير والمغاثير وهو شيء ينضحه الشَّام والرمث والعشر كالعسل. وثومها في قراءة ابن مسعود ذكره ابن السكيت والقالي أَيضًا. ولكن الذي حكاه القالي عن اللحياني وابن السكيت عن بعض تميم الأثافي والأثاثي لا كما هنا.
(2)
وراجع الأقوال في معناه في اللسان.
(3)
أغفل البيت العسكري في ديوانه وهو مذكور في اللسان برواية واحد بالمهملة وما هنا أصلح. وورد في الروض الأنف 45: 2 معزوًا لأبي أحيحة بن الجلاح أو أبي محجن الثَّقَفيّ رضي الله عنه بلفظ: قد كنت أغنى النَّاس شخصًا واحدًا.
(4)
في ديوانه (مصر):
من كل أقعس كالراقود حجزته
…
مملوءة من عتيق التمر والثوم
ومثله في طبعة بوشر ص 11.
(5)
كذا. وفي نسخة لمهدم الخ.
(6)
رواية غير أبي العلاء وسلمى، وعلى الرمس. ولكن في اللسان على الريم والبيت من قصيدة معروفة لمالك بن الريب سردها القالي 3: 136 والبغدادي 1: 319 وقبل البيت:
فيا ليت شعري هل بكت أم مالك
…
كما كنت لو عالوا نعيَّك باكيًا
وكيف تبنيان رحمكما الله من الرَيم مثل إبراهيم؟ أتَريان فيه رأي الخليل وسيبويه فلا تبنيان مثله من الأسماء العربية. أم تذهبان إلى ما قاله سعيد بن مَسْعَدة فتجيزان أن تَبنيا من العربيّ مثل الأعجميّ؟ فيقولان تُرْبًا لك! ولمن سَمّيتَ. أيُّ علم في وُلْد آدم؟ إنهم القوم الجاهلون.
وهل أتودّد (1) إلى مالكٍ خازنٍ النَّار فاقولَ رحمك الله أخبرني ما واحد الزَبانِيَة (2)؛ فإن بني آدم فيه مختلفون: يقول بعضهم (3) الزَبانية لا واحد لهم من لفظهم. وإنما يُجْرَونَ مُجرى السَواسية أي القوم المستوين في الشرّ قال (4):
سَواسيةٌ سُوْدُ الوجوه كأنّما
…
بطونُهم من كثرة الزاد أوْطُبُ
ومنهم من يقول واحد الزبانية زبْنِيَةٌ وقال آخرون واحدهم زِبْنى أو زبانيُّ (5). فيُعبِّس لِما سمع وَيَكْفَهِرُّ. فأقول يَا مال! رحمك الله ما ترى في نون غسْلِينٍ وما [9] حقيقة هذا اللفظ؟ أهو مصدر (6) كما قال بعض النَّاس أم واحد أم جمع أُعربت نونه تشبيهًا بنون مِسْكين كما أثبتوا نون قُلِينَ وَسِنِينَ في الإِضافة وكما قال سُحيم بن وَثيل (7):
(1) في نسخة أتردد.
(2)
في نسخة رحمك الله ما واحد الزبانية.
(3)
منهم الأخفش كما في التاج، وهو الصواب.
(4)
لم أجد البيت في مظانه الحاضرة. وأوجب جمع وطب اللبن.
(5)
كان في الأصل زبني أو زبني؟ وفي نسخة زبني أو زبني بفتح فسكون في الأولى وفتحتين في الثَّانية مع تشديد الياء. والزبنية نقله الأخفش والزجاج. والزبني بالكسر عن الكسائي كما في التاج وإن ثبت فيه الفتح يصح ما كان في الأصل أعني "زبني أو زبني" غير مشكول والزباني بتشديد الياء على ما هو الظاهر وضبطه في التاج كسكارى نقله في الصحاح عن الأخفش. وهناك قول آخر في مفرده أنَّه زابن عن الأخفش كما في الصحاح واللسان.
(6)
في نسخة هذا اللفظ هو مصدر.
(7)
من قصيدته الشهيرة انظرها في الأصمعيات 74 والخزانة 1: 126 وحماسة البحتري 25 وغيرها. ويدري يختل. ويروي إذا جاوزت والبيت من شواهد النحو. وأما إعراب الون فالقول فيه قول ابن مالك:
وبابه ومثل حين قد يرد
…
ذا الباب وهو عند قوم مطرد
يريد إعراب النُّون بالتزام الياء في الحالات الثلاث وأنشدوا على إثبات النُّون في الإضافة:
دعاني من نجد فإن سنينه
…
لعبن بنا شيبا وشيبننا مردا
وماذا يدَّري الشعراءُ منّي
…
وقد جاوزتُ حَدَّ الأربعين
[10]
فاعربَ النونَ. وهل النُّون في جَهَنَّمَ زائدة؟ أمَّا سيبويه فلم يذكر في الأبنية فَعَنَّلًا (1) إلَّا قليلا. وجهنم اسم أعجميّ (2). ولو حملناه على (3) الاشتقاق لجاز أن يكون من الجهَامة في الوجه ومن قولهم تجهّمتُ الأمر إذا جعلنا النُّون زائدةً واعتقدنا زيادتها في هَجَنَّف (4) وأمنه هِجَفّ وكلاهما صفة الظليم قال الهُذَلِيّ (5):
كأنّ مُلاءَتيَّ على هِجفٍّ
…
تفِرُّ مع العشيّة للرِئال
وقال جِرانُ العَوْدِ (6):
يشبِّهُها الرائي المشبِّه بَيضةً
…
غدَا في الندَى عنها الظليمُ الهَجَنَّفُ
وقال قوم رَكيّةٌ جِهِنّام إذا كانت بعيدةَ القَعْر. فإن كانت جهنّم عربية فيجوز أن تكون من هذا. وزعم قوم أنَّه يقال أحمرُ جِهنّام (7) إذا كان شديد الحُمرة. ولا يمتنع [11] أن يكون اشتقاق جهنّم منه. فأما سَقَرُ فإن كان عربيًّا فهو مناسب لقولهم سقرْتُه (8) إذا آلمتَ دِماغَه. قال ذو الرُمّة:
(1) وفي نسخة فعللا بفتحتين وتشديد اللام الأولى.
(2)
فارسي أو عبراني أصله كهنام. وانظر البحث مستقصى في المعرب 47 والتاج مادة جهم.
(3)
وفي نسخة ولو حملنا على.
(4)
كذا هو مشكولًا في اللسان وهو كالهجف بالكسر الظليم الجافي الكثير الزف.
(5)
هو الأعلم انظر أشعار الهذليين ق 1: 62 وحماسة البحتري 80 وروايتهما على هزف يعن فلا استشهاد. نعم قال السكري: وهزف وهجف واحد فلعل هجفًا أَيضًا رواية. ويعن (بضم العين) لغة هذيل ويعن (بالكسر) لغيرهم بمعنى يعترض وتفر هنا تصحيف. نعم ورد هجف في بيت ابن تُرْنَى يجيب عمرا ذا الكلب لا في بيت عمرو كما ذهب على صاحب اللسان (أشعار الهذليين ق 1: 239):
فلا تتمنني وتمن جلفا
…
قراقرة هجفًا كالخيال
والخيال هو الصواب وتصحف في اللسان بالجبال.
(6)
من فائية له معروفة مطربة ولكن لم أجد هذا البيت في مظانه الموجودة والضمير إلى امرأة. والنعامة يضرب بها المثل في الغفلة عن البيض قال:
كتاركة بيضها بالعراء
…
وملحفة بيض أخرى جناحا
(7)
هذا المعنى ليس في معاجم اللغة المعروفة. وهذا دليل على ما منحه الرَّجل من سعة النظر والاطلاع، وطول الباع والاضطلاع، بغرائب اللغة والأنواع، وجهنام بكسرتين أو مثلث.
(8)
من باب نصر.
إذا دانَتِ الشمسُ اتَّقى سَقَراتها
…
بأفنان مربوعِ الصريمةِ مقبلِ (1)
والسين والصاد يتعاقبان في الحرف (2) إذا كان بعدهما قاف أو خاء أو غين أو طاء. تقول سَقَبٌ وصقَبٌ، وسويق وصويق، وبَسطَ وبَصَطَ، وسِلَغَ (3) الكبش وصَلَعَ. فيقول مالكٌ: ما أجهلك! وأقل تمييزَك! ما جلستُ هنا للتصريف وإنما جلستُ لعِقاب الكفرَة والقاسطين. وهل أقول للسائق والشهيد اللّذَين ذُكرا في كتاب الله عز وجل [ق 21]{وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ} : يَا صاحِ! أنْظراني. [12] فيقولان تخاطبنا مخاطبة الواحد ونحن اثنان. فأقولَ ألم تعلما أن ذلك جائز مِن الكلام. وفي الكتاب العزيز [ق 23]{وَقَال قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ، أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} . فوَحَد القَرين وثنّى في الأمر كما قال الشَّاعر (4):
فإن تَزْجُراني يَا ابن عَفانَ أنزجِرْ
…
وإن تَدَعاني أحْمِ عِرْضَا ممنَّعا
وكما قال امرؤ القيس:
خليليَّ مُرّا بي على أُمّ جُنْدَب
…
لنقضيَ حاجاتِ الفُؤاد المعذَّب
(1) دانت النعاج فاعلت من الدنور. اتقى الثور ورواية الديوان ص 504:
إذا دانت الشَّمس اتقى صقراتها
…
بأفنان مربوع الصريمة معبل
وفي الشرح الصقرات شدة وقع الشَّمس. ومعبل مورق وقيل الذي سقط ورقه ومن اللزوم:
لتستريحا فكم عانى أذى قرس
…
عند الشتاء ولاقى وغرة فصقر
(2)
راجع للتفصيل شروح الشافية بحث الابدال وابن يعيش 139 أو القلب 42 والخفاجي على الدرة 33 والدرة 9 ووفيات الأعيان 2: 162 وحكى النضر بن شميل أنَّه لغة بلعنبر بن عمرو بن تميم.
(3)
كمنع خرج نابه وكان في الأصل بالعين المهملة في اللفظتين وهو تصحيف.
(4)
أنشد البيت كثيرون منهم صاحب الصاحبي 186 والتبريزي في شرح القصائد العشر كلكتة ص 1 مع تال له وهو:
أبيت على باب القوافي كأنما
…
أصادي بها سربًا من الوحش نزَّعا
وهذا التالي موجود دون السابق في البيان 2: 6 (الثَّانية) وطبقات ابن قتيبة (ليدن ص 17 و 403) في أبيات لسويد بن كراع ومن القصيدة:
وجشمني خوف ابن عفان ردها
…
فثقفتها حولا جريدًا ومربعًا
فلم يبق ريب في أن الشاهد له من هذه القصيدة عينها: ولسويد مع عثمان رضي الله عنه خبر ذكره ابن قتيبة ثم رأيت صاحب اللسان ذكره (جزز) ونقل عن ابن بري أبياتًا من القصيدة تدل على أن الخطاب هنا لاثنين حقيقة ورواية ابن بري فإن تزجراني بابن (بالباء) عفان قال والمخاطبان سعيد بن عثمان ومن ينوب عنه أو يحضر معه وانظر تصحيح لسان العرب القسم الأول لأحمد تيمور باشا ص 33.
ألم تَرَ أني كما جِئتُ طارقًا
…
وجدتُ لها طِيبا وإن لم تَطَيَّبِ
هكذا أنشده الفَرَّاء. وبعضهم يُنشد ألم ترِياني (1). وأنشد أيضًا (2):
فقلتُ لصاحبي لا تحْبِسانا
…
بنَزْع أصوله واجْتزَّ شِيحا
فهذا كله يدل على أن الخروج من مخاطبة الواحد إلى الاثنين ومن مخاطبة الاثنين إلى الواحد شائع عند الفصحاء. وهل أجيءُ في جماعة من جهابذة الأدباء قَصَرَتْ أعمالهم عن دخول الجنة ولحقهم عفوُ الله فزُحزحوا عن النَّار فنَقِفَ على باب [13] الجنة فنقول يَا رِضْوَ (3) لنا إليك حاجة ويقول بعضنا يَا رِضْوُ فيضمّ الواو. فيقول رضوانُ ما هذه المخاطبة التي ما خاطبني بها قبلكم أحد. فيقولَ إنَّا كنا في الدار الأولى نتكلم بكلام العرب وأنهم يُرخّمون الذي في آخره أَلْف ونون فيحذفونهما للترخيم. وللعرب في ذلك لغتان يختلف حُكماهما. قال أبو زُبيد (4):
يَا عُثْمَ! أدركني فإنَّ رَكِيَّتي
…
صَلَدَتْ فأعيتْ أن تَفيض بمائها
فيقول رضوان ما حاجتكم؟ فيقول بعضنا إنَّا لم نَصل إلى دخول الجنة لتقصير الأعمال وأدْرَكَنا عفوُ الله فنجونا من النَّار. فبقينا بين الدارَين ونحن نسألك أن تكون واسطتنا إلى أهل الجنة فإنهم لا يستغنونَ عن مثلنا. وإنه قبيح بالعبد المؤمن أن يَنال
(1) وهي الموجودة في نسخ الديوان المتداولة.
(2)
البيت أنشده التبريزي 1: 225 والرضي 366 والجوهري مادة جز وابن فارس في الصاحبي 186 والتبريزي في شرح القصائد العشر الطوال 1 كلكتة وتكلما على المبحث تكلما شافيًا كالنحاس في شرح معلقة امرئ القيس ص 3 و 4. وهو ليزيد بن الطثرية ويروى واجدز بإبدال التاء دالًا خلافًا للقياس والمعنى قلت لصاحبي لا تحبسني بنزع أصول الكلأ واقطع شيحًا ودع أصوله في الأرض لئلا يطول المكث هنا كذا في الجار بردي 328 استنبول.
(3)
وزن قوله هذا بقوله من اللزوم:
أفهم أخاك بما تشاء ولا تبل
…
يا حار قلت هناك أو يا حارُ
غرض الفتى الإخبار عما عنده
…
ومن الرجال بقوله شحار
وقوله: يا رضو لا أرجو لقاءك
…
بل أخاف لقاء مالك
(4)
وفي الأصل أبو زيد ويا غنم. يريد عثمان رضي الله عنه وكان أبو زبيد خصيصًا به كما قال ابن عساكر في ترجمته 4/ 108 إلَّا أنَّه قلب فجعل الابن أَبا وبالعكس وهو منذر بن حرملة. ولم أجد البيت الشهد فيما وصلته يدي. وصلدت من باب ضرب. والمعنى ظاهر. ثم وجدته والحمد لله على ما أصلحت في كتاب صفة البئر لابن الأعرابي إلَّا أن فيه تبض بدل تفيض.
هذه النعَمَ وهو إذا سبّحَ الله لَحَنَ. ولا يحسُنُ بساكن الجنان أن يصيبَ من ثِمارها في الخلود وهو لا يعرف حقائق تسميتها. ولعل في الفردوس قومًا لا يدرون [14] أحروف الكُمَّثْرَى كلها أصلية أم بعضها زوائد؟ ولو قيل لهم ما وزن كمّثرى على مذهب أهل التصريف لم يعرفوا فعَّلَّى. وهذا بناء مستنكر لم يذكر سيبويه له نظيرًا. وإذا صحّ قولهم للواحدة كمَّثراة فألف كمّثرَى ليست للتأنيث. وزعم بعض أهل اللغة أن الكَمثرَةَ (1) تداخُلُ الشيء بعضِه في بعض. فإن صحّ هذا فمنه اشتقاق الكمثرى (2). وما يجْمُل بالرجل من الصالحين أن يصيب من سَفَرْجَل الجنة [15] وهو لا يعلم كيف تصغيره وجمعُه؟ ولا يشْعُرُ إن كان يجوز (3) أن يُشتق منه فعل أم لا؟ والأفعال لا تُشتق من الخُماسيّة. لأنهم نقصوها عن مرتبة الأسماء فلم يَبْلُغوا بها بناتِ الخمسة. مثل إسْفَرْجَل يَسْفَرْجِل اسفرجالا وهذا السُنْدُس (4) الذي يطأه [16] المؤمنون وَيفْرشونه كم فيهم من رجل لا يدري أوزنه فعْلل أم فُعْلُلُ؟ والذي نعتقد فيه أن النُّون زائدة وأنه من السُدُوس (5) وهو الطيلسان الأخضر قال العَبْدِيّ (6):
ودوايتُها حتَّى شَتَتْ حَبشيَّةً
…
كانَ عليها سُنْدُسًا وسُدُوسًا
ولا يمتنع أن يكون سندس فُعْلُلًا ولكن الاشتقاق يوجب ما ذُكر. وشجرةُ [17] طُوْبى كيف يستظلّ بها المتقون ويجتنونها آخر الأبد وفيهم كثير لا يعرفون أمن ذوات الواو هي أم من ذوات الياء؟ والذي نذهب إليه إذا حملناها على الاشتقاق أنها من
(1) ولفظ اللسان الكمثرة فعل ممات وهو تداخل الشيء بعضه في بعض. وقيل أن الكمثرى ليست بعربية وراجع التاج. وذكره الجواليقي 133 مخففًا ونقل عن أبي حاتم أن قومًا يزعمون أنَّه لا يجوز غير التَّخفيف. قال وأما الأصمعيّ فإنَّه لم يعرف التَّخفيف أصلًا. ولم يذكر في تعريبه شيئًا.
(2)
هذا قول ابن دريد ولفظه.
(3)
وفي نسخة أن يجوز.
(4)
رقيق الديباج وغليظه الاستبرق. قال الجواليقي 79 لم يختلف أهل اللغة في أنَّه معرب ومثله في القاموس والتاج.
(5)
بالضم وقد يفتح وهو أحد الأسماء الأربعة التي أتت على فعول بالضم كما قال ابن خالويه في ليس له 40.
(6)
هو يزيد بن خذاف بالمعجمات الثلاث. وفي التاج وغيره حذاق بالحاء المهملة وهو تصحيف. من شعراء المفضليات (مصر 2: 46 و 47) والبيت ثاني أحد عشر بيتًا والأول:
ألا هل أتاها أن شكة حازم
…
لديّ وأني قد صنعت الشموسا
صنعت يريد ضمرت وكذلك داويت. والشموس فرسه. وشتت أخضرت من العشب وسمنت.
ذوات الياء. لأنا إذا بنينا فِعلًا ونحوه من ذوات الواو قلبناها ياءً فقلنا عِيدٌ وقِيل وهما من عاد يعود وقال يقول. فإن قال قائل فلعل قولهم طاب يطيب من ذوات الواو وجاء على مثال حَسِب يحسِب وقد ذهب إلى ذلك قوم في قولهم تاهَ يتيهُ وهو من تَوهتُ (1). قيل له يمنع من ذلك أنَّهم يقولون طَيبتُ الرجلَ ولم يحكِ أحد طَوَّبتهُ. والمطيِّبون (2) أحياء من قريش احتلفوا فغَمَسوا أيديَهم في طيب. فهذا يدلّك على أن الطِّيب من ذوات الياء. وكذلك قولهم أطيب من هذا. فأما حكاية أهل اللغة أنَّهم يقولون أوْبَةً وطَوبةً (3) فإنما ذلك على معنى الإتباع كما يعتقد بعض النَّاس في قولهم حَيّاك الله وبَيّاك (4) أنَّه إتباع وأن أصل بَيّاك بوّاك أي بوّأك منزلًا تَرْضاه (5). وأما قولهم للآجُر طُوْب (6) فإن كان عربيًّا صحيحًا فيجوز أن يكون اشتقاقه من غير لفظ الطِّيب إلَّا على رأي أبي الحسن سعيد بن مسعدة فإنَّه إذا بني فُعلًا من ذوات الياء يَقْلبه إلى الواو فيقول الطُوْب والعُوْش (7). فإن كان الطُوْبُ الآجُرُّ اشتقاقُه من الطِّيب فإنما أريد به والله أعلم أن الموضع الذي يبنَى به طابت الإقامة فيه. ولعلنا لو سألنا من يرى طوبى في كل حين (8) لِمَ حُذف منها الألف والسلام لم يُحرْ في ذلك جوابًا. وقد زعم سيبويه
(1) نقله في التاج عن ابن سيده. ومما يدل له التوه بالفتح ويضم الهلاك عن أبي زيد لغة في التيه. وتاه يتوه لغة. وما أتوه. وتوه تتويهًا. وفلاة توء بالضم.
(2)
في المنسوب للثعالبي 110 هم أحلاف من قريش اجتمعوا لذلك وغمسوا أيديهم في الطِّيب ثم تصافحوا وتحالفوا وتعاقدوا. وحلف الفضول غير هذا الحلف لا هذا كما ذهب على اللغويين. وانظر التاج (طيب) والمنسوب 110 والسهيلي مع السيرة 1: 90 - 92.
(3)
لفظ اللسان يقال للداخل طوبة وأوبة يريدون الطِّيب في المعنى دون اللفظ لأن تلك ياء وهذه واو. وهذا الاتباع أغفله ابن فارس في كتابه.
(4)
وفي كتاب الاتباع لابن فارس بياه اضحكه.
(5)
وفي الأصل يرضاه.
(6)
في المعرب 105 الطوبة لغة شامية وأحسبها رومية. قال الجوهري مصرية وابن دريد شامية وأظنها رومية وجمع بينهما ابن سيده.
(7)
وفي الأصل الغوش بالمعجمة وهو تصحيف إذ ليس مادة غيش ثمة أصلًا. على أنَّه مضى له ذكر العوشي من العيش تحت عدد 4.
(8)
هذا الاستشكال على رأي من يراه من أفعل منك وأما من يزعمه مصدرًا كالرجعى والسقيا فلا يستشكل شيئًا وقال الرضيّ والجاربردى إما أن يكون طوبى مصدرًا كالرجعى قال تعالى طوبى لهم أي طيبًا وإما أن يكون أنثى أطيب منك فحقه الطوبى بأل وفي شرح الهادي أنَّه هو إلَّا أنَّه أجري مجرى الأسماء لأنه لا يكون وصفًا بغير أل فأجري مجرى الأسماء التي لا تكون صفات. ومثله كرسي.
أن الفُعلى التي تؤخذ من أفعل منك لا تُستعمل إلَّا بالألف والسلام أو الإِضافة تقول هذا أصغر منك فإذا رددته إلى المؤنّث قلتَ هذه الصُغرى أو صُغرى بَناتك. ويقْبُح عنده أن يقال صغرى بغير إضافة ولا أَلْف ولام (1) وقال سُحيم (2):
ذهبنَ بمِسْواكي وغادرن مُذهَبًا
…
من الصَوْغ في صُغرى بَنانِ شماليا
وقرأ بعض القراء [البقرة 83]: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنَى} على فُعْلى بغير تنوين. وكذا قرأ في الكهف [الكهف 86]: {إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنَى} على فُعلى بغير تنوين. فذهب سعيد بن مَسْعدة أن ذلك خطأ لا يجوز وهو رأي أبي إسحاق الزَجّاج لأن الحسنى عندهما وعند غيرهما من أهل البصرة يجب أن تكون بالألف والسلام كما جاء في موضعٍ [الليل: 9]{وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} . وكذلك اليُسرى والعُسرى لأنها أُنثى أفعل منك. وقد زعم سيبويه أن أخرى معدولة عن الألف والسلام. ولا يمتنع أن يكون حُسنى مثلَها. وفي الكتاب العزيز [النجم 20]{وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} وفيه: [طه 23]{لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى} . قال عمر بن أبي ربيعة (3):
وأخرى أتَتْ من دون نعْمٍ ومثلها
…
نَهى ذا النهي لو يَرْعوي أو يُفَكّرُ
فلا يمتنع أن تعْدَلَ حُسنى عن الألف والسلام كما عُدِلتْ أُخرى. وأفعل منك إذا خذفَتْ منه "من" بقي على إرادتها نكرة أو عُرّف باللام. ولا يجوز أن يجمع بين مِنْ وبين حرف التعريف. والذين يشربون ماء الحَيوان في النعيم المقيم هل [18] يعلمون ما هذه الواو التي بعد الياء (4) وهل هي منقلبة كما قال الخليل؟ أم هي على الأصل كما قال غيره من أهل العلم. ومَنْ هو مع الخور العِين مخلَّدًا هل يدري [19]
(1) ولكني رأيت صاحبنا خالفه في اللزوم حيث يقول:
ومرآة المنجم وهي صغرى
…
أرته كل عامرة وقفر.
فكان كالحكمي في قوله:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها
…
حصباء در على أرض من الذهب
(2)
عبد بني الحسحاس الخبيث الفاجر من يائيته المعروفة ولم أجد البيت فيما نقلوا من قصيدته - والمعنى ظاهر- وكان ابن الأعرابي يسميها الديباج الخسرواني. وهي يتمامها في نسخة منتهى الطلب لابن ميمون الخطية في بعض حواضر أوربا.
(3)
من أشهر قصائده وهي في نسخ ديوانه وفي الكتاب الكامل وغيره.
(4)
مذهب سيبويه وأصحابه أنَّه لم يأت في كلامهم ياء بعدها واو فيقولون أن حيوان أصله حيبان والمازني يرى الواو فيه أصلًا كما هو في شروح الشافية بحث الإعلال.
ما معنى الحَوَر؟ فيقول بعضهم هو البياض ومنه اشتقاق الحُوّارَى من الخُبزة (1) والحَواريّين إذا أريد بهم القَصّارون والحَوارِيّات إذا أريد بهنّ نساءُ الأمصار. وقال قوم الحَوَر في العَين أن تكون كلها سوداءَ وذلك لا يكون في الإِنس وإنما يكون في الوحوش، وقال آخرون الحَوَر شدَة سواد العين وشدّة بياضها. وقال بعضهم الحور سعة العين وعِظَمُ المقلة. وهل يجوز أيها المتمتِّع بالحُور العين أن يقال حِيرٌ كما يقال حُور فإنهم ينشدون هذا البيت بالياء:
إلى السَلَف الماضي وآخرَ وافقٍ
…
إلى رَبْرَبٍ حيرٍ حِسانٍ جآذرهْ (2)
فإذا صحّت الرواية في هذا البيت بالياء قَدَحَ ذلك في قول من يقول إنما قالوا الحير إتْباعًا للعِين كما قال الراجز (3):
هَلْ تعرف الدارَ بأعلى ذي القُورْ
…
قد دَرَسَتْ غيرَ رَمادٍ مَكفورْ
مكتئبِ اللون مَريحٍ ممطورْ
…
أزمانَ عَينَاءُ سرورُ إلى المسرورْ
حَوْراءُ عَيناءُ من الجينِ الحِيرْ (4)
[20]
وكيف يستجيز (5) مَنْ فرشهُ من الإستبْرَق (6) أن يمضي عليه أبدٌ بعد أبد
(1) والأصل الحيرة فلعلها هذه الحيرة حيرة آل منذر ويصفونها بالبياض على ما قال ياقوت وغيره ومن شعر صاحبنا في اللزوم:
وقف بالحيرة البيضاء فانظر
…
منازل منذر وبني بقيلة
أرى الحيرة البيضاء حارت قصورها
…
خلاء ولم يثبت لكسرى المدائن
(2)
هذا البيت أنشده التبريزي في تهذيب الإصلاح 1: 59 غير معزو إلى قائل. واستشهد به كما هنا على أن الحير ليس اتباعًا للعين كما زعم الفراء وتبعه أبو الحسن الأخفش فيما كتبه على نوادر أبي زيد 238: بل هو لغة في الحور.
(3)
هو منظور بن مرثد الأسدي من أرجوزة ذكرها أبو زيد ص 236 وفسرها الأخفش، وابن السكيت بعضها وهو ما هنا، وفسره التبريزي في تهذيب الإصلاح 1:59.
(4)
القور جمع قارة وهو جبل صغيره والمكفور الذي غطاه الريح بتراب سفته. مريح ويروى مروح وكلاهما من الريح. وعيناء امرأة. وروايتهما إعيناء حوراء. قال الأخفش وادعى الاتباع وهذا عند حذاق أهل العربية يجري على الغلط كما قالوا جحر ضب خرب الخ. وفي اللسان 6: 435 الأربعة الأولى فقط مفسرة.
(5)
وفي نسخة يستخبر.
(6)
في المعرب (خرومه التي طبعوها بالمجلة الألمانية مفرزة 1879 م) حرم ص 9 أصله بالفارسية استبره وقال ابن دريد استروه فلو حقر أو كسر لكان أبيرق وأبارق بحذف السين والتاء جميعًا اهـ مختصرًا.=
وهو لا يدري كيف يجمعه جمع التكسير وكيف (1) يصغره النحويون يقولون في جمعه أبارق وفي تصغيره أبيرق. وكان أبو إسحاق الزجّاج يزعم أنَّه في الأصل سُمّي بالفعل الماضي (2) وذلك الفعل استفعلَ من البَرَق (3). أو من البرْق. وهذه دعوى من أبي إسحاق. وإنما هو اسم أعجميّ عُرب. وهذا العَبقَريّ (4) الذي عليه اتّكاء [21] المُؤْمنين إلى أيّ شيء نُسب؟. فإِنا كنا نقول في الدار الأولى أن العرب كانت تقول أن عَبقَرَ بلاد يسكنُها الجنُّ، وأنهم إذا رأوا شيئًا جيّدًا قالوا عَبْقَرِيٌّ أي كأنه عَملُ الجنّ إذ كانت الإنس لا تقدر على مثله. ثم كثُرَ ذلك حتَّى قالوا سَيد عبقريّ وظُلْم عبقريّ قال ذو الرُمّة (5):
حتَّى كأن حُروفَ القُفّ أَلبَسَها
…
من وَشي عَبْقَرَ تجليلٌ وتنجيدٌ
وقال زُهير:
بخيلٍ عليها جِنّةٌ عَبْقريّة
…
جديرون يومًا أن ينالوا وَيسْتَعلوْا (6)
وإِن كان أهل الجنَّة عارفين بهذه الأشياء قد ألهمهم الله العلمَ بما يحتاجون إليه فلن يستغنى عن معرفته الولدانُ المخلّدون. فإن ذلك لم يقع إليهم. وإنا لنرضى بالقليل مما عندهم أجرًا على تعليم الولدان- فيبسم (7) إليهم رِضوانُ ويقول إنَّ أصحابَ الجنة اليوم في شُغُل فاكهون؛ هم وأزواجُهم في ظلال على الأرائك متَّكؤُون. فانصرفوا رحمكم الله فقد أكثرتم الكلامَ فيما لا منفعةَ فيه، وإنما كانت هذه الأشياء أباطيلَ زُخرفتْ في الدار الفانية فذهبتْ مع الباطل. فإذا رَأَوْا جِده في ذلك
= ومثله في التاج. قال الفقير: فارسيته سطبر أو ستبر كما هو في جميع معاجمها لكل غلظ.
(1)
في نسخة ولا كيف.
(2)
ونقل في التاج عن ابن جني في كتاب الشواذ [المحتسب] عن ابن محيصن أنَّه ظنه فعلًا إذ كان على زنته فتركه مفتوحا في قوله تعالى {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} على حالة. أقول فجل اللغوين المتأخرين ذكروه في مادة برق وهذا أَيضًا دليل على توهمتهم زيادة أس ت.
(3)
البرق بالسكون معروف وبالتحريك مصدر برق بصره كطرب تحير برقًا.
(4)
انظر معجمي البكري وياقوت واللسان والتاج رسم عبقر والمنسوب للثعالبي ص 187 وغيرها. وقال أعرابي ظلمني ظلمًا عبقريًّا ذكره الثعالبي فقط.
(5)
ديوانه ص 136. القف ما غلظ من الأرض والتنجيد التزيين.
(6)
الرواية الشائعة فيستعلوا.
(7)
في نسخة فتبسم.
قالوا رحمك الله نحن نسألك أن تُعرّف بعض علمائنا الذين حصَلوا في الجَنّة بأنّا واقفون على الباب يزيد أن نخاطبه في أمر. فيقول رضوانُ من ثُؤْثِرون أن أُعْلِمَ بمكانكم من أهل العلم الذين غفر لهم. فيشتورون (1) طويلًا ثم يقولون عَرِّفْ بمَوْقِفِنا هذا الخليل بن أَحْمد الفُرْهُوديّ (2) -فيرسل إليه رضوانُ بعض أصحابه- فيول على باب الجنّ قوم قد أكثروا القولَ وإنهم يريدون أن يخاطبوك. فيُشْرفُ عليهم الخليل فيقول أنا الذي سألتم عنه فماذا تريدون؟ فيَعْرِضون عليه مثل ما عرضوا على رضوانَ فيقول الخليل إن الله جلّت قدرته جعل في من يَسْكُن الجنة ممن يتكلّم بكلام العرب ناطقًا بأفصح اللغات كما نطق بها يَعْرُبُ بن قَحْطان أو مَعَدُّ بن عَدْنان، لا يدركهم الزَيعُ ولا الزَلَلُ. وإنما افتقر النَّاس في الدار الغَرّارة إلى علم اللغة والنحو، لأن العربية الأولى أصابها تغييرٌ. فأما الآن فقد رُفع عن أهل الجنة كلُّ الخطإ والوهم. فاذهبوا راشدين إِن شاء الله. فيذهبون وهم مُخْفقون (3) مما طلبوه. ثم أعود إلي ما كنت متكلِّمًا فيه قبل ذكر الملائكة مَنْ أهْدَى البَريرةَ (4) إلى نُعْمان، وأراقَ النُطْفةَ على الفرات، وشرح القضيَّةَ لأمير المُؤْمنين (5) فقد أساءَ فيما فعل. ودَلّني كلامُه على أنَّه بحرٌ يستجيش مني ثَمَدًا. وجبلٌ يستضيف إلى صخور حَصىً. وغاضِيَةٌ (6) من النيران تجتلِب إلى جمارِها سِقْطًا. وَحسْبُ تِهامةَ ما فيها من السَمُرِ (7) وسؤال الشيخ مولاي كما قال الأول:
فهذِي سيوف يَا عَدِي بن مالك
…
كثيرٌ ولكن أين بالسيف ضارب (8)
(1) في نسخة فيتسارون.
(2)
الفرهود أو الفراهيد قبيلة ينسب إليها الخليل.
(3)
في نسخة محققون ما.
(4)
ثمر الأراك أو هو أول ما يبدو منه. ونعمان الأراك واد قال:
تخيرت من نعمان عود أراكة
…
لهند فمن هذا يبلغه هندا
وقال الآخر:
أما والراقصات بذات عرق
…
ومن صلى بنعمان الأراك
(5)
وهو الذي جرى فيه المثل "قضية ولا أَبا حسن لها" على ما سيأتي.
(6)
متوقدة.
(7)
السمر تكثر بتهامة.
(8)
أنشده ابن خالويه أَيضًا في ليس ص 64 ولكن لم يعزه. وكثير يستوي فيه التذكير والتأنيث روي ابن شميل عن يونس رجال كثير ونساء كثير أيضًا كما في التاج.
لا هَيثم الليلة للمَطيِّ (1) قضيةٌ ولا أَبا حَسَنٍ لها (2) وشَكاة فأين الحارث بن كَلَدَةَ (3). وخيل لو كان لها فوارسُ. [يوسف 18]{وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} . والواجب أن أقول لنفسي وَراؤكِ أوسعُ لك (4) فالصيفِ ضيعت اللبن (5) ولا يكذب الرائدُ أهلَه (6). ولو كان معي ملءُ السِقاء، لسلكتُ في الأرض المقّاء (7). وسوف (8) أذكر طرفًا مما أنا عليه غريبٌ في العامة مِنْ شَبَّ إلى دَبَّ (9). يَزْعمون أنني من أهل العلم. وأنا منه خِلْوٌ إلَّا ما شاء الله. ومنزلتي إلى الجُهّال، أدنى منها إلى الرَهْط العُلَماء. ولن أكون مثلَ الرَبداء (10) أزعُمُ في الإبل أنني طائرٌ، وفي الطير أني بعير سائر. والتمويه خُلُق ذميم. ولكني ضَبَ لا أحمل ولا أطير. ولا ثمني في البيع خطير. أقتنع بالحيلة والسِحاء (11). والعَوْذِ من بني آدم في مَساء وضُحاء. وإذا خلوتُ في بشِي تَعللتُ. وإن فارقتُ مأوايَ ضَللتُ. ذكر ابن حَبيبَ أنَّه يقال في
(1) مثل يرد في كتب النحو خلا عنه معاجم الأمثال المعروفة.
(2)
مثل في كتب النحو.
(3)
الثَّقَفيّ من الطائف طبيب العرب مخضرم. بقي إلى امرة معاوية ترجم له ابن أبي أصيبعة 1: 109 - 113.
(4)
مجمع الأمثال 2: 273، 219، 294 الطبعات الثلاث ولاء. والفاخر رقم 481.
(5)
يروي الصيف وفي الصيف. ويلزم التاء الكسر في الحالات. وانظر قصته في المجمع 2: 13، 15: 13، والفاخر رقم 186 والجمهرة 2:29.
(6)
راجع المجمع 2: 154، 122، 164.
(7)
البعيدة.
(8)
هذا الفصل يضاهي مضاهاة تامة فصلًا في الغفران ص 122 - 123، والرسالة إلى 26 من رسائله.
(9)
وفي المثل لغات من شُبّ إلى دُبّ التاج مادة دبب والاتباع لابن فارس وجاء المثل في رسائله ص 30 وبيروت ص 72 مشكولًا من شُبَّ إلى دُبَّ.
(10)
النعامة. قال يحيى بن نوفل يهجو خالدًا القسري ويذكر عيه (البيان 2: 140 الثَّانية):
ومثل نعامة تدعى بعيرًا
…
تعاظمها إذا ما قيل طيري
وإن قيل احملي قالت فإنِّي
…
من الطير المربة بالوكور
ومثله بالفارسية:
كر بكوئي بربكويد أشترم
…
وربكوئي بر بكويد طائرم
(11)
كذا ولعل الأصل والله أعلم من الحيلة بالسحاء وهو بالفتح والكسر ما يؤخذ من القرطاس قليلًا والسحاء ككتاب نبت شائك يرعاه النحل عسله غاية. والظاهر الأول يريد اقتنعت بغفة من العيش أتبلغ بها ولم أحتل للزيادة. والعوذ وفي أخرى التعوذ.
المثل أحْيَرُ من ضَبّ (1) وذلك أنَّه إذا فارق بيته فأبْعَدَ لم يهتدِ أن يرجع إليه. وقد علم الله تعالت (2) قدرته أني لا أبْتَهجُ بأن أكون في الباطن استحق تثريبًا. وادْعَى في الظاهر أريبًا. ومَثَلِي مَثَلُ البِيعة الدامرة. تُجْمعُ (3) طوائف من المسيحية أنها تبْرئ من الحُمَّى أو من كذا. وإنما هي جُدُر (4) قائمة لا تفرق بين مِلْطسِ (5) الهادم والمبيعة (6) بيد الهاجريّ وسِيّان عندها صِنُّ الوَبْر (7) وما يُعْتَصَر من ذكيّ الوَرْد. وليس بِدعا من كُذِبَ (8) عليه وادُّعِيَ له ما ليس عنده. وقد ناديتُ (9) بتكذيب القالة (10) نداءَ مَنُ خَصَّ وَعَمَّ. واعترفَ بالجهالة عند من نَقَص وأم (11) واعتذرت بالتقصير إلى من هَزَلَ وَجدّ. وقد حُرِمَ عليَّ الكلامُ في هذه الأشياء لأني طلقتها طلاقًا بائنًا لا أمْلكُ فيه الرَجْعةَ. وذلك لأنى وجدتُّها فواركَ فقابلت فَرَكَها بالصَلَف. وألقيتُ المَرامى (12) إلى النازع. وخَلَّيتُ الخُطَبَ لرُقاة المنَابر وكنتُ في عِداد المُهلة (13) أجدُ إذا زاولتُ الأدبَ كأنني عارٍ ينضمُّ. أو أقطعُ الكفين يتختَّم. وينبغي له أدام الله تمكينَه إن
(1) المجمع الطبعات الثلاث 1: 200، 153، 208 والجمهرة 1:267.
(2)
في نسخة بغالب.
(3)
في نسخة تدعي.
(4)
في نسخة صدر.
(5)
كمنبر المعول الغليظ لكسر الحجارة.
(6)
كذا الأصل. والهاجري البناء.
وقال الجندي ص 52 هـ 1 المسيعة خشبة ملساء يطيّن بها (م. ي).
(7)
صن الوبر بوله. والوبر دويبة كالسنور بوله يخثر للأدوية وهو منتن جدًّا قال جرير:
تطلى وهي سيئة المعرى
…
بصن الوبر تحسبه ملابا
والصن والوير أَيضًا يومان من أيام برد العجوز السبعة ولكن لم يردهما هنا. وما يعتصر يريد ماء الورد وهو الجلاب.
(8)
في نسخة "ولست بدعًا ممن كذب الخ". وكان يقول على ما في الغفران أَيضًا ص 122 أنا شيخ مكذوب عليه ومعناه ظاهر إلَّا أن ابن الوردي زعم في تاريخه أنَّه يشير به إلى ما نحله النَّاس إياه من الشعر المؤذن بانحلال عقيدته.
(9)
في نسخة "بؤت".
(10)
جمع القائل.
(11)
ظاهر أنَّه يريد معنى زاد وأغفلته المعاجم فلعله من الأمم وهو الوسط من كل شيء أو لعل الصواب رم بمعنى أصلح ونقض بالضاد المعجمة. ثم وجدته في أخرى خطية نقض بالضاد المعجمة.
(12)
جمع المرماة وهو السهم الصغير يتعلم به الرمي.
(13)
الظاهر أنَّه يريد زمان العزلة 400 - 449 هـ فالمهملة السكينة والتؤدة. ويمكن أن يريد بالمهملة العدة =
ذكرني عنده ذاكرٌ أن يقول دُهْدُرَّين! سَعدُ القْينُ (1)! إنَّما ذلك أجهلُ من صَعلِ الدَوّ (2). خالٍ كخُلْوّ البَوّ (3). ولو كنتُ في حسن العمر (4) كما قيل لكنتُ قد أنسيتُ أو نسِيتُ (5). لأن حديثي لا يُجْهَل في لزوم عَطَنِي الضيق. وانقطاعي عن المعَاشِرِ ذَهابَ السَيِّق (6). ولو أنني كما يُظَن لفعلتُ (7) كما اخترت (8) وبرزتُ للأعين فما استترتُ. وهو يروي البيت السائر لزُهير (9):
والسِتْرُ دون الفاحشات ولا
…
يلقاك دون الخير من سِتْر
وإنما ينال الرُتَبَ من الآداب من يُباشرها بنفسه. ويُفنى الزَمَنَ بدَرْسه. ويستعين الزِهْلِق (10). والشُعاعَ المتألِّق. لا هو العاجز ولا هو المحاجز (11).
ولا جثّامة في الرحْلِ مثلي
…
ولا بَرَمٌ إذا أمسى نَؤُومُ
ومثله لا يَسأل مثلي للفائدة. بل للامتحان والخبرة (12) فإن سَكَتُّ (13) جاز أن
= والمعنى في زمان مزاولة العلم. ثم رأيت في نسخة أخرى بدله عدان وهو بالفتح كل سبعة أعوام من الزمان. وينضم في نسخة يعتم.
(1)
مثل انظر النجم 239 ورسائله ص 26 وفي أصله خلاف كثير. يضرب لمن جاء بالباطل. وحذفوا تنوين سعد وكانوا عرفوا كذبه من قبل.
(2)
مثل أغفله أصحاب الكتب والصعل الصغير الرأس والظليم. والدر الصحراء. وجهله أنَّه يغفل عن بيضته فلا يهتدي لها على ما مر لنا.
(3)
جلد الحوار يحشى تبنًا كما هو معروف.
(4)
كذا. وصوابه إن شاء الله في عمر الحسل. قال ابن جني إن الحسل يعيش ثلثمائة سنة وقال رؤبة:
فقلت لو عمرت سن الحسل
…
أو عمر نوح زمن الفطمل
والصخر مبتل كطين الوحل
…
صرت رهين هرم أوقتل
انظر ديوانه 128 والكامل لبسيك 348 والمنسوب للثعالبي 515 وغيرها. ثم رأيت في نسخة جن العمر وهو أوله وهو الصواب.
(5)
في الأصل مصحفًا أنست ونسيت؟.
(6)
السحابة الفارغة تزجيها الريح. وكان في الأصل الشيق.
(7)
في الأصل تظن أفعلت؟.
(8)
في نسخة لبغلت ما أخبرت.
(9)
الديوان بشرح الأعلم مصر 63 يمدح هرم بن سنان ويخاطبه.
(10)
السَّرَّاج ما دام في القنديل.
(11)
وفي نسخة المحائز.
(12)
في نسخة والحيرة.
(13)
في نسخة نسكت.
يَسْبق اليَّ الظنُّ الحَسَنُ. أن (1) السكوت سِتْر يُسْبَل على الجَهول. وما أُحِب أن يَفترِيَ عليَّ الظنونُ. كما افترت الألسُنُ في ذِكْرها أني من أهل العلم. وأحلف بمُرُوَّةِ (2) الكذُوب لأن أرمي صابة (3). أو مَقرًا آثرُ لديَّ من أن أتكلّم في هذه الصِناعة كلمةً وقد تكلّفتُ الإجابة. فإن أخطات فمَنْبتُ الخطإِ ومَعْدِنه. غاوٍ تعرَّض لما لا يُحْسِنه. وإن أصبت فما أحْمَدُ على الإِصابة رُبَّ دواءٍ ينفع وَصفه مَنْ ليس بناسٍ (4). وكلمة حكم (5) تسْمَع من حليفِ وَسْواس.
تمّت الرسالة (6) بحمد الله وعونه. ولُطفه وصَوْنه. والحمد لله على أفضاله. وصلى الله على سيدنا محمَّد وصحبه وآله. أجمعين.
(1) في نسخة لأن.
(2)
تصحيف لم أهتد لأصله فلعله بمروأة الكذوب أي الخائن أو المراد بالمروة هذه الحجارة التي يقتدح بها والكذوب التي لا توري والغرض من الحلف بها أنَّه يخلف رجاء آمليه كهذه يقدحونها فتصلد. والله أعلم. وفي نسخة بجروة.
(3)
الصابة شجرة مرة. والمقر ككتف وفلس الصبر أو شبيه به. وفي نسخة "لأن أرمّ صابة" والرم من بابي نصر وضرب الأكل.
(4)
وفي نسخة لمن ليس بناس. وفي أخرى قمن ليس بآس.
(5)
بالضم الحكمة.
(6)
تمّت المقدّمة حسب قول الجندي (ص. ح) وتتواصل الرسالة عنده من ص 57 إلى ص 286 (م. ي.).