الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حذفوا إحداهما وشددوا الباقي طلبًا للتخفيف. قال ومنه قول الشاعر (1):
قبيلي وأهلي لهم ألاق مشوقهم
…
لوشك النوى إلا فواقا كلا ولا
قال (2) وربما تركوه على خفته ولم يثقلوه. وذلك يقول ذي الرمة (3):
أصاب خصاصة فبدا كليلا
…
كلا وانغلّ سائره انغلالا
ومنه قول جرير (4):
يكون وقوف الركب فيها كلا ولا
…
غشاشًا ولا يدنون رحلًا إلى رحل
قلنا (5) هذا كلام مدخول من جهتين: إحداهما أنه غير محفوظ عن القدماء من أهل العلم بالعربية. والثانية أنه مما لا يتأيد بدليل. والأمرين (كذا) كلا مشددة وكذا مخففة مبين جدًّا (6) وذلك أن قول القائل هذا شيء كلا، إنما هو تشبيه الشيء -وحقارته وقلته وأنه لا محصول له- بلا، وذلك أن لا كلمة نفي. وأما كلا فكلمة مشددة بعيدة التشبيه بلا، واعتبار ما قلناه، أنك لو حملت قوله تعالى [المدثر 35]:{كَلَّا وَالْقَمَرِ} على معنى أنه كلا ولا القمر لكنْتَ عند أهل العربية كلهم مخطئًا لأن كلا ولا ليس بموافق لقوله والقمر. فإن قال قائل فما الأصل فيها؟ قلنا: إن كلا كلمة موضوعة للمعاني التي قد ذكرناها مبنية هذا البناء، وهي مثل إن ولعل وكيف. وكل واحدة من هذه مبني بنا [ءً] يدل على معنى. فكذا كلا كلمة مبنية بناء يدل على المعاني التي نذكرها. وهذا قول قريب لا استكراه فيه.
باب الوجه الأول من "كلا" وهو باب الرد
اعلم أنك إذا أردت رد الكلام بكلا جاز لك الوقف عليها لأن المعنى قد تم عند
(1) هو أبو تمام (في ديوانه: بيروت سنة 1889 م ص 225) ولا يجوز الاستشهاد بمثله.
(2)
في الأصل "قالوا" مصحفًا.
(3)
ديوانه عدد 75 ص 434، وقبله.
تريك بياض لبتها ووجها
…
كقرن الشمس أفتق حين زالا
أي أصاب فتق السحاب فبدا منه -وكذا كقولك في السرعة- وانغل دخل في السحاب.
(4)
النقائض 160 وديوانه 2: 68، وتبله:
وهاجد موماة بعثت إلى السرى
…
وللنوم أحلى عنده من جنى النحل
الغشاش العجلة. وفيهما "رحلا إلى رحل" بالحاء كالإيضاح، وفي الشريشي رجلًا إلى رجل.
(5)
الأصل "وهذا".
(6)
لعل الصواب والله أعلم "والأمران
…
مباينان جدًّا".
الرد. وذلك أن تقول [كذا] لقائل أكلت تمرًا؟ فتقول كلا أي إني لم آكله. فقولك كلا مبني على خبر قد ذكره غيرك ونفيته أنت، قال الله عز وجل في قصة من قال (1)[مريم 80، 81]{لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا * كَلَّا} أي إنه لم يطلع ولم يتخذ العهد. وأصوب ما يقال في ذلك أن كلا رد للمعنيين جميعًا. وذلك أن الكافر أدى [؟ ادعى] أمرًا فكذب فيه، ثم قيل: أتراه اتخذ عهدًا أم اطلع الغيب. كلا أي لا يكون ذا ولا ذاك.
وأما قوله تعالى [مريم 81]: {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلَّا} فكلا رد لما قبله وإثبات لما بعده؛ لأنهم زعموا أن الآلهة تكون لهم عزا. وذلك لقولهم [الزمر 3]{مَا نَعْبُدُهُمْ إلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} . قيل لهم كلا أي ليس الأمر كما تقولون ثم جيء بعد بخبر وأكد بكلا وهو قوله {سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ} .
وأما قوله في سورة المؤمنين [102]: {لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّا} ، فلها مواضع ثلاثة، أولها: لقوله ارجعون. فقيل له كلا أي لا ترد (2). والثاني قوله تعالى اعمل صالحًا، فقيل له كلا، أي لست ممن يعمل صالحًا وهو لقوله [الأنعام 28]:{وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} والموضع الثالث تحقيق لقوله إنها كلمة هو قائلها. وأما قوله في [الشعراء 13]: {وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ * قَال كَلَّا} فهو رد في حالة وردع في أخرى. فأما إمكان [؟ مكان] الشرح فقوله أخاف أن يقتلون فقيل له كلا أي لا تخف هذا ردع. وأما الرد فقوله أن يقتلون فقيل له لا يقتلونك فنفى أن يقتلوه (3) وأعلم أنهم لا يصلون إلى ذلك. وأما قوله في هذه السورة [الشعراء 61]: {قَال أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَال كَلَّا} . فهو نفى لما قبله وإثبات لما بعده. وأما قوله في [سبأ 27]: {قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا} ، فلها ثلاثة مواضع: أحدها أن تكون ردًّا على قوله أروني أي أنهم لا يرون ذلك وكيف يرون شيئًا لا يكون. والموضع الثاني قوله ألحقتم به شركاء فهو رد له أي
(1) هو العاص بن وائل السهمي كما في رواية الصحيحين وأحمد وفي السيرة بهامش الروض أيضًا 224: 1.
(2)
في الأصل "لا يرد".
(3)
في الأصل "أن يقتلون" وله وجه.
لا شريك له. والثالث أنها تحقيق لقوله بل هو الله العزيز الحكيم. وقال بعض أهل التأويل إنما رد على قوله ألحقتم به شركاء دون أن يكون ردًّا على قوله أروني، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بأن يقول لهم أروني قال لهم ذلك. فكأنهم قالوا هذه هي الأصنام التي تضرنا وتنفعنا فاروه أيضًا إياها فرد عليهم ذلك بقوله (1) بل هو أي إن الذي (2) يضركم وينفعكم ويرزقكم ويمنعكم هو الله. ومعنى قوله أروني ها هنا أعلموني. وأما قوله في سورة سأل سائل [المعارج 11 - 15]:{لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ الآية كلا} . فرد لقولهم ثم ينجيه، أو رد لقوله لو يفتدى وقال في هذه السورة [المعارج 39. 40]:{أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (38) كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ [مِمَّا يَعْلَمُونَ] (39)} من نطفة كما خلقنا بني آدم كلهم، ومن حكمنا في بني آدم أن لا يدخل أحد منهم الجنة إلا بالإِيمان والعمل الصالح فلم يطمع كل امرئ منهم ليس بمؤمن ولا صالح أن يدخل الجنة ولا يدخلها إلا مؤمن صالح العمل. وأما قوله في سورة [المدثر 15، 16]: {ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا} فهو رد أن لا يزد [كلا]. وذلك أن الوليد كان يقول ما أعطيت أعطيته إلا من خير [؟ عز] ولا حرمه غيري إلا من هوان. فإن كان ما يقوله محمَّد حقًّا فما أعطاه في الآخرة أفضل، فقيل له ثم يطمع أن أزيد كلا أي لا يكون ذلك. وكذلك قوله [الفجر 15 - 17]:{فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) - إلى قوله أَهَانَنِ (16) كَلَّا} . ومن الرد قوله [المدثر 53،52]: {بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً (52) كَلَّا} . أي لا مفر. أكد ذلك بقوله لا وزر تأكيد [آ] لقوله كلا. ومنه [المطففين 13، 14]: {إِذَا تُتْلَى عَلَيهِ آيَاتُنَا قَال أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (13) كَلَّا} . فهو رد أي أنها ليست بأساطير الأولين. ومن الرد قوله [الهمزة 3، 4]: {يَحْسَبُ أَنَّ مَالهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا} . أي ليس كما يظن فإن ماله لن يخلده.
هذا ما في القرآن من النفي والرد بكلا.
وما كان في أشعار العرب منه وهو كثير قول القائل:
فقالوا (3) قد بكيت فقلت كلا
…
وهل يبكي من الطرب الجليد
(1) في الأصل "لقوله".
(2)
الأصل "اتنذ" ولعله "الله" أو "الإله".
(3)
وكذا رواه القالي فقالوا في النوادر والصواب كما قال ابن السيد (107، 292)"فقلن" وقد سرد بيتين قبله =