المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد - بحوث وتحقيقات عبد العزيز الميمني - جـ ٢

[عبد العزيز الميمني]

فهرس الكتاب

- ‌القسم الثالث نصوص محققة

- ‌ثلاث رسائل

- ‌المقدمة

- ‌مقالة "كلّا" وما جاء منها في كتاب الله لابن فارس

- ‌باب الوجه الأول من "كلا" وهو باب الرد

- ‌باب كلا إذا كانت تحقيقًا لما بعدها

- ‌باب الردع

- ‌باب صلة الأيمان

- ‌فهرسما جاء فيه "كلا" من كتاب الله سبحانه

- ‌كتاب "ما تلحن فيه العوام" للكسائي

- ‌رسالة شيخ الطريقة محيي الدين بن عربي إلى الإِمام ابن خطيب الري المعروف بالفخر الرازي

- ‌رسالة الملائكة

- ‌كلمة للناشر

- ‌رسالة الملائكة

- ‌فائت شعر أبي العلاء

- ‌زيادات ديوان شعر المتنبيء

- ‌وهذا جَدْول العلامات

- ‌استدراك

- ‌النُتَف مِن شِعر ابنِ رشيق وزميله ابنُ شرَف القيروانيّين

- ‌شعر ابن شرف من كتاب النُتف مِنْ شِعْرِ ابنِ رَشيق وَزميله ابن شَرَف

- ‌شعر أبي عبد الله محمد بن أبي سعيد بن شَرَفَ الجُذاميّ

- ‌خاتمة

- ‌فهرس (شعر ابن رشيق) "على القوافي

- ‌القصيدة اليتيمة لدوقلة المنْبَجِيّ

- ‌شكوى الهجر والصدود

- ‌الفخر بأخلاق النفس

- ‌الربيع بن ضبع الفزاري

- ‌أخباره وشعره

- ‌أقدم كتاب في العالم على رأي أوجاويذان خرد

- ‌كتاب جاويذان خرد خلَّفه أوشهنج الملك وصية على من خلَفه

- ‌كتاب المداخلات أو المداخل لأبي عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد المطرز غلام ثعلب

- ‌أبو عمر الزاهد غلام ثعلب الحُفَظة اللغوي المحدث "وكتاب المداخَل له

- ‌أبواب مختارة من كتاب أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الأصبهاني

- ‌كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد

- ‌نسب عدنان وقحطان

- ‌كتاب أسماء جبال تهامة وسكانها وما فيها من القرى وما يَنبُتُ عليها من الأشجار وما فيها من المياه

- ‌السفر الأول من تحفة المجد الصريح في شرح الكتاب الفصيح

- ‌المجلد الأول من كتاب العباب الزاخر واللباب الفاخر

- ‌الفصل الأول: في أسامي جماعة من أهل اللغة (ق 2 ظ) / غير مراعى توتيب مواليدهم:

- ‌الفصل الثاني في أسامي كتب حوى هذا الكتاب اللغات المذكورة فيها، وهي:

الفصل: ‌كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد

‌كتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه من القرآن المجيد

تأليف

أبي العباس محمد بن يزيد المبرَّد النحوي

المتوفي سنة 285 هـ

عن النسخة الموجودة بخزانة بانكي بور (بتنه- الهند)

باعتناء الأستاذ العلّامة

عبد العزيز الميمني الراجكوتي الأثري

الأستاذ بجامعة على كَره الإسلامية (الهند)

القاهرة 1350 هـ

المطبعة السلفية ومكتبتها

ص: 309

بسم الله الرحمن الرحيم

قال المبَّرد:

هذه حروف ألّفناها من كتاب الله عز وجل متّفقة الألفاظ مختلفة المعاني متقاربة في القول مختلفة في الخبر على ما يوجد في كلام العرب لأن من كلامهم اختلافَ اللفظين واختلاف المعنيين، واختلافَ اللفظين والمعنى واحدٌ، واتفاقِ اللفظين واختلاف المعنيين.

فأما اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين فنحو قولك: ذهب، وجاء، وقام، وقعد، ويد، ورجل، وفرس.

وأما اختلاف اللفظين والمعنى واحد فقولك، ظننت وحسبت، وقعدت وجلست، وذراع، وساعد، وأنف، ومَرْسِن.

وأما اتّفاق اللفظين واختلاف المعنيين فنحو: وَجَدت شيئًا إذا أردتَ وجدانَ الضالّة، ووجَدتُ على الرجل من المَوْجِدة، ووجَدتُ زيدًا كريمًا علمت (1). وكذلك ضربت زيدًا، وضربت مثلًا، وضربت في الأرض إذا أبعدتَ. ومن ذلك عين التي يُبْصَر بها. وتقول هذا عين الشيء أي حقيقته، والعين المال الحاضر، والعين عيني الميزان، والعين سحابة تأتي من قِبَل القِبلة، وعين الماء. وهذا كثير جدًّا (2). وقولهم: أمر جلل كقوله:

كلّ شيء ما خلا الله جَلَلْ (3)

(1) في الأصل "وعلمت" مصحفًا.

(2)

ولابن فارس قصيدة قافية كل بيت منها عين في معنى من معانيه راجعها في معجم الأدباء 2: 11 وللبهاء ابن السبكي مثلها. ومعانيه الـ 47 مذكورة في التاج.

(3)

نسب في أضداد الأصمعي 9 وابن الأنباري مصر 3 لِلَبيد، وعندهما ما خلا الموت. والتالي:

"والفتى يسعى ويُلهيه الأمل"

ولكن لا يوجد في ديوانه.

ص: 310

أي صغير. وقال لبيد (1):

وأرى أَرْبَدَ قد فارقني

ومن الرُزْء كثيرٌ وجَلَلْ

ويكون للتعظيم كقول جميل:

رَسْمِ دار وقفتُ في طللهْ

كدتُ أقضي الحياة من جلَلِهْ (2)

أي من عِظَمِه في عيني.

ومن ذلك الجَوْن الأسود وهو الأكثر، قال الراجز:

فغَلَّستْ (3) والليلُ جَوْنٌ حالكُ

وقال عمرو بن شأسٍ الأسدي:

وإن عِرارًا إن يكن غير واضح

فإِني أُحِبُّ الجَوْنَ ذا المَنْكِب العَمَمْ (4)

والجون الأبيض كقول الراجز:

غيّرَ يا بنت الجُنَيد لوني

كَرُّ الليالي واختلافُ الجَوْنِ (5)

ويروي الحُلَيس. قال: وحدّثني التَّوَّزِيُّ (6) عن الأصمعي قال: عُرضتْ على

(1) من لاميته المعروفة وهي في تتمة ديوانه 17 وأضداد الأصمعي 84 ولكن فيهما "ومن الأرزاء رزء ذو جلل، ومعناه ذو عظم فلا استشهاد للمصنف على هذه الرواية إلا على المعنى الثاني. (ذكر هذا البيت أبو العباس في كامله: المطبوعة المصرية ج 1 ص 42 قال: قال لبيد في الكبير .. ثم ذكره وعجزه هناك "ومن الأرزاء رزء ذو جلل" ولعل الرواية الأولى خطأ من الناسخ على انها بينة التوليد والوهن والثانية رواية الأئمّة.

(2)

انظره في أضداد ابن السكيت 168 ومثله عند الأصمعي 10 ولفظه أي من أجله قال الأصمعي من عظمَه في صدري والقولان مقدمًا ومؤخرًا في أضداد السجستاني 84 واستشد به النحاة كصاحب الإنصاف 172 والمغني وابن مالك على إِضمار رب من غير أن يكون ثم واو أو غيرها. والبيت في الأغاني 7: 74 وشرح شواهد المغني 126 والقالي الثانية 1: 246 وفي أضداد ابن الأنباري مصر 76 أن القول بأن من جلله معناه هنا من أجل هو قول الكسائي والفراء.

(3)

أي سارت في الغَلَس وكان في الأصل فعلّست مصحفًا.

(4)

انظره في الحماسة مع التبريزي مصر 1: 150 والكامل لبسيك 154 والقالي الثانية 2: و 189 والجمحي 46.

(5)

في اللسان (جون) أن الأصمعي أنشده والثالث:

وسَفَر كان قليل الأَوْنِ

والأَوْن الرِفق والدعَةَ.

قلت وذلك في أضداده 36 وأنشده السجستاني 92 وابن الأنباري 96 وأبو طالب في الفاخر 104.

(6)

كان في الأصل "الثوري" مصحفًا ومثله أي تصحيف التوزي بالثوري يوجد في أمالي المرتضى =

ص: 311

الحجّاج دروع فقال: نَحُّوها فإِن الشمس جَوْنة.

ومن ذلك المُقْوي للقويّ والضعيف. قال الله تعالى (56: 74){وَمَتَاعًا لِلْمُقْوينَ} أي الضعفاء تقول العرب أكثِرْ من فلان فإنه مُقْوٍ أي ذو إبل قويَّة.

ومن ذلك الرجاء يكون في معنى الخوف. قال أبو ذُؤيب:

إذا لَسَعَتْه النَحْلُ لم يرجُ لسْعَتها

وخالفَها في بيتِ نُوْب غوافلُ (1)

وقال الأنصاري (2):

لعمرك ما أرجو إذا مُتُّ مؤمنًا

على أيّ جنب كان لله مَصْرَعي

وقال المفسرون في قوله تعالى (71: 12){مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} تخافون لله عظمة. وكل من آثَرَ أن يقول ما يحتمل معنيين فواجب عليه أن يضع على ما يقصد له دليلًا لأن الكلام وُضع للفائدة والبيان.

فمما اتفق لفظُه واختلف معناه قوله تعالى (2: 72) {إلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إلا

= 2: 21. والتوزي هو عبد الله بن محمد بن هارون أبو محمد الراوي عن الأصمعي وأبي عبيدة وقرأ عليه المبرَّد. وحكاية الحجاج توجد عند السجستاني ولفظة: قالوا أُتيَ الحجاج بن يوسف بدرع حديد فعرضت عليه في الشمس -وكانت صافية- فجعل لا يرى صفاءها فقال له رجل كان فصيحًا الشمس جونة فقد قهرت لونَ الدرع أراد بيضاء شديدة البريق. وقال بعضهم بل عرضها على الحجاج فقال الحجاج الشمس جونة أي نَحِّها عن الشمس. وفي أضداد ابن السكيت الحكاية الأولى فقط. وانظر أمالي القالي المطبوعة الثانية ج 1 ص 9.

(1)

ويروي عوامل وعواسل. والضمير يعود على مشتار النحل. ولم يرج لم يخف والنوب النحل وخالفها ويروى حالفها. والبيت في أضداد الأصمعي 24 والجستاني 81 وابن الأنباري 9 وشرح المفضليات 267 وأضداد ابن السكيت 179 وابن ولاد مصر 45 واللسان (نوب) من كلمة مذكورة في الخزانة 2: 462.

(2)

خُبَيب بن عدي انظر السيرة على الروض 2: 170 وطبعة غوطا 643 وروايته:

فولله ما أرجو إذ مُتُّ مسلمًا

في الله إلخ

قال ابن هشام وبعضِ أهل. العلم بالشعر ينكرها له. قلت ولكن البخاري رحمه الله رواه في صحيحه في المغازي وروايته:

ما إن أبالي حين أُقتل مسلما

وراجعه على فتح الباري 7: 269 سنة 1325 هـ وفي أضداد ابن الأنباري أنه لعُبيدة بن الحارث الهاشمي قُتل مع حمزة رضي الله عنه يوم أُحُد.

ص: 312

يَظُنُّونَ} هذا لمن شكّ. ثم قال (1)(2: 46){الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ} فهذا يقين لأنهم لو لم يكونوا مستيقنين لكانوا ضُلّالًا شُكّاكًا في توحيد الله تعالى. ومثله في اليقين قول المؤمن (69: 20){إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ} أي أيقنتُ. ومثله قوله تعالى (18: 53){فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} أي أيقنوا ومما (2) جاء في كلام العرب في الظنّ الذي هو يقين قول دُريد بن الصِمَّة:

فقلتُ لهم ظُنُّوا بألفَيْ مُقاتِل

سَراتهمُ في الفارسيّ المسرَّدِ (3)

أي أيقِنوا ولذلك قال بألفي مُقاتِل لأنه خوّفهم لَحاقَ جيش غطفان إيَّاهم. وقوله تعالى (45: 32){إِنْ نَظُنُّ إلا ظَنًّا} فهو من الشك. وللنحويين فيه قولان أحدهما أن تكون (إلَّا) في غير موضعها (4) فيكون التقدير إن نحن إلَّا نظنّ ظَنًّا لأن المصدر إذا وقع بعد فعله مستثنىً لم تكن فيه فائدة إلا أن يكون موصوفًا أو زائدًا على ما للفعل. [و] لو قال قائل ما ضربتُ إلَّا ضربًا لم يُفد بقوله ضربًا معنى لم يكن في ضربت فمن قال إلَّا في غير موضعها فهو مثل ليس الطيب إلا المسك مرفوعًا ولا وجه (5) لهذا إلا على تقديم إلَّا ليكون المعنى ليس إلا الطيبُ المسكُ ليتحقق أن أصحّ الأشياء أن

(1) ليست الآية في التلاوة بعد الآية المارة بل قبلها فالتراخي هنا في بيان المبرَّد لا في موقع الآية.

(2)

في الأصل فمما مصحفًا.

(3)

انظره في أضداد ابن الأنباري 12 من كلمة مذكورة في الحماسة مع التبريزي مصر 2: 156 وجمهرة الأشعار والأغاني 9: 4 ويروي بألفي مدجَّج.

(4)

هذا القول نقل في البحر المحيط لأبي حيان 8: 51 وفتح البيان 8: 341 عن المبرَّد كما هنا قال أبو حيان واحتاج إلى هذا التقدير كون المسك مرفوعًا بعد إلَّا وأنت إذا قلت ما كان زيد إلا فاضلًا نصبت فلما وقع بعد إلَّا ما يظهر أنه خبر "ليس" احتاج أن يزحزح إلَّا عن موضعها ويجعل في ليس ضمير الشأن ويرفع إلَّا الطيبُ المسكُ على الابتداء والخبر فيصير كالملفوظ به في نحو ما كان إلَّا زيد قائم ولم يعرف المبرد أنَّ ليس في مثل هذا التركيب عاملتها بنو تميم معاملة ما فلم يُعملوها إلَّا باقية مكانها "وليس" غير عاملة. وليس في الأرض حجازي إلا وهو ينصب في نحو ليس الطيب إلا المسك ولا تميمي إلّا وهو يرفع وفي ذلك حكاية جرت بين عيسى بن عُمر وأبي عمرو بن العلاء ذكرناها فيما كتبناه من علم النحو. ونظير "أن نظن إلَّا ظنّا" قول الأعشى:

وجدَّ به

إلَّا اغترارًا أي اغترارًا بيّنًا. اهـ.

أقول: هذه الحكاية مذكورة في أمالي القالي 3: 39 والأشباه 3: 24.

(5)

في الأصل "إلا المسك يرفعون لا وجه" وفيه قلق ظاهر أصلحناه إلى ما ترى.

ص: 313

الطيب المسك قال الأعشى (1)

أحَلَّ به الشيبُ أثقالهُ

وما اغترّه الشيبُ إلا غِرار (2)

وقوم يقولون معناه أن نظن إلا منكم أيها الداعون لنا تظنون أن الذي تدعو (؟) إليه ظنّ منكم (3) وما نحن بمستيقنين أنكم على يقين. وكلا القولين حسن وأكثر التفسير على الأوّل. وقالوا في قوله:

وما اغترّه الشيب إلا غِرارًا

أي إلا لاغتراره ونصبه للمصدر الذي هو مضاف إليه والفعل للشيب كما أن نظن ناصبة للمصدر المضاف إلى ما يخاطبونه.

وقوله تعالى: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيهَا مَا اكْتَسَبَتْ} لمعنى واحد: كقولك نظرته وانتظرته، وقدرت عليه واقتدرت عليه، وحفظت واحتفظت، وجرح واجترح من الكسب كقوله تعالى (5: 6) {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} أي الكواسب ويقال فلان جارحُ أهلِه أي كاسبهم، وفلوتُ الفَلُوّ وأفتليتهُ عن أُمِّه. قال الأعشى (4):

مُلْمِعٍ لاعةِ الفؤاد إلى جَحْـ

ـش فلاه عنها فبئس الفالي (5)

ويقال رجل هاعٌ لاع وامرأة لاعة إذا كانت مضطرِبةَ الفؤاد على نهاية الهَلَع وإنما وصف بهذا أتانًا، ومثله سرقه واسترقه ومثله (2: 19) {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ} في معنى يختطف.

(1) من كلمة له بعضها في الخزانة 1: 575 و 2: 30.

(2)

في الخزانة: أحلّ له الشيب

إلَّا اغترارًا. وكان في الأصل وحلَّ به ولعله تصحيف. وإلا غِرارًا مصدر من غير لفظ اغترَّة أي مُغارَّة.

(3)

المعنى ظاهر وفي العبارة قلق ولعل أصلها "لنا نظن أن الذي تدعوننا إليه الخ" وهذا التخريج ذكره أبو حيان بقوله: وقدّره بعضهم أن نظن إلَّا أنكم تظنون ظنًّا. قال وإنما احتيج إلى هذا التقدير لأنه لا يجوز في الكلام ما ضربت إلا ضربًا فاهتدى إلى هذه القاعدة النحوية وأخطأ في التخريج وهو محكى عن المبرد ولعله لا يصح.

(4)

يوجد البيت في الكامل مصر 1: 67 وكتاب مَسائية لأبي زيد 236 واللسان (لوع) من كلمة له معروفة مسرودة في جمهرة الأشعار.

(5)

ملمع أتان رافعة ذنبها للفحل تُريد أنها لاقح. وفلاه فطمه والفاطم الحمار المذكور في بيت سابق.

ص: 314

وقوله تعالى (1): (2: 190){فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيهِ} المعنى فاقتصُّوا منه يخرج اللفظ كلفظ ما قبله كقول العرب الجزاء بالجزاء والأول ليس بجزاء. وتقول فعلت بفلان مثل ما فعل بي أي اقتصصتُ منه والأول بدأ ظالمًا والمُكافِئ إنما أخذ حقَّه فالفعلان متساويان والمخرجان متباينان إذ كان الأول ظالمًا والثاني إنما أخذ حقه. ومثله (42: 38){وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} والثانية ليست بسيِّئةٍ تُكتب على صاحبها ولكنها مثلها في المكروه لأن بالثاني يُقتصُّ. ومثله (2: 42){إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} وقال (80: 9){فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ} وقال (8: 30){وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} لِما ذكرتُ من أوجُهِ الكلام وإنما مكرهم واستهزاؤهم وسُخرهم معصية لله تعالى وتوثبٌ على أوليائه، ومكر الله واستهزاؤه وسُخره عذاب لهم وتنكيل قال عمرو بن كلثوم (2):

ألا لا يجهلنْ أحد علينا

فنجهل فوق جهل الجاهلينا

لم يمتدح بأنه جاهل إنما قصد المكافأة والشرف في قوله: فوق جهل الجاهلينا. وقال الفرزدق:

أحلامنا تَزِنُ الجبال رَزانةً

وتخالنا جِنًّا إذا لم نجهلِ (3)

[الصواب: إذا ما نجهل].

أي إذا جُهل علينا فكافأنا به لم نعجِزْ عن الجهل.

وأما قوله:

وأنزلني طولُ النوى (4) دار غربة

إذا شثتُ صاحَبْتُ امرَأً لا أُشاكِلُهْ

(1) هذا باب من أبواب البديع يسمى المشاكلة وقد أكثر العلماء من سرد أمثلته في كتبهم وانظر المرتضى 4: 56 و 170.

(2)

هذا البيت معروف في معلّقته ولكن لا يوجد في شرح ابن كيسان نعم يوجد في الجمهرة وهو آخر بيت في معلقته في شرح التبريزي. وقد بحث عن المشاكلة فيه المرتضى 2: 8.

(3)

كذا هو هنا مجرورًا والصواب الرفع كما في النقائض 188 وديوان جرير 2: 47 وهذه القصيدة مشهورة طويلة أولها:

إن الذي سمك السماء بنى لنا

بيتًا دعائمه أعز وأطولُ

والرواية إذا ما نَجْهَلُ وقول المصنف لم نعجز الخ يرشد أن ما في المتن تصحيف. وبعض القصيدة في المعاهد 1: 37.

(4)

في الأصل دار النوى مصحفًا والتصحيح اتّكالًا على الحفظ.

ص: 315

فحامقتُه حتى يقال سجيَّةٌ

ولو كنتُ ذا عقل لكنت أُعاقِله

فليس من هذا مخرجه وهذا قاصد إلى مواتاة الأحمق وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم "من كان له صبيٌّ فليتصَبَّ له (1) " أي فليكلّمه بكلام الصبيان ويفعل معه أفعالهم الناس (؟) بالمقاربة. وقالوا قوله تعالى (6: 9){وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا} ذكرنا لأن الرجل إلى مثله أسكنُ وبشكله آنسُ. قال أبو الأسود الدئلي (2).:

إذا قلتُ أنصِفْني ولا تظلمنني

رمى كُلَّ حقّ أدّعيه بباطل

فباطَلْتُه حتى أرعوى وهْو كارهٌ

وقد يرعوي ذو الشَغْب يوم التجادُل

وقول الله تعالى عند ذكر الغيث (2: 20){وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} وقال (22: 63){أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً} (6: 6){وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيهِمْ (3) مِدْرَارًا} و (56: 69){أَأَنْتُمْ (4) أَنْزَلْتُمُوهُ} الآية ثم ذكر المطر فقال (15: 74){وَأَمْطَرْنَا عَلَيهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ} و (7: 82){وَأَمْطَرْنَا عَلَيهِمْ مَطَرًا فَانْظُرْ} الآية. وقال (8: 32){فَأَمْطِرْ عَلَينَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} فلم يذكر المطر إلا عذابًا. فالإِمطار إنزال ولو أُريد به الغيث لصلح. وقد تصلح اللفظة لشيئين فتُستعمل في أحدهما لأنها له كما للآخر فلا نقص في ذلك ولا تقصير، ولو ذُكرت في غيره مما هي له لكان ذلك محلّها. قال جرير (5):

إنّا لنرجو إذا ما الغيث أخلفنا

من الخليفة ما يُرجى (6) من المطر

يعني به الذي هو غيث. وقال:

ظعن الخليط وبشّرت في إثْرِهم

ريح يمانية بيوم ماطر

(1) ورواية ابن عساكر عن معاوية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له صبي فليتصابَ له".

(2)

من كلمة له في ديوانه صنع السكري رقم (67) ونشر بمجلّة المستشرقين بفينا ج 27 ص 375 - 397 سنة 1913 م وعنوانها قال أبو الأسود لعويمر بن شريك المخزومي في خصومة كانت بينهما. وروايته: رمى كل حق من سواه

بعد التجادل وهي خمسة أبيات.

(3)

في الأصل "عليكم" مصحفًا.

(4)

ليس في الأصل همزة الاستفهام.

(5)

في سيرة ابن عبد العزيز لابن الجوزي مصر 167 ولا يوجد في ديوانه بل يوجد في ضمن الشذرات الملحقة بآخره 2: 176.

(6)

في شرح شواهد المغني 71 روايته ما نرجو.

ص: 316

وقال:

يرجون منك إذا ما الغيث أخلفهم

سَجْلا وتُمْطِرهم من كفّك الدِيَمُ

[و] هذا كثير في كلامهم كما جاء في ذكر الغيث (50: 9){وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ} الآية. فلم يكن الإنزال مخصوصًا به الغيث دون غيره ولكن يكون له كما يكون لغيره. ألا تراه تعالى لمّا ذكر العذاب فأجراه فيه فقال (2: 56){فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ} فهذا ما ذكرنا أن لفظه مشترك فيه معنيان يختص (1) به أحدهما في الموضع. وقوله تعالى عند ذكر السحاب الغيث (كذا)(15: 22){وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} وقال (30: 48){اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا} وقال عند ذكر العذاب (69: 6){وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ} . وقال (3: 117){كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ} الآية. وقال (30: 50){وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا} و (51: 41) [{وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ} فليس هذا من (2) قوله تعالى (15: 23){وَجَرَينَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ} هذا الذي ذكرنا مما هو للغيث أو العذاب. ولأهل العناية (3) فيه قولان: قال بعضهم: لا تلقح السحاب بريح واحدة ولكن تبدأ ريح وتقابلها أخرى وكذا إن جرت ثلاث من الرياح كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا هبّت الريح: "اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا"(4). وقال هؤلاء قوله الرياح لريحين فأكثر كقوله (4: 11){فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ} يعني أخوين فصاعدا وكقوله (38: 20){تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (21) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ} ثم أبان عن العدد بقوله {إِنَّ هَذَا أَخِي} وهذا كقول الإنسان إذا كان معه آخر: نحن جعلنا كما يقول إذا كانوا جماعة واحتجوا بقول جميل (5):

سبيحان (كذا) مرفضّا من الماء صاديا

إذا ما نسيم من نداها عراهما

إذا ما الصبا حارتهما سرباتها (كذا)

ودانى دُنوّا وارجحنّتْ رحاهما

(1) في الأصل: "ليختصّ".

(2)

في الأصل فليس من هذا من الخ.

(3)

في الأصل "ولأهل العنا".

(4)

رواه ابن ماجه بلفظ "اللهم اجعلها رياحًا اللهم اجعلها رحمة" وانظر الكامل مصر ج 2 ص 58.

(5)

لم أجد البيتين في موضع آخر مع طول التنقيب.

ص: 317

وقال آخرون: بل يستقيم أن يقال الرياح لريح واحدة من الرياح الأربع ونَكْباواتها إذا كان يهبّ منها شيء بعد شيء فإن (1) كل جزء منها يسمَّى ريحًا وهذه المتابعة تستنزل الغيث، واحتجّوا بأنها إحدى الأرواح بقول أبي ذؤيب:

مَرَتْه النُعامَى ولم يعترف

خِلافَ النُعَامَى من الشأم ريحا (2)

وقال آخر يمدح رجلًا:

فتىً خُلِقت أخلاقُه مطمئنّةً

لها نَفَحاتٌ ريحهن جَنوبُ

يريد أن الغيث إنما تأتي به الجَنوب. واحتجّوا في تسمية كل جزء من الريح بقول العرب: بعيرٌ ذو عثانين جعلوا كل خُصلة عُثنونًا، ويقولون: شابت مَفارقُه يجعلون كل جزء من رأسه مَفْرِقًا. قال جرير (3):

قال العواذل ما لجهلك بعدما

شاب المفارق واكتسين قتيرا

ولم يرووا أن الاجتياح كان قطّ إلا بريح واحدة. روي عن النبي صلى الله عليه وسلم[أنه] قال "نُصرتُ بالصَبا وأُهلكت عاد بالدَبور"(4).

ومما جاء متفق اللفظ مختلف المعنى (55: 39){فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} [و] مثله (77: 35){هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} الآية. ثم قال (5)(36: 24){وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} فليس هذا ناقضًا للخبر الأول تعالى عن ذلك. وكان مجاز قوله {فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ} (6) أي لا يُسأل عن

(1) في الأصل فلان.

(2)

البيت في الأزمنة للمرزوقي 2: 77 ومقصور ابن ولّاد مصر 111 واللسان (نعم) والكامل مصر ج 2 ص 56 ويروى فلم يعترف. وهو من كلمة يقولها في عبد الله بن الزبير أورد بعضها ابن قتيبة في طبقاته وابن عساكر في تاريخه. والنعامى الجنوب.

(3)

ديوانه 1: 133 وسيبويه 2: 138.

(4)

هذا الحديث ثبت في الصحيحين كما قاله ابن كثير في تفسيره بهامش فتح البيان 15: 63 وصاحب كنوز الحقائق.

(5)

التراخي في بيان المؤلف لا في مواقع الآيات كما قد سلف لنا التنبيه عليه.

(6)

والذي أجاب به الإمام أحمد في الردّ على الجهمية المطبوع بآخر جامع البيان بدهلي سنة 1296 هـ ص 31 في باب ما ضلّت فيه الزنادقة من متشابه القرآن بعد أن قرّر دعواهم التناقض بين الآيتين {هَذَا يَوْمُ لَا يَنْطِقُونَ} الخ وبين {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} قال أما تفسير هذا يوم الآية فهذا أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون ثم =

ص: 318

ذنبه ليُعْلمَ ذلك من قِبَله والدليل عليه قوله (55: 41){يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} وقوله (37: 24){وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} يقول موبَّخون كما يقول المُعَاقِب للمعاقَب ألستَ الفاعلَ كذا أتذكر يوم كذا ما فعلتَ كذا ليس ليُعْلَمَ ذلك من قِبَله ولكن لتوبيخه بما فعل وقد يقال لغير صاحب الذنب احتجاجًا على الذنب وتوبيخًا له: أما قال لك هذا ذنب وذنب، أما تعرف من هذا مثل ما أعرف، أأنت قلت لهذا ما ذكره عنك. على علم السائل أنه لم يَقُل، كقوله تعالى (5: 116) {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} الآية ليوبّخ بذلك من (1) حكاه عنه فمجاز يقع (2) من هذا تقريرًا لا استفهامًا في مدح أو ذمّ مجاز قال جرير (3):

ألستم خيرَ من ركب المطايا

وأندى العالمين بطونَ راح وكقول كُثَيِّر:

أليس أبي بالنَضْر أم ليس [والدي]

لكل نجيب من قُضاعة أزهر (4)

وقال الله تعالى (39: 36){أَلَيسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ} (29: 68){أَلَيسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} .

وقوله (4: 80){إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} إلى قو [له "قُلْ] قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} أي يأتي هذا إذا شاء وهذا إذا شاء ثم قال (4: 79){مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} تفضُّلًا {وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} أي مجازاةً بما

= يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون فذلك قوله: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا} الآية فإذا أذن لهم في الكلام فتكلموا واختصموا فذلك قول {ثُمَّ إِنَّكُمْ} الآية عند الحساب وإعطاء المظالم ثم يقال لهم بعد ذلك لا تختصموا لديَّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد يعني في الدنيا فإن العذاب مع هذا القول كائن إلى آخر ما أورده من مثله من الآيات التي أثبتوا فيها التناقض وما أجاب به عنه.

(1)

في الأصل ممن.

(2)

كذا ولعل صوابه فمجاز ما يقع

مجاز قول جرير.

(3)

ديوانه 1: 36 وشرح شواهد المغني 15.

(4)

البيث أنشده سيبويه 1: 485 وروايته أزهرا. وكان بدل والدي في الأصل "الدى" بمحو يسير وهي ثلاثة أبيات في السيرة (1 ص 61 طبع ألمانيا وبهامش الروض 1: 271) وفيها:

أليس أي بالصلت أم ليس إخوتي

لكل هجان من بني النضر أزهرا

ورَويُّ الأبيات الثلاثة منصوب. وعند أبي ذرّ الخُشي في املائه على السيرة "أم ليس أسرتي". والصلت هو ابن النضر. والبيت في الخزانة (2: 381) وفي الأغاني الثانية (8: 29) أربعة أبيات.

ص: 319

فعلتَ كقوله {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيدِيكُمْ} ولو كان من الطاعة والمعصية لكان حق الكلام ما أصبت من حسنة وما أصبت من سيِّئة ومن هذا قوله (19: 83){أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ} الآية وقال (71: 1){إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ} وقال (23: 44){ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى} وقال (37: 181){وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} [الصافات: 181] فليس لقائل أن يقول من أهل القبلة إن الشياطين دخلوا في هذا الإرسال. ولا أن قوله {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} كقوله {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} ولكن مجاز قوله {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ} أي خَلَّينا بينهم وبينهم كقول القائل: أرسلت حمارك على زرعي، أي لم تَحْبِسْه فسمى التخلية بالإِرسال كقوله (1):

فأرسلها العِراكَ ولم [يَذُدْها]

ولم يَشْفِقْ على نَغَص الدِخالِ (2)

هذا لم يرسل الحمير لتعتركَ ولكنّه لم يحبِسها. وكذلك قولهم: أرسلتَ الأمرَ من يديك إنما هو لم تلزمه. وأما قوله تعالى (51: 56){وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلا لِيَعْبُدُونِ} [وقوله](3: 178){إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا} مجازه مصيرهم إلى ذا كقوله (28: 8){فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} وهم لا يلتقطون مقدِّرين فيه أن يُعاديهِم ويحزِنهم ولكن تعدس (كذا)(3) فالتقطه آل فرعون فكان مصيره إلى عدوانهم وحزَنَهم ومثله:

ودُوْرُنا لَخراب الدهر نَبْنِيها

أي إلى هذا تصير. ومثل قول ابن الزِبَعْرَى (4):

لا يُبْعِدُ الله ربُّ العبا

د والمِلْحُ ما ولدت خالده

(1) هو لبيد بن ربيعة انظر ديوانه صنع الطوسي 121 والخزانة 1: 525.

(2)

أرسل العير أُتُنَه تعدو إلى الماء دفعة مزدحمة ولم يشفق عليها أن تتنغَّصَ عند الشرب ولم يذدها مخافة الصيّاد أي أنه ليس بِتْرعية. ويروي فأوردها. وهو من أبيات الكتاب 1: 187.

(3)

هذه الكلمة مشكوكة في الأصل، ولعلها "تقديره".

(4)

الأبيات نقلها السيوطي في شرح شواهد المغني عن هذا الكتاب 195 كما هنا سواء ولكن المبرد أنشد الأول في كامله (لبسيك 284 التقدم 1: 239) من غير عزو إلى أحد بعينه. وفي مقطعات المراثي عن ثعلب عن ابن الأعرابي ص 106 أنها للحارث بن عمرو الفَزاري يرثي بني خالدة كردما وأخوته وهم بنو سعد بن حرام وفي الخزانة 4: 164 عن نوادر ابن الأعرابي أنها لنُهيكة بن الحارث المازني مازن فزارة وهذا عجب من الاختلاف وفي الفاخر 9 أنها لشُتَيم بن خويلد الفزاري وفي الروض 2: 306 من غير عزو. والملحُ في البيت مرفوع وهو الرضاع.

ص: 320

همُ يطعُنون صدورَ الكمُا

ة والخيل تُطْرَد أو طارده

فإن يكن الموت أفناهم

فللموت ما تلد الوالدة (1)

أي إن هذا مصيرهم.

ومما جاء في القرآن على هيأتين في الاستفهام فوقع مع أحدهما التبيين ولم يقع على (كذا) الآخر على أن يخرج الاستفهام فيهما جميعًا مخرج التقرير والتعظيم قوله تعالى {وَمَا أَدْرَاكَ} {وَمَا يُدْرِيكَ} مما كان من قوله يدريك بغير مبيِّن ما هو في القرآن (2)، وأكثر ما جاء في قوله (101: 10) {وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ - ثم قال- نَارٌ حَامِيَةٌ} وقال (69: 17)(وما أدراك ما يوم الدين - ثم قال - يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيئًا} وقال (101: 3){وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ} الآية وقال (104: 5){وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ} {وَمَا أَدْرَاكَ (3)} الآية وقال (74: 27){وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ (27) لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ} ثم قال في الحاقة (69: 3){وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ} ولم يقع بعد ذلك تفسير ومجاز هذا عند أهل النظر حذف الخبر لعلم المخاطب يريد تعظيم الأمر كقولك: لو رأيت فلانًا وفي يده السيف. أي لرأيت بارعًا فاستغنى عن ذلك، ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسقى على المنبر فسقي فقال (4): يا أبا طالباهْ لو رأيتَ ابن أخيك إذ تقول:

وأبيضَ (5) يُسْتَسْقى الغمامُ بوجهه

(1) هذا المصراع يوجد في شعر عدّة من الشعراء كعَبيد بن الأبرص (القالي الثانية 3: 195) وراجع الخزانة.

(2)

المعنى واضح ولكن العبارة قلقة. يريد أن "ما يدريك" وقع في كلّ الأماكن في القرآن بدون الجواب كما أن "ما أدراك" يتبعه جواب إلا قليلًا.

(3)

بياض في الأصل وهاك سائر الآيات التي وقع فيها ما أدراك (77: 14)"وما أدراك ما يوم الفصل"(83: 9) وما أدواك ما سجّين (83: 19) وما أدراك ما عِلِّيُّونَ (86: 2) وما أدراك ما الطارق (90: 12) وما أدراك ما العقبة، (97: 2) {وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيلَةُ الْقَدْرِ} . وكل هذه المظانّ وقع فيها التفسير بعد ما أدراك.

(4)

الحديث رواه ابن هشام في السيرة بتغيير يسير بهامش الروض 1: 179 وطبعة ووستنفلد 177. وجواب لو (لَسَرَّه) مذكور هناك.

(5)

بالنصب عطفًا على سيّدًا المنصوب في البيت المتقدّم:

وما تركُ قوم لا أبا لك سيّدا

يحوط الذِمارَ غيرَ ذَرْب مُواكِل =

ص: 321

ولم يقل لرأيت ما يَسُرُّكَ. وفي القرآن (13: 30){وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى - ثم قال - بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} فخبره عند المفسّرين (لكان هذا القرآن) وكان جوابَ قولهم {ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ} وعلى حذف الخبر كقول (كذا) الراجز:

لو قد حداهن أبو الجُوْدِيِّ

برجز مُسْحَنِفْرِ الرويِّ (1)

مُسْتَوياتٍ كنوَىَ البَرْنِيِّ

وقال (2):

إن مَحَلًّا وإن مُرْتَحَلا

[وإنَّ في السَفْر إذ مَضَوْا مَهَلا]

يريد أن لنا فحذف لعلم السامع. وكل شيء جاء في القرآن {وَمَا يُدْرِيكَ} فغير مشروح خبره. فمن ذلك (33: 66){وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا} (80: 3){وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى} . وأما قوله (31: 34){وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ} فليس من هذا لأن "ما" ها هنا نافية وما قبله كان استفهامًا.

وفي القرآن مختصرات فإن مجاز كلام للعرب يحذف كثيرًا من الكلام إذا كان فيما يَبْقَى دليل على ما يُلْقى فمن ذلك (12: 82){وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ [........] وَالْعِيرَ} لمّا كانت القرية والعير لا يُسألان ولا يجيبان عُلم أن المطلوب غيرهما. ولا يجوز على هذا جاء زيد وأنت تريد غلام زيد لأن المجيء يكون له (3) ولا دليل في مثل هذا على المحذوف. ومثل الأول قوله (2: 172){وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} أي ولكن البارَّ (4) من آمن بالله لأن البِّر لا يكون البار. نظيره للنابغة:

وقد خفتُ حتى ما تزيد مخافتي

على وَعلِ في ذي الفَقارة عاقل (5)

= وتمام البيت: ثِمال اليتامي عصمةً للأرامل

انظر السيرة بهامش الروض 1: 177 وطبعة ووستنفلد 174 والخزانة 1: 257 وقد سردا الكلمة بطولها.

(1)

الرجز يوجد في الضرائر 203 من غير عزو. وفي الخزانة: (1713) معزوًّا إلى أبي الجودي الراجز.

(2)

الأعشى من قصيدة معروفة توجد في الأغاني الثانية 8: 82 وشرح شواهد المغني. وانظر البيت في الصاحبي 102 والكتاب 1: 284.

(3)

يريد أن المجيء يكون للغلام كما أنه يكون لمولاه زيد.

(4)

كان في الأصل هنا البرير وفيما يتلوه البارّ. ولكن البرير لم أجده صفة.

(5)

يوجد في ديوانه مما أغفله الوزير البطليوسي وروايته في ذي المَطارة وفي نسخة في ذي المُطارة =

ص: 322

أي على مخافة وَعِل. وعلى قول النابغة الجعديّ:

وكَيفَ تواصُلُ من أصبحت

خِلالتُه كأبي مَرْحَب (1)

وقال آخر:

كأن عذيرهمْ بجُنوب سِلَّى

نَعامٌ قاف في بلد قِفار (2)

أي عذيرُ نعام (كان المبرَّد ينشد سَلَّى وسِلَّى بالفتح والكسر وهو موضع)(3).

ومن المختصر في القرآن قوله تعالى (2: 171){وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ} معناه أن الذين كفروا يتشبّهون بالمنعوق به وهي الشاء

= (بالضم) قال ياقوت هو جبل قال الأصمعي يقول قد خفت حتى ما تزيد مخافة الوعل على مخافتي فلم يمكنه فقلب وروايته من ذي مَطارة وعند البكري بذي المطارة قال ويروى بالفتح والضم. وقد رأيت لابن الأعرابي أنه يعني بذي المُطارة بضم الميم ناقته المطارة الفؤاد من النشاط ويعني بذي ما عليها من الرحل والأداة. يقول كأني على رحل هذه الناقة وعلٌ عاقل من الخوف والفرق. ورواه في رسم ذي الفقارة كما أثبته في المتن وقال أنه جبل، ثم أنشد البيت. ولكن ياقوت لم يذكر ذا الفقارة. وكان في الأصل في ذي القفارة بتقديم القاف مصحفًا.

(1)

الخلالة الخُلة وقبله:

أدوم على العهد ما دام لي

إذا كذبت خُلّة المِخْلَب

وبعض الأخلّاء عن البلا

ء والرزء أروغ من ثعلب

وكيف .. الخ.

فهذا صريح أن تواصل ها هنا مصدر وما أكثر من ضبطه على صيغة المخاطب. ويروي تصادق. انظر أمالي القالي الثانية 1: 192 وأمالي المرتضى 1: 144 والإنصاف 33 واللسان خل.

(2)

صحفه في اللسان (قوق) بغديرهم. والعذير الحار أراد عذير نعام في الفرار. والبيت ينسب للنابغة (أقول ولعله غير الذبياني فإني لم أجده في جميع نسخ ديوانه المعروفة). ونسبه أبو النَدَى لشقيق بن جَزء بن رَباح الباهلي. وقاق النعام صوّت من ق وق وانظر البيت في الكامل لبسيك 635 مصحفًا كما في اللسان وياقوت. ثم رأيته في اللسان على الصواب في (سلل) وهو يوجد في الإنصاف 33 وابن ولّاد مصر 56 ثم رأيت في الكتاب مصر 1: 109 أنه للجعديّ وكذا هو في شرح شواهد الأعلم.

(3)

هذا من زيادة راوي هذا الكتاب عن أبي العباس كما هو الظاهر. وقد وقع سلّى وسِلَّبْرَى أو سِلَّيِرَى في الكامل في عدّة مواضع 641 - 633 قال ياقوت هو بالكسر ماء لضبّة باليمامة وقال الأخفش الصغير فيما كتبه على الكامل 633: سَلّى وَسلَّيرَى بالفتح فيهما موضعان بالأهواز وسِلَّى بالكسر موضع بالبادية وهكذا ينشد هذا البيت: كأنه غديرهم (مصحفًا) البيت. أقول الذي يظهر من جمع ما عند الأخفش والبكري وياقوت وابن منهظور أنهما موضعان بالبادية والحاقول (الذي كان به وقعة المهلّب والأزارقة) وضبطهما مختلف فيه والعجب أن سُلّى يوجد عند ياقوت مضمومًا أيضًا.

ص: 323

وأنتم كمن ينعق بها، فتأويل الكلام مثل الذين كفروا ومثلكم (1) أو مثلكم ومثل الذين كفروا كمثل الناعق بما لا يسمع إلَّا دعاءً ونداءً فاختصر وحذف كقول النابغة الذيباني:

كأنك من جِمال بني أُقَيش

يقعقَع خلف رجليه بشَن (2)

فقال خلف رجليه ولم يذكر أوّلًا ما ترجع الهاء إليه ولكنه دلّ عليه بقوله [من جمال بني أُقيش] فكأنه قال كأنك جمل.

ومثله في الحذف والاختصار "ما من أيّام أحبّ إلى الله تعالى فيها الصوم من عشر ذي الحِجّة (3) " وما رأيت رجلًا أحسن في عينه الكحل منه [في عين زيد] وما رأيت رجلًا أحبّ إليه الشرّ منه إلى زيد. وقال الشاعر (4):

مررتُ على وادي السِباع ولا أرَى

كوادي السباع حين يُظلم واديًا

أقلَّ به ركبٌ أتَوْه تَئِيَّةً

وأخوَفَ إلَّا ما وَقَى الله ساريا

يريد أقلَّ ركب أتوه تئيةً منهم به ولكن اختصر وحذف.

ومما جاء في القرآن من المختصرات قوله تعالى (4: 159){وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ} أي أحد وكذلك (2: 234){وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ} والمعنى أزواجهم يتربصن بأنفسهن فهذا كثير منه قول الشاعر (5):

وما الدهر إلَّا تارتان فمنهما

أموت وأخرى ابتغى العيش أكْدَحُ (6)

(1) في الأصل تصحيف وهو زيادة "الذين كفروا" بين كلمتي (ومثلكم) و (أو مثلكم).

(2)

يوجد في طبعات ديوانه وفي غيرها وفي الكتاب 1: 375 قال: أي كأنك جمل من جمال بني أُقيش.

(3)

لفظ الحديث عند البخاري وأبي داود وأحمد وابن ماجه والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أيام العملُ الصالح فيها أحبّ إلى الله عز وجل من هذه الأيام يعني أيام العشر الحديث ولفظه عند أحمد عن ابن عمر رضي الله عنه ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحبّ إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر الحديث وعند الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة "ما من أيام أحب إلى الله تعالى أن يُتعبَّد له فيها من عشر ذي الحجة" الحديث وهو الأوفق ألفاظًا بما هنا.

(4)

سُحيم بن وَثيل الرِياحي الخزانة 3: 521 وأنشدهما ياقوت موهمًا أنهما للسفّاح بن بُكير. وهما في الكتاب 233: 1.

(5)

تميم بن أُبَيّ بن مقبل.

(6)

البيت من شواهد الكتاب 1: 376 والخزانة 2: 309 أي فمنهما تارة أموت فيها الخ وورد في اللآليء =

ص: 324

ومن كلامهم: ما منهما مات حتى رأيتُه.

ومما في القرآن مما يجيء مثله في كلام العرب من التحويل كقوله (28: 76){وَآتَينَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ} وإنما العُصبة تنوء بالمفاتح، ومن كلام العرب: إن فلانة لتنوء بها عجيزتها. ويقولون: أدخلت القَلَنْسُوَة في رأسي، وأدخلت الخُفَّ في رِجلي. وإنما يكون مثل هذا فيما لا يكون فيه لَبْس ولا إشكال و [لا وَ] هْمٌ. ولا يجوز ضربت زيدًا وأنت تريد غلام زيد (1) على حكم قوله تعالى {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} ومثل قوله تعالى {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ} من كلام العرب قول الأخطل:

أمّا كُلَيبُ بن يربوع فليس لها

عند التفاخر إيراد ولا صَدَرُ

مخلّفون ويقضي الناسُ أمرَهُم

وهم بغيب وفي عمياء ما شعروا

مثلَ القنافذ هدّاجون قد بَلَغتْ

نجرانَ أو بَلَغَتْ سَوْآتِهم هَجَرُ

كذا رواه أبو عبيدة (2) وغيره ممن أخذنا عنه.

تمّ الكتاب، بعون الملك الوهاب

نسخه العاجز عبد العزيز الميمني

من خزانة بانكي بور (بتنه) في المحرَّم سنة 1346 هـ

خاتمة

الحمد لله رب العالمين

وبعد فإن هذه الرسالة الطريفة للإمام أبي العباس المبرَّد قد عُني بتصحيحها وضبطها وشرحها العلّامة المحقق الأستاذ الشيخ عبد العزيز الميمني أستاذ الآداب

= ص 191 (ونسب في ص 51 منه إلى العجير السلولي) وغير البيت عند العيني (2: 85).

(1)

مرّ له هذا المنع فيما تقدّم في صفحة 322.

(2)

يريد ما يروى من حُدّثتْ وبُلّغتْ مجهولًا مشددًا كما في الديوان رواية ابن الأعرابي ص 109 و 110 وفيه عند التفارط وهو التقدم في طلب الماء وفيه بين البيتين الثاني والثالث يتخلل ثلاثة أبيات أخرى. ثم قوله علي العِيارات هذاجون: البيت. قال العيارات جمع عير وهو الحمار والهدج السير الضعيف وهَجَرُ أي أهل هجر. ويوجد البيت في الخزانة 4: 58 واللسان 7: 48 والتاج 3: 336 والجوهري 1: 402 والكامل 209 والمخصص 8: 94 والمغني وشرح شواهده 328 وأمالي المرتضى 2: 116 برواية على العيارات الخ وقوله هداجون يشير به إلى أنهم يتلصّصون.

ص: 325

العربية في الجامعة الإِسلامية بمدينة عليكَره (الهند)، وقد عثر عليها في خزانة كتب المرحوم خُدَابَخش خان التي أسسها في بانكي بور وكانت تتلو رسالة (أبواب مختارة من كتاب أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الأصبهاني) التي طبعناها في مطبعتنا بتحقيق هذا الأستاذ الجليل، وكلاهما بخطّ واحد رديئ كثير الخطأ والتصحيف، فردَّهما الأستاذ ببصيرته وتنقيبه إلى ما يقرب من الصواب إن شاء الله.

وكتاب (ما اتفق لفظه واختلف معناه) سماه بهذا الاسم أيضًا ياقوت في معجم الأدباء، والسيوطي في بغية الوعاة 116 والحاج خليفة. وسماه ابن النديم في الفهرست 59 (ما اتفقت ألفاظه واختلفت معانيه). وكان السيوطي قد وقف على هذا الكتاب ونقل عنه في شرح شواهد المغني ص 195 قول ابن الزبعرى:

لا يبعد الله رب العباد

والملحُ ما ولدت خالدة

الثلاثة الأبيات وهي موجودة هنا (ص 27).

ونقل أبو حيّان في البحر، وصاحب فتح البيان في تفسير "إن نظنّ إلَّا ظنا" في الجاثية قولَ المبرَّد في إعراب الآية، وهو موجود هنا أيضًا (ص 9 - 10).

ولا شك أن رسالة المبرد هذه ورسالة (أبواب مختارة) من نوادر المصنفات القديمة، ولعلهما مما تفردت به خزانة بانكي بور، والمظنون أن نسخة الأصلين كتبت بين القرن السادس والسابع للهجرة وهما مما كان باعه الشيخ أمين الحلواني المدني في الهند، والحلواني هو الذي طبع لزوميات المعري للمرة الأولى وهو مؤلف (تاج الطبقات) في تراجم العلماء إلى القرن الثالث عشر ومنه نسخة بخطه في خزانة بانكي بور.

فجزى الله الأستاذ الميمني أحسن الجزاء على عنايته بالأداب العربية وقيامه على خدمتها قيامًا قصّر عن شأوه فيه الناطقون بالضاد.

محب الدين الخطيب

ص: 326