الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أسْر المازيار]
وفيها أُسٍر المازيار، وقُدِم به إلى بين يدي المعتصم [1] .
[ذِكر الرجلين العاريين عن اللحم]
وعن هارون بن عيسى بن المنصور قال: شهدت دار المعتصم وقد أُتيَ بالأفشين، والمازيار، وبمُوبَذ مُوبِذان أحد ملوك السُّغد، وبالمَرْزُبان، وأحضروا رجلين فعُرّيا، فإذا أجنابُهما عارية عن اللّحْم.
فقال الوزير ابن الزّيّات: يا حيدر، تعرف الرجلين؟
قال: نعم. هذا مؤّذنٌ، وهذا إمامٌ بَنَيا مسجدًا بأشروسنة، فضربتُ كلّ واحدٍ منهما ألفَ سَوْط.
قَالَ: وَلَم؟
قال: [إنّ] بيني وبين ملوك السُّغْد عهدًا، أنْ أترك كلّ قومٍ على دينهم، فوثب هذان على بيتٍ فيه أصنامُ أهلِ أشْرُوسَنَة، فأخرجا الأصنام واتّخذاه مسجِدًا، فضربتهما على تَعَدِّيهما [2] .
[ذكر الحوار بين ابن الزّيّات وحيدر والأفشين والمازيار]
فقال ابن الزّيّات: فما كتابٌ عندك قد زينته بالذهب والجوهر، وجعلته في الدّيباج، فيه الكُفْر باللَّه؟
قال: كتابٌ ورِثْتُه عن أبي، فيه آدابٌ وحِكَم من آداب الأكاسرة، فآخُذُ منه الأدب، وأدفع ما سواه، مثل كتاب «كليلة ودِمْنة» ، وما ظننتُ أنّ هذا يُخْرجني عن الإسلام.
فقال ابن الزّيّات للموْبِذ: ما تقول؟.
فقال: إنْ كان هذا يأكل المخنوقة، ويحملني على أكلها، ويزعم أنّ
[1] تجارب الأمم 6/ 515.
[2]
العيون والحدائق 3/ 405، 406، تجارب الأمم 6/ 520.
لحمها أرطب لحما من المذبوحة. وقال لي: إنّي قد دخلت لهؤلاء القوم في كلّ ما أكره، حَتّى أكلت الزيت، وركبت الجمل، ولبست النعل، غير أنّي إلى هذا العام [1] لم أسقط عني شعرًا، يعني عانته، ولم أختَتِن [2] .
وكان المُوبِذ مجوسيًّا، ثمّ بعد هذا أسلم على يد المتوكّل.
فقال الأفشين: خبّروني عن هذا المتكلّم، أَثِقَةً هو في دينه؟
قالوا: لا.
قال: فما معنى قُبُولكم شهادته؟
فتقدّم المرزبان وقال: يا أفشين كيف تكتب إليك أهل مملكتك؟
قال: كما كانوا يكتبون إلى أبي وجَدّي.
قال ابن الزّيّات: فكيف كانوا يكتبون؟
قال: كانوا يكتبون إليه بالفارسيّة ما تفسيره بالعربيّة: إلى الإله من عبده.
قال: كذا هو؟
قال: نعم.
قال: فما أبقيت لِفرْعَوْن؟ [3] قال: خفت أن يفسدوا عليّ بتغيير ما يعهدونه.
فقال له إسحاق بن إبراهيم الأمير: كيف تحلف لنا باللَّه فنصدّقك، وأنت تدّعي ما ادّعى فِرْعَون.
فقال: يا إسحاق، هذه سورة قرأها عُجَيْف على عليّ بن هشام، وأنت تقرءوها عليّ، فانظر غدًا من يقرأها عليك.
ثمّ تقدّم مازيار، فقالوا له: تعرف هذا؟
قال: نعم.
قالوا: هل كاتبته؟
[1] في تاريخ الطبري 9/ 108 «إلى هذه الغاية» ، وكذلك في: العيون والحدائق 3/ 406، وتجارب الأمم 6/ 521.
[2]
الخبر بكاملة في تاريخ الطبري 9/ 107، 108، والعيون والحدائق 3/ 405، 406، والكامل في التاريخ 6/ 513، تجارب الأمم 6/ 521، تاريخ مختصر الدول لابن العبري 140.
[3]
إلى هنا في: العيون والحدائق 3/ 406.
قال: لا؟
فقالوا للمازيار: هل كتب إليك؟
قال: كتب إليّ أخوه على لسانه أنّه لم يكن يَنْصر هذا الدّين الأبيض غيري وغيرك وغير بابَك. فأمّا بابَك فإنّه بحُمقه قتل نفسه، فانْ خالفتَ لم يكن للخليفة من يؤمر بقتالك، غيري، ومعي الفُرسان وأهل النجدة والبأس. فإن وُجّهت إليك لم يبق أحد يحاربنا إلّا ثلاثة: العرب، والمغاربة، والأتراك. فأمّا العربيّ فبمنزلة الكلب، أطرح له كِسْرة، ثمّ اضرب رأسه بالدّبُّوس. وهؤلاء الذّئاب [1] ، يعني المغاربة، فإنّهم أَكَلَة رأس، وأمّا التُّرْك، فإنّما هي ساعةٌ حَتّى تَنْفَدَ سهامُهُم، ثمّ تَجُول عليهم الخيلُ جَولَةً، فتأتي على أخرهم، ويعود الدّين إلى ما لم يزل عليه أيّام العجم.
فقال الأفشين: هذا يدَّعي على أخي [2] ، ولو كنت كتبت بهذا إليه لأستميله كان غير مستنكَر، لأنّي إذا نصرت أمير المؤمنين بيدي، كنتُ أن أنصره بالحيلة أحرى لآخذ برقبة ذا.
فزجره أحمد بن أبي دُؤَاد وقال: أَمُطَهَّرٌ أنت؟
قال: لا.
قال: ما منعك من ذلك؟
قال: خفت التَّلَف [3] .
قال: أنت تلقى الحروب وتخاف من قطع قَلْفَة.
قال: تلك ضرورة أصبر عليها، وأمّا القلْفَة فلا، ولا أخرُج بها من الإسلام.
فقال أحمد: قد بان لكم أمره.
قال: فردّ إلى الحبس [4] .
[1] في تاريخ الطبري 9/ 109 «الذباب» ، وكذلك في تجارب الأمم 6/ 522.
[2]
في تاريخ الطبري «على أخيه وأخي» .
[3]
قال المقدسي إن الأفشين وجد بقلفته لم يختن. (البدء والتاريخ 6/ 119) .
[4]
الخبر بطوله في تاريخ الطبري 9/ 108- 110، والكامل في التاريخ 6/ 510- 516، وتجارب