المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌سادسا: الجرح المردود - تحرير تقريب التهذيب - جـ ١

[بشار عواد معروف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الناشر

- ‌مقدمة التحقيق

- ‌أولًا: النقد الحديثي بين المتقدمين والمتأخرين

- ‌ثانيًا: قواعد المصطلح والحكم على الرواة اجتهادية:

- ‌ثالثًا: رواية العدول الثقات هل تعد توثيقًا للمروي عنه

- ‌رابعًا: هل مجرد تخريج البخاري ومسلم في "صحيحيهما" حديثَ أي راوٍ توثيقٌ منهما له

- ‌خامسًا: ابن حبان والجرح والتعديل:

- ‌سادسًا: الجرح المردود

- ‌سابعًا: اختلاف مدلولات الألفاظ عند أهل الجرح والتعديل:

- ‌عملنا في الكتاب:

- ‌مقدمة المصنف

- ‌حرف الألف

- ‌ذكر من اسمُهُ أحمد

- ‌ذكر بقية حرف الألف إلى إبراهيم

- ‌ذكر مَن اسمه إبراهيم

- ‌ذكر من أسمه أُبَيّ إلى من اسمه إسحاق

- ‌ذكر مَن اسمه إسحاق إلى أَسَد

- ‌ذكرُ مَن اسمه أَسَد إلى آخر مَن اسمه إِسماعيل

- ‌ذكر مَن اسمه أَسْمَر وأسْوَد

- ‌ذكرُ مَن اسمه أَسِيد - بفتح الهمزة

- ‌ذكرُ مَن اسمه أُسَيْد - بالضم

- ‌ذكرُ من اسمه أشْتر إلى آخر حرف الألف

- ‌حرف الباء

- ‌ذكُر مَن اسمه بُسْر - بضم أوله ثم مهملة ساكنة

- ‌ذكرُ من اسمه بِشْر - بكسر أوله وسكون المعجمة

- ‌ذكرُ مَن اسمه بَشير بفتح أوله وكسر المعجمة، بعدها تحتانية ثم راء

- ‌ذكرُ من اسمه بكر - مُكَبَّر

- ‌ذكر من اسمه بُكير - مصغر

- ‌حرف التاء

- ‌حرف الثاء

- ‌حرف الجيم

- ‌(حرف الحاء)

- ‌ذكر من اسمه حَبّان - بالفتح ثمَّ موحدة

- ‌ذكر من اسمه حِبّان - بالكسر

- ‌ذكرُ مَن اسمه الحُسَيْن

- ‌ذكر بقية حرف الحاء

- ‌ذكر مَن اسمه حَكِيم - بفتح أوله

- ‌ذكر من اسمه حُكَيْم - بضم أوله - وهم أربعة

- ‌حرف الخاء

- ‌حرف الدال

- ‌حرف الذال

- ‌حرف الراء

- ‌ذكر مَن اسمُه رباحٌ - بفتح أوله وبالموحدة

- ‌حرف الزاي

الفصل: ‌سادسا: الجرح المردود

صدوقٌ حسن الحديث.

5 -

إذا صَرَّحَ ابن حبان بأنه مستقيم الحديث أو لفظة أخرى تَدُلُّ على التوثيق، فمعنى هذا أنه فتش حديثَه ووجده صحيحًا مستقيمًا موافقًا لأحاديثِ الثقات، فمثل هذا يُوَثَّقُ مَثَلُهُ مَثَلُ أيِّ توثيقٍ لواحد من الأئمة الكبار، لما لابن حبان من المنزلة الرفيعةِ في الجرح والتعديل.

6 -

أما تضعيفُه، فينبغي أن يُعَدَّ مع الجهابذة المُجوِّدين، لما بيَّنه في كتابه من الجرح المفسر.

وربما يعترض معترض علينا في عدمِ اعتبارِ ذكر ابن حبان لراوٍ تفرد عنه الواحدُ والاثنان في "الثقات"، فنقول: إن ابن حبان ذكر في "الثقات" كل من لم يُعْرَفْ بجرحٍ، وإن كان لا يعرفه، وهذا لا يَدُلُّ على توثيقٍ أصلًا، فقد قال في "الثقات" مثلًا:"سلمة، يروي عن ابن عمر، روى عنه سعيد بن سلمة. لا أدري من هو ولا ابنُ من هو"(1)! وقال في موضع آخر: "جميل، شيخ يروي عن أبي المليح بن أسامة، روى عنه عبد الله بن عون. لا أدري من هو ولا ابن من هو"(2)، وقال في ترجمة الحسن بن مسلم الهذلي:"يروي عن مكحول، روى عنه شعبة، إن لم يكن ابن عمران فلا أدري من هو"(3).

‌سادسًا: الجرح المردود

.

لقد تبين لنا من دراستنا لِكتب الرجال، وتَتَبُّعِنَا لأحوالِ الرواة أن جملةً

(1)"الثقات": 4/ 318.

(2)

"الثقات": 6/ 146.

(3)

"الثقات": 6/ 168، وانظر أيضًا 6/ 178.

ص: 34

من الرواة الثقات جُرِّحُوا لأسبابٍ لم يعتَد بها النقادُ الجهابذةُ الأُوَل، منها:

1 -

الجرحُ بسبب المخالفة في العقائد، وهو ما يُعرف عند أهل السنة بالبدعة غيرِ المُكفّرة، كالخوارج، والشيعة، والقدرية، والمرجئة، والجهمية، والمعتزلة، والواقفية، ونحوهم، قال الحافظ ابن حجر في "نزهة النظر شرح نخبة الفكر" (1):"والتحقيق أنه لا يُرَدُّ كلُّ مكَفَّر ببدعته، لأن كلَّ طائفة تدعي أن مخالفيها مبتدعةٌ: وقد تُبالغ فتكفِّرُ مخالفيها، فلو أُخِذ ذلك على الإِطلاق، لاستلزَمَ تكفير جميع الطوائف. فالمعتمدُ أن الذي ترد روايته: من أنكر أمرًا متواترًا من الشرع، معلومًا من الدين بالضرورة، وكذا من اعتقد عكسَهُ، فأما من لم يكن بهذه الصفة، وانضمَّ إلى ذلك ضبطُهُ لما يرويه مع ورعه وتقواه، فلا مانعَ من قبوله".

وقال في "هدي الساري": "وأما البدعةُ، فالموصوفُ بها إما أن يكونَ ممن يُكَفَّرُ بها أو يُفَسَّق، فالمكفَّر بها لا بد أن يكونَ ذلك التكفير متفقًا عليه من قواعد جميع الأئمة، كما في غلاة الروافض من دعوى بعضهم حلول الإلهية في علي أو غيره، أو الإيمان برجوعه إلى الدنيا قبل يوم القيامة أو غير ذلك

والمُفَسَّقُ بها كبدع الخوارج والروافض الذين لا يغلون ذلك الغلُوَّ، وغير هؤلاء من الطوائف المخالفين لأصولِ السنة خلافًا ظاهرًا، لكنه مستندٌ إلى تأويل ظَاهِرُه سائِغٌ.

فقد اختلف أهل السنة في قبول حديثِ مَنْ هذا سبيلُه إذا كان معروفًا بالتحرُّزِ من الكذب مشهورًا بالسلامة من خوارم المروءةِ، موصوفًا بالديانةِ والعِبادة، فقيل: يُقبل مطلقًا، وقيلَ: يُرَدُّ مطلقًا، والثالث: التفصيلُ بين

(1) ص: 52.

ص: 35

أن يكونَ داعية أو غير داعية، فَيُقْبَلُ غيرُ الداعية، ويردُّ حديثُ الداعية، وهذا المذهب هو الأعدلُ، وصارت إليه طوائفٌ من الأئمة، وادَّعى ابنُ حبان إجماعَ أهل النقل عليه، لكن في دعوى ذلك نظر.

ثم اختلف القائلون بهذا التفصيلِ، فبعضهم أطلقَ ذلك، وبعضهم زاده تفصيلًا، فقال: إن اشتملت رواية غير الداعية على ما يُشيِّد بدعته ويُزينه ويُحسنه ظاهرًا، فلا تُقبَلُ، وإن لم تشتمل فَتُقْبَلُ. وطَرَّد بعضُهم هذا التفصيلَ بعينه في عكسه في حقِّ الداعية فقال: إن اشتملت روايتُه على ما يَرُدُّ بدعته قبل، وإلا فلا. وعلى هذا إذا اشتملت روايةُ المبتدع، سواء كان داعيةً أم لم يكن على ما لا تَعَلُّقَ له ببدعته أصلًا هل تُرَدُّ مطلقًا أو تُقبل مطلقًا؟ مال أبو الفتح القشيريُّ إلى تفصيل آخر فيه، فقال: إن وافقه غيرُه، فلا يُلتفت إليه هو إخمادٌ لبدعته، وإطفاءٌ لناره، وإن لم يُوافقه أحد، ولم يوجد ذلك الحديث إلا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب، واشتهارِه بالدين، وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته، فينبغي أن تقدم مصلحةُ تحصيل ذلك الحديث، ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء بدعته، والله أعلم" (1).

أما المتقدمون، فوجدنا أكثرهم لا يَعْتَدُّ ببدعة الراوي إن كان صادقًا أمينًا، فقد أخرج الشيخان في "صحيحيهما" عن كثير ممن رُمِيَ بالبدعة، كالخوارج، والشيعة، والقدرية، ونحوهم، ومنهم من كان داعية لمذهبه (2).

(1)"هدي الساري": 385.

(2)

عقد الحافظ ابن حجر فصلًا في "هدي الساري" لمن رمي بالبدعة، وأخرج له البخاري أو البخاري ومسلم في "صحيحيهما" فراجعه، ففيه فوائد جمة، 459 - 460.

ص: 36

وكان كثيرٌ من جهابذة الجرح والتعديل يوثِّقُ الراوي مع ذكر بدعته إشارةً منه إلى أن بدعته تلك لا تُؤثِّرُ في وثاقته وصحة روايته، فقد سُئِلَ يحيى بن معين عن سعيد بن خُثَيم الكوفي، فقال: كوفيٌّ ليس به بأس، ثقة. فقيل ليحيى: شيعي؟ فقال: وشيعي ثقة، وقدري ثقة (1). وقال في الحارث بن حَصيرة الأزدي أبي النعمان الكوفي: خَشَبِيٌّ ثقة، وقال أبو داود: شيعي صدوق. والحارث هذا قال فيه ابن عدي: وهو أحدُ من يُعد من المحترقين بالكوفة في التشيع (2)! وكان عبَّادُ بن يعقوب الرواجني الكوفي شيعيًا جَلْدًا، ومع ذلك فقد كان ابنُ خزيمة يقول:"حدثنا الثقةُ في روايته، المتهمُ في دينه عبَّادُ بن يعقوب! "، ووثقه أبو حاتم الرازي، وقال الدارقطني: شيعي صدوق (3). وكان يعقوبُ هذا كما قال ابن عدي: فيه غلو في التشيع (4).

ومن الأمثلة القوية على عدم اعتبار السلف المتقدمين للعقائد في توثيق الرواة هو عبدُ الرحمن بن صالح الأزدي العتكي، فقد ذُكر عنه أنه كان يروي أحاديثَ سوء في مثالب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه، وهو شيعي محترق كما قال ابن عدي، ومع كل ذلك فقد قيل لأحمد: إنه رافضي، فقال أحمد: سُبحان الله، رَجُلٌ أحَبَّ قومًا من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم نقول له: لا تحبهم؟ هو ثقة. وقال ابن معين: ثقة صدوق شيعي، لأن يَخِرَّ من السماء أحبُّ إليه من أن يَكْذِبَ في نصف حرف. وقال

(1)"سؤالات ابن الجنيد": الورقة 41، و"تهذيب الكمال" 10/ 414.

(2)

انظر تفاصيل ذلك في "تهذيب الكمال": 5/ 224 - 226.

(3)

"تهذيب الكمال": 14/ 177 - 178.

(4)

وأخرج له البخاري في الصحيح مقرونًا بغيره.

ص: 37

موسى بن هارون: كان ثقة، وكان يُحدث بمثالب أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه (1).

فإذا كان الأمر هكذا في هذا الشيعي المحترق، الغالي في تشيعه، فما بالُك بمن رُمِيَ بشيءٍ يسيرٍ منه، كالأعمش، وعبد الرزاق، والحسن بن صالح بن حي وأضرابهم من ثقات المحدثين؟

ولا نَعْلَم في النقاد أكثرَ تشددًا من يحيى بن سعيد القطان، وهو يقول في ترجمة عباد بن منصور الناجي البصري الذي اتهم بالقدر:"عباد بن منصور ثقة، لا ينبغي أن يترك حديثه لرأي أخطأ فيه - يعني: القدر"(2).

وكان حريزُ بن عثمان الرحبي ناصبيًا محترقًا، وقال عمرو بن علي: كان ينتقص عليًّا وينالُ منه، وكان حافظًا لحديثه، وقال في موضع آخر: ثبتٌ شديد التحامل على علي، ووثقه جمهور الأئمة، وأخرج له الشيخان في "صحيحيهما"، وقال الذهبي في "الميزان":"كان متقنًا ثبتًا، لكنه مبتدع"، وقال في "الكاشف":"ثقة وهو ناصبي"، وقال في "الديوان":"ثقة لكنه ناصبي مبغض"(3).

2 -

ومِن ذلك تضعيفُ بعض الرواةِ لِدخولهم في عملِ السُّلطان، وهو أمرٌ غريب لا علاقةَ له البتةَ بحفظِ الراوي وإتقانه وضبطه وتحريه وورعِه ودينه، فانظر قولَ ابن حجر في ترجمة حميد بن هلال العدوي، وهو أحدُ العلماء الثقات المتفق عليهم:"توقف فيه ابنُ سيرين لِدخوله في عمل السلطان"(4)، فما الفائدةُ المرجوةُ مِن ذكر هذه العبارة في هذا

(1)"تهذيب الكمال": 17/ 180 - 182.

(2)

"الجرح والتعديل": 6/ الترجمة 438، و"تهذيب الكمال" 14/ 158.

(3)

"تهذيب الكمال": 5/ 568 - 579.

(4)

الترجمة 1563.

ص: 38

الكتاب المختصر المعتصر، وهو الذي يقول في موضع آخر عن مثل هذا التضعيفِ:"ولا أثر لذلك التضعيفِ مع الصدق والضبط"(1).

3 -

والأسوأ من كُلِّ هذا: التضعيفُ لموضع الرأي، كما رأينا ذلك في كثيرٍ من الرواة الكوفيين الثقاتِ من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله، مع أن كثيرًا ممن ضُعِّفَ لأجلِ هذا كانوا من ذوي الرأي السديد المُشيد على الكتاب والسُّنة، وقد سلكوا فيه طريقًا محمودًا كسائِرِ الأئمة المتبوعين، وَكانَ له الأثرُ الكبير في إغناءِ الفقه الإسلامي بتشريعات وافية، وحلولٍ عملية لما يستجِدُّ من الحوادث والقضايا.

4 -

ومنه كلامُ الأقران بعضهم في بعض، وهو غير مقبول إذا كان صادرًا عن عصبية مذهبية، أو منافسة دنيوية، ولا يوجب طعنًا على القائل ولا على المقول فيه، فلا يُسمع مثلًا قولُ ربيعة بن أبي عبد الرحمن في أبي الزناد عبدِ الله بن ذكوان، ولا كلام النسائي في أحمد بن صالح، ولا كلام الثوري في أبي حنيفة، ولا كلام ابن أبي ذئب في مالك.

5 -

ومنه أيضًا التضعيفُ بسبب الخطأ اليسير، كأن يُخطئ الثقةُ في حديثٍ، أو في بضعةِ أحاديث. ومعلوم عندَ العلماء أن إطلاقَ لفظ "ثقة" على راوٍ من الرواة يعني أن أكثر حديثه صحيح، ونادرًا ما يَقَعُ له الخطأ أو الوهم أو المخالفة. والثقات يقعُ لهم الوهم، بل لا يكاد يَنْفَكُّ منه عظماءُ المحدثين الثقات الأثبات كشُعبة والسفيانين، وغيرهم. ولذلكَ فإن إلصاقَ الوهم، أو الخطأ، أو الإغراب في الثقات أو الصادقين الذين يَنْدُرُ الخطأ عندهم فيه مجانبة للنهج الأعدل.

ويتعين التنبيهُ هنا، نتيجة لما ذكرنا، أن لا يُكتفى بدراسة الإسنادِ

(1)"هدي الساري": 385.

ص: 39