الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الميدان الحربي يبدو المنهج الحنفي واضحاً في تعامله مع المرأة، وتساهله في معاقبتها أو إقامة الحدود عليها. كل هذه الميادين - وغيرها - خاض الطرسوسي غمارها، وأبدى فيها ما رآه وسيلة للإصلاح. إلا أن استعراض كل هذه المواضيع ومناقشته أو مناقشة فقهائنا حولها يخرج بنا عن إطار التقديم للكتاب، إلى مجال التأليف والتصنيف. لذلك نكتفي بعرض موجز لأهم المهم منها فيما يلي:
العقيد ة
هذا الموضوع، تحدث عنه
الطرسوسي في ثلاثة مواضع:
انتقاداً لابن تيمية ومدرسته. انتقاداً للشافعي الذي يستثني في إيمانه. سداً لذريعة اختراق المجتمع الإسلامي من قبل غير المسلمين، الذين يدعون الدخول في الإسلام لأغراض عدائية، كما هو شأن الأقليات المغلوبة. وكل هذه القضايا مرجعها وتعلقها بعلم أصول الدين، الذي انقسم فيه المتكلمون فرقاً وطوائف، لاسيما بعد جيل الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وتوسع حركة الترجمة والاطلاع على فلسفات الفرس واليونان، واحتداد الصراع على السلطة، واتخاذ الخلافات العقدية، إيديولوجيا سياسيةً تساعد على الوصول إلى الحكم وتمهد له. ذلك أن عقيدة الأمة التي تركها الرسول (ص) بيضاء نقية ليلها كنهارها، كانت على نهج ربي عليه السلف الصالح صحابة وتابعين، تربية نبوية رشيدة واضحة المعالم. فالإيمان عندهم ثلاثة أركان: عقد بالقلب، أي التصديق، وبه يتساوى الطائعون والعصاة. الإقرار باللسان، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان. العمل بالأركان، وبه يتفاوت المؤمنون. وبه يزيد الإيمان وينقص، فيزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي. أما التوحيد الحق فهو إفراد الله عز وجل وحده بالعبادة لا شريك له، وله ثلاثة أركان: 1 توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن لا رب لجميع الخلق إلا الله تعالى، وأنه سبحانه الخالق الرازق المالك المدبر المحيي المميت، وحده لا شريك له.. 2 توحيد الألوهية، وهو إفراد الله عز وجل بجميع أنواع العبادة التي أمر بها، دعاء وخوفا ورجاء وتوكلا ورهبة ورغبة وخشوعا وخشية، وإنابة واستعانة واستغاثة ونسكا ونذرا، قال تعالى (وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا) الجن 18. 3 توحيد الأسماء والصفات، وهو الإيمان بأن الله تعالى ليس كمثله شئ، وأنه لا يوصف إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه صلى الله عليه وسلم، وطريق معرفة ذلك الوحي قرآنا وسنة صحيحة. ونهجهم في توحيد الصفات أن يسردوا العقائد للأمة سرداً، مع ذكر أدلتها من الكتاب والسنة. دون أن يغوصوا في تأويلها أو تشبيهها، أو ينزلقوا إلى مختلف التصورات الضالة التي سقطت فيها مختلف الفرق. فعقيدتهم بذلك حق بين باطل المشبهة والمجسمة والحشوية، وبين باطل المعطلة الذين يعتبرون تصرفات الله تعالى غير حقيقية بغلو من التأويل الضال. على هذا النهج كان الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد. ولئن حاول بعض المتأخرين نسبة أبي حنيفة إلى المرجئة لقوله بأن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان، ظناً منهم أنه يؤخر العمل على الإيمان، فإن ذلك منهم شطحات هوى وتعصب ظالم. لأن الرجل - أبا حنيفة - قاد عصره إلى العمل بالكتاب والسنة، وسجن من أجل ذلك، فكيف يفتي بترك العمل الذي يقول به المرجئة. هذا هو نهج الإسلام في موضوع
العقيدة
. إلا أن مرض التصنيف الطائفي، والتفريق وانتحال الألقاب، جعل البعض يطلقون عليهم " أهل السنة " و " أهل السنة والجماعة "، و " السلفيين "، ويقبلون هم أيضا بهذه الألقاب ويطلقونها على أنفسهم. في حين أن الاسم الحقيقي في القرآن والسنة هو:" المسلمون ". قال تعالى:) إِنَّ اللهَ اِصْطَفَى لَكُمُ الدِّيْنَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (البقرة 132 وقال (ص) : " ادعوا المسلمين بأسمائهم، بما أسماهم الله عز وجل: المسلمين، المؤمنين، عباد الله عز وجل ". ثم بعد الغزو الفلسفي اليوناني والفارسي والهندي لأمة الإسلام، كثر الجدل والتمنطق والسفسطة في موضوع الأسماء والصفات وغيره من قضايا التوحيد. فاضطر بعض الفقهاء إلى مجاراة التيار وتوظيفه ضد نفسه، حفاظاً على العقيدة. بتأويل الصفات الموهمة بالتشبيه بضرب من المجاز المعنوي القريب. ولكن هذه الخطوة فتحت هوة عميقة يصعب ردمها، هي هوة التأويل المغالي المتأثر بالفلسفة والتفكير الاعتزالي المغرق في التعطيل. فكان رد الفعل العفوي، ظهور نزعة رفضت التأويل مطلقاً. ولم تلتزم بنهج الصحابة، فغالت في إثبات الصفات إلى حد إجرائها على ظاهرها، متأثرين بالتفكير اليهودي الذي يقول بالتشبيه الصرف. وأصحاب هذه النزعة هم طائفة المشبهة والمجسمة والحشوية. وقد حاول المماليك نسبة ابن تيمية إليهم لأسباب سياسية لا يتسع المقام لذكرها. هكذا انقسم تيار العقيدة إلى اتجاهين: اتجاه الصفاتية، وأولهم جيل الصحابة والتابعين وتابعي التابعين على النهج النبوي الرشيد. ثم من جاء بعدهم من الذين يثبتون الصفات ويشرحونها بضرب من المجاز القريب، ثم غلاة التجسيم والتشبيه، ثم الأشعرية الذين نهجوا نهج السنة، ولكنهم استعانوا في إثبات العقائد بعلم الكلام، والجبرية الذين لا يثبتون للعبد فعلاً ولا قدرة، أو يثبتون له قدرة غير مؤثرة.