الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- مسامرات الظريف بحسن التعريف لمحمد السنوسي 110 - 114.
- المؤنس 317.
- الحقيقة التاريخية للتصوف الإسلامي 303 - 304.
- المؤرخون التونسيون (بالفرنسية) 39 - 40.
* * *
51 - البلهوان (1326 - 1377 هـ)(1909 - 1958 م)
علي بن عبد العزيز بن علي البلهوان (1) الزعيم والمناضل السياسي والخطيب والكاتب الصحفي المفكر، شخصية من ألمع الشخصيات التونسية سياسيا وفكريا في العصر الحديث، ذات مواهب خصبة وجوانب متعددة.
كان خطيبا ساحرا يرتجل الخطب الطويلة باللغة الفصحى المبسطة التي لا تعلو عن أذهان الجماهير بدون أن يتلعثم أو يكرر المعاني بألفاظ مختلفة، في لهجة حماسية مؤثرة ونبرة قوية تمتلك القلوب. وهو كاتب مشرق الأسلوب، قوي البيان لا يميل إلى الاستطراد، منتظم التفكير وهو محاضر بارع يتحدث في المشاكل الفلسفية، يشد إليه الانتباه بغزارة معارفه وسعة اطلاعه ولا يغفل عن التلميح إلى مظالم الاستعمار ومساوئه وصمود الحركة الوطنية في نضالها، ودأبها في فضح ألاعيبه ودسائسه، وهو في خطبه صاحب شجاعة أدبية لا يرهب ولا يستخذي بل يرسل كلماته مجلجلة مدوية، غير هياب ولا وجل ولو في الظروف العصيبة الحرجة.
ولد بتونس في 13 أفريل وتلقّى تعليمه في الكتاب حيث حفظ القرآن وأخذ مبادئ الكتابة وفي سنة 1334/ 1917 التحق بمدرسة خير الدين الابتدائية ومكث بها سبع سنوات خرج منها على أثرها محرزا على الشهادة الابتدائية، ثم دخل المدرسة الصادقية في أكتوبر 1924 ولبث بها سبع سنوات إلى أن خرج محرزا على شهادة الديبلوم في عام 1350/ 1931 ثم سافر إلى باريس لمواصلة دراسته فالتحق بكلية الآداب بجامعة السربون وتابع دراسة الآداب العربية والفلسفية بداية من سنة 1932 وتخرّج منها محرزا على الإجازة وفي مدة إقامته بباريس كان نشاطه موزعا بين الإقبال على الدراسة والنشاط السياسي، فقد انخرط في منظمة نجم الشمال الأفريقي، وقدّم لها خدمات جلّى، وعمل في جمعية طلبة شمال أفريقيا ومعنى هذا أنه كان منذ تلك الفترة مؤمنا بوحدة أقطار المغرب العربي، وأن لها مصيرا واحدا رغما عن سياسة الاستعمار في تجزئتها وأمله في البقاء في هذه الأقطار.
(1) ينحدر من أسرة تركية الأصل، والبلهوان كلمة تركية معناها المصارع.
وبعد تخرجه رجع إلى مسقط رأسه، وعيّن أستاذا بالمدرسة الصادقية في سنة 1935 فبث روحا جديدة في تلاميذه قوامها الفكرة الوطنية الصادقة، والاعتزاز بالشخصية القومية، ومقاومة مكائد الاستعمار ودسائسه.
وخشي الاستعمار من سريان هذه الروح الجديدة في أوساط الطلبة، فسلط عليهم العقوبات الصارمة ومنها الطرد النهائي، ورأى الاستعمار في هذا الأستاذ الجديد خطرا على سياسته فأقصاه الكاتب العام للحكومة كاترون عن وظيفته في 15 مارس! ) 1938 بدعوى أنه قام بجولات دعائية لفائدة الحركة الوطنية، فما استخذى ولا استسلم، ووالى نشاطه في الحزب الحر الدستوري الجديد.
وكان لقرار الفصل رد فعل في كل الأوساط الشعبية فأضرب طلبة الصادقية وجامع الزيتونة وطلبة المدارس الأخرى، وتأسست في تونس «لجنة الاتحاد الزيتوني المدرسي» للعمل على تنسيق نضال الطلبة إلى جانب الحزب، وعقدت اجتماعها الأول بنادي الحزب في اليوم الثاني من أفريل 1938 وحضره زهاء ثلاثة آلاف طالب.
وشارك المترجم له في مؤتمر الحزب المنعقد في 30 أكتوبر - 2 نوفمبر 1937 وكان انضمامه إلى الحركة الدستورية عام 1936.
وكان انعقاد هذا المؤتمر من أجل تغيير الحكومة الفرنسية (الجبهة الشعبية) التي وعدت بإدخال إصلاحات جوهرية على أجهزة الحكم بتونس، ورأى الاستعماريون الفرنسيون بتونس أن هذا الوعد لا يتفق مع مصالحهم فسعوا إلى نشر الفوضى والاضطراب، فأطلق البوليس النار على العملة المضربين في المتلوي في 8 مارس 1937 فأردى منهم 19 قتيلا وجرح الكثير منهم ونتيجة لذلك غيّرت الحكومة الفرنسية سياستها وعدلت عن تنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها.
وقرّر الاستعمار الفرنسي مصادمة الحركة الوطنية وإلقاء القبض على رجالها، وفي هذا الجو من الفزع والرعب وقعت مظاهرة شعبية أمام القصر الملكي بحمام الأنف في 7 أفريل 1938 وهتف المتظاهرون بحياة تونس واستقلالها.
وقاد المترجم له مظاهرة كبرى سارت من ساحة الحلفاوين والتقت في باب البحر بالمظاهرة الثانية التي قادها الزعيم المنجي سليم والتي انطلقت من معقل الزعيم، وكانت الجماهير تنادي ببلمان تونسي، وكانت ساحة الإقامة العامة (السفارة الفرنسية) مطوقة بالجيش والدبابات والسيارات المصفحة وفي هذا الجو المكهرب اعتلى المترجم له أكتاف الشبان والعلم التونسي يرفرف إلى جانبه وارتجل خطابا ثوريا حماسيا رائعا من أهم ما جاء فيه:«جئنا في هذا اليوم لإظهار قوانا أمام هذا العاجز (يقصد المقيم العام أرمان قيون) الذي لا يقدر أن يدبّر شئونه بنفسه ويتنازل عنها إلى «كاترون» (أي الكاتب العام للحكومة) ذلك الغادر الذي لا يزال يكيد للتونسيين، ويريد سحقهم في هذه البلاد لا قدّر الله».
ولم تكن هذه المظاهرة وذلك الخطاب الناري يمران بدون رد فعل عنيف من السلطة الاستعمارية، فألقت القبض على المترجم له في 9 أفريل وسرى الخبر في العاصمة سريان البرق وتجمع المتظاهرون أمام المحكمة الفرنسية للسؤال عن مصير هذا الزعيم الشجاع، وبادر البوليس إلى تفريق جموع المتظاهرين ضربا بالعصي وإطلاق الرصاص، كما خرج الجيش من ثكنة القصبة وجال في شوارع باب المنارة وباب البنات وباب السويقة وفي حركة جنونية ألقى القبض على المارة، وأطلق الرصاص فقتل 122 تونسيا وجرح أكثر من ستين، ودامت المعركة نحو ساعتين وزادت شراسة الاستعمار بعد قتل أحد الجندرمة وإحراق عربة ترمواي قرب باب سويقة، وقرر اعتقال قادة الحركة الوطنية بتهمة التآمر على أمن الدولة في فجر 10 أفريل.
وكان من بينهم المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة، والحبيب بوقطفة، والبحري قيقة، وصالح بن يوسف، والطاهر صفر، والمنجي سليم، والهادي شاكر.
وفي هذه الفترة سجن المترجم له بتونس ثم نقل إلى تبرسق، ثم نقل في عام 1941 إلى برج سان نيكولا في مرسيليا.
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية وانهزام فرنسا واحتلالها من قبل الجيوش الألمانية وإخضاع بقية ترابها للسيطرة الألمانية مما استثنته الهدنة في أول الأمر أطلق سراحه مع بقية رفاقه من المسجونين السياسيين في أفريل سنة 1943 وعاد إلى وطنه في 18 أفريل وكانت عودة هذا المناضل العنيد لا لينعم بالراحة بل ليواصل العمل فأشرف على إعادة تنظيم الحزب وإعادة تكوين إطاراته وتجديد هياكله وعقد الاجتماعات الدورية في المدن والقرى وألقى المحاضرات ذات الصبغة الفلسفية والأدبية على الطلبة في جمعية قدماء الصادقية والمدرسة الخلدونية، وفي السنة الدراسية 1945 - 1946 حضرت محاضراته في علم النفس وتاريخ الفلسفة الإسلامية في الخلدونية فأعجبت بحسن بيانه وغزارة اطلاعه وحيوية أسلوبه، وكانت لا تعن فرصة للحديث عن الحركة الوطنية إلا اهتبلها واستخلص العبرة واستنبط النتائج.
وفي أكتوبر 1948 انتخب عضوا في الديوان السياسي على أثر انعقاد المؤتمر المعروف بمؤتمر دار سليم وبعد انتخابه بذل نشاطا سياسيا كبيرا قصد بعث الوعي القومي وتنظيم الحركة الوطنية وكتب في الصحف المنتمية إلى الحزب ولم تنم عين الاستعمار عن نشاطه فمنعه من إلقاء محاضرة تحت إشراف جمعية الاتحاد الصفاقسي الزيتوني بتونس.
وبعد سنوات قليلة ازداد تصلب الاستعمار وتعنته وقرر الحزب إرساله إلى المشرق العربي يوم 14 سبتمبر 1951 للتعريف بالقضية التونسية وبجهاد الحزب ونشاطه فتوجه إلى القاهرة واتصل فيها بالجامعة العربية، وبيّن لدى مسئوليها موقف تونس من فرنسا، وكتب في الصحف وعقد الندوات والمحاضرات، وتكلم في الإذاعات باسطا للقضية التونسية ولسياسة فرنسا الاستعمارية، ثم سافر إلى العراق سنة 1952 أثناء قيام الثورة في تونس ولبث فيه أكثر من عام، وقام بنشاط كبير على غرار ما قام به في مصر، وعيّن أستاذا محاضرا في جامعة بغداد.