الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- معجم المؤلفين 5/ 239.
- الحلل السندسية 1/ 665 (دار الغرب الإسلامي، بيروت 1984
* * *
42 - بسيّس (1332 - 1398 هـ)(1914 - 1978 م)
محمد الصادق ابن الحاج محمود بن محمد بسيّس الشريف النسب، أصل سلفه من بني خيار، مولده بتونس في 15 ذي الحجة سنة 1332/ 2 نوفمبر 1914 ونشأته بها.
الكاتب الأديب المفكر، من أعلام الثقافة الإسلامية، تلقّى تعليمه بجامع الزيتونة والمدرسة الخلدونية، وأحرز على شهادة العالمية من جامع الزيتونة، ثم أحرز على خطة التدريس وباشرها بالفروع الزيتونية بالعاصمة وفي حدود عام 1962 انتقل إلى التدريس بكلية الشريعة وأصول الدين.
وانتسب إلى الحزب الحر الدستوري الجديد في مطلع شبابه وعرف بنشاطه في خدمته وخطبه في اجتماعاته فألقي القبض عليه بعد حوادث 9 أفريل 1938 وأودع السجن. وكان معروفا بالدفاع المتحمس عن قضية فلسطين منذ شبابه الباكر، كاتبا وخطيبا حتى عرف بالشيخ الفلسطيني، ولما تعكر الجو بين الحزب والشيخ الفاضل ابن عاشور على عهد الأستاذ صالح بن يوسف وفي غيبة زعيم الحزب ورئيسه الحبيب بورفيبة المجاهد الأكبر بالشرق، ألقى الشيخ الفاضل بن عاشور محاضرة عنوانها «فلسطين الوطن القومي للعرب» طبعت في رسالة صغيرة، وذلك باسم معهد البحوث الإسلامية على منبر الخلدونية بقاعة المطالعة، رأى الأستاذ صالح بن يوسف ألا ينفرد وحده بالتعريف بالقضية الفلسطينية، ونظّم اجتماعات لهذا الغرض بالمدن والقرى، وعرف فيها الخطباء بالقضية وباطل دعاوى اليهود الصهيونيين في كون فلسطين وطنا قوميا لهم، وكان المترجم له من جملة الخطباء المعينين للقيام بهذه المهمة، وكثر تخلفه عن دروسه فاستدعاه شيخ الجامع - إذ ذاك - الشيخ الطاهر ابن عاشور ولامه على هذا التخلف وما فيه من إخلال بالواجب، وإن التعريف بقضية فلسطين لا يكون مبررا كافيا لمثل هذا الإخلال ومن جملة ما قال له:«قضية فلسطين انزبشوايها (1)» هكذا سمعت منه رحمة رحمه الله.
والرجل شعلة من الذكاء، دائب على المطالعة المتنوعة فهو يطالع الكتب الخاصة
(1) أي نصير يوزباشية جمع يوزباشية وهي كلمة تركية لرتبة عسكرية تقابل قبطان والضباط في الجيش كانت لهم في العصر التركي بتونس مكانة هي مطمح الأنظار.
بالمخترعات والمكتشفات الحديثة، وكتب المذاهب الفلسفية والسياسية، ويقول مبررا لهذا:
أريد أن أفهم العالم الذي أعيش فيه، أريد فهمه ماديا وفكريا. وهو ذو نشاط دائب متواصل، فقد كتب في الصحف التونسية منذ سنة 1930 في الشئون الاجتماعية والثقافية، وتراجم رجال معاصرين من تونس ومن الشرق ومنها «رشيد رضا الرجل الذي لا يعوّض» المنشورة بجريدة «الزهرة» سنة 1935 وكان بعض أصدقائه يتندر عليه من أجل هذا العنوان والإفراط في تقدير الشيخ رشيد رضا، وكتب في القضايا الإسلامية وخاض معارك قلمية مع المنحرفين عن المنهج الإسلامي الذين حاولوا تسميم الأفكار وتشكيكها بالكتابة في الصحف، ومن أشهر هذه المعارك جداله الطويل مع الأستاذ محجوب بن ميلاد حول كتاب «من هنا نبدأ» المنشورة في أعداد متوالية من جريدة «الصباح» وتمتاز كتاباته بالأسلوب المشرق الجميل، والتفكير الواضح المنتظم، وقوة العارضة، والخيال اللطيف، وبعض من هذه الكتابات هو قطعة فنية لا يبليها طول الزمان.
وكان معجبا أيما إعجاب بتفكير الشيخ محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا ومتأثرا بهما، وهو لا يحتمل أن يوجّه إليهما أدنى نقد، وكنت ألمّح أحيانا في حديثي معه عما على الشيخ محمد عبده ومدرسته من مآخذ في المنهج والاتجاه الفكري - وإن كنت مقدّرا لهما - فينبري كالسيل مدافعا عنهما وهو يعرف جزئيات حياتهما جيدا، وكتاب تاريخ الأستاذ الإمام للشيخ رشيد رضا يستشهد به كثيرا ويلم بما فيه لأنه من الكتب المحببة لديه فطالعه مرارا.
وهو واسع الثقافة يريد بمطالعاته أن يطلع على كل شيء وبجدّه واجتهاده ألم إلماما واسعا بالحركات الفكرية والمذاهب السياسية والفلسفة المعاصرة زيادة عن اطلاعه الغزير على الثقافة العربية الإسلامية وخبرته الجيدة بالتاريخ التونسي، وتراجم رجاله في العصر الحديث وروايته لكثير من طرائفهم ونوادرهم، يروي الكثير منها عن شيخه وصديقه محمد العربي الكبّادي رحمه الله وهو شديد الإعجاب به كثير الحديث عنه والتقدير لمواهبه العلمية.
أول محاضرة سمعتها منه عن جمعية الإخوان المسلمين ألقاها على منبر معهد البحوث الإسلامية بقاعة المطالعة بالخلدونية وقدمه الشيخ الفاضل ابن عاشور وأثنى على مواهبه العلمية وأسلوبه في البحث والكتابة وذلك حوالى عام 1946.وللأخوان المسلمين إذ ذاك صدى غامض في الأوساط لا يتجاوز أنها مؤسسة إسلامية كبرى بمصر يرأسها الشيخ حسن البنّا، ومن خلال المحاضرة ارتسمت في أذهاننا صورة صحيحة عن هذه الجمعية وأسباب نشأتها وأغراضها وأهدافها ووسائلها في العمل وتنظيماتها وليس في ذلك التاريخ أية دراسة عن الأخوان المسلمين في شكل رسالة، وقد التقط معلوماته عن هذه الجمعية من خلال مطالعاته في الصحف والمجلات الشرقية فنسّقها وحللها وأخرجها في عرض جميل وثوب مشرق خلاّب.
وقد تعرفت به وأنا طالب بجامع الزيتونة، وكان لقاؤنا الأول بمنزل شيخنا الأستاذ محمد الشاذلي النيفر مدير كلية الشريعة وأصول الدين الآن، واستفدت من سعة اطلاعه وسداد
تفكيره واستمرت هذه الصداقة إلى وفاته فقد كاتبني قبل موته بنحو أربعة أشهر، وعلا هذه الصداقة غبار لم يتجاوز المرتين لاختلاف جزئي في التفكير والاتجاه لكنه سرعان ما ينقشع لصدق النوايا.
كنت وأنا تلميذ أتحادث معه في مختلف الشئون الأدبية والفكرية والسياسية، وكان يطرفني بالجديد الذي لا أعلم. تحادثت معه مرة عن الإمام فخر الدين الرازي فأفادني بأن له ترجمة في «الوافي بالوفيات» للصفدي وذكر لي أن منه أجزاء كثيرة مخطوطة في المكتبة العبدلية الزيتونية (نقلت كتبها المخطوطة إلى الجامعة التونسية في عهد وزير التربية القومية الأستاذ محمود المسعدي) وفي أول فرصة بادرت بالذهاب إلى المكتبة وطلبت جزءين من الكتاب وهو من المخطوطات النادرة التي لا تسلّم للتلامذة، وأشعرني بذلك الموزعون بالمكتبة، وكان المشرف عليها شيخنا محمد الوزير الذي كان موجودا بها في ذلك اليوم من حسن الحظ فقابلته وأبديت له رغبتي في مطالعة الكتاب، وبعد تردد لبى رغبتي مشكورا، وأعلمني بأن أطالعه في القاعة الخاصة بالمشايخ المدرّسين لئلا يشعر أحد من الطلاب بأني أطالع الكتاب، وقال لي:«إن القانون يمنع إعارة الكتاب لأمثالك» ولكن نظرا لما يعلم من صدقي واجتهادي يعيرني إياه مع التوصية بكامل الصيانة للكتاب لأنه نفيس جدا ونادر الوجود.
ويطول المقام عما استفدت منه خلال محادثاتنا، ومنه علمت أسماء هذه الكتب:«الدرر الكامنة» للحافظ ابن حجر، و «الضوء اللامع» للسخاوي، و «المدارك» للقاضي عياض، وقد طالعت بعض أجزاء من هذه الكتب وأنا في طور التلمذة.
وكان لا يبدي تعاليا في المناقشة وكثيرا ما يقول لي، أنت حرفي آرائك، إذا خالفته في بعض الآراء، وهذا الخلاف غالبا له صلة بالأدب الحديث كأدب جبران أو بالسياسة.
وكانت أحاديثنا لا تقتصر على ناحية معيّنة ففيها الأدب والتاريخ والسياسة والثقافة الإسلامية وكان لا يخفي بعض الأحداث والمضايقات التي لحقته في حياته اليومية يحكيها متألما وبرغم ذلك لا يحيد عن مبدئه ولا يلين لأنه كان في هذه الناحية صعب المراس، معتدّا بشخصيته متمسكا بمبادئه لا يساوم عليها ولا يقبل التنازل عنها ولو دميت قدماه ولم يجد الطريق أمامه مفروشا بالورد.
وفي مجال ما خاضه من معارك قلمية وعلى الخصوص مع الأستاذ محجوب بن ميلاد يقول لي: أنا رجل شريف في خصوماتي لا أتنازل إلى الإسفاف والفوه بما لا يليق أو ذكر كل ما أعلم عن الشخص.
وحكى لي أنه كان مغرما بالمطالعة وبالخصوص في كتب الحديث الشريف وتاريخ تونس قبل أن يلتحق بجامع الزيتونة وأتذكر أنه قال لي مرة أنه كان يلتحق بالشيخ الطاهر ابن عاشور عند مروره بالأنهج القريبة من جامع الزيتونة أو الديوان الشرعي ليسأله عن معنى حديث أو