الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
40 - برناز (1074 - 1138 هـ)(1664 - 1726 م)
أحمد بن مصطفى ابن الشيخ محمد بن مصطفى الشهير بقاره خوجة، المعروف ببرناز (1) من سلالة الأتراك المستقرين بتونس، الحنفي المذهب، الجوّال في الأقطار للقاء علماء عصره والأخذ عنهم، والمنكود في حظه ودنياه.
جدّه كان درويشا صحب جيش سنان باشا واستقرّ بعد الفتح التركي، وتولّى الإمامة بمقام الشيخ علي بن زياد.
وجدّه محمد، تعلّم على المفتي الحنفي بتونس أحمد الشريف، وبعد أن مارس حرفة الجندية ببنزرت عدة سنوات اتخذه الداي أحمد خوجة إماما له في المدرسة العنقية القريبة من داره ودرس بالمدرسة الشماعية التي أصبحت مدرسة حنفية كغيرها من المدارس، سعيا من الأتراك في نشر المذهب الحنفي، ومضايقة المذهب المالكي في مؤسساته، ومعاكسة أتباعه في مورد رزقهم.
وتولى لمدة قصيرة إمامة جامع يوسف داي، كما تولى الإمامة مدة من الزمن في الجامع الجديد الذي أنشأه جمودة باشا المرادي سنة 1066/ 1656 وتولى القضاء، وهو أول قاض حنفي بتونس من مواليد البلاد إذ أن السلطنة العثمانية بعد فتح البلاد كانت ترسل قاضيا تركيا يبقى في خطته ثلاث سنوات ثم يبدل بغيره، وفي عهد علي باشا الأول فوضت له السلطنة العثمانية اختيار القاضي الحنفي من أبناء البلاد. وكان فقيرا في بداية أمره وأصبح ثريا في آخر حياته وقدرت ثروته بعشرين ألف ريال، وملك مكتبة نفيسة قدرت بأربعة آلاف ريال. ويبدو أنه تمتع بثقة كاملة من الداي أحمد خوجة (1050 - 1057/ 1640 - 1647) ولعب دورا في تسمية أخلافه. وهذه الحظوة والقوة عرضتاه لحقد بعض أعضاء الجيش فقتلوه هو ابنه مصطفى في ولاية الداي مامي جمل في 8 صفر سنة 1084/ 25 ماي 1673 ونهب ما في داره من أثاث وكتب.
نشأ المترجم له في بيت علم، ولفح جدّه محمدا شواظ من ظلم الجند أودى بحياته.
حضر مجالس جدّه هذا في الحديث وهو صغير، وقرأ على كثير من علماء عصره كالمحدث الشيخ سعيد المحجوز وعلي الصوفي، ومصطفى بن عبد الكريم، وابراهيم الأندلسي، والمقرئ النحوي الكفيف إبراهيم الجمل الصفاقسي، والمفتي الحنفي محمد المحجوب ومحمد فتاتة، ثم رحل إلى مصر للقاء علماء الأزهر، فأخذ عن الشيخ محمد الخرشي قطعة من صحيح البخاري، وأخذ عن المشايخ: عبد الباقي الزرقاني، وابراهيم الشيرخيتي، ويحيى الشاوي الجزائري، والمقرئ أحمد البقري، وأحمد الشرفي الصفاقسي نزيل مصر، وعبد الحي
(1) لفظة تركية معناها كبير الأنف جريا على عادة الأتراك في نعتهم الشخص بشيء انفرد به (راجع تاريخ معالم التوحيد 103 - 104 تعليق 2).
الشرنبلالي، ثم رحل إلى مكة حاجا وأخذ بها عن الشيخ حسن بن مراد التونسي وعن الشيخ أحمد البشبيشي والشيخ أحمد القطان، والشيخ المرحومي وغيرهم.
وبعد أداء فريضة الحج مر بمصر وعاد إلى وطنه واستقر به مدة ثم خرج منه مغاضبا متوجها إلى القطر الجزائري فأخذ بعنابة عن الشيخ أحمد بن ساسي ومفتيها الشيخ الصديقي، وأخذ بقسنطينة عن مفتيها الشيخ بركات بن باديس شارح القصيدة الخزرجية في العروض، والشيخ علي الكمّاد، ثم ارتحل إلى مدينة الجزائر فأخذ عن المشايخ: رمضان بن مصطفى العنابي، وعلي بن خليل ومحمد بن سعيد قدورة (بالقاف المعقدة) وخاتمة تطوافه بالقطر الجزائري هي زواوة ببلاد القبائل وقرأ هناك على الشيخ محمد الفاسي، وأحمد بن عبد العظيم، وقرأ القرآن بالسبع على محمد بن صولة وقرأ على غيرهم.
وبعد هذه الجولة الواسعة عاد إلى تونس، وواصل التلقي على علماء عصره، فقرأ على الشيخ سعيد الشريف، والشيخ عبد القادر العيسي المطماطي وقرأ على الشيخ أحمد عزوز القرآن بالقراءات العشر من طريق الدرة لابن الجزري وبعد تخرجه سمي مدرّسا بالمدرسة الشماعية التي درس بها جدّه محمد من قبل، وعزل بعد مدة قليلة فاتخذه شيخه محمد المحجوب المفتي الحنفي معيدا أو معاونا له في دروسه بمدرسة يوسف داي، وفي الصلاة وخطبة الجمعة في الجامع المواجه لمقام سيدي محرز بن خلف، وهذه النيابة عن شيخه ابتدأ القيام بها من شعبان /1108 فيفري - مارس 1697 وفي أول ذي الحجة /1116 آخر مارس 1705 صار إماما وخطيبا بهذا الجامع أصالة على أثر تخلي شيخه محمد المحجوب عن ممارسة هذه الخطة لفائدته وفيما بين ذلك سمي مدرّسا بالمدرسة العنقية، ودرس بجامع الزيتونة وبأماكن أخرى وأسند إليه بالخصوص تدريس الحديث في إحدى المدرستين اللتين أسسهما حسين بن علي باي، وهي مدرسة الجامع الجديد في حومة سوق البلاط.
وكان المترجم له من ألمع فقهاء الحنفية في عصره، مشاركا في عدة علوم، مجيدا للّغتين:
التركية والفارسية، ولوعا بالتدوين والتأليف، ولم تحمه معارفه والوظائف التي شغلها من الاضطهاد والإهانة ففي 6 محرّم /1114 جوان 1702 أمر مراد بوبالة الثالث آخر ملوك المراديين بضربه مع كثير من فقهاء الحنفية إهانة لهم بعد أن قطع عنهم مرتباتهم بوصفهم من أفراد الجيش، وبعد أسبوع طيف برأس مراد بوبالة بتونس بعد قتله. وهكذا المترجم له كان من بين آخر الأشخاص الذين تأذوا من غضب مراد بوبالة وظلمه. وبعد زوال الدولة المرادية، وتقلب الأحداث في الدولة الحسينية وانتزاء علي باشا على الحكم بعد ثورته وقتل عمه مؤسس الدولة الحسينية حسين بن علي باي كانت نهاية المترجم له مؤلمة: أمر بسجنه علي باشا، وبعد مدة طويلة خنق في السجن على ما ذكره محمد الصغير بن يوسف الباجي في كتابه «المشرع الملكي» وذلك في 18 ذي القعدة 1138/ 18 جويلية 1726.وعلي باشا قد فتك بكل من له صلة قريبة أو بعيدة بعمه لشهوته إلى سفك الدماء في غير تورع، ولظنه أن ذلك مما يوطد أركان دولته.