المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌75 - الترجمان (نحو 758 - 832 هـ) (1357 - 1430 م) - تراجم المؤلفين التونسيين - جـ ١

[محمد محفوظ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌حرف الألف

- ‌1 - آغة (1296 - 1365 هـ) (1876 - 1946 م)

- ‌آثاره:

- ‌المراجع:

- ‌2 - ابن الأبّار (658 هـ1280/ م)

- ‌ثناء العلماء عليه:

- ‌تلامذته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌4 - الأبّي (…827 أو 828 هـ) (1425 أو 1424 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌9 - الإسرائيلي (…نحو 320 هـ) (933 م)

- ‌ مؤلفاته

- ‌‌‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌11 - الأصرم (…- حوالى 1172 هـ) (…- 1756 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌12 - الأصولي (كان حيا سنة 693 هـ) (1293 م)

- ‌‌‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌13 - أعين بن أعين (…385 هـ) (…995 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌14 - ابن الأغلب (…283 هـ) (…896 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌15 - الإمام المنزلي (…1248 هـ) (…1832 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌مؤلفاته:

- ‌لة

- ‌المرجع:

- ‌18 - الأندلسي (960 هـ) (1552 م)

- ‌المراجع:

- ‌19 - الأوسي (662 هـ) (1264 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصدر:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌21 - الأومي (1204 هـ) (1789 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌حرف الباء

- ‌22 - الباجي (…1024 هـ) (…1605 م)

- ‌المرجع:

- ‌تآليفه:

- ‌المراجع:

- ‌24 - ابن باديس (398 - 454 هـ) (1008 - 1062 م)

- ‌المراجع:

- ‌‌‌المراجع:

- ‌المراجع:

- ‌26 - البارودي (1304 هـ) (1887 م)

- ‌27 - البارودي (…- 1216 هـ) (…- 1801 م)

- ‌المصدر:

- ‌28 - الباروني (من رجال القرن العاشر هـ) (16 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المرجع:

- ‌29 - البجائي (…نحو 689 هـ) (1282 - 1291 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌30 - البجائي (كان حيا حوالى 848 هـ) (1442 م)

- ‌31 - البجائي (كان حيا سنة 1025 هـ) (1616 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌33 - البرادي (كان حيا حوالى 810 هـ) (1407 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌34 - البختري (1317 هـ) (1903 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المرجع:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌تآليفه:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌38 - البرشكي (…780 هـ) (1378 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌40 - برناز (1074 - 1138 هـ) (1664 - 1726 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌42 - بسيّس (1332 - 1398 هـ) (1914 - 1978 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المرجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌44 - البشروش (1329 - 1363 هـ) (1911 - 1944 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌45 - ابن بشرون (كان حيا سنة 561 هـ) (1166 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌46 - ابن بشير (كان حيا سنة 562 هـ) (1132 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌48 - أبو بكر (1317 - 1367 هـ) (1899 - 1948 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌49 - البكري (نحو 380 هـ) (990 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌51 - البلهوان (1326 - 1377 هـ) (1909 - 1958 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌52 - البليّش (1252 هـ) (1837 م)

- ‌المصادر:

- ‌53 - البليّش (1317 - 1384 هـ) (1899 - 1964 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌54 - ابن بلّيمة (427 أو 428 - 514 هـ) (1036 أو 1037 - 1120 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌55 - البنّا (1283 هـ) (1866 م)

- ‌تآليفه:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌تآليفه:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌57 - البيّاسي (573 - 653 هـ) (1177 - 1255 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌58 - بيرم الأول (1130 - 1214 هـ) (1718 - 1800 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌59 - بيرم الثاني (1162 - 1247 هـ) (1749 - 1831 م)

- ‌تآليفه:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌60 - بيرم الثالث (1201 - 1259 هـ) (1786 - 1843 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌61 - بيرم الرابع (1220 - 1278 هـ) (1805 - 1861 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌62 - بيرم الخامس (1255 - 1307 هـ) (1840 - 1889 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌63 - بيرم (كان حيا سنة 1321 هـ) (1902 م)

- ‌المراجع:

- ‌حرف التاء

- ‌64 - تاج (نحو 1270 - 1338 هـ) (1854 - 1920 م)

- ‌المراجع:

- ‌65 - التادلي (من رجال القرن الثامن هـ) (14 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌66 - ابن التبّان (314 - 371 هـ) (928 - 981 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر و‌‌المراجع:

- ‌المراجع:

- ‌67 - التجاني (في حدود 660 هـ) (1262 م)

- ‌مؤلفاته

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌70 - التجاني (635 - 714 هـ) (1238 - 1314 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌71 - التجاني (…718 هـ) (1318 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌72 - التجيبي (كان حيا سنة 449 هـ) (1068 م)

- ‌مؤلفاته

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌74 - التجيبي (422 هـ) (1031 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌75 - الترجمان (نحو 758 - 832 هـ) (1357 - 1430 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌76 - التركي (1328 - 1397 هـ) (1910 - 1977 م)

- ‌المرجع:

- ‌77 - التّريكي (829 - 894 هـ) (1417 - 1489 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌78 - ابن تعاريت (1289 هـ) (1872 م)

- ‌المرجع:

- ‌79 - ابن تعاريت (1255…هـ) (1355 - 1936 م)

- ‌80 - ابن تعاريت (من رجال القرن 10 هـ) (16 م)

- ‌المرجع:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌82 - التلاتلي (1288 - 1370 هـ) (1871 - 1950 م)

- ‌‌‌المرجع:

- ‌المرجع:

- ‌83 - التلاتلي (من رجال القرن 12 هـ 18 م)

- ‌84 - التليلي (1266 - 1358 هـ) (1850 - 1939 م)

- ‌‌‌مؤلفاته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المرجع:

- ‌85 - التمجاري (471 هـ) (1078 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌86 - ابن تميم (نحو 287 - 349 هـ) (900 - 960 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌87 - التميمي (1164 - 1248 هـ) (1751 - 1832 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌المصادر:

- ‌89 - التميمي (…- 363 هـ) (…- 974 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌من آثاره:

- ‌المراجع:

- ‌91 - التميمي (274 - 336 هـ) (887 - 949 م)

- ‌المصادر:

- ‌92 - التنبكتي (…- كان حيّا سنة 1248 هـ) (…- 1832 م)

- ‌المراجع:

- ‌93 - التنوخي (…- 737 هـ) (1237 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌94 - التّواتي (…- 1311 هـ) (1892 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌95 - التواتي (…1115 هـ) (1704 م)

- ‌‌‌مؤلفاته:

- ‌مؤلفاته:

- ‌‌‌المرجع:

- ‌المرجع:

- ‌96 - التوزري (حوالي 1300 - 1358 هـ) (1883 - 1939 م)

- ‌97 - التوزري (كان حيا قبل سنة 1168 هـ) (1755 م)

- ‌المرجع:

- ‌98 - التوزري (كان حيا بعد 260 هـ) (873 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌99 - التوزري (630 - 713 هـ) (1233 - 1313 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌100 - التوزري (…- 1348 هـ) (…- 1930 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌101 - التوزري (…- 1380 هـ) (1960 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المرجع:

- ‌102 - التونسي (443 هـ) (1051 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌103 - التونسي (كان حيا سنة 967 هـ) (1559 م)

- ‌‌‌المرجع:

- ‌المرجع:

- ‌104 - التونسي (كان حيا 889 هـ) (1493 م)

- ‌من آثاره

- ‌105 - التونسي (كان حيا سنة - 1190 هـ) (…- 1776 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌106 - التونسي (888 هـ) (1484 م)

- ‌المصدر:

- ‌107 - التونسي (1204 - 1274 هـ) (1790 - 1857 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌108 - التونسي (كان حيا سنة 1140 هـ) (1738 م)

- ‌المراجع:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌110 - ابن التين (611 هـ) (1214 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌حرف الثاء

- ‌111 - ثامر (1326 - 1367 هـ) (1909 - 1949 م)

- ‌المرجع:

- ‌112 - الثعالبي (1291 - 1363 هـ) (1879 - 1944 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌100 - التوزري (…- 1348 هـ) (…- 1930 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌101 - التوزري (…- 1380 هـ) (1960 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المرجع:

- ‌102 - التونسي (443 هـ) (1051 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌103 - التونسي (كان حيا سنة 967 هـ) (1559 م)

- ‌‌‌المرجع:

- ‌المرجع:

- ‌104 - التونسي (كان حيا 889 هـ) (1493 م)

- ‌من آثاره

- ‌105 - التونسي (كان حيا سنة - 1190 هـ) (…- 1776 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌106 - التونسي (888 هـ) (1484 م)

- ‌المصدر:

- ‌107 - التونسي (1204 - 1274 هـ) (1790 - 1857 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

- ‌108 - التونسي (كان حيا سنة 1140 هـ) (1738 م)

- ‌المراجع:

- ‌مؤلفاته:

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌110 - ابن التين (611 هـ) (1214 م)

- ‌المصادر والمراجع:

- ‌حرف الثاء

- ‌111 - ثامر (1326 - 1367 هـ) (1909 - 1949 م)

- ‌المرجع:

- ‌112 - الثعالبي (1291 - 1363 هـ) (1879 - 1944 م)

- ‌مؤلفاته:

- ‌المراجع:

الفصل: ‌75 - الترجمان (نحو 758 - 832 هـ) (1357 - 1430 م)

- شجرة النور الزكية 106.

- معالم الإيمان 3/ 198.

- معجم المؤلفين 6/ 248.

- هدية العارفين 1/ 651.

- بلاد البربر الشرقية في عهد الزيريين (بالفرنسية) لهادي روجي إدريس 2/ 725.

* * *

‌75 - الترجمان (نحو 758 - 832 هـ)(1357 - 1430 م)

عبد الله الترجمان واسمه الأصلي أنسلم ترمودا (Anselmo di Turmeda) قسيس إسباني من مدينة ميورقة بالجزر الشرقية المعروفة بالباليار هاجر إلى تونس وأسلم في عهد السلطان أبي العباس أحمد ابن المستنصر الحفصي، وقيل إنه تظاهر بالإسلام وبقي على عقيدته.

ذكر في كتابه «تحفة الأريب» لمحة عن نشأته وهجرته إلى تونس فقال في (الفصل الأول منه) «اعلموا - رحمكم الله - أن أصلي من مدينة ميورقة - أعادها الله تعالى للإسلام - وهي مدينة كبيرة على البحر بين جبلين، يشقها واد صغيره وهي مدينة متجر ولها مرسيان اثنان ترسي بها السفن الكبيرة في المتاجر الجليلة، والمدينة تسمى باسم جزيرة ميورقة، وأكثر غلاتها زيتون وتين ويحمل منها في خصابة زيتونها أزيد من عشرين ألف بتيان لبلاد مصر والإسكندرية، وبجزيرة ميورقة المذكورة أزيد من مائة وعشرين حصنا مسورة عامرة.

وكان والدي محسوبا من أهل الحاضرة في ميورقة، ولم يكن له ولد غيري، ولما بلغت ست سنين من عمري سلمني إلى معلم من القسيسين، فقرأت عليه الإنجيل حتى حفظت أكثر من شطره في مدة سنتين، أخذت في تعلم لغة الإنجيل وعلم المنطق في مدة سنتين، ثم ارتحلت من بلدتي إلى مدينة لاردة من أرض القطلان، وهي مدينة علم عند النصارى في ذلك القطر، ولها واد كبير يشقها، ورأيت التين مخلوطا برمله إلاّ أنه صح عند جميع أهل ذلك القطر أن النفقة في تحصيله لا تفي نفقته فلذلك ترك. وبهذه المدينة فواكه كثيرة رأيت الفلاحين يقسمون الخوخة أربعة أفلاق ويمقرونها في الشمس، وكذلك يمقرون القرع والجزر فإذا أرادوا أكلها في الشتاء نقعوها في الليل بالماء وطبخوها كأنها طرية في أوانها.

وبهذه المدينة يجتمع طلبة العلم من النصارى وينتهون إلى ألف طالب أو ألف وخمسمائة ولا يحكم فيها إلاّ القسيس الذي يقرءون عليه، وأكثر نباتها الزعفران، فقرأت فيها الطبيات والنجامة مدة سنتين ثم تصدرت فيها لإقراء الإنجيل بلغته ملازما ذلك مدة أربع سنين، ثم

ص: 167

ارتحلت إلى مدينة تيونية من الأيزدية، وهي مدينة كبيرة جدا بنيانها بالآجر الأحمر الجيد لعدم معادن الحجر عندهم، ولكن لكل معلم من أهل صناعة الآجر طابع يخصه، وعليهم أمين مقدم يحتسب عليهم في طيب طين الأجر وطبخه فإذا تفلح أو تفرك منه شيء غرم الذي صنعه قيمته وعوقب بالضرب.

وهذه مدينة علم عند جميع ذلك القطر، ويجتمع بها كل عام من الآفاق أزيد من ألفي رجل يطلبون العلم، ولا يلبسون إلاّ الملف الذي هو صباغ الله، ولو يكون منهم طالب علم سلطانا أو ابن سلطان فلا يلبس الا ذلك ليمتاز الطلبة سن الغير، ولا يحكم فيها إلاّ القسيس الذي يقرءون عليه فسكنت بها كنيسة لقسيس كبير السن وعندهم كبير القدر اسمه «نقلا مرتيل» وكانت منزلته بينهم بالعلم والدين والزهد رفيعة جدا انفرد بها في زمنه عن جميع أهل دين النصرانية، فكانت الأسئلة مخصوصا في دينهم ترد عليه من الآفاق وصحبة الأسئلة من الهدايا الضخمة ما هو الغاية في بابه، ويرغبون في التبرك به وفي قبوله لهداياهم فيتشرفون بذلك، فقرأت على هذا القسيس علم أصول الدين النصرانية وأحكامه، ولم أزل أتقرب إليه بخدمته والقيام بكثير من وظائفه حتى صيرني أخص خواصه وانتهيت في خدمته وتقريبي إليه إلى أن دفع مفاتيح مسكنه وخزائن مأكله إليّ، ولم يستثن من ذلك سوى مفتاح بيت صغير بداخل مسكنه فكان يخلو فيه بنفسه، الظاهر انه بيت خزانة أمواله التي تهدى إليه، والله أعلم بحقيقته. فلازمته على ما ذكرت من القراءة عليه والخدمة له عشر سنين، ثمّ أصابه مرض يوما من الدهر فتخلّف عن القراءة وانتظره أهل المجلس وهم يتذاكرون فس مسائل من العلوم إلى أن أفضى بهم الكلام إلى قوله تعالى إلى نبيه عيسى عليه السلام أنه يأتي من بعدي نبي اسمه (البارقليط) فعظم ذلك بينهم في مقالهم وكثر جدالهم.

ثم انصرفوا عن غير تحصيل فائدة من تلك المسألة، فأتيت مسكن الشيخ صاحب الدرس المذكور فقال لي: ما الذي عندكم اليوم من البحث في غيبتي عنكم؟ فأخبرته اختلاف القوم في اسم (البارقليط) وان فلانا أجاب بكذا، وأجاب فلان بكذا، وسردت له أجوبتهم فقال لي: وبماذا أجبت أنت؟ فقلت بجواب القاضي فلان في تفسيره للإنجيل. فقال لي: ما قصرت وقربت، وفلان أخطأ، وكاد فلان يقارب الصواب، ولكن الحق خلاف هذا كله لأن تفسير هذا الاسم الشريف لا يعلمه إلاّ العلماء الراسخون في العلم، وأنتم لم يحصل لكم من العلم إلاّ القليل، فبادرت إلى قدميه أقبلها وقلت: يا سيدي، قد علمت أني ارتحلت إليك من بلد بعيدة، ولي في خدمتك عشر سنين حصلت عنك فيها من العلوم جملة لا أحصيها فلعل من جميل إحسانكم أن تتفضل عليّ بمعرفة هذا الاسم الشريف، فبكى الشيخ وقال: يا ولدي والله إنك لتعز عليّ كثيرا من أجل خدمتك لي وانقطاعك إليّ، وإن في معرفة هذا الاسم الشريف فائدة عظيمة، لكن أخاف عليك أن تظهره فتقتلك النصارى في الحين.

فقلت: يا سيدي والله العظيم وبحق الإنجيل ومن جاء به لا أتكلم بشيء مما تسره إليّ إلاّ

ص: 168

عن أمرك فقال: يا ولدي إني سألتك في أول قدومك عن بلدك وهل هو قريب من المسلمين وهل يغزونكم أو تغزونهم؟ لأستخبر به ما عندك من المنافرة للإسلام، فاعلم يا ولدي أن (البار قليط) هو اسم من أسماء نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم أنزل الكتاب الرابع المذكور على لسان دانيال عليه السلام واخبر انه سينزل هذا الكتاب عليه وإن دينه دين الحق، وملته هي الملة البيضاء والمذكورة في الإنجيل.

فقلت: يا سيدي وما تقول في دين النصارى؟

فقال: يا ولدي لو أن النصارى قاموا على دين عيسى عليه السلام لكانوا على دين الله - لأن عيسى وجميع النبيين دينهم دين الله تعالى.

فقلت: وكيف الخلاص؟

فقال: بالدخول في دين الإسلام.

فقلت: وهل ينجو الداخل فيه؟

قال لي: نعم ينجو في الدنيا والآخرة.

فقلت له: يا سيدي ان العاقل يختار لنفسه أفضل ما يعلم، فإذا علمت فضل دين الإسلام فما منعك من الدخول فيه؟

فقال لي: يا ولدي إن الله لم يطلعني على فضل دين الإسلام وشرف نبي الإسلام إلى بعد كبر سني وضعف جسمي، ولا عذر لنا فيه بل حجة الله علينا قائمة، ولو هداني الله لذلك وأنا في سنك لتركت كل شيء ودخلت في دين الحق، وحب الدنيا رأس كل خطيئة فأنت ترى ما أنا فيه عند النصارى من رفعة الجاه والعز والترقي وكثرة عرض الدنيا، ولو أني ظهر عليّ شيء من الميل إلى دين الإسلام لقتلني العامة في أسرع وقت، وهب أني نجوت منهم وخلصت إلى المسلمين فأقول: إني جئتكم مسلما فيقولون لي: قد نفعت نفسك بالدخول في دين الحق فلا تمنن علينا في دين خلصت به نفسك من عذاب الله، فأبقى بينهم شيخا فقيرا ابن تسعين سنة لا أفقه لسانهم ولا يعرفون حقي، فأموت بينهم بالجوع، وأنا والحمد لله على دين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء به وإن كنت على دين عيسى ظاهرا يعلم الله ذلك مني.

فقلت له: يا سيدي أفتدلني أن أمشي إلى بلاد المسلمين أو أدخل في دينهم؟

فقال لي: إن كنت عاقلا طالبا للنجاة فبادر إلى ذلك تحصل لك الدنيا والآخرة، ولكن يا ولدي هذا أمر لم يحضره أحد معنا الآن فاكتمه بغاية جهدك، وإن ظهر عليك شيء منه يقتلك العامة لحينك ولا أقدر على نفعك، ولا ينفعك أن تنقل ذلك عني فأني وقولي مصدق عليك وقولك غير مصدق عليّ، وأنا بريء من دمك ان فهت بشيء من هذا.

ص: 169

فقلت له: يا سيدي أعوذ بالله من سريان الوهم إلى هذا الحد، وعاهدته بما أرضاه. ثم أخذت في أسباب الرحلة وودعته فدعا لي بخير وزودني بخمسين دينارا ذهبيا، وركبت البحر منصرفا إلى بلدي مدينة ميورقة فأقمت بها ستة اشهر، ثم سافرت منها إلى جزيرة صقلية وأقمت بها خمسة أشهر وأنا أنتظر مركبا يتوجه لأرض المسلمين فحضر مركب يسافر إلى مدينة تونس، فسافرت فيه من صقلية، وأقلعنا. عنها قرب مغيب الشقق، فوردنا مرسى تونس قرب الزوال بحكم الله تعالى، فلما أنزلنا بديوان تونس وسمع بي الذين بها من النصارى أتوا بمركوب حملوني معهم إلى ديارهم وصحبتهم بعض التجار الساكنين أيضا بتونس فأقمت عندهم في ضيافتهم على أرغد عيش أربعة أشهر، وبعد ذلك سألتهم هل بدار السلطنة أحد يحفظ لسان النصارى، وكان السلطان إذ ذاك مولانا أبو العباس أحمد رحمه الله فذكروا لي أن بدار السلطان المذكور رجلا فاضلا من كبار خواصه اسمه يوسف الطبيب وكان طبيبه ومن خواصه ففرحت بذلك فرحا شديدا وسألت عن مسكن هذا الرجل الطبيب فدللت عليه واجتمعت به وذكرت له شرح حالي وسبب قدومي للدخول في دين الإسلام وأني أرغب أن يكون ذلك على يديه فسر الرجل بذلك سرورا عظيما ثم ركب فرسه وأحتملني معه إلى دار السلطان، ودخل عليه فأخبره بحديثي. وأستأذنه عليّ فتمثلت بين يديه، فأول ما سألني السلطان عن عمري فقلت له خمسة وثلاثون سنة ثم سألني كذلك عما قرأت من العلوم فأخبرته، فقال لي: قدمت خير مقدم فأسلم على بركة الله تعالى فقلت للترجمان - هو الطبيب المرقوم -: إنه لا يخرج أحد من دين إلاّ ويكثر أهله القول فيه والطعن عليه فأرغب من إحسانكم إلى الذين بحضرتكم من تجار النصارى وأجنادهم وأختارهم وتسألوهم عني وتسمع ما يقولونه في حقي، وحينئذ أسلم.

فقال لي بواسطة الترجمان أنت طلبت كما طلب عبد الله بن سلام من النبي صلى الله عليه وسلم حين أسلم. ثم أرسل إلى أجناد النصارى وبعض تجارهم وأدخلني في بيت قريب من مجلسه فلما دخل النصارى عليه قال لهم: ما تقولون في هذا القسيس الجديد الذي قدم في هذا المركب قالوا: يا مولانا هو عالم كبير في ديننا، وقال شيوخنا أنهم ما رأوا أعلى منه درجة في العلم والدين في ديننا.

فقال لهم: وما تقولون فيه إذا أسلم؟

فقالوا: نعوذ بالله من ذلك وهو ما يفعل هذا أبدا.

فلما سمع ما عند النصارى بعث إليّ فحضرت بين يديه وتشهدت بشهادة الحق بمحضر النصارى فصلبوا على وجوههم وقالوا: ما محمله على هذا إلاّ حب التزويج فإن القسيس عندنا لا يتزوج فخرجوا مكروبين محزونين، فرتب لي السلطان رحمه الله كل يوم ربع دينار، وأسكنني في دار المختص وزوجني بنت الحاج محمد الصفار، فلما عزمت على البناء بها أعطاني مائة دينار ذهبا وكسوة جديدة كاملة فابتنيت بها وولد لي منها ولد سميته محمدا

ص: 170

على وجه التبرك باسم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

الفصل الثاني - فيما اتفق لي أيام مولانا أبي العباس أحمد وولده مولانا أبي فارس عبد العزيز.

وبعد خمسة أشهر من إسلامي قدمني السلطان لقيادة البحر بالديوان (1) فكان مراده بذلك أن أحفظ اللسان العربي فيه بكثرة ما يتكرر علي من ترجمة التراجمة بين النصارى والمسلمين فحفظت اللسان العربي في مدة عام، وحضرت لعمارة (2) الجنويز وللفرانسيس لمدينة المهدية وكنت أترجم للسلطان ما يرد من كتبهم، وانتقلت مع السلطان لحصار قابس وكنت على خزائنه، ثم إلى حصار قفصة، وفيه ابتدأ مرضه الذي مات فيه ثالث شهر شعبان عام ستة وتسعين وستمائة (3) ثم تولى الخلافة بعده مولانا أمير المؤمنين وناصر الدين أبو فارس عبد العزيز، فجدد لي جميع أوامر والده بمرتباتي ومنافعي كلها، ثم زادني ولاية دار المختص، فاتفق لي في أيامه بالديوان أن مركبا قدم موسوقا بسلاح المسلمين فلما أرسى دخل عليه مركبان من صقلية فأخذاه لحينه بعد أن هرب المسلمين منه برقابهم واستولى النصارى على أموالهم فأمر مولانا السلطان أبو فارس صاحب ولاية الديوان وشهوده أن يخرجوا إلى حلق الوادي ويتحدثوا مع النصارى في فداء أموال المسلمين فخرجوا وطلبوا الأمان لترجمان كان معهم فأمنوه فصعد إليهم لمراكبهم وتحدث معهم في الوزن، فقالوا في ذلك ولم يحصل منهم شيء، وكان قد ورد في هذا المركب قسيس كبير القدر في صقلية، وكان بيني وبينه صداقة كبيرة كأنها اخوة، إذ كنت أطلب العلم معه، وقد سمع بإسلامي فقدم في هذا المركب يستدعيني الرجوع إلى دين النصرانية، ويأخذني بالصداقة التي كانت بيننا فلما اجتمع بالترجمان الذي صعد إليهم للمركب قال له: ما اسمك؟ قال: علي. فقال له: يا علي خذ هذا الكتاب وبلغه للقائد عبد الله قائد البحر عندكم بالديوان، وهذا دينار فإذا رددت لي جوابه أعطيك دينارا آخر، فقبض منه الكتاب والدينار وجاء لحلق الوادي، فأخبر صاحب الديوان بكل ما قالوا له ثم أخبره بما قاله القسيس، وبالكتاب الذي أعطاه وبالدينار الذي استأجره به فأخذ صاحب الديوان الكتاب وترجمه له بعض التجار الجنونيّين، فبعت الأصل والنسخة لمولانا أبي فارس، فقرأه ثم بعث إليّ فحضرت بين يديه فقال لي: يا عبد الله هذا كتاب رجل من البحر فاقرأه وأخبرنا بما فيه فقرأته وضحكت، فقال لي: ما أضحكك؟

(1) الديوان في اصطلاح العصر الحفصي هو مصلحة الجمارك وبالناحية الجنوبية من صفاقس باب يسمى إلى الآن باب الديوان، وكان قديما يشرف على البحر على مقربة من مصلحة الجمارك.

(2)

جاء في ثمانين قطعة ونازلوا المهدية وأقاموا عليها نحو شهرين، ووجه إليهم السلطان أبو العباس أحمد جيشا مع أخيه الحاجب أبي زكريا ودارت بينهم معارك متعددة. ثم انجلوا عنها دون أن يظفروا بمرغوب. راجع اتحاف أهل الزمان 1/ 180 والمؤنس ص 153.

(3)

كذا في الأصل من طبعة مصر وهو تحريف ظاهر صوابه: سبعمائة (بتقديم السين 796).

ص: 171