الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أأذكر حاجتي أم قد كفاني
…
حياؤك إن شيمتك الحياءُ
إذا أثنى عليك المرء يوماً
…
كفاه من تعرضه الثناء (1)
فالثناء باب شريف عظيم، وهو أهل أن يُبتدأ به الدعاء ويمزج به، ويختم به أيضاً.
وقال الإمام النووي
(2) رحمه الله تعالى:
(أجمع العلماء على استحباب ابتداء الدعاء بالحمد لله تعالى والثناء، ثم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك يختم الدعاء بهما، والآثار في هذا الباب كثيرة معروفة)(3).
ولم يزل ديدن الصالحين أن يثنوا على الله تعالى ويحمدوه ويمجدوه قبل الدعاء، وهذا مشهور معروف من سيرتهم، فهذا الإمام موسى الكاظم (4) رحمه الله تعالى إذا صلى العَتَمة حمد الله
(1)((شرح ديوان أمية بن أبي الصلت)): 19.
(2)
يحيى بن شرف بن مُرِّي، مفتي الأمة، شيخ الإسلام، محيي الدين، أبو زكريا النووي، الحافظ الفقيه الشافعي، الزاهد، أحد الأعلام. ولد سنة 631 بـ (نوى) إحدى قرى حوران شمال الشام. قدم إلى دمشق فاجتهد في الاشتغال وألف مصنفات نفع الله بها المسلمين واشتهرت، وجُلبت إلى الأمصار. توفى بـ (نوى) سنة 676 رحمه الله تعالى. انظر ((فوات الوفيات)): 4/ 264 ـ 268، و ((الأعلام)): 8/ 149 ـ 150.
(3)
((تصحيح الدعاء)): 335 نقلاً عن ((الأذكار)).
(4)
هو الإمام القدوة السيد موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين، العلوي، المدني، نزيل بغداد، ثقة صدوق، إمام من أئمة المسلمين توفي في محبسه سنة 183 عن خمس وخمسين سنة رحمه الله تعالى. انظر ((سير أعلام النبلاء)): 6/ 270 ـ 274.
ومجّده ودعاه فلم يزل كذلك حتى يزول الليل
…
(1).
وهذا ابن عُيَينة (2) سُئل عن قول مُطَرِّف (3):
فإذا بَدْء الأمر من الله، وتمامه بالله، ومِلاكه الدعاء؟
قال: ألم تسمع قوله تعالى:
وفي قولَي سفيان ومُطَرِّف حثٌ على الثناء قبل الدعاء، وبما أوردته من آيات وأحاديث وآثار وأقوال تتضح عظمة الثناء على الله تعالى وحمده، ومدحه وتمجيده ومناجاته، وأهمية أن يُقدم شيء من ذلك قبل الدعاء، وأن يخلط بالدعاء أيضاً ويُختم به، فإنه أدعى للقبول، وأقرب للاستجابة، والله أعلم.
هذا وليُعلم أني قد أوردت ثناءً على الله تعالى وتسبيحاً
(1) المصدر السابق.
(2)
سفيان بن عُيّيْنة بن ميمون الهلالي، أبو محمد الكوفي ثم المكي. ثقة، حافظ، فقيه، إمام حجه. توفي سنة 198 وله إحدى وتسعون سنة رحمه الله تعالى. انظر ((التقريب)):245.
(3)
مُطرف بن عبد الله بن الشِخِّير العامري الخَرشي، أبو عبد الله البصري. ثقة عابد فاضل. توفي سنة 95 رحمه الله تعالى. انظر المصدر السابق:534.
(4)
سورة الأعراف: آية 54 ـ 55.
(5)
((البصائر والذخائر)): 4/ 78.
وتمجيداً وتقديساً على ألسنة كثير من الثقات أئمة الإسلام، وأوردت في الوقت نفسه ثناءً وتسبيحاً عن بعض من اتهم ببدع مختلفة، وليس غرض هذا الكتاب إثبات نسبة هذه البدع إليهم أو نفيها عنهم، إنما المراد هو الاستفادة من جمال ما أوردوه بعد حذف مقاطعَ منه موهمة إن اقتضى الحال ذلك ـ كما سبق أن ذكرت ـ ولنفرض جدلاً بأنهم قد حقت عليهم تلك التهم فليس هناك محذور من تخير بعض أقوالهم النافعة.
قال معاذ بن جبل رضي الله عنه:
(اقبلوا الحق من كل من جاء به، وإن كان كافراً ـ أو قال: فاجراً ـ واحذروا زيغة الحكيم.
قالوا: كيف نعلم أن الكافر يقول الحق؟
قال: على الحق نور) (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (2) رحمه الله تعالى:
(والله أمرنا ألا نقول إلا الحق، وألا نقول عليه إلا بعلم، وأمرنا بالعدل والقسط، فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني ـ فضلاً عن الرافضي ـ قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله، بل لا نرد
(1) رواه أبو داود في كتاب السنة، وأخرجه الحاكم وصححه الذهبي.
(2)
أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، مشهور، إمام من أئمة المسلمين، توفي بدمشق سنة 728.
إلا ما فيه من الباطل دون ما فيه من الحق) (1).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
(فإن كل طائفة معها حق وباطل، فالواجب موافقتهم فيما قالوه حق، ورد ما قالوه من الباطل
…
) (2).
إذاً ليس هناك محذور من نقل ثناء المتهمين ببدعة ونحوهم وتسبيحهم وتقديسهم لما فيه من الفائدة، لكن بشرط أن يخلو من البدعة والضلال أو يهذب ويختصر، والله أعلم.
(1)((منهاج السنة النبوية)): 2/ 342.
(2)
((طريق الهجرتين)): 387.