الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحجر
84
- 87 (فما أعنى عَنْهُمْ) ولم يدفع عنهم ما نزل بهم (مَّا كانوا بكسبون) من بناء البيوتِ الوثيقة والأموالِ الوافرة والعُدد المتكاثرة وفيه تهكمٌ بهم والفاءُ لترتيبِ عدمِ الإغناءِ الخاصِّ بوقت نزول العذابِ حسبما كانوا يرجونه لا عدمِ الإغناءِ المطلق فإنه أمرٌ مستمر
(وَمَا خَلَقْنَا السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَاّ بالحق) أي إلَاّ خلقاً مُلتبساً بالحق والحكمةِ والمصلحةِ بحيث لا يلائم استمرارَ الفساد واستقرارَ الشرور ولذلك اقتضت الحكمةُ إهلاكَ أمثال هؤلاء دفعاً لفسادهم وإرشاداً لمن بقيَ إلى الصلاح أو إلا بسبب العدل والإنصافِ يوم الجزاءِ على الأعمال كما ينبىء عنه قوله تعالى (وَإِنَّ الساعة لآتِيَةٌ) فينتقم الله تعالى لك فيها ممن كذبك (فاصفح) أي أعرض عنهم (الصفح الجميل) إعراضاً جميلاً وتحمَّلْ أذِيَّتهم ولا تعجَلْ بالانتقام منهم وعامِلْهم معاملةَ الصَّفوح الحليم وقيل هي منسوخةٌ بآية السيف
(إِنَّ رَبَّكَ) الذي يبلّغك إلى غاية الكمال (هُوَ الخلاق) لك ولهم ولسائر الموجوداتِ على الإطلاق (العليم) بأحوالك وأحوالِهم بتفاصيلها فلا يَخْفى عليه شيءٌ مما جرى بينك وبينهم فهو حقيقٌ بأن تكِل جميع الأمورِ إليه ليحكُم بينكم أو هو الذي خلقكم وعلِم تفاصيلَ أحوالِكم وقد علم أن الصفحَ اليوم أصلحُ إلى أن يكون السيفُ أصلحَ فهو تعليلٌ للأمر بالصفح على التقديرين وفي مصحف عثمانَ وأُبيّ رضي الله تعالى عنهما هو الخالق وهو صالح للقليل والكثير والخلاقُ مختصٌّ بالكثير
(ولقد آتيناك سبعا) سبع آياتٍ وهي الفاتحةُ وعليه عمرُ وعليٌّ وابنُ مسعود وأبو هريرة رضي الله تعالى عنهم والحسنُ وأبو العالية ومجاهدٌ والضحاكُ وسعيدُ ابن جبير وقَتادة رحمهم الله تعالى وقيل سبعُ سورٍ وهي الطوالُ التي سابعتُها الأنفالُ والتوبة فإنهما في حكم سورةٍ واحدة ولذلك لم يُفصَلْ بينهما بالتسمية وقيل يونسُ أو الحواميم السبعُ وقيل الصحائفُ السبعُ وهي الأسباع (مّنَ المثانى) بيانٌ للسبع من التثنية وهي التكريرُ فإن كان المرادُ الفاتحةَ وهو الظاهرُ فتسميتها مثاني لتكرر قراءتِها في الصلاة وأما تكررُ قراءتها في غير الصلاة كما قيل فليس بحيث يكون مدا ر للتسمية ولأنها تثنى بما يقرأ بعدها في الصلاة وأما تكررُ نزولها فلا يكون وجهاً للتسمية لأنها كانت مسماة بهذا الاسم قبل نزولها الثاني إذ السورةُ مكيةٌ بالاتفاق وإن كان المرادُ غيرَها من السور فوجهُ كونِها من المثاني أنَّ كلاًّ من ذلك تُكرّر قراءتُه وألفاظُه أو قصصه ومواعظُه أو من الثناء لاشتماله على ما هو ثناءٌ على الله واحدتها مَثْناةٌ أو مَثْنيةٌ صفة للآية وأما الصحائفُ وهي الأسباع فلما وقع فيها من تكرير القصص
الحجر 88 91 والمواعظ والوعدِ والوعيدِ وغيرِ ذلكَ ولما فيها من الثناء على الله تعالى كأنها تُثْني عليه سبحانه بأفعاله وصفاتِه الحسنى ويجوز أن يراد بالمثاني القرآنُ لما ذكر أولا لأنه مُثْنَى عليه بالإعجاز أو كتبُ الله تعالى كلُّها فمن للتبعيض وعلى الأول للبيان (والقرآن العظيم) إن أريد بالسبع الآياتُ أو السورُ فمِنْ عطف الكلِّ على البعض أو العام على الخاص وإن أريد به الأسباعُ أو كلُّ القرآن فهو عطفُ أحدِ الوصفين على الآخر كما في قولِه
…
إلى الملكِ القَرمِ وابنِ الهُمام
…
وليثِ الكتائبِ في المزدَحَمْ
…
أي ولقد أتيناك ما يقال له السبعُ المثاني والقرآنُ العظيم
(لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ) لا تطمَحْ ببصرك طُموحَ راغب ولا تُدِمْ نظرك (إلى مَا مَتَّعْنَا بِهِ) من زخارفِ الدنيا وزينتها ومحاسنِها وزَهْرتِها (أزواجا مّنْهُمْ) أصنافاً من الكفرة فإن ما في الدُّنيا من أصناف الأموالِ والذخائر بالنسبة إلى ما أوتيتَه مستحقَرٌ لا يُعبأ به أصلاً وفي حديث أبي بكر رضي الله تعالى عنه مَنْ أوتيَ القرآنَ فرآى أن أحداً أوتيَ أفضل مما أوتي فقد صغّر عظيماً وعظّم صغيراً وروي أنه وافَتْ من بصرى وأذْرِعاتَ سبعُ قوافلَ ليهود بني قُريظةَ والنّضِير فيها أنواعُ البَزِّ والطيب والجواهر وسائرُ الأمتعة فقال المسلمون لو كانت هذه الأموالُ لنا لتقوَّيْنا بها وأنفقناها في سبيل الله فقيل لهم قد أُعطِيتم سبعَ آياتٍ وهي خير من هذه القوافل السبْع (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) حيث لم يؤمنوا ولم ينتظِموا أتباعك في سلك ليتقوى بهم ضعفاءُ المسلمين وقيل أو أنهم المتمتعون به ويأباه كلمة على فإن تمتّعهم به لا يكون مداراً للحزن عليهم (واخفض جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) أي تواضَعْ لهم وارفُق بهم وألِنْ جانبك لهم وطِبْ نفساً من إيمان الأغنياء
(وقل إنى أنا النذير المبين) أي المنذِرُ المُظْهِر لنزول عذاب الله وحلولِه
(كَمَآ أَنْزَلْنَا عَلَى المقتسمين) قيل إنه متعلقٌ بقوله تعالى وَلَقَدْ آتيناك الخ أي أنزلناه عليك كما أنزلنا على أهل الكتاب
(الذين جعلوا القرآن عِضِينَ) أي قسَموه إلى حق وباطل حيث قالوا عِناداً وعدواناً بعضُه حقٌّ موافقٌ للتوراة والإنجيل وبعضُه باطلٌ مخالفٌ لهما أو اقتسموه لأنفسهم استهزاءً حيث كان يقول بعضُهم سورةُ البقرة لي وبعضُهم سورةُ آلِ عمران لي وهكذا أو قسموا ما قرءوا من كتبهم وحرّفوه فأقرّوا ببعضه وكذبوا ببعضه وحُمل توسط قوله تعالى لاتمدن عَيْنَيْكَ على إمداد ما هو المرادُ بالكلام من التسلية وعُقّب ذلك بأنه جلّ المقامُ عن التشبيه ولقد أُوتي عليه الصلاة والسلام ما لم يؤتَ أحدٌ قبله ولا بعده مثلَه وقيل
إنه متعلق بقوله إِنّى أَنَا النذير المبين فإنه في قوة الأمرِ بالإنذار كأنه قيل أنذِرْ قريشاً مثلَ ما أنزلنا على المقتسمين يعني اليهودَ وهو ما جرى على بني قريظةَ والنضير بأن جُعل المتوقَّعُ كالواقع وقد وقع كذلك وأنت خبيرٌ بأن ما يُشبَّه به العذابُ المنذَرُ لا بد أن يكون محققَ الوقوعِ معلومَ الحالِ عند المنذَرين إذ به تتحققُ فائدةُ التشبيهِ وهي تأكيدُ الإنذار وتشديدُه وعذابُ بني قريظةَ والنضير مع عدم وقوعِه إذ ذاك لم يسبِقْ به وعدٌ ووعيد فهم منه في غفلة محصنة وشك مُريب وتنزيلُ المتوقَّع منزلةَ الواقع له موقعٌ جليلٌ من الإعجاز لكن إذا صادف مقاماً يقتضيه كما في قوله تعالى إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ونظائرِه على أن تخصيصَ الاقتسام باليهود بمجرد احتصاص العذاب المذكور بهم مع شِرْكتهم للنصارى في الاقتسام المتفرِّع على الموافقة والمخالفة وفي الاقتسام بمعنى التحريف الشاملِ للكتابين بل تخصيصُ العذاب المذكور بهم مع كونه من نتائج الاقتسامِ تخصيصٌ من غير مخصِّص وقد جُعل الموصولُ مفعولاً أولَ لأنذر أي أنذر المعضين الذين جزءوا القرآن إلى سحر وشعر وأساطيرَ مثلَ ما أنزلنا على المقتسمين وهم الاثنا عشرَ الذين اقتسموا مداخلَ مكة أيام الموسم فقعد كل منهم في مدخل لينفروا الناس عن الإيمان برسولِ الله صلى الله عليه وسلم يقول بعضُهم لا تغترّوا بالخارج منا فإنه ساحرٌ ويقول الآخر شاعر والآخر كذابٌ فأهلكهم الله تعالى يوم بدر وقبله بآفات وفيه مع ما فيه من الاشتراك لما سبق في عدم كون العذابِ الذي شُبه به العذابُ المنذَرُ واقعاً ولا معلوماً للمنذَرين ولا موعودَ الوقوع أنه لا داعيَ إلى تخصيص وصفِ التعضِيةِ بهم وإخراجِ المقتسمين من بينهم مع كونهم أسوةً لهُم في ذلكَ فإنَّ وصفهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصفوا من السحر والشعر والكذب متفرعٌ على وصفهم للقرآن بذلك وهل هو إلا نفسُ التعضيةِ ولا إخراجهم من حكم الإنذارِ على أن ما نزل بهم من العذاب لم يكن من الشدة بحيث يُشبه به عذابُ غيرِهم ولا مخصوصاً بهم بل عامًّا لكلا الفريقين وغيرِهم مع أن بعضَ المنذَرين كالوليد بنِ المغيرة والعاص بن وائل والأسود ابن المطلب قد هلكوا قبل مهلِك أكثرِ المقتسمين يوم بدر ولا إلى تقديم المفعول الثاني على الأول كما ترى وقيل إنه وصفٌ لمفعول النذيرِ أقيمَ مُقامه والمقتسمون هم القاعدون في مداخل مكة كما حرر وفيه مع ما مر أن قوله تعالى كَمَآ أَنْزَلْنَا صريحٌ في أنَّهُ من قول الله تعالى لا من قول الرسول صلى الله عليه وسلم والاعتذارُ بأن ذلك من باب ما يقوله بعضُ خواصِّ المَلِك أُمرْنا بكذا وإن كان الأمرُ هو الملكَ حسبما سلفَ في قولِه تعالى قَدَّرْنَآ إِنَّهَا لَمِنَ الغابرين تعسُّفٌ لا يخفى وأن إعمالَ الوصفِ الموصوف مما لم يجوِّزْه البصريون فلا بد من الهرب إلى مسلك الكوفيين أو المصير إلى جعله مفعولاً غيرَ صريح أي أنا النذيرُ المبين بعذاب مثلِ عذاب المقتسمين وقيل المراد بالمقتسمين الرهطُ الذين تقاسموا على أن يبيّتوا صالحا عليه الصلاة والسلام فأهلكهم الله تعالى وأنت تدري أن عذابَهم حيث كان متحققاً ومعلوماً للمنذرين حسبما نطقَ به القرآنُ العظيم صالحٌ لأن يقعَ مشبَّهاً به العذابُ المنذَر لكن الموصولَ المذكورَ عَقيبَه حيث لم يمكن كونُه صفةً للمقتسمين حينئذ فسواءٌ جعلناه مفعولاً أول للنذير أو لما دَلَّ هو عليهِ من أنذر لا يكون للتعرض لعنوان التعضية في حيز الصلة ولا لعنوان الاقتسام بالمعنى المزبور في حيز المفعول الثاني فائدة لما أنَّ ذلك إنَّما يكون للإشعار بعلّية الصلة والصفةِ للحكم الثابتِ للموصول والموصوف فلا يكون هناك وجهُ شبَهٍ يدور عليه
تشبيه عذابهم خاصة لعدم اشتراكِهم في السبب فإن المُعَضّين بمعزل من التقاسم على التثبيت الذي هو السبب لهلاك أولئك كما أن أولئك بمعزل من التعضية التي هي السبب لهلاك هؤلاء ولا علاقة بين السببين مفهوماً ولا وجوداً تصحّح وقوعَ أحدِهما في جانب والآخرِ في جانب واتفاقُ الفريقين على مطلق الاتفاقِ على الشر المفهوم من الاتفاق على الشر المخصوص الذي هو التثبيت المدلولُ عليه بالتقاسم غيرُ مفيد إذ لا دِلالةَ لعنوان التعضيةِ على ذلك وإنما يدل عليه اقتسامُ المداخِلِ وجعلُ الموصولِ مبتدأً على أن خبرَه الجملةُ القسَميةُ لا يليقُ بجزالةِ التنزيلِ وجلالة شأنِه الجليل إذا عرفت هذا فاعلم أن الأقربَ من الأقوال المذكورةِ أنه متعلِّق بالأول وأن المرادَ بالمقتسمين أهلُ الكتابين وأن الموصولَ مع صلته صفةٌ مبينة لكيفية اقتسامِهم ومحلُّ الكافِ النصبُ على المصدرية وحديثُ جلالة المقام عن التشبيه من لوائج النظرِ الجليل والمعنى لقد آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ المثاني والقرآنَ العظيم إيتاءً مماثلاً لإنزال الكتابين على أهلهما وعدمُ التعرض لذكر ما أنزل عليهم من الكتابين لأن الغرضَ بيانُ المماثلة بين الإيتاءين لا بين متعلَّقَيهما والعدولُ عن تطبيق ما في جانب المشبَّه به على ما في جانب المشبَّه بأن يقال كما آتينا المقتسِمين حسبما وقع في قولِه تعالى الذين آتيناهم الكتاب الخ للتنبيه على ما بين الإيتاءين من التنائي فإن الأول على وجه التكرِمة والامتنان وشتان بينه وبين الثاني ولا يقدَح ذلك في وقوعه مشبَّهاً به فإن ذلك إنما هو لمسلميته عندهم وتقديم وجودُه على المشبه زماناً لا لمزية وتعود إلى ذاته كما في الصلاة الخليلية فإن التشبيه فيها ليس لكون رحمة الله تعالى الفائضةِ على إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام وآله أتمَّ وأكملَ مما فاض على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإنما ذلك للتقدم في الوجود والتنصيصِ عليه في القرآن العظيم فليس في التشبيه شائبةُ إشعار بأفضلية المشبَّه به من المشبه فضلاً عن إيهام أفضليةِ ما تعلق به الأولُ مما تعلق به الثاني وإنما ذُكروا بعنوان الاقتسام إنكاراً لاتصافهم به مع تحقق ما ينفيه من الإنزال المذكورِ وإيذاناً بأنَّه كانَ من حقِّهم أن يؤمنوا بكله حسب إيمانِهم بما أنزل عليهم بحكم الاشتراكِ في العلة والاتحادِ في الحقيقة التي هي مطلقُ الوحي وتوسيطُ قوله تعالى لاتمدن الخ لكمال اتصالِه بما هو المقصودُ من بيان حالِ ما أوتيَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ولقد بُيِّن أولاً علوُّ شأنِه ورفعة مكانِه بحيث يستوجب اغتباطه عليه الصلاة والسلام بمكانه واستغناءَه به عما سواه ثم نُهي عن الالتفات إلى زَهرة الدنيا وعُبّر عن إيتائها لأهلها بالتمتيع المنْبىءِ عن وشك زوالِها عنهم ثم عن الحزَن بعدم إيمانِ المنهمكين فيها بمراعاة المؤمنين والاكتفاءِ بهم عن غيرهم وبإظهار قيامِه بمواجب الرسالة ومراسمِ النذارة حسبما فُصّل في تضاعيف ما أوتي من القرآن العظيم ثم رُجِع إلى كيفية إيتائه على وجه أُدمج فيه ما يُزيح شُبَهَ المنكِرين ويستنزِلهم عن العِناد من بيان مشاركتِه لما لا ريب لهم في كونه وحياً صادقاً فتأمل والله عنده علم الكتاب هذا وقد قيل المعنى قل إنى أنا النذير المبين كما قد أنزلنا في الكتب أنك ستأتي نذيراً على أن المقتسِمين أهلُ الكتاب انتهى يريد أن ما في كما موصولةٌ والمراد بالمشابهة المستفادة من الكاف الموافقةُ وهيَ مع ما في حيِّزها في محل النصبِ على الحالية من مفعول قل أي قل هذا القولَ حالَ كونِه كما أنزلنا على أهل الكتابين أي موافقاً لذلك فالأنسبُ حينئذ حملُ الاقتسام على التحريف ليكون وصفُهم بذلك تعريضاً بما فعلوا من تحريفهم وكِتمانهم لنعت النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى عِضِينَ جمعُ عضة وهي الفرقة
الحجر 92 96 أصلها عِضْوَةٌ فِعْلة من عضَّى الشاةَ تعضيةً إذا جعلها أعضاءَ وإنما جُمعت جمع السلامةِ جبراً للمحذوف كسنينَ وعِزينَ والتعبيرُ عن تجزئة القرآن بالتعضية التي هي تفريقُ الأعضاء من ذي الروح المستلزمُ لإزالة حياتِه وإبطالِ اسمِه دون مطلق التجزئةِ والتفريق اللذَيْن ربما يوجدان فيما لا يضره التبعيضُ من المِثليات للتنصيص على كمالِ قبحِ ما فعلوه بالقرآن العظيم وقيل هي فِعلة من عضهتُه إذا بهتُّه وعن عكرِمةَ العضه السحرُ بلسان قريشٍ فنقصانها على الأول واو وعلى الثاني هاء
(فوربك لنسألنهم أَجْمَعِينَ) أي لنسألن يوم القيامة أصنافَ الكفرة من المقتسمين وغيرهم سؤالَ توبيخٍ وتقريع
(عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) في الدُّنيا من قول وفعل وترْكٍ فيدخُل فيه ما ذُكر من الاقتسام والتعضيةِ دخولاً أولياً ولنجزيّنهم بذلك جزاءاً موفوراً وفيه من التشديد وتأكيد الوعيد مالا يخفى والفاءُ لترتيب الوعيدِ على أعمالهم التي ذكر بعضها وفي التعرُّض لوصفِ الربوبيةِ مضافا إليه عليه الصلاة والسلام إظهار اللطفِ به عليه الصلاة والسلام
(فاصدع بِمَا تُؤْمَرُ) فاجهر به من صَدَع بالحجة إذا تكلم بها جِهاراً أو افرُق بين الحق والباطل وأصلُه الإبانةُ والتمييزُ وما مصدريةٌ أو موصولةٌ والعائدُ محذوفٌ أي ما تؤمر به من الشرائع المودعة في تضاعيف ما أوتيتَه من المثاني السبعِ والقرآنِ العظيم (وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين) أي لا تلتفت إلى ما يقولون ولا تبالِ بهم ولا تتصدَّ للانتقام منهم
(إنا كفيناك المستهزئين) بقمعهم وتدميرهم قيل كانوا خمسةً من أشراف قريش الوليدُ بن المغيرة والعاصِ بن وائل والحرث بن قيس بن الطَلاطِلةَ والأسودُ بنُ عبدِ يغوثَ والأسودُ بنُ المطلب يبالغون في إيذاء النبيِّ صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به فنزل جبريلُ عليه الصلاة والسلام فقال قد أُمرت أن أكفيكَهم فأومأ إلى ساق الوليد فمرَّ بنِبال فتعلق بثوبه سهمٌ فلم ينعطف تعظيما لأخذه فاصاب عرقافي عقبه فقطه فمات وأومأ إلى أخمَص العاص فدخلت فيه شوكةٌ فقال لدغت لُدغتُ وانتفخت رجلُه حتى صارت كالرّحى فمات وأشار إلى عيني الأسودِ بن المطلب فعمِيَ وإلى أنف الحرث فامتخط قيحاً فمات وإلى الأسود بن عبد يغوثَ وهو قاعدٌ في أصل شجرةٍ فجعل ينطح برأسه الشجرةَ ويضرب وجهه بالشوك حتى مات
(الذين يَجْعَلُونَ مَعَ الله إلها آخر) وصفهم بذلك تسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتهويناً للخطب عليه بإعلام أنهم لم يقتصروا على الاستهزاءِ به عليه الصلاة والسلام بل اجترءوا على العظيمة التي هي الإشراك بالله سبحانه (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) عاقبةَ ما يأتون ويذرون